[align=justify]
نقد كتاب أحكام الغنائم في واقعنا المعاصر
الكتاب تأليف أبي عبد الرحمن الباشا وهو يدور حول تطبيق حكم الغنيمة والفىء والنفل في عصرنا وفى مقدمته قال الباشا:
"أما بعد:
فالغنيمة والفيء والنفل مما امتن الله على أمة محمد (ص) دون غيرهم من الأمم السابقة، قال (ص): " فضلت على الأنبياء بست: أعطيت جوامع الكلم، ونصرت بالرعب، وأحلت لي الغنائم، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، وأرسلت إلى الناس كافة، وختم بي النبيون " رواه مسلم.
وكانت الغنائم في الأمم السابقة تجمع فتنزل عليها نار من السماء فتأكلها، وكان هذا دليل قبولها، وكان الغلول يمنع النار من أكلها حتى يأت الغال بما غل، وإنما علم الله ضعفنا، فطيبها لنا، رحمة لنا، ورأفة بنا، وكرامة لنبينا (ص)، قال تعالى: " واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل "، وقال تعالى: " فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا "فخير الطعام وأطيبه ما غنمه المسلمون من الكفار. وقال النبي (ص): " وجعل رزقي تحت ظل رمحي " الحديث."
وما قاله الباشا عن كون الغنائم حللت في رسالة محمد(ص) وحدها كلام باطل أن الرواية باطلة فمرة ست ومرة خمس ومرة غير ذلك والخطأ فيهاأن الأرض كلها مسجد وطهور وهو ما يخالف أن الأرض كلها ليست كلها طاهرة بدليل وجود الغائط وهو مكان النجاسات فلا يتطهر بها الإنسان ولا يصلى فى مكانها وتوجد أخطاء أخرى هى اعتبار القائل المسلمين أمته وحده مع أن المسلمين عبر العصور أمة واحدة وفى هذا قال تعالى "وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون "
واستهل الباشا كلامه بوجود فرق بين الغنيمة والفىء والنفل فقال :
"ولفظ الغنيمة والفيء والنفل بينها عموم وخصوص ولكن اصطلح على تسمية الغنيمة بما أخذ من أموال الكفار المحاربين عنوة بقتال والفيء بما أخذ من الكفار المحاربين بغير قتال كصلح وأمان وغيره ومنه الجزية والخراج.
والنفل ما يعطى المقاتل من الخمس أو من الأربعة أخماس – على خلاف - فوق قسمه لحسن بلائه من إقدام ونكاية.
والسلب هو ما وهبه الإمام لمن يقتل مقاتلا من العدو عدة، وهو نوع من النقل يأذن فيه الإمام للقاتل.
وقبل بيان هذه الأحكام ينبغي أولا أن تحدد أنواع الحروب التي تجوز فيها أخذ الغنائم، وذلك للاشتباه الذي يحصل كثيرا لدى البعض، فيعتقد أن كل حرب غلب فيها يجوز له أخذ الغنائم، حتى وإن كان القتال بين المسلمين "
وما قاله الباشا عن وجود النفل والسلب باطل فليست في كتاب الله وهى تقوم على الفوضى التى قد تؤدى في النهاية بالمسلمين إلى الهزيمة نتيجة تسارع الكثير منهم نحو السلب وأحيانا تؤدى لكفرهم حيث يكذب البعض ويشهد غيره كذبا ليأخذ السلب والحرب الحالية عن طريق القصف عن بعد ويماثلها الرمى بالسهام في الماضى لاتجعل احد يعرف من قتله ممن قتله غيره
ثم حدثنا الباشا عن قتال الغنيمة وقتال غيرها فقال :
"فالقتال الذي يبيح الغنائم بلا إشكال هو قتال الكفار الأصليين المحاربين، فهذا حكمه ثابت بالنص والإجماع.
والقتال الذي لا يبيح الغنائم باتفاق هو القتال بين المسلمين المتأولين في القتال، والأصل في ذلك قتال الجمل وصفين ويلحق بالكفار من أجمعت الأمة على كفرهم من طوائف الردة، كالنصيرية والاسماعيلية والباطنية والدروز وغيرهم، فهذه طوائف كافرة مرتدة ممتنعة يجب قتالها كالكفار الأصليين وتغنم أموالهم كما تغنم أموال الكفار الأصليين المحاربين."
