شهد المغرب في العصر السعدي انبعاثاعمليا وصناعيا جديدا، وظهر هذا ـ بصفة خاصة ـ في عدد من العلوم الرياضية وفي الهيئةوالطب، كما ظهر في صناعات عسكرية واقتصادية وغيرها (1)، وكان للمنصور أحمد السعديفضل تشجيع هذا الانبعاث، وفي هذا الصدد يسجل ابن القاضي (2) أنه ظهر في أيام هذاالسلطان علوم وصناعات مهمة لم تكن قبل في المغرب، ويذكر من بين ذلك الحساب والهندسةوالمساحات.
وقد غذى هذا الانبعاث ـأيضا ـ ما تجدد في هذا العصر ـ بين المغرب والشرق ـ من صلات أفادت اليقظة الجديدةإفادة ملموسة، وفي خصوص الهندسة التي يلتزمها هذا المقال، يذكر مهندس مغربي أن منمصادر ثقافته ما تلقاه من أستاذه ميقاتي القاهرة محمد بن محمد الميقاتي الشهيربالطحان(3). يضافلهذا وذاك، الرصيد العلمي والصناعي الذي تبقى من عصور المغرب المزدهرة ثم آ ل لهذاالعهد حيث انبعث من جديد مطبوعا بطابع هذا العصر.
ونذكر هنا أن هذه الحركة الجديدة تناولتعلم الهندسة نفسه، كما تناولت بعض فروعه من مساحة ومناظر، وهكذا عادت هذه الموادللظهور في برامج التثقيف المغربي، في ميداني التدريس والتأليف وهذا يتبين منالأسماء والمؤلفات التالية:
1- محمد بن محمد بن أحمد ابن أبي العافية الشهير بابنالقاضي الفاسي المتوفي عام 981 ﻫ 1573-1574م. أخذ عنه ولده أحمد صاحب الجذوة وغيرهاأوائل الأصول لأوقليدس(4): بعض المقالة الأولى عنه(5).
2- أبو العباس أحمد بنالتقليني، كان بقيد الحياة عام 999 ﻫ 1590 ـ 1591م، ووردت ترجمته في "درةالحجال"(6)هكذا: "عارف بالحساب والتعديل والمساحات وبعض مبادئ الهندسة، وهو شيخ جماعة هذه الفنونبمراكش".
3-
عبد الرحمن بن عبد العزيز بن عبد الرحمن الدكالي المشترائي ثم الفاسي المعروف قبيلهبابن إبراهيم، بقي بقيد الحياة إلى أواخر عام 1011 ﻫ 1603م.
كانت لهمشاركة في الهندسة والتنجيم وغيرهما(7)، ويذكرأبو العباس أحمد بن عبد الله بن أبي محلى السجلماسي: أنه قرأ عليه شيئا يسيرا فيأوائل كتاب ابن الهيثم في الهندسة أو الهيئة(8)، هكذا بصيغة الشك في موضوع الكتاب الذي يترجح أنه كتاب (المناظر) للحسن بن الهيثم(9)أشهر منألف في علم المناظر الهندسية من الإسلاميين، على حد تعبير ابن خلدون فيالمقدمة(10).
4-
محمد بن أحمد الصباغ العقيلي المكناسي ثم الفاسي،المتوفى عام 1076 ﻫ 1665م(11). أستاذأبي زيد عبد الرحمن بن أبي السعود الفاسي الفهري آتي الذكر في المساحات والهندسةوغيرهما، وهو يذكر هذا في الرسالة التي كتبها عن حياته(12)هكذا:".. ولازمت شيخنا أبا عبد الله محمد بن أحمد الصباغفي التوقيت والإسطرلاب والربع المجيب والروضة، ومختصر الرقام في التكسير، وأرجوزةابن ليون في التكسير، وأصلها لابن البنا، وطرف من الأركان اختصار أوقليدس لخوجةنصير الدين الطوسي".
5-
عبد الوهاب ابن أبي حامد محمد العربي الفاسي المتوفى عام 1079 ﻫ 1668 م.جاء في ترجمته(13)أن من بينالعلوم التي أخذها عن والده أبي حامد مواد الميقات والهندسة والهيئة.
