[align=justify]
قراءة فى كتاب الفتوى المالكية في أفعال الصوفية
الكتاب مؤلفه عبدالعزيز محمد القيرواني من القدامى وهو عبارة عن سؤال طرحه أحد التلاميذ على القيروانى فى موضوع أفعال الصوفية وهو قوله:
"سئل الشيخ الصالح أبو فارس عبدالعزيز بن محمد القيرواني تلميذ سيدي أبي الحسن الصغير : عن قوم تسموا بالفقراء ، يجتمعون على الرقص والغناء ، فإذا فرغوا من ذلك أكلوا طعاما كانوا أعدوه للمبيت عليه ، ثم يصلون ذلك بقراءة عشر من القرآن والذكر ، ثم يغنون ويرقصون ويبكون ، ويزعمون في ذلك كله أنهم على قربة وطاعة ، ويدعون الناس إلى ذلك ، ويطعنون على من لم يأخذ بذلك من أهل العلم ، ونساء اقتفين في ذلك أثرهم ، وعملن في ذلك على نحو عملهم ، وقوم استحسنوا ذلك وصوبوا فيه رأيهم ، فما الحكم فيهم وفيمن رأى رأيهم ؟ هل تجوز إمامتهم وتقبل شهادتهم أم لا ؟ بينوا لنا ذلك "
فكانت فتوى القيروانى فيهم كالتالى :
الجواب :
"فأجاب بأن قال :
الحمد لله حمد الشاكرين ، والصلاة على محمد خاتم النبيين ، وآله الطيبين الطاهرين ، أكرمكم الله وإيانا بتقواه ، ووفقنا وإياكم لما يحبه ويرضاه لاتباع سنة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - حتى نلقاه .
قد وقفنا على ما رسمتم وتصفحنا فصوله ، فالجواب فيه ما قاله بعض أئمة الدين من علماء المسلمين الناصحين ، حين سئلوا عن ذلك : من أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - أخبر : " أن بني إسرائيل افترقت على اثنتين وسبعين فرقة ، وأن أمته ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة ، اثنان وسبعون في النار ، وواحدة في الجنة ".
وقد ظهر ما أخبر به - صلى الله عليه وسلم - من افتراق أمته على هذه الفرق ، وتبين صدقه - صلى الله عليه وسلم - وتحقق ، ولم يكن أحد في مغربنا من هذه الطوائف فيما سلف ، إلى أن ظهرت هذه الطائفة الأمية الجاهلة الغبية ، الذين ولعوا بجمع أقوال جهال فتصدوا إلى العوام الذين صدورهم سالمة ، وعقولهم قاصرة ، فدخلوا عليهم من طريق الدين ، وأنهم لهم من الناصحين ، وأن هذه الطريق التي هم عليها هي طريق المحبين ، فصاروا يحضونهم على التوبة والإيثار والمحبة وصدق الأخوة ، وإماتة الحظوظ والشهوة ، وتفريغ القلب إلى الله بالكلية ، وصرفه إليه بالقصد والنية .
