نقد كتاب علم الامام الحسين بشهادته
المؤلف محمد حسين مرتضى العاملى وهو يدور حول علم الحسين بالغيب ممثلا في مقتله وفى هذا قال العاملى :
"أما بعد، فالموضوع الذي اخترنا بحثه هو: (علم الإمام الحسين بشهادته)، ولأن المسالة عامة في سائر الأئمة: فحري بنا ان نبحث هذا الموضوع بشكل عام مع التركيز علي شهادة الإمام الحسين لأن ه موضوع المقال، وعلي كل حال فقد طرح قديما مبحث حول علم الإمام المعصوم بالغيب وعدمه، وعلي فرض ثبوته ولو علي نحو الموجبة الجزئية فهل تكون كيفية موته او قتله وزمانه ومكانه جزء من معلوماته أم لا؟ ثم علي فرض الثبوت فهل يعد الإقدام علي ذلك إلقاء الي التهلكة، أم يمكن توجيهه بحيث يعد مكرمة كما هو الصحيح؟ "
والعاملى يقرر منذ البداية ما يناقض القرآن حيث العلم بالغيب لله وحده أن الأئمة يعلمون الغيب مستدلا بروايات فيقول :
"ولا يخفي أنه قد دلت روايات كثيرة علي ان الائمة: يعلمون متي يموتون، و أنه م لا يموتون إلا باختيار منهم؛ حتي ان ثقة الإسلام الكليني (ت 328 ه) عقد بابا حول هذا الموضوع، واستعرض عدة روايات منها المعتبر في هذا المجال، وكذلك الثقة الجليل أبو جعفر محمد بن الحسن بن فروخ الصفار (290 ه) في كتابه بصائر الدرجات الكبري "
وذكر العاملى اختلاف علماء الشيعة في المسألة فقال :
"وقد أجاب علماؤنا الاعلام قديما وحديثا بأجوبة مختلفة بحل هذه المعضلة، وهي إقدامهم: علي الموت مع علمهم به، ونحن نستعرضها بالنقض او الإبرام و نختمها بجواب مستلهم من القرآن الكريم وسنة الأئمة اللهاميم وأخيرا نسأل الله تعالي أن يوفقنا والساعين معنا لمعرفة الصواب الي إدراك حق الجواب، و ان يجعلنا من اولي الالباب محمد وآله حملة الكتاب"
وقد ذكر أولا ما قاله المفيد في المسألة فقال :
"الجواب 1
وهو للشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي (ت 413 ه) في رده علي سؤال حول: ان الإمام يعلم ما يكون؛ فما بال امير المؤمنين خرج الي المسجد و هو يعلم أنه مقتول وقد عرف قاتله وعرف الوقت و الزمان؟ وما بال الحسين بن علي سار الي الكوفة وقد علم أنه م يخذلونه و لا ينصرونه، و أنه مقتول في سفرته تيك؟ ... الخ فأجاب قائلا: أما الجواب عن قوله:
إن الإمام يعلم ما يكون فإجماعنا: أن الأمر علي خلاف ما قال، وما اجمعت البيعة علي هذا القول، وأن إجماعهم ثابت علي أن الإمام يعلم الحكم في كل ما يكون دون ان يكون عالما بأعيان ما يحدث ويكون علي التفصيل و التمييز، و هذا يسقط الاصل الذي بني عليه الاسئلة بأجمعها، ولسنا نمنع أن يعلم الإمام أعيان ما يحدث، ويكون بإعلام الله تعالي له ذلك، فأما القول بأنه يعلم كل ما يكون فلسنا نطلقه ولا نصوب قائله لدعواه فيه من غير حجة ولا بيان، و القول بأن أمير المؤمنين يعلم قاتله والوقت الذي كان يقتل فيه، فقد جاء الخبر متظاهرا أنه كان يعلم في الجملة أنه مقتول، وجاء أيضا بأنه يعلم قاتله علي التفصيل، فأما علمه بوقت قتله فلم يأت عليه اثر علي التحصيل، و لو جاء به أثر لم يلزم فيه ما يظنه المعترضون، إذ كان لا يمتنع ان يتعبده الله تعالي بالصبر علي الشهادة و الاستسلام علي القتل، فيبلغه بذلك علو الدرجات ما لا يبلغه إلا به، بأنه يطيعه في ذلك طاعة لو كلفها سواه لم يردها، ولا يكون امير المؤمنين بذلك ملقيا بيده الي التهلكة ولا معينا علي نفسه معونة يستقبح في العقول. واما علم الحسين بان اهل الكوفة خادعوه فلسنا نقطع بذلك إذ لا حجة عليه من عقل ولا من سمع، ولو كان عالما بذلك؛ لكان الجواب عنه ما قدمناه في الجواب عن علم امير المؤمنين بوقت قتله، ومعرفة قاتله كما ذكرناه.