6-
على أنألمع شخصية هندسية في هذا العصر، هو أبو العباس أحمد بن محمد بن القاضي مشار الذكر،وصاحب الجذوة والدرة وغيرهما، توفى عام 1025 ﻫ1616 م(14).فقد كان ـ على حد تعبير "روضة الأنس"(15)ـ لا يجاري في علم الفرائض والحساب والهندسة، وممن درسعليه هذه المادة الأخيرة.
7-
أبو علي الحسن بن أحمد المسفيويالمراكشي(16)، كماتدارس مع:
8-
السلطان أحمد المنصور الذهبي كتاب أوقليدس(17)، الذي كان يتولى قراءته بين يديه أبو علي الحسنالمسفيوي(18)آنفالذكر.
وابنالقاضي هذا يفتتح لائحة المؤلفين السعديين في هذا الفن، وله تأليف سماه: "فتحالخبير، بحسن التدبير، لفك رموز الأكسير، في صناعة التكسير"، وهو شرح على الأرجوزةالمعنونة بـ "الأكسير" في صناعة التكسير"، من نظم أبي عثمان سعيد بن أحمد بنإبراهيم بن ليون التجيبي الأندلسي المري المتوفى عام ﻫ ـ 1349م(19).
ألفه استجابة لبعض إخوانه من المتضلعين فيالتعاليم وصناعة البرهان وجعله ـ طبق رغبة مقترحه ـ شرحا وجيزا: يحل ألفاظ الأرجوزةويبين تراجمها وأغراضها ووضحه برسوم هندسية، شرع في تأليفه يوم الأحد 10 شوال عام 1017 ﻫ، وفرغ منه يوم الاثنين 5 ربيع النبوي عام 1018 ﻫ.
توجد منهنسختان بالخزانة العامة بالرباط تحت رقم 2189 د ورقم 1071 ك ومنه نسخة بالمكتبةالملكية تحت رقم 5455، وهي تقع في 70 ص، مسطرة 25، مقياس 180-135. مكتوبة بخط مغربيلا بأس به ملون، ويتخلله تصحيف مع بياض في مواضع بعض الرسوم.
وقع الفراغ منالانتساخ عشية الاثنين 21 رجب عام 1228 ﻫ على يد محمد بن الهاشمي ـ لا ذكر لهذاالتأليف في ترجمة ابن القاضي.
هذا وهناك رسالة خالية من اسم المؤلف، وتحمل العنوانالتالي: "فتح المبدي، في جمع بعض أصول الهندسة للشذى والمبتدي"، وقد وضعها جامعهابرسم السلطان أحمد المنصور السعدي، وذكر أثناءها أسم أحد أشياخه: أبي العباس أحمدبن علي بن عبد الرحمن المنجور(20)، فهلتكون هذه الرسالة من تأليف أحمد بن القاضي الآنف الذكر؟ هذا ما لا يستبعد، سيما وهويذكر في خطبة الرسالة عن أحمد المنصور: أنه ظهر من العلوم في دولته ما لم يكنقبلها، وهو بهذه الفقرة يعيد إلى الأذهان فقرة أخرى قريبة الشبه أوردها أحمد ابنالقاضي في "المنتقى المقصور"(21)، وفيالموضوع ذاته.
ويشرح المؤلف في مقدمة الرسالة الحافز له على وضعها، ويذكر أن علم الهندسة ـفي زمانه ـ صار من أخمل العلوم ذكرا، حتى نضب ماؤه، وصار خيلا بلا أثر، فألف ـلإحياء هذا العلم ـ أوراقا تشتمل على بعض أصولها وقواعدها فقط، واعتمد في هذا الصددعلى مصدرين اثنين: الأول: ما استفاده من عبارة شيخه ميقاتي القاهرة، الشريف محمد بنمحمد الميقاتي الشهير بالطحان، والثاني: ما قرأه في بعض كتب هذا الفن للبيرونيوغيره.
وهو لايورد شيئا من الأعمال المبسوطة في المطولات وإنما يهتم بالقواعد التي ضم بعضها إلىبعض ونسقها على هيأة لا توجد في تلك المطولات، كما وضحها بالرسوم الهندسيةالمطلوبة. أما تصميم الرسالة فقد جعله مرتبا على ثلاثة أقسام وخاتمة: القسم الأول: في حد الهندسة وموضوعها وفائدتها، ومعرفة النقطة والخط والسطح وبعض ما يتنوع إليهمن الألقاب، الثاني في معرفة حد الجسم وبعض ما يختص به من الألقاب، الثالث: في أموركلية عددية يحتاج إليها في هذا الفن، الخاتمة: في نوادر ونكث مستطرفة.
