الميني جوب ازعج سلطة البعث وارهقتها do.php?img=17231
بقلم طه خضير الربيعي
ظهر ارتداء (التنانير) عند المحاربين الرومان، لكن أوّل ظهور (للتنانير القصيرة) أو (ميني جوب)كان في العام 1962 في متجر للألبسة في لندن يدعى (بازار).
أمّا الذي اخترعها فهي مصممة أزياء تدعى (ماري كانت)، وتقول إنّ اول تنورة قصيرة كانت مخصصة لها، وقد لاقت الاستحسان لأنها تجذب الرجال وتبرز أنوثة المرأة، فأصبحت تصمّم العديد منها لصديقاتها.


وهكذا بدأت التنانير القصيرة تنال إعجاب الزبائن، وانتشرت في بداية ستينات القرن العشرين ظهرت في محل صغير لبيع الملابس في لندن موضة جديدة هي عبارة عن تنورة نسائية قصيرة لا يتجاوز طولها العشرين سنتمتراً سرعان ما انتشرت كالنار في الهشيم لتصبح موضة الستينات بلا منازع .
من لندن الى دول العالم وحتى في العالم العربي و الشرق الأوسط المعروف بتقاليده المحافظة بات الميني جوب موضة رائجة في مدن مثل طهران و بيروت و دمشق و بغداد و غيرها ، الميني جوب لم يكن مجرد زي آنذاك بل رمزاً لتحرر المرأة و خروجها عن العادات و التقاليد الدينية و الاجتماعية التي كبلتها لقرون .
في العالم العربي فقد جاء انتشار الميني جوب مترافقاً مع صعود التيارات العلمانية و الماركسية التي نادت بتحرير المرأة و المساواة بين الجنسين ، بالإضافة إلى تأثيرات أفكار عصر النهضة التحررية و بخاصة قاسم أمين و هدى شعراوي .
في فترة الستينات كان طراز ملابس النساء فيه درجة عالية من التحرر وعدم الخضوع لمقاييس دينية أو سياسية على الرغم من أن هذه المقاييس اليوم تتحكم في طريقة الملابس النسائية بشكل كبير، لذلك فأن هذه السطوة الدينية والسياسية كانت خلال تلك الفترة قليلة ولم تكن السلطة السياسية في ذلك الوقت تتدخل بالشؤون الاجتماعية فقد كان هذا التطور تطوراً اجتماعياً بحتاً بشكل تدريجي .وكان أهل العراق في ذلك الزمن اكثرا تقدما واكثر احساسا بالمسؤولية وازدهارا وطيبه وصدقا وثقافه ووعي وعفه وأكثر معرفه بدين وأكثر مخافة من العيب حتى اللغة الدارجة بين الناس كانت اكثر تهذيبا والتعامل اليومي بين الناس اكثر رقيا ولهذا كانت هذه الفترة (فترة الميني جوب) هي اجمل فترة كان فيها الناس بعيدين عن التعاليم التي اوصلتنا اليوم الى قمة التلهف والجهل والفساد للأسف .


لقد كان منظر الفتاة بتنورة قصيرة جداً وظهورها بكامل إنوثتها أمراً معتاداً في شوارع المدن العراقية وهذا النوع من الملابس لم يكن بالنسبة للمرأة العراقية مجرد ملابس وإنما كان ثورة نسائية صارخة وواضحة، سرعان ما تعرضت هذه الثورة المجتمعية النسائية للكتم والاقصاء من قبل السلطة التي ربما وجدت في هذا التحرر ما يُهدد سطوتها كونها تمثل الاتجاه القومي ببُعده العشائري والديني فجعلت من ملابس المرأة سلاحاً ضد الشيوعية فمنعت ارتداء (الميني جوب) وكان رجال السلطة آنذاك وبأمر من وزير داخليتها (صالح مهد عماش ) يحملون علب الأصباغ ويجوبون الشوارع لصبغ سيقان الفتاة التي تخالف أمر السلطة وهو السبب الرئيسي بانحسار الملابس النسائية المتحررة والاتجاه نحو موديل الملابس المحافظة نوعاً ما.
أثارت هذه الممارسات الهمجية المتخلفة استياء الناس وعلا الاحتجاج على هذه الاساليب حتى ان الجواهري الذي كان في براغ آنذاك قال قصيدة جميلة في هذه الممارسات موجهة الى صديقه وزير الداخلية جاء فيها :


نُبئـتُ أنّكَ توسع الـ / أزياء عَتّاً، واعتسافا
تقفو خطى المتأنقا / تِ كسالكِ الأثرِ اقتيافا
وتقيس بالأفتار أر / ديةً بحجّة أن تَنافى
ماذا تُنافي؟ بـل وما / ذا ثمَّ من خلُقٍ يُنافى؟
أترى العفاف مقاس أقـ / ـمشة؟ ظلمتَ إذن عفافا
هِوَ في الضمائر لا تخا / ط ولا تقصُّ، ولا تكافى


لا ازال اذكر وانا فتى في الثالثة عشر او الرابعة عشر في بداية السبعينات منظر لا يفارق مخيلتي لمنطقة المدينة القديمة بأسواقها المتعددة و المتنوعة المنتشرة ما بين مرقدي الحسين و العباس.. سوق التجار و سوق العباس و سوق الصياغ و سوق العرب و سوق النعلجية ( الخفافين) و سوق الصفارين الصغير و سوق الصفارين الكبير و سوق العلاوي و سوق الميدان و سوق المخيم من المعالم التي اندثرت الان بفضل سياسية التدين , كنت ارى الرجال يسيرون في الشوارع بأرقى الملابس ....والاغلبية ترتدي البدلة والطقم الكامل.........والميني جوب للنساء...والمحلات ذات الماركات العالمية.


في السبعينات و الثمانينات خفت موجة الميني جوب لأسباب متعددة حتى كادت تختفي تماماً ، و رغم محاولة العديد من المصممين إعادة الألق لهذه الموضة من خلال إدخال تعديلات عصرية عليها إلأ أنهم لم ينجحوا في ذلك لأسباب عديدة أهمها أن الميني جوب لم يعد يتناسب مع متطلبات العصر العملية حيث باتت معظم النساء تفضل ارتداء البنطال على ارتداء التنورة سواء كانت قصيرة أم طويلة.