وقطعا تقاتل المسلمين وهو ليس في تلك الساعة تقاتل مسلمين لأن الفئة الباغية تكون كافرة حتى تعود لأمر الله ولكنه ليس فيه غنيمة او غيرها ولكن الغنيمة شرعت فى قتال الكفار المعتدين
ثم حدثنا عن توزيع الغنيمة فقال :
فإذا عرف ذلك فقد " أجمع " أهل العلم على أن أربعة أخماس الغنيمة للغانمين، وقوله تعالى: " واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه " يفهم منه أن أربعة أخماسها لهم، لأنه أضافها إليهم، ثم أخذ منها سهما لغيرهم، فبقي سائرها لهم، كقوله تعالى: " وورثه أبواه فلأمه الثلث ". وقال عمر رضي الله عنه: " الغنيمة لمن شهد الوقعة " المغني لابن قدامة"
والخطأ في الكلام هو أخذ سهم فوق الخمس من الأربعة أخماس بغير الغانمين وهوما يخالف أن الأربعة اخماس كاملة لكل من اشترك في المعارك بصورة مباشرة أو غير مباشرة والخطأ الثانى أن الغنيمة لمن حضر الواقعة وهوما يخالف ان الجيوش حاليا منها ما يكون في ميدان القتال بالفعل ومنها من لا يكون مثل من يضربون الصواريخ أو يطلقون المدفعية وغيرها من على أبعاد كبيرة فهم لا يحضرون القتال نفسه وهو الاشتباك والاستيلاء على الأرض
وحاول الباشا تعريف الغنائم فقال :
"ما هي الغنائم؟.
الغنائم هي كل ما ملكه الكفار فإنه يفيء ملكه إلى المسلمين من أرض وعقار وحيوان وذهب ونقود وسلاح وغيرها ..والجمهور على أن الأرض والعقار لا تدخل في الغنيمة، وإن انتقلت ملكيتها للمسلمين على وجه العموم. فما يدخل في الغنيمة الواجب تخميسها هو كل ما دون الأرض والعقار"
قطعا الغنيمة هى ما وجد في مكان المعركة فقط من متاع أى شىء نافع سلاح أو طعام أو مركوبات أو ذهب أو معادن كان يتحلى بها المقاتلون الكافرون وأما أملاك غير المحاربين في مدنهم وقراهم من بيوت ومتاع غيره فلا تدخل تضمن الغنيمة
وقال الباشا :
"والحاكم في الأرض والعقار مخير له حق التصرف فيهم في مصالح المسلمين، فله أن يقسمها بين الغانمين، وله أن يقر أهلها عليها بخراج أو نحوه.
وقد ورد كل ذلك عن النبي (ص)، فقد قسم (ص) وترك، وعمر والخلفاء من بعده لم يقسموا، بل أقروها على حالها وضربوا عليها خراجا مستمرا في رقبتها يكون للمقاتلة .."
وقطعا الأرض هى ملكية عامة للمسلمين لا يجوز توزيعها على بعض الأفراد لأنها ملك الكل لقوله تعالى " ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادى الصالحون" وإنما تدار الأرض لصالح كل سكان الدولة المسلمة مسلمين وكفار دخلوا تحت حكمهم
ثم ذكر الباشا تقسيم اخر للغنائم قال فيه:
"والبعض يقسم أموال الكفار إلى قسمين:
1 - ملك للأفراد من أموال ومتاع ونقود يدخل في مسمى الغنيمة.
2 - ملك للدولة يزعم أنه مال عام للمسلمين، ويدخل فيه الأسلحة الثقيلة والخفيفة والطائرات والدبابات وغير ذلك، ويجعل هذا من المال العام لا يدخله في الغنيمة وهذا التقسيم لا أصل له فيما يظهر، وهو معارض!!
وقد تكلم أهل العلم من المتقدمين والمتأخرين في مثل هذه الصورة، ووردت فيه آثار، وبحثها في باب (ما علم أنه من أموال المسلمين عند الكفار)، فقد قسموه إلى قسمين:
الأول: ما تعرف عليه صاحبه وثبت ملكه له فيعطي له قبل القسم مجانا، وإذا عرفه بعد القسم يعطى له بقيمته.