هذا هو تصميمالرسالة التي لا يبعد أن تكون هي التي وردت ضمن مؤلفات أبي العباس ابن القاضي باسم "المدخل". توجد نسخة منها بالخزانة العامة بالرباط، وتقع ضمن مجموع يحمل رقم 2215د: من ص 301 إلى ص 318، مسطرة مختلفة، مقياس 210 – 155، خط مغربي رديء فاحش التصحيف.
9-
ومنالمؤلفين في الهندسة في هذا العصر محمد بن أبي القاسم بن القاضي الفاسي المتوفى عام 1040 ﻫ- 1631(22). ألف "التيسير لمعرفة صناعة التكسير"، وهو رسالة جعلها كالشرح على رجز ابن ليون السالفالذكر، وبين فيها ما لابد من بيانه، ووضحها برسوم هندسية، فجاءت مكملة للأرجوزة. يوجد منها نسختان بالمكتبة الملكية بالرباط تحت رقم 53 ورقم 5296، وتقع النسخةالأولى ضمن مجموع كتب فيه "التيسير" وأغلب المحتويات الأخرى بخط المؤلف، وهو خطمغربي مليح مدموج، خال من تاريخ التأليف والنسخ، ص 12 مسطرة 26، مقياس 220 ـ 170. وقد كتب أعلى الصفحة الثانية من النسخة الثانية اسم هذه الرسالة هكذا "التيسيرلمعرفة صناعة التكسير". وورد ذكرها ضمن آثار المؤلف.
10-
أبو العباس أحمد بن الفقيه الموقت محمدبن يوسف الولتي المتوفى بها عام 1061 ﻫ(23)1650-1651م. وضع شرحا محاذيا على أرجوزة ابن ليونالمتكررة الذكر، وخلله برسوم هندسية توضيحية منه نسخة الخزانة العامة بالرباط، وهيتقع ضمن مجموع يحمل رقم 2231د من ص 95 على ص 135، مسطرة 23، مقياس 190-145، خطمغربي سوسي متوسط، خال من تاريخ التأليف والنسخ واسم الناسخ، لا ذكر لهذا التأليففي ترجمة المؤلف.
11-
أبو زيد عبد الرحمن بن أبي السعود عبد القادر الفاسيالفهري المتوفى عام 1096 ﻫ- 1689 م(24)، ألف:
أ- النتائجالحدسية، في العلوم الهندسية.
ب- تحفة الأثير، في علوم التكسير.
ج- شرحها.
د- عروسالصباحة، في علم المساحة.
ﻫ- النرجسة، في علم الهندسة.(25)
و- مختصر أوقليدس.(26)
ز- وقد ضمن موسوعته المنظومة: الأقنوم، في مبادئ العلوم(27)عددا منفروع هذا العلم موزعة على عدة أبواب ومنها:
-
علم التكسير في 50 بيتا.
-
علم الهندسةفي 148 بيتا.
-
علم مساحة الأرض في 15 بيتا(28)
12-
محمد بن محمد بن سليمان الروداني نزيل الحرمينالشريفين، والمتوفى عام 1094 ﻫ(29)1683 م. كان ـ حسب خلاصة الأثر(30)ـ يتقنفنون الرياضة: أوقليدس والهيئة والمخروطات والمتوسطات والمجسطي.
وإلى هنا يكونهذا المقال قد استعرض ـ في نطاق نشاط الهندسة بالمغرب السعدي ـ 12 مهندسا مع 11تأليفا: وهي ظاهرة توضح أحد خطوط الانبعاث العلمي في هذا العصر. ويلاحظ أن هذاالانبعاث وقع في عصر انحدار الثقافة الإسلامية، ولذا لم يقع تعمق في الاشتغالبالهندسة، حيث لم يمس ـ في الغالب ـ غير مبادئ هذا العالم، ولم يقع تجديد فيالتأليف، أو ابتكارات هندسية، وهذا ـ أيضا ـ أحد الأسباب لفتور هذا النشاط بعد،والله ـ سبحانه ـ ولي التوفيق.
