ولكن بقيت انتماءاتهم الايديولوجية حاضرة بشكل غير مباشرة، نجح التيار الخارجي بانتاج نصوص دراسية مهمة عن العراق أصبحت فيما بعد مرجعا مهما " مثل كتاب حنا بطاطو "، كما اهتم هذا التيار بتطوير أدواته العلمية بشكل ملحوظ على عكس التيار الاول الذي بقي رهين البحث التاريخي التقليدي، لذلك غلب على نصوص التيار الاول الجانب التوثيقي دون التحليلي، ما أشر الى ان السمة الغالبة على توجهاته جانب السير التاريخية والسردية، ربما يعود هذا الخلل المنهجي الى غياب التأسيس العلمي الرصين القائم على تمثل الفلسفة التاريخية الحديثة التي لاتتوقف عند ماهو ظاهر وملموس وانما الغوص في المنسي والمضمر من روايات الاحداث الهامشية التي قد لاتكون بالاهمية المطلوبة، قد تكون فترة الخمسينيات من القرن الماضي شهدت تطورا ملحوظا في الدرس التاريخي في الجامعات العراقية مع بزوغ مجموعة من الباحثين التاريخيين المعروفين " عبد العزيز الدوري، أحمد صالح العلي، فيصل السامر .... الخ " .
العراق في الوثائق العثمانية do.php?img=17403

عندما نقوم بقراءة نصوص الاسماء المذكورة اعلاه، نكتشف الامكانية العلمية المتقدمة، التي ساعدت على صياغة توجه تاريخي متطور، أثمر عن دراسات تاريخية مهمة من قبيل " ثورة الزنج، العصور العباسية المتأخرة، التنظيمات الاجتماعية في البصرة، ثورة بابك الخرمي".
بعد هذا التوجه العلمي الذي ظهر، أخذ البحث التاريخي يشهد تراجعا كبيرا في أثر التحولات السياسية التي شهدها العراق، بعد نهاية سبعينيات القرن الماضي، ووقوع الجامعة العراقية تحت هيمنة المؤسسات الحزبية الحاكمة انذاك، وفرض توجه تاريخي واحد على مجالات البحث التاريخي العلمي، لذلك غاب الجهد التاريخي الرصين الذي يهتم بتحليل التحولات التي شهدها العراق منذ لحظة تغير النظام في 1979، التي افرزت نمطا سياسيا مستبدا تحكم بكل تفاصيل الحياة اليومية بدءا من البيت وانتهاء بالجامعة ومناحي الحياة الاجتماعية الاخرى، إذ لانستطيع فهم ما حصل دون الاطلاع الحقيقي على الاحداث التاريخية التي مر بها المجتمع العراقي قبل 2003، بدون رؤية تاريخية علمية تساعد القائمين على الشأن العام في استعياب الازمات الحاصلة، والتي تتطلب الوقوف على تاريخ المجتمع والدولة سابقا ولاحقا، هناك تجارب عديدة أتخذت هذا المسار " فهما تاريخيا ورؤية سياسية واقعية " لكي تقف على أسباب ما تواجهه من مشاكل وأزمات متكررة