قراءة في كتاب الخلل في النفوس لا في النصوص
المؤلف محمد جلال القصاص والمحاضرة تدور حول أن الكتاب ليس له سوى تفسير واحد ولكن الاختلاف في التفسير مرده إلى هوى النفوس أو جهلها وقد استهل الكتاب بتقسيم آيات القرآن إلى محكم حقيقى ومحكم إضافى ومتشابه فقال :
"القرآن الكريم من حيث الإحكام وعدمه ثلاثة أنواع :
محكم حقيقي
ومحكم إضافي ، ويقال له أيضا متشابه إضافي
ومتشابه حقيقي
المحكم الحقيقي : وهو واضح الدلالة على المعنى المراد
أو هو الذي لا يحتاج لغيره لبيانه
وقيل هو ما عرف تأويله وفهم معناه وتفسيره مثل آيات الأحكام
والمتشابه الإضافي وهو : ما يحتاج لغيره لبيان معناه
مثل العام مع مخصصه ، والمطلق مع مقيده ، والناسخ مع منسوخه وهكذا
والمتشابه الحقيقي وهو : ما لا سبيل للوقوف على معناه بحال مثل الحروف المقطعة في بعض فواتح السور من القرآن الكريم حم عسق كهيعص الر المر طه يس
فنحن الآن أمام ثلاثة أنواع من النصوص ، نوع محكم يعرفه كل الناس ، يتبادر معناه إلى الذهن من أول وهلة وهو ما يسمى المحكم الحقيقي وهذا النوع هو الكثير في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة ويشمل آيات الأحكام والفرائض والحدود ، ولذلك حين سأل بن عباس عن المحكم قال :
هو قول الله تعالى : " قل تعالوا أتلوا ما حرم ربكم عليكم أن لا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا "
عرف المحكم بآيات الأحكام
ونوع يحتاج إلى العلماء الربانيين الراسخين في العلم لبيانه ، وهو المحكم الإضافي ، أو المتشابه الإضافي يحتاج إلى من يعرف العام والخاص ، والمطلق والمقيد ، والناسخ والمنسوخ ، وما إلى ذلك وهذا النوع قليل أقل بكثير من النوع الثاني
وهناك نوع من المتشابه وهو مالا سبيل للوقوف على معناه لا يعلمه أحد إلا الله وهو أقل الثلاث ، ولا يتعلق به حكم شرعي ، فقط يطلب فيه التفويض والتسليم بأنه من عند الله
ولذلك حين سأل بن عباس رضي الله عنهما عن التفسير قال: منه ما يعرفه كل الناس ومنه ما لا يعرفه إلا الخاصة ، ومنه مالا يعرفه أحد
وهذا هو معنى قول الله تعالى في أول سورة آل عمران " هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات الآية "
فنحن الآن أمام ثلاثة أنواع من النصوص القرآنية
نوع بين الدلالة ، يعرفه كل الناس ، وهو الغالب في القرآن الكريم ، وهو الذي يشرح آيات الأحكام
وهو أم الكتاب كما قال منزل الكتاب " هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب "
وهناك نوع لا سبيل للوقوف على معناه ، وهذا النوع قليل نادر ، لا يتعلق به حلال ولا حرام ، ليس فيه أمر ولا نهي ، وفقط كل ما يطلب فيه هو التسليم بأنه من عند الله فالله سبحانه وتعالى لم يكلفنا بمعرفة تأويله ، والله سبحانه وتعالى لم يجعل حكما مترتبا على هذا النوع من الآيات ، بل فقط المطلوب فيه هو التسليم بأنه من عند الله
وهناك نوع وسط بين النوعين يحتاج إلى المتخصصين في ا لعلم لاستنباطه ، وهذا النوع بعد استنباطه ومعرفة ما فيه من الأحكام والمعاني هو من المحكم أيضا "
وهذا التقسيم لا دليل عليه من كتاب الله فالقرآن ذكر نوعين فقط هما :
المحكم والمتشابه فقال كما استدل هو :
" هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات "
ومن ثم فلا وجود لمحكم إضافى أو متشابه إضافى لعدم ذكرهم في الآية وأما تعريف الثلاثة فهى تعاريف خاطئة فالمحكم والمتشابه كله واضح بائن فلا يوجد في كتاب الله ما هو غامض أو غير معروف كما قال تعالى :
" ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شىء"
وقال :
" وكل شىء فصلناه تفصيلا"
وقد بين الله أن الله وطائفة من الناس يعلمون تفسيره كله كما قال تعالى :
" قل لا يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم"
فلو كان بعضه مجهول غامض لا يعلمه أحد فلماذا أنزله الله ؟
هل ليظل الناس جهلة به ؟
بالقطع لا لأن الله ما أنزله إلا لبيان كل ما يختلف فيه الناس قديما وحديثا كما قال تعالى :
" وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم"
فالله أنزل القرآن وتفسيره الإلهى حتى لا يختلف البشر ولو كان فيه بعض المجهول وهو الغموض فلماذا طالبنا بالتحاكم إلى كتاب الله عند النزاع في أى موضوع في قوله تعالى :
" وما اختلفتم فيه من شىء فحكمه إلى الله"
وبعد هذا الحديث تعرض المحاضر القصاص إلى اتهام النصارى القرآن بكونه متضارب متناقض فقال :
"إذا يمكنني القول بأن القرآن محكم ومتشابه
أليس كذلك ؟
نعم : يتكلم النصارى عن أن هناك آيات كثيرة مبهمة لا يعرفون معناها أو عن أحكام متشابهه متضاربة في القرآن الكريم ، ويقولون ، لو كان من عند الله لما كان هذا التضارب
ونحن نقول أن الخلل ليس في القرآن ، وإنما في النفوس التي تتلقى القرآن
الجهل وسوء المنطلق هو الذي أوجد هذا التشابه عند النصارى وعند غيرهم
دعوني أعرض على حضراتكم بعض الأمور لأخرج بحقيقة استقرائية ودعوني أبدأ من الخلف قليلا
الوليد بن المغيرة المخزومي ، يسمع القرآن فيذهب إلى نادي قومه ويصف القرآن بأحسن الأوصاف : إن له لحلاوة ، وإن عليه لطلاوة ، وإن أعلاه لمثمر ، وإن أسفله لمغدق ، وإنه يعلو ولا يعلى عليه
وظنت قريش أن الوليد قد أسلم ، فيصيح القوم وأنه سيقف موقف الداعي لهذا الدين الجديد ؛ فالأمر ليس ببعيد ؛ فمن قبله ذهب عمر إلى رسول الله (ص)ليقتله ، وعاد من عنده مسلما ، ولكن الوليد خيب ظنهم فلم يكن إقباله عليهم إقبال المخلص الداعي لهذا الدين الجديد بل كان إقبال المخلص الداعي لدينهم هم
ويتكلم الوليد : قولوا في الرجل قولة واحدة ولا تختلفوا حتى لا يظهر كذبكم
ويعرض القوم آراءهم : نقول ساحر نقول شاعر نقول كاهن نقول كاذب والوليد لا يجد الوصف مناسبا فيرده ويسند إليه الأمر : قل أنت يا أبا عمارة نسمع
ويصمت الوليد يجول بفكره يحاول أن يجد نقيصة في الرسول صلى الله عليه وسلم
[ إنه فكر وقدر * فقتل كيف قدر * ثم قتل كيف قدر * ثم نظر * ثم عبس وبسر * ثم أدبر واستكبر ]( المدثر : 18-23 )
يحاول الوليد ويحاول ولكن أنى له ؟ ! فالرجل هو الصادق الأمين ، ومنهجه هو هو الذي وصفه منذ قليل بأن له حلاوة وعليه طلاوة ويعجز الوليد ، ويعود إلى بعض آرائهم التي قالوها هم وردها هو من قبل ، يقول : قولوا ساحر ، ثم يدلل على قوله وما أكذبه : ألا ترون أنه يفرق بين الرجل وزوجته ، والابن وأبيه [ فقال إن هذا إلا سحر يؤثر * إن هذا إلا قول البشر ]( المدثر : 24-25 )
ما ذا يحدث الآن في هذا المجلس ؟
الرجل مقتنع بالقرآن ، ويجلس هو ورفقائه يلفق كذبه ليصد بها عوام الناس عن الدين الإسلامي "
