تتداول مواقع قبيلة عكيل سلسلة نسب للأمير منيع بن سالم بالنحو التالي: منيع بن سالم بن راشد بن كليب بن بدارن بن مانع بن كلبي بن ماجد بن مانع بن علي بن ماجد بن عميرة بن سنان بن غفيلة.

فما هو مصدر هذه السلسلة النسبية؟

قد يحسب البعض أنها من محفوظات العشيرة، أو أنها موجودة في مصادر التاريخ والأنساب، ولكن الصحيح أنها لا وجود لها بهذه الكيفية في أي مصدر تاريخي أو نسبي. كما أن هذه الأسماء لا توجد في تراث أي عشيرة من عشائر عكيل.

وإنما هي ولدية الاجتهادات الشخصية، ونحن الآن نعرضها على ميزان النقد العلمي لنردى مدى صحتها، فنقول:

أما كون منيع هو أبن سالم، فهذا مما لا شك فيه، ومصدره الرئيسي هو شعر الخلاوي، وكل المصادر التي نقلت تاريخ منيع، فهي تعتمد على ما ورد في شعر الخلاوي.

وقد سماه الخلاوي (منيع بن سالم)، في أكثر من محل من شعره منها قوله:

قل الله هل شفت السخي ابن سالم .. منيع من حاش الثنا والفوايد

وغيرها من قصائده.

ومنها ما ورد في قصيدة مبارك الاعرج الحسيني من شعراء القرن العاشر الهجري حيث يقول عن تقلبات الدنيا:

وصادت من قبلي منيع ابن سالم ... صحيب الخلاوي صادق في وعودها

أما راشد الذي جعلوه أبا لسالم، فلا يوجد أي دليل عليه، ولم يذكر في أي مصدر .. ولكن يظهر أنه حصل اشتباه في بعض النصوص، وأقصد بذلك رسالة بدر الدين الفالي إلى ملك البرتغال، التي ورد فيها ذكر أمير عربي كان قد تسلم القطيف من أبن راشد المسقطي، ثم سلمها للأمير راشد بن مغامس أمير البصرة والإحساء، ورد ذكره بالنص التالي: (وكانت القطيف يحكمها أحد شيوخ العرب من أمراء عامر المدعو (مانع/منيع) قلده أياها الشيخ ابن راشد المسقطي).

النص مكتوب باللغة البرتغالية، وتهجئة الأسم تحتمل الترجمتين (مانع)، أو (منيع)، وقد احتمل الباحث سعد الحافي في كتابه (راشد الخلاوي) أن يكون الاسم الصحيح هو منيع، وأنه هو منيع بن سالم ممدوح الخلاوي.

فالأمير منيع قلده الشيخ ابن راشد إمارة القطيف .. وقد حصل اشتباه للبعض عند قراءة النص البرتغالي، فحسب أن الاسم هو منيع/ مانع ابن الشيخ راشد، خصوصا وأنه توجد نصوص تاريخية تذكر أن أمير بادية الإحساء في زمانه أسمه (مانع بن راشد)، فحصل الظن بأن منيع أبن راشد، فلما عرفنا أن والد منيع المباشر أسمه سالم، فاحتملوا أن يكون راشد جدا له .. فصار (منيع بن سالم بن راشد).

ولكن الحق هو أن (مانع بن راشد) حاكم بادية الإحساء ما هو إلا مانع بن راشد بن مغامس، كما تذكره التواريخ والوثائق الدولية للدولتين العثمانية والبرتغالية، وهو الذي كان أبوه حاكما للبصرة والإحساء.

أما مانع، أو منيع حاكم القطيف فلم يكن راشد أبوه ولا جده، وإنما هو حاكم مسقط الذي قلده حكم القطيف.
تبين لنا في الحلقة الأولى عدم صحة كون والد سالم وجد منيع أسمه (راشد)، الآن نأتي إلى تكملة بقية السلسلة المذكورة حيث ذكر فيها أن راشدا هذا هو أبن كليب بن بدران، فمن هو كليب بن بدران؟

الذي أورد هذا النسب ذكر أن كليبا هذا هو الذي حارب أجود بن زامل العقيلي، والذي كانت بينهما مناوشات كثيرة.

ولكننا نصطدم هنا بأكثر من حقيقة:

أولا: إن كليب الذي كان في حرب مع أجود، لم يكن زمانه بعيد عن منيع، بل كان موجودا في أوائل القرن العاشر الهجري، ومنيع في أواسطه، أي أنه كان معاصرا لأبي منيع، وسلسلة النسب هذه جعله جد لوالد منيع، وهذا غير صحيح البتة.

فقد ورد في مخطوطة الجواهر الحسان لأحمد بن مغيزل أن عجل بن حنيتم أمير بني لام نزل على كليب بن مانع بعد وقائعه مع الشريف محمد بن بركات.

وكانت وقائعه مع الشريف في سنة 901هـ، بحسب ما ذكره أبن فهد في كتابه (بلوغ القرى بأخبار أم القرى).

فيكون وروده على كليب بن مانع بعد سنة 901هـ

ثانيا: إن كليب الذي كان في حرب مع أجود، أسمه كليب بن مانع، وليس كليب بن بدران.
وفي ذلك يقول ابن زيد شاعر أجود:

فخصوا بتسليمي كليب بن مانع ... ومن لذوي دانيه عز وعماد

ويقول أبن حماد شاعر كليب في الرد عليه:

كليب زبن الجاذيات ابن مانع ... ومن له مبدا بالثنا ومعاد

وقد يقال أنه يقال له أبن مانع نسبة لجده مانع، فهم يقال لهم آل مانع.

ويجاب بأن الأبيات الأخرى تحدد أن مانع المقصود هو أبو كليب، وأنه قد قتل في معركة سابقة بين قوم أجود وقوم مانع، فيقول أبن حماد شاعر كليب، بعد ذكره من قتل من قوم أجود، بأن هؤلاء قتلناهم بقتلانا، وسما قتلاهم (مانع)، و(عليان)، حيث يقول:

قضا في عليان وفي قتل مانع .... والاقلاد تدعي الخاينين رماد

وكل الشراح ذكروا أن المقصود هنا هو مانع أبو كليب بن مانع، وأنه هو الذي كانفي حرب مع أجود، فلما قتل قام بالحرب أبنه كليب.

إذن هو كليب بن مانع، وليس كليب بن بدران، وهو معاصر لسالم ابو منيع، وليس جده.

ثم يذكر في سلسلة نسب كليب أنه: كليب بن بدران بن مانع بن كلبي بن ماجد.
وهذا غير صحيح لأمور:

الأول: أن المصادر ذكرت أن كلبي بن ماجد له ولد أسمه ماجد، ولم تذكر ولد أسمه مانع.

والثاني: أن كلبي بن ماجد هذا ذكره أبن حجر في الدرر الكامنة، وأنه التقاه في مصر سنة 732هــ أي بين كليب وكلبي قرابة المئة وسبعين سنة، فلا تكفي واسطتين لشغلها، والمفروض أن يكون بينهما على الأقل خمس وسائط.

ثالثا: أن كليب بن مانع لا علاقة له بكلبي بن ماجد، وليس هو من أحفاده، وإنما هو من فرع عقيلي آخر لا يتصل بكلبي بن ماجد، ولا بجده عميرة، وسوف أفرد له بحثا مستقلا إن شاء الله تعالى.

بقلم علي العقيلي

يتبع ....