نقول: هذا الجواب تام في الجملة و سنزيده توضيحا أكثر إن شاء الله تعالي لكن ما ذكره في اول جوابه يحتاج الي مزيد تأمل و إمعان نظر. وهكذا ما ذكره من عدم القطع بعلم الإمام الحسين بأن أهل الكوفة خادعوه، حيث من يرجع الي سيرتهم مع أبيه وأخيه: يطمئن بذلك، فما بالك مع من عاش الحدثين أعني الإمام الحسين ؟"
جواب المفيد نفى علم الأئمة تماما بالغيب بقوله "وأن إجماعهم ثابت علي أن الإمام يعلم الحكم في كل ما يكون دون ان يكون عالما بأعيان ما يحدث ويكون علي التفصيل و التمييز"
ولكنه عاد فجعلهم يعرفون بعض منه بوحى من الله وهو تناقض فقال "ولسنا نمنع أن يعلم الإمام أعيان ما يحدث، ويكون بإعلام الله تعالي له ذلك"
وأما صاحب الرد الثانى فهو على الموسوى المعروف بالمرتضى في قوله:
"الجواب 2
وهو للشريف المرتضي علم الهدي علي بن الحسين الموسوي البغدادي (ت 355 ـ 436 ه)؛ حيث سئل هل يجب علم الوصي ساعة وفاته او قتله علي التعيين؟ ام ذلك مطوي عنه؟ فأجاب :
إن الإمام لا يجب أن يعلم الغيوب وما كان وما يكون؛ لأن ذلك يؤدي الي أنه مشارك للقديم تعالي في جميع معلوماته، وأن معلوماته لا تتناهي، وأن ه يوجب ان يكون عالما بنفسه، وقد ثبت أنه عالم بعلم محدث، والعلم لا يتعلق علي التفصيل إلا بمعلوم واحد، ولو علم ما لا يتناهي لوجب وجود ما لا يتناهي من المعلومات، وذلك محال وقد بينا أن الذي يجب ان يعلمه علوم الدين و الشريعة فأما الغائبات أو الكائنات الماضيات والمستقبلات، فإن علم بإعلام الله شيئا فجائز، وإلا فذلك غير واجب. وعلي هذا الاصل ليس من الواجب علم الإمام بوقت وفاته، او قتله علي التعيين وقد روي أن أمير المؤمنين في اخبار كثيرة كان يعلم أنه مقتول، وأن ابن ملجم (لعنه الله) قاتله ولا يجوز ان يكون عالما بالوقت الذي يقتله فيه علي التحديد و التعيين، لأنه لو علم ذلك لوجب ان يدفعه عن نفسه، ولا يلقي بيده الي التهلكة، وأن هذا في علم الجملة غير واجب. نقول: يرد علي كلامه بعض الملاحظات: منها: قوله : لأن ذلك يؤدي الي أنه مشارك للقديم في جميع معلوماته ... الخ يمكن ان يقال: إن المشاركة بالمظهرية لا بالذات لا محذور فيها، نعم علي نحو الموجبة الكلية لا يمكن، ولعله هذا مراده فيرتفع الإيراد. منها: قوله: ولا يجوز ان يكون عالما بالوقت الذي يقتله فيه علي التحديد ... الخ غير تام؛ لأنه يمكن ان يعلم علي التحديد والتعيين بوقت قتله من دون ان يكون هناك رمي الي التهلكة، وما تلك الاجوبة المتقدمة والمتأخرة إلا حل لهذا التوهم. منها: قوله : لأنه لو علم ذلك لوجب ان يدفعه عن نفسه ...الخ غير تام؛ لأنه ليس ذلك قاعدة كليه، و ذلك أنه بعد ان نعلم بعدم المحذورية في البين يسقط الوجوب، و يتحول التكليف الي حكم آخر كما سوف يأتي إن شاء الله تعالي."