الثاني: أن لا يعرف صاحبه، فهو مجهول، فهذا يدخل في الغنيمة فيخمس ويعطى الغانمون أربعة أخماسه.
فلا اعتبار لهذا التقسيم والله أعلم.
وللقائد حق التصرف في الأرض والعقار، فهي على الراجح لا تدخل في الغنيمة، وهو قول الجمهور، ويدخل فيها جميع مرافق الدولة العامة والشوارع والأسواق وغيرها ..
أما الأسلحة فهي من الغنيمة، بلا شك كثرت أو قلت ثقلت أو خفت، لكن للقائد أن يسترضي المقاتلين في وقفها على الكتيبة ويعوضهم غيرها بأوجه التعويض.
قال الشنقيطي: " اعلم أن جماهير علماء المسلمين على أن أربعة أخماس الغنيمة للغزاة الذين غنموها، وليس للإمام أن يجعل تلك الغنيمة لغيرهم، ويدل لهذا قوله تعالى: " غنمتم "، فهو يدل على أنها غنيمة لهم، فلما قال: " فأن لله خمسه "، علمنا أن الأخماس الأربعة الباقية لهم لا لغيرهم، ونظير ذلك قوله تعالى: " فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث "، أي: ولأبيه الثلثان الباقيان إجماعا، فكذلك قوله: " فأن لله خمسه "، أي: وللغانمين ما بقي، وهذا القول هو الحق الذي لا شك فيه، وحكى الإجماع عليه غير واحد من العلماء، وممن حكى إجماع المسلمين عليه ابن المنذر، وابن عبد البر، والداودي، والمازري، والقاضي عياض، وابن العربي، والأخبار بهذا المعنى متظاهرة، وخالف في ذلك بعض أهل العلم، وهو قول كثير من المالكية، ونقله عنهم المازري رحمه الله أيضا، قالوا: للإمام أن يصرف الغنيمة فيما يشاء من مصالح المسلمين، ويمنع منها الغزاة الغانمين. إلى أن قال: " فالحاصل أن أربعة أخماس الغنيمة التي أوجف الجيش عليها الخيل والركاب للغزاة الغانمين على التحقيق، الذي لا شك فيه، وهو قول الجمهور". ا. هـ أضواء البيان 2 - 256.
قال الشوكاني: " أحاديث الباب فيها دليل على أنه لا يأخذ الإمام من الغنيمة إلا الخمس ويقسم الباقي منها بين الغانمين " 7 - 307.
فالأصل الموافق للكتاب والسنة في الغنيمة هو تخميسها وصرف الخمس إلى من ذكره الله تعالى، وقسمة الباقي بين الغانمين."
كما سبق القول كل ما في ميدان المعركة ملك للمجاهدين واصحاب الخمس فقط واما كيفية التصرف في السلاح المغنوم فهى :
يتم حساب ثمنه صالحا وغير صالح ويعطى الثمن للمجاهدين واهل الخمس فغير الصالح يذهب لمصانع المعادن حيث بعاد صهره وتصنيعه في صورة نافعة وأما السلاح الصالح فيتم ادخاله ضمن سلاح الجيش
ثم حدثنا الباشا عما سماه النفل فقال :
لكن هل يجوز للإمام أن ينفل من ظهر منه زيادة نكاية أو وفى بشرط شرطه ..
هل ينفل من الخمس أو من الأربعة أخماس؟
على خلاف!!
قال شيخ الإسلام: " والصحيح أنه يجوز من أربعة الأخماس، وإن كان فيه تفضيل بعضهم على بعض لمصلحة دينية؛ لا لهوى النفس كما فعل رسول الله (ص) غير مرة ".
ما مقدار هذا النفل؟
قيل لا يجوز أن يزيد عن الربع بعد الخمس، والثلث بعد الخمس، لما ورد في السنن من أنه (ص) كان ينفل في ابتداء الغزو الربع بعد الخمس، وفي الرجعة الثلث بعد الخمس، وفي ذلك خلاف.