الرجل وهو القصاص يقول لنا أن حكاية إسلام عمر وحكاية كفر الوليد يعود إلى ما في نفس كل منهم من طلب الحق من عدمه فعمر اختار الحق حسب حكايته لأنه كان يريد العدل والوليد اختار الكفر مع تسليمه بأن الكتاب المنزل سليم لا يمكن إخراج نقيصة فيه لأنه كان يهوى الباطل وهو تميز الناس على بعض أى وجود سادة وأتباع
ما لم يناقشه القصاص هو أنه أخذ الحكايتان على أنهما صادقتان رغم أن الحكايتان رواياتهم باطلة لا يصح منها شىء فلا يمكن لكافر أن يقول ذلك الكلام الصادق في كتاب الله ويكفر به وأما حكاية عمر فرواياتها متناقضة فيما حدث بالضبط وحتى الآيات التى قرأها بعضها يقول أنها من سورة كذا والبعض الأخر يقول أنها من سورة كذا
وحكى لنا حكاية أخرى فقال :
"مشهد آخر :
يقسم الملأ من قريش أن ما يأتي به محمد ــ (ص)ــ هو من عند هذا الغلام الأسود الذي يعتكف بجواره في غار حراء ، ثم يجيء بهذا الغلام فإذا به أعجمي لا يتكلم العربية
[ ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين ]
والسؤال : هؤلاء القوم وهم يقسمون على أن محمدا ــ (ص)ــ يأتي بالوحي من عند هذا الغلام أليسوا كانوا كاذبين عند أنفسهم ؟
بالطبع هم كانوا كاذبين عند أنفسهم ولولا ذاك لآمنوا من فورهم حين عرفوا أن هذا الغلام لا ينطق العربية
إنهم فقط يبحثون عن حجة كي يطفئون بها نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون
وهذا حال من لا يريد الحق وإنما يريد طمث الحق بأي شيء هذا هو سعيه وجهده "
الحكاية هنا مثلها ما استشهد به القصاص من حكايات التاريخ التى يروجها ويخترعها الكفار للضحك علينا فالرجل يظن أن العربى والأعجمى هنا يعنى اللغة العربية واللغات الأجنبية مع أن العربى يعنى الكلام الواضح الذى يفهمه الكل والأعجمى يعنى الكلام الغامض المتضارب الذى لا يفهم منه شىء
وحكى لنا حكاية أخرى وهى :
"مشهد آخر !
تحدثت قريش أن اليهود أهل كتاب ولديهم علم بالكتب والرسالات ، فقالوا :لو أننا ذهبنا إليهم ونسألهم عن محمد ـــ (ص)ــ
ويعطي اليهود الأمارة : سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الأول ما كان أمرهم ؟ سلوه عن رجل طواف قد بلغ مشارق الأرض ومغاربها ما كان نبؤه ؟ سلوه عن الروح ما هي ؟ ويعطونهم صفة الإجابة ، وتعود رسل قريش من عند اليهود ، ويحشر الملأ القوم منادين فيهم : جئنا بالقول الفصل بيننا وبين محمد (ص)، ويعطيهم الصادق الأمين الأمارة تامة
ثم ماذا حدث ؟ الموقف لا يتغير ولا يتبدل ، يظهر الحق ويستيقن فريق من الناس ، ثم يعاندون
هذا الفريق من الناس هو لا يبحث أساسا عن الحق وإنما يبحث عن شبهة يطفئ بها نور الله والله متم نوره ولو كره الكافرون "
والرواية التى تدخل اليهود فيها كونهم من أعطوا قريش الأسئلة لا يوجد دليل عليه في كتاب الله فالله يقول " يسألونك عن الروح" و" يسألونك عن ذى القرنين"
واما أهل الكهف فلم يسأل النبى(ص) أحد عنها وإنما اعتقد النبى(ص)أنها من آيات الله العجيبة ومن ثم قصه له كما قال تعالى :
"أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا"
وتحدث القصاص عن السادة الأكابر وديدنهم مع الرسل (ص) والأتباع فقال :
"هذا حال من يسميهم القرآن الملأ الذين استكبروا في كل العصور وليس فقط في عهد النبي محمد (ص)
ودعوني أسلط الضوء سريعا على القرون الغابرة أبين فيها حال الملأ الذين استكبروا وكيف أن النفوس متشابه ، ولا يتغير إلا الأشخاص فقط كما يقول ربنا تبارك اسمه : " كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم تشابهت قلوبهم