والمرتضى كرر نفسه جواب المفيد ووقع في نفس التناقض فقد نفى تماما علم الأئمة بالغيب فقال" إن الإمام لا يجب أن يعلم الغيوب وما كان وما يكون " ثم عاد فأقبت أنهم قد يعلمون ببعض الغيب بوحى الله فقال " فأما الغائبات أو الكائنات الماضيات والمستقبلات، فإن علم بإعلام الله شيئا فجائز "
ولكنه عارض ذلك بكون على علم أنه مقتول وأن ابن ملجم قاتله وما جهله هو الموعد وهو كلام يتنافى مع مضمون قوله تعالى :
" لو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسنى السوء"
فهنا علم الغيب يجعل العالم مانع للسوء وهو هنا القتل عنه فيقتل قاتله وهو ما لم يحدث فيكون الرجل غير عالم بشىء
والرد الثالث كان للحلى وهو :
"الجواب 3
وهو للعلامة الحلي الحسن بن يوسف بن المطهر (ت 726 ه) حيث سئل عن علم امير المؤمنين بكيفية ووقت ومكان قتله فأجاب بأنه يحتمل أن يكون قد أخبر بوقوع القتل في تلك الليلة أو في أي مكان يقتل، وأن تكليفه مغاير لتكليفنا، فجاز ان يكون بذل مهجته الشريفة في ذات الله تعالي، كما يجب علي المجاهد الثبات وأن كان ثباته يفضي الي القتل. نقول: يصلح هذا الجواب لأن يكون ايضا حلا لعلم الإمام الحسين بشهادته وذلك لوحدة النكتة، ولكن ما ذكره من قوله : « .. وأن تكليفه مغاير لتكليفنا» لا نحتاج الي هذا الاحتمال بعد ان كان غير المعصوم يعلم بكيفية ووقت قتله؛ كما روي عن رشيد الهجري وميثم التمار وغيرهما ممن كان عندهم علم المنايا نعم ما ذكره اخيرا تام، كما سوف نوضحه اكثر إن شاء الله تعالي."
