كاتب بريطاني: حرب العراق كارثة سببها كذبة وكلفتها تريليون دولار والغرب ما زال متشبثاً بحماقة بتوأمها افغانستان

الأربعاء سبتمبر 1 2010
كاتب بريطاني: حرب العراق كارثة سببها كذبة وكلفتها تريليون دولار girl192021.jpg
يقدر عدد الذين قتلوا لأسباب لها علاقة بالاحتلال بحوالي 100 ألف

واشنطن - كاتب بريطاني: حرب العراق كارثة سببها كذبة وكلفتها تريليون دولار alqudslogo2.gif -
نشرت صحيفة "غارديان" البريطانية اليوم مقالا للكاتب سايمون جينكنز جاء فيه: "إن الرئيس الأميركي باراك اوباما إعلن أن حرب العراق انتهت. وفي الوقت الذي تعود فيه قواته إلى بلادها فإن العراقيين أكثر حرية بدرجة هامشية مما كانوا عليه عام 2003، وأقل أمنا إلى حد كبير.
وما يزال مليونان خارج العراق كلاجئين هاربين من سبع سنوات من الفوضى، كما أن مليونين آخرين نازحون داخل وطنهم.
ومما يبعث على السخرية أن كل المسيحيين تقريبا اضطروا للفرار.
وما يزال انتاج النفط الذي هو العمود الفقري للصادرات العراقية تحت الحكم الغربي أقل من مستواه قبل الغزو،
وتتلقى البيوت التيار الكهربائي لساعات اقل. وهذا أمر مرعب.

يقدر عدد الذين قتلوا لأسباب لها علاقة بالاحتلال بحوالي 100 ألف. وليس للبلاد حكومة مستقرة،
وعملية إعادة البناء هي في الحد الأدنى، وتحدث أعمال قتل واختطاف يوميا. واما الفساد المتأصل فيزداد من خلال المساعدات التي لا تخضع للمراقبة. وبسبب الحكم الاسلامي المتزايد تتناقص حريات النساء ولا تتعاظم.
كل ذلك ناتج عن الانفاق المتهور لحوالي 51 بليون دولار،
ومن المؤكد أن هذه الحصيلة هي أسوأ قيمة للمال في تاريخ الدبلوماسية المعاصرة.

معظم التدخلات "الليبرالية" الفاشلة منذ الحرب العالمية الثانية بدأت على الأقل بنوايا طيبة.
فيتنام كان الهدف منها الدفاع عن دولة غير شيوعية من التوسع الصيني. والتدخل في لبنان كانت غايته حماية دولة تعددية من جارة طامعة. والتدخل في الصومال كان بهدف ترميم دولة فاشلة.

في العراق كان سبب الغزو كذبة اخترعها جورج بوش وتابعه الضعيف توني بلير. اتهموا صدام حسين بان له علاقة بأحداث 11|9،
وبالتخطيط لهجمات بأسلحة "دمار شامل" بعيدة المدى.
وبما انه تبين أن ذلك غير صحيح، فقد عرض المعتذرون عن بوش وبلير مقولة مفادها أن صدام حسين رجل سيء ولذلك كانت الإطاحة به عملا جيدا.

الطريقة المناسبة لتقييم أي حرب ليست أحصاءات من النوع الخام حول "ما قبل الحرب وما بعدها"،
ولكن تخمين النتيجة لو أن الحرب لم تحدث.
الهستيريا المناهضة للعراق بدأت عام 1998 من خلال عملية "ثعلب الصحراء" التي شنها بيل كلينتون وكانت عبارة عن قصف استمر ثلاثة أيام للبنية التحتية المدنية والعسكرية في العراق،
لمعاقبة صدام على تدخله في نشاط مفتشي الأسلحة الدوليين. وبالنسبة الى معظم دول العالم كان الهدف من تلك العملية هو صرف الانتباه عن فضيحة كلينتون- لوينسكي.

وكان معظم المحللين المستقلين يعتقدون أن العراق توقف عن أي طموحات نووية عام 1991، وهو رأي أكده المحققون منذ العام 2003،
ومع ذلك فقد قيل أن عملية ثعلب الصحراء "نجحت في تدمير قدرة العراق على صنع اسلحة الدمار الشامل أو استخدامها".
وسواء كان هذا صحيحا أم لا، فلم يكن هناك دليل على أن تلك القدرة تمت استعادتها بحلول العام 2003.
وكانت مسألة العراق، بين امور أخرى، فشلا استخباريا.

في غضون ذلك، أدت عقوبات الغرب على العراق إلى حصار اقتصادي، فمسحت طبقته الوسطى ورفعت ثروة صدام حسين لتكون السادسة في العالم،
رغم أنه واجه مؤامرات منتظمة ضد شخصه. وربما حاصره العداء الغربي، لكن المعارضة ربما كان بإمكانها القيام بانقلاب إما من جانب الجيش أو الناشطين الشيعة الذين تدعمهم ايران.

وحتى لو لم يحدث ذلك، فقد كان العراق دولة سيئة لكنها مستقرة وعلمانية لم تعد تشكل خطرا جديا حتى على جيرانها.
وتم احتواؤها من خلال منطقة لحظر الطيران منحت الأكراد المضطهدين حكما ذاتيا واقعيا.
ولم يكن العراق كما هو مفهوم أسوأ من سوريا الأسد البعثية، وكان انتاجه من النفط وموارد الطاقة في ازدياد وليس في تناقص كما هو الوضع الآن.

لقد تم إغراق لجنة تحقيق تشيلكوت بالحكايات حول الاحتلال الأميركي- البريطاني على غرار ملاحم ويليام الفاتح في الشمال.
وان مما يصعب تصديقه ان تتصرف أي بيروقراطية في القرن الواحد والعشرين بهذه القسوة والتعطش للدماء.
والحقيقة أن تلك البيروقراطية قد أعمتها سلطتها الامبريالية الجديدة.
لكننا نخدع أنفسنا كثيرا، فالغرب ما يزال يديره زعماؤه، خاصة الجنرالات، الذين يستمتعون بأمجاد انتصاراتهم السابقة: القادة الذين يرفضون ان يصدقوا أن الامم الأخرى لها الحق في تدير شؤونها الخاصة بنفسها.
وفظاعة العراق عام 2003 لم تكن بتلك البشاعة لتكون من شؤوننا- حتى ولو كنا قادرين على بناء "مدينة فاضلة" مؤيدة للغرب وإسرائيل، علمانية ورأسمالية إلى درجة خيالية.

المانيا، فرنسا، روسيا، واليابان نأت بنفسها عن هذه الحرب.
لم يصدقوا الأكاذيب حول أسلحة صدام ولم يروا أن لديهم واجبا لتحرير الشعب العراقي من الاضطهاد.
ولم يعرض بلير في أدائه امام تشيلكوت سوى اعتقاده المشوه بأنه كان يستعيد تاريخ ريتشارد قلب الأسد.

ان كل الحروب تنحرف عن خططها، لأن جميع الجيوش جيدة عند الإنزال لكنها سيئة عند الانطلاق،
وفظيعة في الاحتلال- وهذا أمر معروف في كل كتب العلوم العسكرية قبل حرب العراق بوقت طويل.
والحقيقة أن هذه الحرب كانت وستبقى حرب عناوين، حركتها رغبة في رؤية ما احتفل به بوش كـ"مهمة نفذت"،
بينما كان البنتاغون يتذمر: "ليس من اختصاصنا بناء الدول".
كانت تلك الحرب غزواً سياسيا، ليس للانتصار في معركة أو لاحتلال أرض، لكن لتسجيل نقطة ضد التشدد الإسلامي.
اما انها عنت الإطاحة بأحد الأنظمة العلمانية القليلة في آسيا فان ذلك كان وجهاً آخر من اوجه النفاق.

ويأتي الدرس الأكبر من العراق من تلك الآلهة الكئيبة، التواضع.
اذ ان إسقاط آلاف القنابل، وخسارة 4000 جندي غربي وإنفاق أكثر من تريليون دولار بقيت عاجزة عن التغلب على البندقية الرشاشة "اي كي-47" (كلاشنيكوف)،
واجهزة التفجير اليدوية الصنع المزروعة على الطرق، والانتحاريين، والنفور من الاحتلال.
ان امماً ذات ثقافات مختلفة لا يمكن أن تحكم سبع سنوات بالجيش. بوش وبلير لم يفكرا في ذلك.

سينظر التاريخ إلى حرب العراق على أنها الكارثة التي كان لها أكبر دور في إبعاد القوى الأطلسية عن بقية العالم واسقاط مؤهلاتها كشرطي دولي.
لقد كانت (الحرب) رد فعل جامحا من قبل دولة أميركية مصابة بجنون العظمة ومسلحة بشكل مبالغ فيه تجاه عمل إرهابي واحد،
ضخم لكنه عديم الاهمية في الحادي عشر من ايلول (سبتمبر).
لقد أظهرت أن العلاقات الدولية لم تتقدم كثيرا منذ اغتيال الدوق فرديناند في سراييفو. وما زال المدافعون عنها معميين بالحادثة.

لا يمكن لكل أبهة الأمم المتحدة أن توقف أحداثا كهذه من الخروج عن السيطرة.
الامم المتحدة لا تملك القوة في مواجهة رجال الدولة الساعين إلى المجد، المدفوعين بالمصالح العسكرية الاقتصادية ذات القوة غير المسبوقة.
قد نظن أنه بعد أكبر دروس التاريخ في القرن العشرين- ان الغرب يجب أن يكون معارضاً لتكرار حماقات كهذه.
لكن حين يتم تحديه للتصرف بحكمة ونضوج ردا على الإرهاب، فإنه يلعب دور الإرهابي. ويستغل سياسة الخوف.

الغرب يترك العراق في بركة من الدم والغبار والدولارات. لكنه يبقى متشبثا بشقيقة العراق التوأم في الحماقة، أفغانستان".