وهذه الخصال محمودة في الدين فاضلة ، إلا أن الذي في ضمنه على مذاهب القوم سموم قاتلة ، وطامات هائلة "
وما تناوله القيروانى من افتراق الأمة لا علاقة له بالسؤال كما أن الأمة لا تفترق كما قال تعالى " وأن هذه أمتكم أمة واحدة " وإنما تموت أى تختفى من الوجود البشرى بسبب ترك الأفراد لها
والرواية لا تصح عن النبى(ص) لكونها علم بالغيب وهو ما لا يعلمه النبى كما قال تعالى على لسانه"ولا أعلم الغيب" وكما قال على لسانه" لو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسنى السوء" وكما قال " وما أدرى ما يفعل بى ولا بكم"
كما أن عدد الفرق أكبر من الأرقام المذكورة بكثيرة حسب ما جاء فى كتب الملل والنحل زد على هذا أنه لا يوجد تعريف متفق عليه لمعنى الفرقة فى الرواية حتى يمكن تقسيم الناس بناء عليها
وتحدث القيروانى مبينا خطورة الصوفيه فقال :
"الصوفية أشد ضررا من مردة الشياطين" :
وهذه الطائفة أشد ضررا على المسلمين من مردة الشياطين ، وهي أصعب الطوائف للعلاج ، وأبعدها عن فهم طرق الاحتجاج ؛ لأنهم أول أصل أصلوه في مذهبهم بغض العلماء والتنفير عنهم ، ويزعمون أنهم عندهم قطاع الطريق المحجوبون بعلمهم عن رتبة التحقيق ، فمن كانت هذه حالته ، سقطت مكالمته ، وبعدت معالجته ، فليس للكلام معه فائدة ، والمتكلم معه يضرب في حديد بارد ، وإنما كلامنا مع من لم ينغمس في خابيتهم ، ولم يسقط في مهواتهم ، لعله يسلم من عاديتهم ، وينجو من غاويتهم .."
والقيروانى هنا يتحدث حديثا عاما وهو أنه لا يمكن اقناع الصوفية بالحجج الشرعية لأنهم اعتبروا أنفسهم فوق الشرع ومن يمكن اقناعه هو من لم ينخرط فى الصوفية انخراطا تاما وإنما ما زال فى بدايته
ويرى القيروانى أن خروج الصوفية على الشرع بادعاء أنه لا يطبق عليهم وإنما على العوام لكونهم خصوص دفعهم لارتكاب معظم إن لم يكن الذنوب التى حرمها الله وهم يرون أنهم يرضون الله بالمعاصى وهو قوله:
"بدع الصوفية أضر في الدين من الزنى والسرقة :
واعلموا أن هذه البدعة في فساد عقائد العوام أسرع من سريان السم في الأجسام ، وأنها أضر في الدين من الزنى والسرقة وسائر المعاصي والآثام ، فإن هذه المعاصي كلها معلوم قبحها عند من يرتكبها ويجتلبها ، فلا يلبس مرتكبها على أحد ، وترجى له التوبة منها والإقلاع عنها .
وصاحب هذه البدعة يرى أنها أفضل الطاعات وأعلى القربات ، فباب التوبة عنده مسدود ، وهو عنه شرود مطرود ، فكيف ترجى له منها التوبة ، وهو يعتقد أنها طاعة وقربة ، بل هو ممن قال الله فيهم : " قل هل أنبئكم بالأخسرين أعمالا (103) الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا (104) " [الكهف : 103 - 104] ، وممن قال فيهم : " أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا " [فاطر : 8] .
ثم ضرر المعاصي إنما هي في أعمال الجوارح الظاهرة ، وضرر هذه البدع إنما هي في الأصول التي هي العقائد الباطنة ، فإذا أفسد الأصل ذهب الفرع والأصل ، وإذا فسد الفرع بقي الأصل يرجى أن ينجبر الفرع ، وإن دعوهم إلى بدعته يكون عليه وزره ووزر من استن بسنته ، قال الله العظيم : " ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون (25) " [النحل : 25] .
وقال تعالى : " وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم وليسألن يوم القيامة عما كانوا يفترون (13) " [العنكبوت : 13] .