والجواب هنا جواب مناقض لكلام الله فعلى لم يكن مكلفا بشىء مخالف لسائر المسلمين لأن الوحيد الذى كان مكلفا بذلك هو النبى(ص) ومن قبله من الرسل(ص) وهو نزول الوحى عليهم لتبليغه كما قال تعالى :
" قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلى"
ومن ثم فعلى لم يكن ينزل عليه وحى هو وغيره
وكيف يعلم على بغيب قتله إذا كان محمد(ص) نفسه لم يعلم ما يفعله به أو بالناس كما قال تعالى:
" وما أدرى ما يفعل بى ولا بكم"
وكان الجواب التالى لكاشف الغطاء وهو :
"الجواب 4
وهو للإمام الأكبر محمد الحسين آل كاشف الغطاء (ت 1373 ه) في رده علي سؤال حول خروج امير المؤمنين ليلة 19 من شهر رمضان المبارك مع علمه بقتل ابن ملجم له، وهل يصدق عليه أنه إلقاء النفس الي التهلكة؟ فأجاب : معاذ الله ان يكون ذلك من باب إلقاء النفس الي التهلكة، بل هو علي الإجمال من باب الجهاد الخاص علي الإمام لا الجهاد العام علي عموم الإسلام يعني أنه من باب المفاداة والتضحية والتسليم لأمر الله سبحانه في بذل النفس لحياة الدين وتمييز الحق من الباطل؛ ليهلك من هلك عن بينة ويحيي من حي عن بينة، ويميز الله الخبيث من الطيب، ومن هذا الباب إقدام الحسين علي الشهادة مع علمه بأنه مقتول لامحالة ولاشك أنهم كانوا يعلمون بكل ذلك بإخبار النبي (ص) وحيا، ولكن يحتملون فيه ان يتطرق إليه البداء ويكون من لوح المحو والإثبات، وأن يكون ثابتا في العلم المخزون المكنون الذي استأثر الله سبحانه به لنفسه؛ فلم يظهر عليه ملكا مقربا ولا نبيا مرسلا، وباب البداء باب واسع لا مجال هنا لشرحه، وفي هذا كفاية إن شاء الله. نقول: لا نحتاج في الجواب الي ان نجعل هذا من باب الجهاد علي الإمام؛ لأنه لا دليل علي ذلك، ثم أنه قد يرد علي كلامه الاخير أنه مجرد احتمال المخالفة لا يكون مبررا لارتكاب الفعل، وإلا لجاز ان يرمي الأن سان بنفسه من شاهق، مع احتمال أن يكون قد كتب له في اللوح المحفوظ أنه لا يصيبه شيء، وهو كما تري"
كاشف الغطاء خالف الردود السابقة في أن على والحسين علموا بمقتلهم عن طريق النبى(ص) الذى أوحى له ذلك وهو كلام ينافى تماما أن خاتم النبيين(ص) لم يكن يعرف ما يحدث له ولا للناس كما أخبرنا الله على لسانه فقال:
" وما أدرى ما يفعل بى ولا بكم"
وكان الجواب التالى للطباطبائى وهو :
"الجواب 5
وهو لسيد مشايخنا العلامة محمد حسين الطباطبائي (ت 1402ه) صاحب «تفسير الميزان»؛ حيث قال: إن علمهم: بالحوادث علم بما أنه واجبة التحقق، ضرورية الوقوع لا تقبل بداء ولا تحمل تخلفا كما في الاخبار. والعلم الذي هذا شأنه لا أثر له في فعل الإنسان
بيان ذلك: ان من المقرر عقلا ـ وقد صدقه الكتاب والسنة ـ ان كل حادثة من الحوادث تحتاج في تحققها الي علة، وأن العلة المتوقف عليها وجود الشيء تنقسم الي ناقصة وتامة، والعلة التامة تمام ما يتوقف عليه وجود الشيء؛ فيجب بوجودها وجوده وبعدمها عدمه، والعلة الناقصة بعض ما يتوقف عليه وجود الشيء فلا يجب بوجودها وجوده؛ لافتقاره معها الي غيرها، ولكن يجب بعدمها عدمه. ومن هنا يظهر أنه لا تتحقق حادثة من الحوادث إلا و هي واجبة الوجود بإيجاب علتها التامة التي فوقها، وكذا الكلام في علتها التامة حتي ينتهي الي الواجب بالذات تعالي وتقدس. فالعالم مؤلف من سلسلة من الحوادث، كل حلقة من حلقاتها واجبة الوجود بما يسبقها ـ و إن كانت ممكنة بالقياس علي علتها الناقصة ـوهذه الوجوبات المترتبة الواقعة في سلسلة الحوادث في نظام القضاء الحتمي الذي ينسبه الله تعالي الي نفسه قال تعالي: (ليقضي الله أمرا كان مفعولا). وقال: (وكان أمرا مقضيا).
