قبيلة النافاهو الهندية الأميركية تحافظ على بقاء التقاليد القبلية
الطقوس الروحانية عند أبناء قبيلة النافاهو تهدف إلى إعادة التوازن والانسجام

قبيلة النافاهو الهندية الأميركية تحافظ على بقاء التقاليد القبلية JLtf0.jpg

المحاربون العائدون من الحرب يراقبون طبيب النافاهو المداوي ألبرت لافتر وهو يزكي نارا في خيمته أثناء ممارسة طقس للعناية بالجنود.
من لورين مونسن؛ المحررة في موقع أميركا دوت غوف
واشنطن – ورثت "أمة النافاهو"، وهي ثاني أكبر قبيلة من قبائل الأميركيين الأصليين في أميركا الشمالية التي تعيش في جنوب غرب الولايات المتحدة، ثراثا ثقافيا غنيا قائما على التقليد التحداري الشفاهي والعادات التي تناقلتها الأجيال عبر مئات السنين. وتؤكد المعتقدات الروحانية للقبيلة، وتعرف مجتمعة بـ "طريقة نافاهو" على أهمية الحفاظ على التوازن والانسجام مع الطبيعة واستعادتهما.
ويقول روبرت جونسون، الإخصّائي الثقافي في متحف شعب النافاهو في وندو روك بولاية أريزونا، إن الطقوس المقدسة التي يمارسها الأطباء القبليون المداوون ضرورية لديمومة طريقة النافاهو. وقد يصير أداء تلك الطقوس لأسباب متنوعة – سواء منها تحسين الحالة الصحية والعقلية لمريض معتل أو احتفاء بمرحلة معلمية هامة في حياة شخص ما – لكن هناك أمرين يظلان ثابتان وهما: تراتيل الصلوات الإيقاعية ورسم تصاوير هندسية دقيقة متقنة بالرمل كتلك التي تظهر عادة في طقوس النافاهو.
وعلى الرغم من أن مستوطنة، أو محميّة، النافاهو – وهي موطن قبلي شبه مستقل يحتل جزءا من شمال شرق ولاية أريزونا وقسما من جنوب شرق ولاية يوتا وجزءا من شمال غرب ولاية نيومكسيكو – تضم نحو 300,000 نسمة من السكان، فإن الأشخاص المدربين على أن يكونوا أطباء وطبيبات للمداواة القبلية يعدّون على الأصابع. وصرح جونسون لموقع أميركا دوت غوف بأن "عدد المداوين التقليديين قد انخفض انخفاضا حادا في السنوات الأخيرة، وهو أمر يدعو إلى القلق."
وحرصا منهم على المساعدة في وقف هذا التراجع وعكسه، أنشأ شيوخ القبيلة في العام 2002 برنامجا خاصا للتدريب هدفه تجنيد مزيد من شبان النافاهو لتعليمهم الطقوس والمراسم التي يمارسها الأطباء المداوون. ويقول جونسون إن التمكن المتضلع من طقوس القبيلة المعقدة عملية تستغرق مدى الحياة. ويضيف جونسون أنه مع أن بعض المتدربين في البرنامج أصبحوا الآن أطباء قبليين فعليين فإن "كثيرين من الشبان يرحلون عن المستوطنة طلبا لفرص العمل والتعليم الجامعي. فهم ينتقلون إلى المدن وبلدات الحدود القريبة سعيا "لتحقيق الحلم الأميركي" في حياة مهنية ناجحة وامتلاك بيت.
المراسم والطقوس القديمة لطريقة النافاهو
أطباء النافاهو المداوون (هاتاآلي، بلغة النافاهو) لا تقتصر مهمهتم على المداواة وحسب، بل إنهم يقومون أيضا بدور المؤرخين ذوي الاطلاع والمعرفة الواسعين بالتقاليد والأساطير القبلية. ويقول جونسون إن النقص في أعداد هؤلاء الأطباء أدى إلى انقراض بعض الطقوس الغامضة "لكنه ما يزال هناك عدد كاف من الأطباء في المستوطنة لأداء أربعة طقوس مراسمية رئيسية" تشكل العمود الفقري لطريقة النافاهو وأداء الطقس الاحتفالي المعروف بطريقة المباركة الذي يختتم به كل طقس.
وشرح جونسون أن تلك الطقوس الأربعة هي: طريقة قمة الجبل، ومراسم الجدود (وهي احتفالات تستمر تسعة أيام في فصل الشتاء)، وطريقة العدوّ (وهي نشاطات تستمر أربعة أيام تقام في الصيف)، وأخيرا طريقة الصواعق أو طريقة الريح الكبيرة (وهي أحداث تقام على مدى خمسة أيام أو يومين على مدار السنة). أما لوحات الصور بالرمل، طبقا لما أوضح جونسون، فتستعمل في طقوس احتفالات الشتاء ومدار السنة ولكنها لا تستعمل في طريقة العدوّ. قبيلة النافاهو الهندية الأميركية تحافظ على بقاء التقاليد القبلية pWaNO.jpg
هذه اللوحة الرملية المعدلة صنعها فنان من النافاهو تظهر فيها أربع ضفادع وأربع نباتات مقدسة هي الذرة والتبغ والفاصولياء والقرع.
والغرض من الطقوس الأربعة كلها هو معالجة الاختلالات المختلفة أو عدم التوازن، مع أن طريقة العدوّ لها غرض خاص وهدف معين. وهو طقس قديم كان يمارس في الماضي لمباركة المحاربين العائدين من المعركة ويستعمل الآن لمساعدة الجنود النافاهو العائدين من الحرب في العراق أو أفغانستان، وخصوصا الذين يعانون من حالات الاضطراب النفسي بعد صدمات الحرب. كذلك يستخدم بشكل أعم للتخلص من أي تلوث ناجم عن الاتصال بعناصر خارجية معادية.