قوم نوح يجادلون نبيهم عليه السلام فيدحض حجتهم حتى لا يبقى لهم ما يدافعون به عن باطلهم الطبيعي بعد هذا هو الإيمان ، ولكن انظر إلى كلامهم ما أعجبه [ قالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين ]
وقوم عاد ينادون نبيهم هودا - عليه السلام - : [ قالوا أجئتنا لنعبد الله وحده ونذر ما كان يعبد آباؤنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين ]فهم إذن يفهمون الرجل ، ولا يكون ذلك إلا بإظهار الحجج والبراهين ، ثم انظر إلى موقفهم بعد هذا البيان ، وكيف أنه يطابق موقف من كان قبلهم ( ائئتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين ) أما أن يؤمنوا فلا ؟
وقوم ثمود يطلبون الآية فتأتيهم ، ثم ماذا ؟ هل آمنوا ؟ أبدا لا بل عقروا الناقة وقالوا قولة من قبلهم [ فعقروا الناقة وعتوا عن أمر ربهم وقالوا يا صالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين ]
وقوم لوط [ وما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون ]لم يا قوم ؟ [ إنهم أناس يتطهرون ]ألهذا ؟
وقوم خليل الله إبراهيم - عليه السلام - : [ فما كان جواب قومه إلا أن قالوا اقتلوه أو حرقوه فأنجاه الله من النار إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون ]
وإن تعجب فمن أهل مدين قوم شعيب - عليه السلام - نبي الله شعيب عليه السلام يبلغ رسالة ربه فيؤمن البعض ، ويكفر البعض الآخر ، ويأخذ الرجل بمبدأ المسالمة : [ وإن كان طائفة منكم آمنوا بالذي أرسلت به وطائفة لم يؤمنوا فاصبروا حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين ]أفي هذا عيب ؟ ينادي بحرية الاعتقاد ولم يرفع سلاحا ولم يعلن جهادا
ولكن انظر ما رد الملأ :
[ قال الملأ الذين استكبروا من قومه لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن في ملتنا ]
أيها الكرام !
الموقف من الدعوة ورجالها هو هو ، المنطق نفسه يتكرر ، ولا يكاد يتغير ، يعرفون الحق ويستيقنون منه تماما ثم لا يتبعونه ، وليت الأمر بقي على هذا فالبلية به خفيفة ، بل يعلنون أنه لا هوادة ، ولا مقام مع الحق وأهله "
القصاص هنا محق تماما فالكفار في كل العصور السابقة كانوا يعرفون الحق من خلال رؤية الايات المعجزات مع وجود الآيات المقروءة قبلها ومن ثم فهم يكفرون ويرفضون مع وضوح البراهين المعنوية والبراهين الظاهرة
وبعد ذلك تحدث إضلال السادة لغيرهم فقال :
فقط أريد أن أسلط الضوء على هذا النوع المجرم من الناس الذي لا يريد الحق أبدا يكره الحق وهو يعرفه ، ويعرف ما فيه من الخير يلبس الحق على عوام الناس يحاول أن يضلهم
هذا النوع من الناس موجود في كل زمان ومكان ، وهو الذي يختلق المتشابه في القرآن هو الذي يفتعل المتشابه كذبا وبهتانا كي يلبس على الناس دينهم
تعالوا نستقري ما يحدث اليوم في غرف البالتوك وفي غرف النصارى لنبين كيف أن السبب فيما أشكل على الناس في كتاب الله ، وخاصة النصارى ، سببه الوحيد هو رهبان النصارى وعلمائهم وليس أبدا هو كتاب الله العظيم"
والسادة في النصرانية هم الكهنة ومنهم قساوسة ورهبان وهم يحاولون دوما اضلال الناس عن الحق والسبب بالقطع الحصول على متاع الدنيا التى يعلنون في الظاهر معاداتهم لهاوفى هذا قال القصاص:
"أيها الكرام !