ثم إن من المعلوم ان الإنسان الفعال بالعلم والإرادة إنما يقصد ما يتعلق به علمه من الخير والنفع، ويهرب مما يتعلق به علمه من الشر و الضر، فللعلم أثر في دعوة الإنسان الي العمل، وبعثه نحو الفعل والترك بالتوسل بما ينفعه في جلب النفع او دفع الضرر، وذلك يظهر ان علم الإنسان
بالخير وكذا الشر والضرر في الحوادث المستقبلة إنما يؤثر أثره لو تعلق بها العلم من جهة إمكانه لا من جهة ضرورتها علي ما أشير إليه آنفا، وذلك كان يعلم الإنسان أنه لو حضر مكانا كذا في ساعة كذا من يوم كذا قتل قطعا؛ فيؤثر العلم المفروض فيه ببعثه نحو دفع الضرر؛ فيختار ترك الحضور في المكان المفروض تحرزا من القتل واما إذا تعلق العلم بالضرر مثلا من جهة كونه ضروري الوقوع واجب التحقق؛ كما إذا علم أنه في مكان كذا في ساعة كذا من يوم كذا مقتول لا محالة بحيث لا ينفع في دفع القتل عنه عمل و لا تحول دونه حيلة؛ فإن مثل هذا العلم لا يؤثر في الإنسان أمرا يبعثه الي نوع من التحرز و الاتقاء لفرض علمه بأنه لا ينفع فيه شي ء من العمل، فهذا الأن سان مع علمه بالضرر المستقبل يجري في العمل مجري الجاهل بالضرر إذا علمت ذلك ثم راجعت الأخبار الناصة علي أن الذي علمهم الله تعالي من العلم بالحوادث لا بداء فيه ولا تخلف؛ ظهر لك اندفاع ما ورد علي القول بعلمهم بعامة الحوادث من أنه لو كان لهم علم بذلك لاحترزوا مما وقعوا فيه من الشر، كالشهادة قتلا بالسيف وبالسم لحرمة إلقاء النفس في التهلكة.
وجه الإندفاع أن علمهم بالحوادث علم بها من جهة ضرورتها كما هو صريح في نفي البداء عن علمهم، والعلم الذي ها شأنه لا اثر له في فعل الأن سان الي نوع من التحرز، وإذا كان الخطر بحيث لا يبل الدفع بوجه من الوجوه فالابتلاء به وقوع في التهلكة لا إلقاء الي التهلكة، قال تعالي: (قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلي مضاجعهم )"
جواب الرجل هنا جواب فلسفى لا علاقة له بكلام الله وكما ابتعد كل أصحاب الآراء السابقة عن كلام الله ابتعد هذا ومن سيأتى بعده متناسين تماما القرآن وما فيه ثم قال العاملى مزيدا ومناقشا:
"نقول: هذا الكلام مع دقته قد يلاحظ علي آخره أنه لو كان قضاء لازما وقدرا حاتما لبطل الثواب، كما ورد نظير ذلك عن أمير المؤمنين عندما سأله الشامي حول مسيره الي الشام وأنه بقضاء من الله و قدر منه .. مضافا الي ذلك فقد ورد في عدة روايات أن أمير المؤمنين خير في الليلة التاسعة عشرة من شهر رمضان المبارك من السنة التي ضرب فيها بين البقاء واللقاء فاختار