ويقول جونسون إنه "عندما يمرض شخص ما، يقرر فاحصه أي الطقوس يكون أنسب له." ويكون الفاحص الذي يقرر الأعراض عادة، وليس دائما، هو الطبيب ذاته الذي سيمارس الطقس. وعلى الرغم من أن كثيرن من النافاهو ينشدون مساعدة أطباء قبيلتهم المداوين، يفضل البعض الآخر اللجوء إلى المستشفيات الحديثة في المستوطنة أو يجمع بين طريقة النافاهو والأساليب الغربية للحفاظ على الصحة والعافية.
أما لوحات الرسوم الرملية المتقنة التي ترافق الطقوس التقليدية عادة فتعبر عن تأكيد طريقة النافاهو على التوازن والانسجام. وتختلف الصور المرسومة بالرمل الملون تبعا للطقس الاحتفالي، لكن هناك أشكالا معينة تظهر كثيرا في اللوحات. فالعناصر أو الأشكال المتناظرة بتناسق تمثل الجهات الأربع (الشمال والجنوب والشرق والغرب)، والهيئات المقدسة (المعروفة بالأشخاص المقدسين في أساطير النافاهو) فتستعمل لمنح البركات. (الرؤوس المستديرة تعني الآلهة الذكور، والمربعة تعني الإناث). أما الشعارات، كالنباتات والحيوانات فتدل على علاقة النافاهو الوثيقة بالعالم الطبيعي.
كيف يجدد الماضي الحاضر
واعترافا بما للوحات الرسوم الرملية من دور هام فإنها تولى رعاية خاصة ويقظة كي لا تتعرض للتلويث والإفساد، ولذا فإنها تتلف فورا بمجرد انتهاء مراسم طقس النافاهو. غير أن فناني القبيلة يستطيعون كسب رزق معيشتهم من صنع لوحات مماثلة دائمة للرسوم الرملية. لكن الفنانين يعملون عمدا على تغيير أو حذف عنصر أو تفصيل أساسي في الصورة بحيث لا تظهر صورة مقدسة عند النافاهو بكاملها لنظر غريب. وقد أصبحت هذه اللوحات الرملية مطلوبة عند هواة جمع الفنون بحيث أصبحت تباع بمئات الدولارات في قاعات المتاحف أو محال التحف والهدايا.
وكما تعتبر اللوحات الرملية مقدسة، كذا تعتبر الجوانب الأخرى من طقوس النافاهو. فقبل أن تقام طقوس المداواة والإشفاء يجب أن يخضع المريض لحمام تطهيري يعرق فيه وذلك لتخليص الجسد من السموم. ويقول جونسون "إن على (المريض) أن يطهر نفسه أولا. وتستغرق العملية في العادة نصف يوم."
يتسم معظم طقوس النافاهو الأخرى التي تمثل مراحل وأحداث الحياة الهامة بمناسبات البهجة والفرح. ويورد جونسون المثال على ذلك بالقول "إن طريقة المباركة تتم للأمهات الحوامل عندما يقتربن من الشهر الثامن من حملهن وذلك لحمايتهن أثناء الولادة وضمان سلامة المولود." والطفولة المبكرة لها احتفال أيضا. إذ يمارس أطباء النافاهو عادة طقسا خاصا "لأول ضحكة" للطفل و"لأول صورة للقدم" وعندما يبدأ الطفل المشي. وتقام طقوس خاصة عندما يبلغ الطفل سن البلوغ (وتختلف تلك التي للصبيان عن البنات) وهم في سن 12 أو 13 سنة.
ويقول جونسون: "يقام لشبان النافاهو احتفال النضوج عندما تتراوح أعمارهم بين 16 و18 سنة وهو طقس خاص ببلوغهم سن الرشد." وقال إنه عندما يتزوج اثنان يقام عرس تقليدي له طقس خاص يؤديه شخص ذو مكانة بارزة في الأسرة.
تحدد طريقة النافاهو أربع مراحل للحياة هي: الطفولة، والمراهقة، والرشد المبكرة والوسيطة، ثم الشيخوخة. ولا توجد طقوس خاصة للموت في ثقافة النافاهو، لكن اعتقادهم بالحياة بعد الممات يشبه إلى حد كبير ما للأديان والمجتمعات الأخرى. وتقول أونيس كاهن المسؤولة عن المحفوظات في متحف شعب النافاهو "نحن نؤمن بأن أرواحنا ستنضم في نهاية المطاف إلى أرواح أسلافنا."
وفي حين يواجه النافاهو، ورثة ثقافة فريدة، متطلبات الحياة العصرية ويتغلبون على تحديات العالم الحديث يسعون جاهدين أيضا في سبيل الحفاظ على تقاليدهم التي يعتزون بها. ويقول جونسون "يعمل كثير منهم خلال أيام الأسبوع في المدن الحدودية" القريبة من المستوطنة "ويعودون في عطلة نهاية الأسبوع إلى المحمية حيث يندمجون غارقين في الثقافة القبلية." فممارسة طريقة النفاهو، في اعتبار أفراد القبيلة، تعزز شعورهم بالهوية وتخلّد دستورا روحانيا أمد أجدادهم بالبقاء ويعد بهدي أجيال المستقبل أيضا وإرشادها.