هل يجوز للحاكم أن يتصرف في أكثر من الثلث بعد الخمس؟.
قال شيخ الاسلام: " لأن النبي (ص) وخلفاءه كانوا ينفلون لذلك. وكان ينفل السرية في البداية الربع بعد الخمس وفي الرجعة الثلث بعد الخمس. وهذا النفل؛ قال العلماء: إنه يكون من الخمس. وقال بعضهم: إنه يكون من خمس الخمس؛ لئلا يفضل بعض الغانمين على بعض. والصحيح أنه يجوز من أربعة الأخماس وإن كان فيه تفضيل بعضهم على بعض لمصلحة دينية؛ لا لهوى النفس كما فعل رسول الله (ص) غير مرة.
وهذا قول فقهاء الشام وأبي حنيفة وأحمد وغيرهم، وعلى هذا فقد قيل: إنه ينفل الربع والثلث بشرط وغير شرط وينفل الزيادة على ذلك بالشرط مثل أن يقول: من دلني على قلعة فله كذا أو من جاءني برأس فله كذا ونحو ذلك وقيل: لا ينفل زيادة على الثلث ولا ينفله إلا بالشرط. وهذان قولان لأحمد وغيره. كذلك - على القول الصحيح - للإمام أن يقول: من أخذ شيئا فهو له؛ كما روي أن النبي (ص) كان قد قال ذلك في غزوة بدر. إذا رأى ذلك مصلحة راجحة على المفسدة ".
فالظاهر أنه يجوز بشرط وبغير شرط!!
وهذا الخلاف يعطي لقائد الفصيل مساحة أوسع للاجتهاد في تصريف هذه الأموال بحسب ما يراه من مصلحة الجهاد ومصالح المسلمين، لكن بشرط أن لا يعود على أصل المسألة بالإبطال، فيمنع القسمة مطلقا، ويمنع الغانمين حقوقهم التي أثبتها لهم الله ورسوله؛ فهذا القول باطل ومردود، وقد وصفه شيخ الإسلام بالانحراف!!
قال شيخ الإسلام في من قال أن: " الإمام لا يجب عليه قسمة المغانم بحال ولا تخميسها، وأن له أن يفضل الراجل وأن يحرم بعض الغانمين ويخص بعضهم، وزعم أن سيرة النبي (ص) تقتضي ذلك. وهذا القول خلاف الإجماع والذي قبله باطل ومنكر أيضا فكلاهما انحراف ". 29 - 317 من مجموع الفتاوى.
هل يجوز أن يشترط قائد الفصيل على المقاتلين أن لا غنيمة لهم؛ أو أن لهم كذا وكذا من الغنيمة دون الباقي .. فهل هذا الشرط صحيح؟.
الظاهر أنه لا يصح.
وهو شرط فاسد خلاف الأصل، لقوله تعالى: " واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول .. " الآية، ومعارض أيضا لفعل النبي (ص) في قسمته للغنائم، فقد خمس الغنائم في جميع المعارك.
والمخالف يأتي على القول الضعيف الشاذ وينفخ فيه ويجعل له من الوجاهة والقبول ما يعارض به الثابت الصحيح بالكتاب والسنة، وربما خلط بين المسائل من حيث لا يشعر!!"
قطعا نسخ الله حكم النفل وهو الاسم السابق للغنيمة حيث جعل الله رسوله(ص) المتصرف الوحيد فيها لكى يوازن في الملكية بين المعدمين وغيرهم وفى هذا قال تعالى :
" يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول"
ولما اعتدل الميزان المالى لأفراد المسلمين أنزل الله حكم الغنيمة كمكافأة للمجاهدين بالأربعة أخماس والخمس ظل هو من يعدل الميزان الاقتصادى المختل بسبب الظروف السابقة التى اوجدها حكم الكفر
وعاد الباشا للكلام عن الفرق بين الفىء والغنيمة فقال:
"فمثلا الجمهور على التفريق بين الفيء والغنيمة، وأن الفيء كالخمس يتصرف فيه الإمام باجتهاده في مصالح المسلمين، وما تبقى بعد الخمس فهو للغانمين، فيأتي فيسوي بينهما ويحمل كلام أهل العلم في أحقية الإمام بالتصرف في الفئ فيجعله في الغنيمة بحجة أنه لا فرق بينهما من جهة اللغة!!"