لقاء الله تعالي. نعم جاء في بعض النسخ عوض كلمة «خير» (بالخاء المعجمة) كلمة «حير» (بالحاء المهملة) إلا أن النسخة الاولي تتناسب مع عنوأن الباب الذي ذكرت فيه هذه الرواية، وهو باب: إن الآئمة: يعلمون متي يموتون وأنهم لا يموتون إلا باختيارهم، حتي صرحت بعض روايات هذا الباب بذلك؛ فقد جاء بسند معتبر عن عبدالملك بن اعين، عن ابي جعفر ، قال: «أنزل الله تعالي النصر علي الحسين حتي كان ما بين السماء والأرض، ثم خير النصر او لقاء الله، فاختار لقاء الله تعالي»
قطعا كل هذا باطل فلا تخيير لأحد في موته لأنه قضاء الله الذى لا يتأخر كما قال تعالى :
"إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر لو كنتم تعلمون"
وقال:
" فإذا أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون"
وذكر العاملى رأى أستاذ له من المعاصرين فقال :
الجواب 6
وهو لأحد أعاظم أساتذتنا حفظه الله تعالي؛ حيث قال: بأن هذا الإقدام من قبل الإمام المعصوم لا يعد إلقاء في التهلكة، وذلك ان التكليف قائم علي العلم الذي يحصل عن الطريق المتعارف كالعلم الحصولي الذي يحصل بالتفكر و التعلم و نحو ذلك، فهذا النحو من العلم هو الذي يقع عليه مدار التكليف ويكون حجة علينا، و اما العلم الملكوتي اللدني ليس كذلك؛ اي ما يكشفه هذا العلم من حقائق خارجية ليس ما درا للتكليف بناء علي هذا فإن علم الأئمة: الذي يكون عن هذا الطريق الذي يكشف لهم بعض الحقائق من المنافع والمضار وكيفية موتهم ليس محطا للتكليف، والدليل علي هذا قول النبي الاكرم (ص): «إنما اقضي بينكم بالبينات والإيمان». أي بحسب العلم الظاهري دون العلم الباطني الملكوتي، مع أن علله عز وجل قال في محكم كتابه: (فسيري الله عملكم ورسوله )فالرسول الاكرم (ص) يري حقيقة الأعمال كما يؤيد ذلك ايضا بعض الروايات من ان اعمال الخلق تعرض علي كل نبي عصر وإمام عصر، و يعلم ما يفعله العباد بإذن الله تعالي. مع هذا كان مأمورا بالعمل الظاهر، وكان يحكم علي طبق البينة والإيمان، ولذا قال (ص) في ذيل هذا الحديث المتقدم: «بعضكم ألحن بحجته من بعض؛ فأيما رجل قطعت له من مال أخيه شيء فإنما قطعت له به قطعة من النار»إذن يمكن أن يكون هناك علم ما، لكن ليس مدارا للتكليف والعمل به وعليه فالأئمة: مع أنهم يعلمون الغيب كما جاء في روايات عرض الأعمال عليهم، فأنهم كانوا يحكمون بحسب العلم الحصولي والحسي أي بحسب الظاهر دون الباطن فعلم الإمام بكيفية قتله ليس رميا في التهلكة؛ لأن منشاه عالم الملكوت دون عالم الملك."