يقول الله تعالى:
" يا أيها الذين آمنوا إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله "
" والله يقول عن هؤلاء " وإن منهم لفريقا يلون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون
ومن أصدق من الله قيلا ؟ ! ومن أصدق من الله حديثا ؟ !
تعالوا الآن على ضوء ما سبق ننظر إلى ما يقوله النصارى اليوم حول القرآن خصوصا والدين عموما ، وكيف أن ركب الشيطان متصل من يوم كان إلى يومنا هذا لم تنقطع حباله النجسة
كيف أن لكل قوم وريث وأن هؤلاء كأسلافهم من قبل قوم نوح وعاد وثمود وقريش
ـــــ سمعت ــ أنا بأذني ــ رأس الكنيسة الأرثوذكسية المصرية الأنبا شنودة يقول : أن القرآن يذم نوع من النصارى غيرنا إن القرآن يذم من قالوا بأن لله إبنا القرآن يذم من قالوا بأن لله صاحبة وولدا ، ويقرأ على مستمعيه الآيات التي تتكلم عن هذا النوع من النصارى مثل قول الله تعالى " وقالوا اتخذ الرحمن ولدا لقد جئتم شيئا إدا تكاد السموات يتفطرن منه الآيات
" قل هو الله أحد الله الصمد لم ..."
ويعلق ، ونحن أيضا نذم هذا النوع ونعتقد كفر من قال بهذا القول
أما نحن الأرثوذكس يعني فمؤمنون بنص القرآن لأننا لا نقول ببنوة المسيح ، ولا بأبوة الله ، بل نعتقد أن لا إله إلا الله إله واحد
أتساءل : ماذا يفعل هو الآن ؟
يكذب على قومه ، أو أنه جاهل لا يعرف ماذا يقول ــ وهذا بعيد والصواب الأول أنه يكذب لأن الآيات متجاورة
فالقرآن الكريم ذم نوعين من النصارى ولم يذم نوعا واحدا ، ذم من قالوا ببنوة المسيح ، وذم من قالوا بأن الله هو المسيح بن مريم
قال الله تعالى " لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح بن مريم ،وقال المسيح يا بيني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ، ومأواه النار وما للظالمين من أنصار ... الآيات
هذا نموذج لبتر للنص والتلبيس على الناس
مثال آخر :
ناهد متولي : تقول أنا أتكلم إليكم من كتبكم الصحيحة من القرآن الذي بين أيديكم ومن سيرة بن هشام ، ومن كذا كذا لأثبت لكم أن نبيكم كان وكان ولا أريد أن أحتج عليكم بما ورد في مصحف مسيلمة ، أو قالت ولم أذهب إلى مصحف مسيلمة وأنقل منه
ماذا تفعل هي الآن ؟
هي تكذب على قومها ، وهي عند نفسها كاذبة ، وعند من يعرف الدين جيدا يعرف أنها كاذبة ، وكلها حيل من أجل تثبيت الباطل فمسيلمة كذاب ، يعرف هذا كل المسلمون لم يحدث اختلاف عليه فلم يكن ضمن طوائف المسلمين حتى نقول أنه زعيم لإحدى الفرق الإسلامية التي تتبنى فهما معينا ينطلق من كليات الدين واختلف الناس عليه بين مؤيد ومعارض
ثم لم يكن لديه مصحف ، بل كانت عبارات ينطق بها ويزعم أن الوحي يأتيه بها عبارات مما نضحك به الصبيان
ثم أين هو مصحف مسيلمة ؟
أروني مصحف مسيلمة ؟
أريد أن أقول : من يقول بهذا الكلام هو بنفسه يعلم أنه كاذب هل أمسكت ناهد متولي بمصحف مسيلمة الكذاب ؟ وعلمت ما فيه وعلمت أنه حق يدحض ما جاء به محمد (ص)؟
أبدا ولله ولا نعلم عن مسيلمة إلا أنه كذاب ولم ينقل لنا التاريخ أن مسيلمة كان نبيا ذا دعوة وأنه كان له منهج حياة ودستور منزل من عند الله لم يقل أحد بهذا وإنما هي نفس مريضة تريد الانتصار للباطل وتتخبط ذات اليمين وذات الشمال تلتمس حجة تلبس بها على عوام الناس
ويتكلم غير واحد من النصارى ـــ وغير النصارى أيضا ــ بأن الإسلام انتشر بحد السيف ، وأن من دخل الإسلام ما دخل إلا مكرها وهذا الأمر يعلم كذبه كل من له عقل ويستعمل عقله
هل دخل المهاجرون الإسلام بالسيف ، وهل هاجروا وتركوا ديارهم وأموالهم بالسيف ، وهل توحدت الأوس والخزرج بالسيف ؟
وهل ذبح المسلمون في قرن واحد من الزمان الجزيرة العربية كلها ( السعودية واليمن والإمارات وقطر والبحرين وسلطنة عمان والكويت والعراق وسوريا والأردن ولبنان وفلسطين ومصر والسودان وليبيا وتونس والجزائر والمغرب وموريتانا وأجزاء من السنيغال ثم الأندلس أسبانيا والبرتغال وجنوب فرنسا
هذا في ناحية الغرب وفي الشرق فارس ايران وأفغانستان ( الديلم ) الباكستان والهند وأندونسيا والفلبين وأجزاء كبيرة من الصين وتركيا "
هل ذبح المسلمون كل هؤلاء ؟
أيقول بهذا عاقل ؟
الذي لا يماري فيه أحد أن الشعوب كانت مع المسلمين الفاتحين ، وأن ثلة غير قليلة من ابناء هذه الشعوب الكافرة أصبحت من قيادات المسلمين العلمية والعسكرية
هل هؤلاء الذين أسلموا وأصبحوا قادة للجيوش ودونوا الكتب فعلوا هذا تحت تهديد السيف أبوحنيفة النعمان ، والبخاري ومسلم والترمذي وسيبويه ، ونافع مولى بن عمر كل هؤلاء ليسوا بعرب وموسى بن نصير ،الذي أخضع المغرب من جده ؟ أتعرفون ؟
نصراني من أهل العراق وأقرؤوا عن عين التمر
وطارق بن ذياد هو الآخر بربري من ألأمازيغ
ثم هل أي سيف أخضع النجاشي في الحبشة
هل دخل هؤلاء الإسلام بالسيف ، وصاروا هم القادة والعلماء بالسيف ؟
ثم كيف حال البشرية قبل مجيء المسلمين وكيف حالها بعد مجيئهم
هل كان محمد (ص)دمويا وهو الذي قال لقريش ، اذهبوا فانتم الطلقاء , من عليهم وهو قادر على ذبحهم ، من عليهم وهم من آذوه وأخرجوه من داره وماله ورموه بكل قبيح
إن من يتتبع غزوات النبي (ص)يرى أن أحرص ما كان يحرص عليه النبي هو هداية عدوه للإسلام ، هذا الأمر بين في كل غزواته ، في بدر حيث فدى الأسرى ولم يقتلهم ، ومع بني المصطلق وأسارى طي , وما حدث مع سيد بني حنيفة ثمامة بن أثال"
وما قاله القصاص كلام مقنع فسادة وهم علماء النصرانية وغيرهم يكذبون على شعوبهم كى يبقوا على دينهم لأنهم لو تركوا فلن يجدوا احد ينفق عليهم من خلال التبرعات والعشر وغير هذا
ثم قال :
"ورسول الله (ص)ــ توفى ودرعه مرهونه عند يهودي على صاع من شعير لأهله ولو شاء لو أنه كان ملكا جبارا لحاز الدنيا بأجمعها باسم النبوة من كان يمنعه ؟ "
وحكاية رهن الرسول(ص)درعه عند يهودى في أخر حياته باطله لأن السهود طردوا من اجوار المدينة تماما فلم يكن في المدينة وأجوارها أى يهودى لقوله تعالى :
"هو الذى أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب لأول الحشر ما ظننتم أن يخرجوا وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف فى قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدى المؤمنين"
وقال:
"وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم وقذف فى قلوبهم الرعب فريقا تقتلون وتأسرون فريقا وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضا لم تطؤها"
ثم قال :
"وبعد هذا نجد أن هناك من يقول أن الإسلام انتشر بالسيف ، وأن المسلمين قتله لا يعرفون إلا القتل ،
ويتلون عليهم آيات من كتاب الله العظيم والتي مناطها فقط القتال كقول الله تعالى " فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها "
ويترك الآيات الصريحة التي تأمر بالتسامح مع أهل الكتاب " لا ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين "
كل هذا يشير إلى أن هناك نفسية خبيثة لا تريد الحق ـــ أيا كان دافعها ـــ ثم هي بعد ذلك تبذل كل جهدها للصد عن دين الله كما أخبر العليم الخبير الذي يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير "
وهذا كلام مقنع فلا يوجد سبى ولا يوجد اكراه على الدين أو ذبح طبقا لكلام الله
وحدثنا عن شبهة أخرى تسمى مصحف فاطمة فقال :
"ويقولون مصحف فاطمة ، ونحن نقول أرونا مصحف فاطمة هذا الذي فيه ثلاثة أضعاف ما عندنا في المصحف
وسمعت بأذني أحدهم يقول ـ وهو أدمن هناك آية في كتاب الله تقول " من أتى بهيمة فلا حرج عليه وهو من الفائزين " وكتبها على الشاشة وأن الإسلام لم يحرم الفاحشة مع البهائم بل رغب فيها
أين هذه الآية في كتاب الله ؟!
لم الكذب ؟
إنه يكذب وهو يعلم أنه يكذب ، وإن كان ينقل عن غيره من المجرمين ثقة به فهذا الغير الذي ابتدأ الكذب لا بد أنه ابتدأ الكذب وهو يعلم أنه الآن يكذب
أيها الكرام !
مما لا شك فيه أن هناك نفوس مريضة لا تريد الحق ابتداء لا بقليل ولا بكثير ، وهذه النفوس ليس لها إلا صد الناس عن دين الله "
والكلام هنا مقنع فالقوم يؤلفون الكذب مستغلين جهل الكثيرين والكثير يصدقهم لأنه لم يقرأ
وانتهى القصاص من المحاضرة بهذه الفقرة التى نبين أن سبب اختلاف الناس ليس كتاب الله وإنما هو هوى النفوس أو جهلها فقال :
"والآن أريد أن أزيد الأمر بيانا بهذه الفقرة ، حتى يستقر في أذهانكم أن السبب في اختلاف الناس على كتاب الله وسنة رسوله (ص)مرده للنفوس وليس للنصوص
أقول :
معرفة الحق شيء وقبوله شيء آخر ، والإذعان له أمر ثالث
الأول ( المعرفة ) عمل ذهني بحت
والثاني ( القبول ) عمل القلب
والثالث ( الإذعان ) هو عمل الجوارح ومنها اللسان
وكثير من الناس يعرفون ثم ينكرون كثيرون لا يزدادون على سماع الحق إلا ضلالا
لا تعجب قال الله تعالى
" وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم ذادته هذه إيمانا ، فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون ، وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون " وقال تعالى " وليزيدن كثرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا
والله عز وجل ينزل من الآيات ويشرع من الأحكام ما يفضح به أصحاب هذه القلوب المريضة قال الله " وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة وما جلعنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا " وقال الله " ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم "
وهذا الصنف من الناس ـ الذين في قلوبهم مرض ـ حين النقاش تجده يقف عند المتشابه حقيقة الذي لا سبيل إلى الوقوف على معناه أو المتشابه حكما إن كان من يحاوره ليس من أهل الاستنباط أو قليل العلم لا يستطيع الجمع بين أطراف الأدلة ؛ وهم من عنى الله في قوله تعالى " فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله " وجاء في الأثر عن بن مسعود أنه قال : إذا رأيتم الذين يخوضون فيه ـ المتشابه حقيقة ـ فأولئك الذين عنى الله فاحذروهم
وهناك من لا تتجاوز أذنه الكلمات تقول مهما تقول وقلبه في أكنة مما تقول أولئك أصحاب القلوب المغلفة المربوط على غلافها ـ كما جاء وصفهم في الحديث ـ فهم لا يسمعون ولا يبصرون ، وإن أبصروا أو سمعوا لا يفقهون كما قال الله عنهم " وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب فاعمل إننا عاملون "" وقالوا مهما تأتنا به من آية لتسحرنا بها فما نحن لك بمؤمنين " " قالوا سواء علينا أو عظت أم لم تكن من الواعظين "" وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك وما نحن لك بمؤمنين " " ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ماتبعوا قبلتك "
والدعوة في مكة لم تستطع أن تجتذب أيا من هؤلاء لم يستجب لها إلا أصحاب القلوب النقية أما هؤلاء فدخلوا في الإسلام بعد أن استقرت الغلبة للمسلمين يوم الفتح وصارت في أيديهم الغنائم
والمقصود أن : ليس كل من يعرف يقر ويتبع ؛ بل هنا من يعرف ويعاند ويذهب يجادل
بكلمات أخر : إن (الكثرة الغالبة من المجادلين لا تجادل بحثا عن الحقيقة ولا رغبة في المعرفة ، وإنما فقط لإثارة الشبهات ومحاولة الفتنة والرد الحقيقي عليهم ليس هو الدخول معهم في معركة جدلية ولو أفحمهم الرد في لحظتهم !
إنما الرد الحقيقي يكون بإخراج نماذج من المسلمين تربت على حقيقة الإسلام فأصبحت نموذجا تطبيقيا واقعيا لهذه الحقيقة ، يراه الناس فيحبونه ويسعون إلى الإكثار منه وتوسيع رقعته في واقع الحياة هذا هو الذي ( ينفع الناس فيمكث في الأرض ) [ محمد قطب مقدمة شبهات حول الإسلام بتصرف يسير ]
وهذا هو أسلوب القرآن ، فالقرآن العظيم ما كان يقف مع شبهات الآخرين إلا في سياق بيان الحق ، وغالبا ما تجد بعد سرد شبهات الكفار آية تعجب أو تذكير بالعذاب دون الخوض في تفاصيل الشبهات مثلا في سورة الفرقان " وقالوا مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا أو يلقى إليه كنز أو تكون له جنة يأكل منها وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا " هذه هي الشبهات والرد : " انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا " ثم بدأ يذكر بالثواب والعقاب ليقرع هذه الرؤوس العنيدة البليدة التي استدارت للحق وهي تعلم أنه الحق " إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا وإذا القو منها مكانا ضيقا مقرنين دعو هنالك ثبورا لا تدعو اليوم ثبورا واحدا وادعوا ثبورا كثيرا .."
ومثله في أول سورة ( ص ) : " فقال الكافرون هذا ساحر كذاب أجعل الآلهة إلها واحد إن هذا لشيء عجاب وانطلق الملأ منهم ان امشوا واصبروا على آلهتكم إن هذا لشيء يراد ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق أانزل عليه الذكر من بيننا " هذه شبهات يلقيها الملأ الذين استكبروا على أتباعهم ، وانظر الرد " بل هم في شك من ذكري بل لما يذوقوا عذاب
ثم بدأ يتكلم في موجبات توحيد الألوهية وهو توحيد الربوبية والأسماء والصفات فلا بد إذا من التنبيه على هذا ، ولا بد من تعريف عوام النصارى وكلل مضلل ، بهذه الحقيقة
فنحن المسلمين لا نواجه شبهات حقيقية وإنما نواجه نفوس مريضة هي التي تفتعل الشبهات كما رأينا الوليد بن المغيرة ، ومن سبقه من الكافرين ، ومن هم معنا اليوم ناهد متولي ، وشنودة ومن على شاكلتهم"
وقد صدق القصاص في كون الاختلاف يأتى من النفوس وليس من النصوص التى أنزلها الله