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من سن سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة ، ومن سن سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة "
والخطأ فى كلام القيروانى أن الصوفى يتحمل وزر من يضله يتناقض مع قوله تعالى "وأن ليس للإنسان إلا ما سعى" وقوله طولا تزر وزارة وزر أخرى وقوله" كل نفس بما كسبت رهينة" فلا أحد يتحمل وزر غيره والآيات التى ذكرها تتحدث عن علم الناس بأوزارهم وعلمهم بأوزار غيرهم فى يوم القيامة حيث يرى كل فرد كتاب عمل غيره كما قال تعالى " فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره"
وتحدث القيروانى محذرا من أفعالهم فقال:
"التحذير منهم بعدم الاغترار بما يفعلون :
ولا تنشأ هذه العلل إلا من مرض في القلب خفي ، أو حمق جلي ، فاحذروها واحذروا أهلها ، ولا تغتروا بهم ولو أنهم يطيرون في الهواء ، ويمشون على الماء ؛ فإن ذلك فتنة لمن أراد الله فتنته وعلم شقوته ، قال الله تعالى : " ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا " [المائدة : 41] ."
وحدثنا عن المزاعم التى تسمى كرامات فقال :
"كرامات أولياء الرحمن وأولياء الشيطان :
فلا يغتر أحدكم بما يظهر من الأوهام والخيالات من أهل البدع والضلالات ، ويعتقد بأنها كرامات ، بل هي شرك وحبالات ، نصبها الشيطان ليقتنص بها معتقد البدع ومرتكب الشهوات .
وإنما تكون من الله الكرامة لمن ظهرت منه الاستقامة ، وإنما تكون الاستقامة باتباع الكتاب والسنة ، والعمل بما كان عليه سلف هذه الأمة ، فمن لم يسلك طريقهم ولم يتبع سبيلهم فهو ممن قال الله فيهم : " ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا (115) " الآية [النساء : 115] .
فمن حرف كتاب الله أو ترك العمل به أو عطله فقد افترى على الله كذبا ، واتخذ آيات الله هزوا ولعبا ، فإذا رأيتم من يعظم القرآن فعظموه ، وإذا رأيتم من يكرم العلماء وأهل الدين فأكرموه ، قال الله العظيم : " ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه " الآية [الحج : 30] .
ومن رأيتموه يجانب العلماء فجانبوه فإنه لا يجانبهم إلا ضال مبتدع ، غير مقتد بالشرع
ولا متبع ؛ فإن الشرائع لا تؤخذ إلا عن العلماء الذين هم ورثة الأنبياء ،
كيف وقد جعل الله شهادته وشهادة ملائكته كشهادة أولي العلم ، قال الله - تعالى - : " شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم " الآية [آل عمران : 18] .
ولست أعني بالعلماء المشتغلين في زماننا هذا بعلوم الجدال والممارات ، ولا المعتنين بدرس مسائل الأقضية والشهادات ، فيتقربون بذلك إلى جمع الحطام ، والتقرب من الولات والحكام ، ونيل الرئاسة عند العوام ، وإنما نعني بالعلماء الذين يعملون بعلمهم وقال فيه - صلى الله عليه وسلم - : " يحمل هذا الدين من كل خلف عدوله ، ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين " .
وقال فيهم : " علماء كادوا يكونون من رتبهم أنبياء " .
فأولئك ورثة النبيين وأئمة المتقين الذين يحب أن يقتدى بهم ويتأدب بآدابهم ، وتقتفى آثارهم وتحفظ أخبارهم ، ولكنهم ضمهم لحودهم ، وقل على بسيط الأرض جودهم ، فما يورد من آثارهم أثر ، فهم الكبريت الأحمر ، وإن كان عجز عن بلوغ رتبتهم وقصر ، لكنه يعرف الحق فلا يغلظ في نفسه ولا يغتر .
فهذه النصيحة لمن وقف عليها من الإخوان الصادقين المريدين ، والعامة المسلمين المصححين ؛ ليميزوا بها بين المحقين والمبطلين من المنتمين إلى الدين ، ولا يغتروا بالملبس من أجل حسن الظن ومحبتهم للصالحين ، ويدخل عليه الخلل في عقائدهم ، ويميلون بها إلى عوائدهم "
وكلام القيروانى الكثير منه صحيح والخطأ فيه هو وجود كرامات للعلماء الصالحين وهو ما يناقض منع الله الآيات وهى المعجزات وهى الكرامات عن الناس منذ عهد النبى(ص) بقوله:
"وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون"
ثم حدثنا عن حكم الرقص والغناء والفرح فقال:
"حكم الرقص والغناء والنوح :
وأما ما ذكرتموه من أفعالهم واشتغالهم بالرقص والغناء والنوح فممنوع غير جائز ، قال الله تعالى : " ومن الناس من يشتري لهو الحديث " الآية [لقمان : 6] .
قال ابن مسعود : " هو الغناء ، والذي لا إله إلا هو " ، يرددها ثلاث مرات ، وهو قول مجاهد ، وعطاء .
من كانت له جارية مغنية فمات لم يصل عليه ؛ لقول الله - عز وجل - : " ومن الناس من يشتري لهو الحديث " الآية .
قال مالك في " المدونة " : " وأكره الإجارة على تعليم الشعر والنوح وعلى كتابة ذلك "
قال عياض : " معناه نوح المتصوفة وإنشادهم على طريق النوح والبكاء " .
فمن اعتقد في ذلك أنه قربة لله - تعالى - فهو ضال مضل ، ولا يعلم المسكين أن الجنة حفت بالمكاره ، وأن النار حفت بالشهوات ، والله - تعالى - لم يبعث أحدا من الأنبياء باللهو والراحة والغناء ، وإنما بعثوا بالبر والتقوى وما يخالف الهوى ، قال - تعالى - : " وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى (40) " [النازعات : 40 - 41] .
فالباطل خفيف على النفس ؛ ولذلك خف في الميزان ، والحق ثقيل ، ولذلك ثقل في الميزان ، قال - تعالى - : " إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا " [المزمل : 5] .
هل في كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - أو عمله المنقول في الصحاح أو عمل السلف الصالح أو أحد من العلماء من ذلك أثر ؟ " .
ونقل الإمام الشاطبي في " الاعتصام " (2 / 115) كلام الإمام الآجري فيمن يفعل فعل هؤلاء الفقراء ، فقال : " وهذا كله من الشيطان يلعب بهم ، وهذا كله بدعة وضلالة ، يقال لمن فعل هذا : اعلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أصدق الناس موعظة ، وأنصح الناس لأمته ، وأرق الناس قلبا ، وخير الناس من جاء بعده لا يشك في ذلك عاقل ، ما صرخوا عند موعظته ولا زعقوا ولا رقصوا ولا زفنوا ، ولو كان هذا صحيحا لكانوا أحق الناس بهذا أن يفعلوه بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولكنه بدعة وباطل ومنكر ، فاعلم ذلك " .
وقال عبدالوهاب : " ومن البدع الكبرى ما نشاهده ممن يدعي لنفسه العبادة والتقدم " ، انظر تمامه ، ولعله في " شرح الرسالة " لعبدالوهاب .
وأما ما ذكرتموه من قراءة القرآن والاستماع إليه فإنه جائز ، وفيه قربة وطاعة لله - عز وجل - قال تعالى : " وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له " الآية [الأعراف : 204] .
وإن كان بعض أول ذلك في الصلاة ، وهذا إذا كان على الوجه المأذون فيه لا يقصد به رياء ولا سمعة .
قال أبو محمد في " رسالته " : " ويبجل كتاب الله العزيز أن يتلى بسكينة ووقار
والنساء فيما ذكرنا كالرجال ، فالمنع في حقهن أشد "
وقطعا الرقص الجماعى والغناء بالشكل المعروف عند القوم محرم فالرقص مباح فى حدود كرقص الزوجة لزوجها أو العكس فى حجرة النوم أو غناءهما لبعض وهناك أنواع مباحة من الاثنين ولكن بشرط فمثلا غناء امرأة أمام جمع من النساء فى مكان مغلق عليهن مباح طالما غنت كلاما طيب وكذلك الأمر فى الرجال
[/align]