وهذا الكلام هو الآخر يتدثر بلباس الفلسفة وهو مخالف لكلام الله فالنبى(ص) لم يكن يرى حقيقة الأعمال كما زعم القائل لأنه لو كان يرى لعلم بمن خدعه وخدع المسلمين عند ما رمى بريئا بجريمة هو من ارتكبها وظل النبى(ص) يدافع عنه وهو بقية المسلمين حتى أنزل الله وحيا ينهاهم عن الدفاع عنه فقال:
" ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم"
وناقش العاملى رأى أستاذه فقال :
"نقول: في كلامه دام عزه موارد للنظر:
أولا: كون التكليف قائما علي العلم الحصولي دون الملكوتي غير تام، لأن الخضر كان تبعض تكاليفه قائمة علي العلم الملكوتي كما في قتل الغلام وغيره، بل تكاليف نفس المعصوم وخاصة الأنبياء والرسل: منشؤها العلم الملكوتي دون غيره. وكيفما كان فإن من يراجع سيرة الائمة: يري بان بعض أفعالهم كانت نتيجة علمهم الملكوتي، من قبيل علم الإمام أمير المؤمنين بوفاة سلمان الفارسي في المدائن وحضوره عنده وتغسيله وتكفينه والصلاة عليه ودفنه مع أنه كان في المدينة المنورة في الحجاز، والمدائن مدينة أو مدن قرب بغداد في العراق. وكذلك حجب الإمام الكاظم لعلي بن يقطين في المدينة المنورة لحجبه إبراهيم الجمال في الكوفة علي ما روي وما اكثر أمثال هذا! وفصل الخطاب أنه قرر في علم اصول الفقه: ان العلم و لا قطع بشي ء حجة من اي طريق حصل، وعليه فلو علم المعصوم علما لدنيا بان هذا الطعام حرام فهل يجوز له اكله؟ ثانيا: قوله دام عزه: والدليل علي هذا قول النبي الاكرم (ص): «إنما اقضي بينكم بالبينات والإيمان ... الخ»، فأنه دليل اخص من المدعي؛ لأنه قال (ص) «بينكم»، وهذا جزء من تكاليف المعصوم، وأما تكاليفه التي بينه وبين الله والمختصة به فغير مشمولة لهذا البتة علي أنه أصل هذه المسألة غير مسلمة عند الإمامية بل الاقوال فيها متعددة؛ فمن الإمامية من يزعم أن أحكام الأئمة: علي الظواهر دون ما يعلمونه علي كل حال، ومنهم من يزعم أن أحكامهم إنما هي علي البواطن دون الظواهر التي يجوز فيها الخلاف، ذهب الشيخ المفيد وجماعة آخرون الي أنه للإمام ان يحكم بعلمه كما يحكم بظاهر الشهادات، ومتي عرف من المشهود عليه ضد ما تضمنته الشهادة أبطل بذلك شهادة من شهد عليه، وحكم فيهت بما اعلمه الله تعالي. و لا يخفي أن منشأ هذه الاقوال هو اختلاف الاخبار و الآثار وعلي هذا فلا يمكن الاعتماد علي ما ذكره دام عزه
ثالثا: قوله دام عزه: «فعلم الإمام بكيفية قتله ليس رميا في التهلكة ... الخ»؛ فأنه بناء علي ما تقدم وذكرناه يبقي السؤال مطروحا و يحتاج الي إجابة أخري."
وكلام العاملى يناقض كتاب الله في معجزة ذهاب على لمدينة بعيدة وهو في الكوفة في نفس الوقت وكذلك الحكاية الثانية معجزة أى أية وقد منع الله الآيات وهى المعجزات في عهد النبى(ص) ومن بعده فقال :
" وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون"
وحكاية الظاهر والباطن أو الملكوتى والحصولى هو وهم وباطل يخالف نص الآية:
" لو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسنى السوء"
وأما جواب العاملى نفسه فهو :
"الجواب 7
وهو فصل الخطاب في معرفة حق الجواب؛ والذي ينبغي ان يقال وهو ما استهدينا إليه بواسطة القرآن الكريم وسنة الائمة المعصومين:و حاصله يتوقف علي عدة مقدمات:
الأولي: قال الله عز وجل: (إنك ميت وأن هم ميتون). وهذه سنة إلهية لا مفر منها
الثانية: قال الله تعالي: (الله يتوفي الأن فس حين موتها) و هذا تام علي طبق التوحيد الأفعالي
الثالثة: قال الله سبحانه وتعالي: (وما كان لنفس ان تموت إلا بإذن لله كتابا مؤجلا). وعليه فموت الأنفس خاضع للمشيئة الإلهية، وهذه مشيئة تكوينية كما لا يخفي
الرابعة: قال الله عز وجل : (فإذا جاء اجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون) وقال تعالي: (ما تسبق من امة اجلها وما يستأخرون).