وأما الفىء وهو الأرض بما عليها من بيوت وأمتعة والتى هجرها الكفار وتركوها خوفا من المسلمين فقد بين وجوه توزيعها وجعل الشرط التى توزع على أساسه هو ألا يعطى غنى منه لعمل موازنة واعتدال في أملاك المسلمين وفى هذا قال تعالى " كى لا يكون دولة بين الأغنياء منكم"
وكرر مرة أخرى ذكر الخلاف في الرض والعقار وكما سبق القول لا يجوز بأى حال من ألأحوال توزيع الأرض والعقار على بعض أفراد المسلمين دون بعض وإنما تدار اقتصاديا وتوزع المكاسب بالتساوى على كل أفراد المسلمين وفى هذا قال :
"والجمهور على التفريق بين حكم الأرض والعقار وبين سائر المنقولات، فلا يعتبرونها من الغنيمة ويجعلون للإمام الخيار بين تقسيمها أو التصرف فيها في مصالح المسلمين، فيحملون هذا الكلام على سائر أنواع الغنيمة بحجة أنه لا فرق بينها، وأن الجميع مما غنمه المسلمون ويركبون كلام الشافعية على كلام الحنابلة والأحناف!!
ويحتجون بفعله (ص) في حنين ويتركون الآية وسائر أفعاله في جميع الغزوات مع أنه (ص) قد استرضاهم فرضوا وعوضهم بعد ذلك.
قال شيخ الاسلام: " والنبي - (ص) - أعطى المؤلفة قلوبهم من غنائم حنين ما أعطاهم؛ فقيل: إن ذلك كان من الخمس؛ وقيل: إنه كان من أصل الغنيمة، وعلى هذا القول فهو فعل ذلك لطيب نفوس المؤمنين بذلك؛ ولهذا أجاب من عتب من الأنصار بما أزال عتبه وأراد تعويضهم عن ذلك "ومن ذلك النقل عن ابن حجر والسفاريني والشنقيطي، ومع أن الشنقيطي حرر المسألة وحققها، ونقل أقوال المذاهب الأربعة ثم قال ما نقل عنه أعلاه، تجد من يحتج ببعض كلامه على خلاف ما أوردته.
وقد يضطر المقاتل لقبول هذا الشرط تحت ضغوط، إلا أن هذا لا يجيزه ولا يصححه، وقد تمحق بركة هذا المال وما يترتب عليه من جهاد بسبب هذا التصرف!!
ومن لم يقسم من الفصائل ويخمس فهو بين أمرين:
أحدهما: أن يرى أن للإمام حق التصرف في المغانم دون قسمة مطلقا، فيعطي من يشاء ويمنع من يشاء، وهذا قول فاسد مخالف للسنة، وقد حكم عليه شيخ الإسلام كما سبق بالبطلان والانحراف ..
والثاني: أن لا يرى هذا الرأي، ولكن يعتقد أن مصلحة الجهاد أن تبقى الغنائم في حكم الوقف على الكتيبة ينفق منها على أمور الجهاد، ويجهز بها الغزاة وينفق منها على الجرحى والمرضى وغير ذلك، ثم يعطي المقاتل شيئا من المعونة كراتب ونحوه.
وهذا القول على وجاهته إلا أنه ضعيف شاذ، وقد يصح العمل به في بعض الغزوات والمعارك دون غيرها، لكن لا يتخذ منهجا وطريقة وسنة تبدل بها أحكام الشريعة الثابتة، ففيه ظلم شديد للمقاتلين وهضم لحقوقهم وغبن، وفيه معارضة صريحة لنصوص الكتاب والسنة، وما كان عليه الخلفاء من بعدهم.
ولقائد الفصيل أن يتصرف في الأرض والعقار كيف يشاء، وله خمس الغنيمة ينفقها في وجوهها في مصالح المسلمين، ثم له بعد ذلك الربع أو الثلث قبل القسمة إن كانت ثمة مصلحة راجحة على المفسدة.
فإن لم يكف كل هذا استسمح الجنود والمجاهدين في الزيادة على ذلك، فإن أذنوا وإلا فلا؛ فمصلحة الجهاد لا تكون إلا بمراعاة مصلحة المجاهدين، بل لا يكون الجهاد إلا بهم ... فكيف إذا لم يجد المجاهد ما يكفي لسد حاجته وحاجة أهله؟!
وبإمكان القائد أن يحرز الأسلحة الثقيلة من الدبابات والسيارات ومضاد الطيران ونحوها في حصته، ويعوض المقاتلين بغير هذه من الأموال إن نقصت حصته عن استيعاب هذه الأسلحة، وقد كان النبي يعدل البعير بعشر من الغنم ليوفي الناس حقوقهم ..
فعلى أية حال لابد من إحياء السنة والتزام الواجب وإجراء القسمة بالعدل، فذلك من دواعي البركة وإبراء الذمة ورفع همم المقاتلين وكفاية حاجتهم.
وما يتسامح فيه المقاتل برضى نفس فلا بأس في أخذه.
وما لم يتسامح فيه فهو حقه معجل ومؤجل، لا يسقط ولا يجبر على تركه، ولا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه ولقائد الفصيل - إن شاء - أن يخصم ما يعطيه للمقاتل من راتب ونحوه من حصته بعد القسمة، بل له أن يخصم جميع ما ينفقه عليه، وليتق الله من ولاه هذا المال، فإن الظلم ظلمات.
ولتخصص لجنة بتقدير الغنائم وحفظ حصص المقاتلين وحقوقهم.
قال شيخ الإسلام: " ولم يكن للأموال المقبوضة والمقسومة؛ ديوان جامع على عهد رسول الله (ص) وأبي بكر رضي الله عنه، بل كان يقسم المال شيئا فشيئا، فلما كان في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كثر المال واتسعت البلاد وكثر الناس فجعل ديوان العطاء للمقاتلة وغيرهم؛ وديوان الجيش - في هذا الزمان - مشتمل على أكثره؛ وذلك الديوان هو أهم دواوين المسلمين ". 28 – 278."
وكما سبق القول أن الغنائم يتم جمعها وما صلح منها للتوزيع وزع والذى لا يصلح للتقسيم كالسلاح الصالح والسلاح الخردة يتم تقييم ثمنه وتشتريه وزارة الجهاد وتبيع الخردة منه لمصانع المعادن وتوزع الثمن على المجاهدين واصحاب الخمس
ودعا الباشا أن يكون هنالك ثقة بين القادة والجنود فقال :
وأخيرا: على المجاهدين أن يتقوا الله في أنفسهم وإخوانهم وأن يحسنوا الظن بقادتهم، وقد اصطفاهم الله لإحياء هذه الفريضة، وأن ينأوا بأنفسهم عن متاع هذه الدنيا الزائلة أو ما يدعو للتشبث بها من مال ونحوه، وليتذكروا قول النبي (ص) للأنصار لما حملوا في أنفسهم في حنين، وليكن هذا شعارهم، وقد باعوا أنفسهم رخيصة لله، وعليهم أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله.
ولئن ذكرت المشروع أو ما أعتقده مشروعا في أمر الغنائم، إلا أن ثمة فرق في أمر الولاة بين الوجوب والنفوذ، فالواجب على القادة نذكره ونبينه لهم ونعظهم به، وما خالفوا فيه باجتهادهم نعذرهم فيه ونحفظ لهم أقدارهم واجتهادهم، وبالجملة فنحن نسدد ونقارب، وجميعنا يجتهد، لكن الحق الذي ظهرت دلائله يجب اتباعه على كل أحد.
وهذه المسألة باب واسع من الفقه، ومن المسائل الكبيرة التي اختلف فيها الصحابة، حتى قال عمر: " اللهم اكفني شر بلال وذويه "، وذلك لما طالبه بقسمة أرض فتحها المسلمون بالشام أو العراق ..وأختم بقول شيخ الإسلام " وتفاريع المغانم وأحكامها: فيها آثار وأقوال اتفق المسلمون على بعضها وتنازعوا في بعض ذلك "، وليس هذا موضعها؛ وإنما الغرض ذكر الجمل الجامعة"
[/align]