الهوامش:
(1)توجد التفاصيل في هذا المقال والمقالات التالية.
(2)"المنتقىالمقصور، على مآثر الخليفة أبي العباس أحمد المنصور" لأبي العباس أحمد بن القاضي ـالباب 14.
(3)انظرالحديث عن رسالة "فتح المبدئ..." أثناء هذا المقال.
(4)يسمى ـأيضا ـ كتاب أوقليدس و"كتاب الأركان" انظر التعريف به في (مقدمة) ابن خلدون طبعالمطبعة البهية المصرية ص 424.
(5)هذا ذكره في "درة الحجال" رقم 648 وتوجد ترجمة محمد ابنالقاضي ومراجعها في "السلوة" ج 3 ص 58/59.
(6)رقم 215.
(7)"روضةالآس، العاطرة الأنفاس" لأبي العباس أحمد المقري، ط المطبعة الملكية بالرباط: آخرترجمته ص 336/338، وتوجد معلومات قليلة عنه في "درة الحجال" رقم 1008، وفي "الإصليت" لابن أبي محلى نسخة المكتبة الملكية بالرباط رقم 100.
(8)"الإصليت" النسخة الآنفة الذكر، وانظر ترجمة ابن أبي محلى ومراجعها في الإعلام للقاضي عباس بنإبراهيم ج 2 ص 83/91.
(9)انظر عن ابن الهيثم وكتابه "المناظر" "العلم عند العرب" تأليف الدومبيلي، وترجمة الدكتور عبد الحليم النجار والدكتور محمد يوسف موسى ـ ص 206/210.
(10)ص 425.
(11)ترجمتهومراجعها في " السلوة" ج 1 ص 239.
(12)توجد مقتبسات من هذه الرسالة في طالعة الأمليات الفاشيةمع شرح العمليات الفاسية) لأبي القاسم بن سعيد العميري "نسخة خاصة".
(13)"عنايةأولي المجد بذكر آل الفاسي ابن الجد" ص 34، وتوجد ترجمته ـ أيضا ـ ومراجعها في "السلوة" ج 2 ص324 /325.
(14)ترجمته ومراجعها في "السلوة" ج 3 ص 133/135.
(15)ص 239.
(16)"روضةالآس" ص 172/173.
(17)المصدر الأخير ص 35.
(18)نفسالمصدر ص 164.
(19)ترجمته في مختصر الإحاطة للبقني ج 2 مصور الخزانة العامةرقم 1582 د وفي "نيل الابتهاج" ص 123/124، و"درة الحجال" مع مقدمة فتح الخبيروغيرها، أما ارجوزته فتوجد نسخة منها بالخزانة العامة الرباط ضمن مجموع يحمل رقم 1588د، واصلها لابن البناء.
(20)ترجمته ومراجعها في : "السلوة" ج 3 ص 60/52.
(21)المنتقىالمقصور ـ الباب 14.
(22)ترجمته ومراجعها في السلوة ج 3 ص 287.
(23)ترجمتهومراجعها في "الأعلام" لابن إبراهيم ج 2 ص 115/116. (24)ترجمته ومراجعها في السلوة ج 1 ص 314/316.
(25)هذهالمؤلفات الخمس وردت في الرسالة السالفة الذكر التي كتبها أبو زيد الفاسي هم حياته،كما وردت ببعض مخالفة بسيرة وتكرار في لائحة تأليف أبي زيد الفاسي، كما ذكرها ابنهأبو عبد الله في كتابه "اللؤلؤ والمرجان" ـ مقال للأستاذ محمد الفاسي رئيس جامعةمحمد الخامس، مجلة هسبيريس hesperis سنة 1942، عدد 29 ص 65/78.
(26)لائحةتأليف أبي زيد الفاسي الأنفة الذكر.
(27)لا يزال مخطوطا في خزائن خاصة وعامة.
(28)"التراتيبالإدارية" ج 2 ص 196 /197.
(29)ترجمته ومراجعها في الأعلام لابن إبراهيم ج 4 ص 334/459.
(30)ج 4 ص 207.
محمد المنوني
(مجلة دعوة الحق،العدد الثاني، السنة التاسعة: 1965م)