وهذه سنة إلهية اخري لا يمكن للبشر التصرف فيها؛ لأنها من اللوح المحفوظ والمحتوم
الخامسة: قال الله تعالي حكاية عن النبي إبراهيم : (يا بني إني اري في المنام اني اذبحك فانظر ماذا تري، قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين).
وقتل الولد بالأصل الأولي لا يجوز؛ لكن عندما يخضع للأمر الإلهي تتحول الحرمة الي الوجوب لوجود المصلحة وارتفاع المفسدة. وبعد هذا نقول: إذا كان الموت أمرا حتميا، وأنه بيد الله عز وجل ، وأنه يعلم متي نموت، وكيف نموت، بل هو الذي يأذن تكوينا كما أنه يأذن فيما يرضيه تشريعا، كما في قصة إبراهيم وابنه: في إيجاد مقدمات القتل بالكيفية التي يرضاها الله تعالي، وهكذا في الجهاد.
فلو علم شخص بأن الله شاء ان يقتل بهكذا طريقة، وأن ه يرضي له بهذا؛ فعندما لا يكون إقدامه علي الموت إلقاء الي التهلكة، بل إلقاء الي مرضاة الله عز وجل واستحقاقه للثواب لرضاه بقضاء الله وقدره. وعليه فأمير المؤمنين علم تكرما وتفضلا من الله أنه يقتل بهذه الطريقة، و أنه تعالي راض بذلك، فإقدامه علي الموت عندئذ يعد فضيلة و امتثالا للرضا الإلهي لرضاه بذلك، وهكذا الإمامان الحسن والحسين وسائر الأئمة ولذا عندما عزم الإمام الحسين علي الخروج من مكة الي العراق جاءه اخوه محمد بن الحنفية وقال له: فما حداك علي الخروج عاجلا؟ فقال : «أتاني رسول الله (ص) بعدما فارقتك، فقال: يا حسين، اخرج، فإن الله شاء ان يراك قتيلا» فقال محمد بن الحنفية: إنا لله وإنا إليه راجعون، فما معني حملك هؤلاء النساء معك وأنت تخرج علي مثل هذا الحال؟ فقال له: «قد قال لي: إن الله قد شاء ان يراهن سبايا»
فعندما نلاحظ كلمة «اخرج) وكلمة «فإن الله شاء» او «إن الله شاء» نري بان هذا يؤيد ما ذكرناه، ولا يخفي أن المشيئة هنا بحسب الظاهر اعم من المشيئة التكوينية، فتشمل الرضا و الإرادة التشريعيين ايضا، ولذا قال له النبي (ص) علي ما روي:
«اخرج فإن الله شاء ان يراك قتيلا»فرضاه بالمشيئة الإلهية هو الذي جعله سيد الشهداء و معين العرفاء هذا ما خطر علي ذهننا القاصر، والله العالم بحقائق الأمور"
العاملى أخطأ فيما قاله في التالى:
ألأول استشهاده بقصة إبراهيم(ص) وولده فالقصة مخالفة فإبراهيم(ص)كان يعلم من حلمه قتله لولده وهو قول" يا بنى أنى أرى في المنام أنى أذبحك" ومع هذا لم يكن القضاء هو ذبح الولد وإنما كان القضاء حياة الولد ومن ثم الأمر مختلف فهناك ظن للموت ومع هذا كان القضاء الحياة"وفديناه بذبح عظيم"وأما في حكايات على والحسين فالعلم بالموت والقضاء هو الموت كما يزعمون ومن ثم لا صلاحية لذلك الاستشهاد
الثانى الحكاية المزعومة عن الحسين ومحمد بن الحنفية وأن النبى(ص) من أخبر الحسين بمقتله في تلك الليلة وهو ما ينافى روايات أخرى تقول أنه أخبر بهذا وهو طفل في الحديث الشهير " الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة "