الإنسان عالم في حد ذاته ، ففي تركيب جسمه وقواه ومواهبه ، ورغباته وحاجاته كذلك عواطفه ومشاعره ، وعلاقته بكل ما يحيط به من ألوف الأشياء ، وتاثره فيها ، وتأثيرها عليه ، كل هذه الأشياء تحتضن عالماً بنفسه لا يدرك كنهه.
وتحسب انك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر
لقد حاول الإنسان بما اوتي من تدبير وتفكير ، ان يجد قانوناً شاملاً ، وحلاً عادلاً ، يتماشي مع جميع متطلبات أفراد البشر .
ولكن أكثر هذه المحاولات كانت تأتي بنتائج معكوسة ؛ فيصبح الحيف ، والظلم ، على الإنسان الضعيف ، وهو المرأة .
إن لرغبات النفس ونوازعها وعواطفها وميولها ، التأثير البالغ في تفكير الإنسان ، تصرفه عن الحقائق ، وتضله عن جادة الصواب . لو راجعنا بطون التاريخ واستنطقنا صفحاته لرأينا سلسلة من الاضطهاد والحرمان ، جارية في جميع أدواره وبين الأمم والشعوب القديمة من دون استثناء ، عند أهل الحضارة والرقي أو أهل البداوة والجاهلية أو أهل الشرائع والأنظمة المدنية ، وكلها جائرة في حق المرأة .
ففي البلدان المتحضرة والشعوب المتمدنة ، ظهرت شريعة حمورابي في بابل
وقوانين روما واليونان القدماء ومقررات مصر والصين وفارس القديمة وجميعها تحمل بين طياتها الانظمة والقوانين الكثيرة على اختلافها وتشعب اتجاهاتها وكلها تنظر للمرأة على أنها انسان ضعيف لا تستطيع ان تتحمل أعباء الحياة ، لا يمكنها ادارة شؤونها بنفسها .
ان البحث التاريخي الذي سأورده في هذه الصفحات ، يؤكد ان المرأة كانت تتقلب في دياجير مظلمة من العسف والجور تباع وتشترى كانها سلعة ، محرومة من جميع حقوق الإرث والملكية ، معدومة الشخصية وهي مجموعة من الذل والاثم والعار .
المرأة عند العرب في الجاهلية :
لنلقي نظرة خاطفة على حالة المرأة العربية في الجاهلية قبل الإسلام ، وكيف كانت تعامل في ذلك العهد ، وما هي مكانتها الاجتماعية .
كانت المرأة العربية في الجاهلية ، أحط من أي سلعة فهي لا ترث وليس لها حق المطالبة ، لأنها لا تذود عن الحمى في الحرب ، وزواجها يرجع إلى أمر وليها ، وليس لها حق الاعتراض ولا المشورة حتى أن الولد يمنع أرملة أبيه من الزواج حتى تعطيه جميع ما أخذت من ميراث أبيه ، هذا إذ لم يضع ثوبه عليها قائلاً : ورثتها كما ورثت مال أبي .
فإذا أراد أن يتزوجها ـ تزوجها هو بغير مهر ، أو زوجها لغيره وتسلم هو مهرها (1). ومن جملة قولهم للعروس عند زفافها (2) اذهبي فإنك تلدين الأعداء وتدنين البعداء .
والعرب مثل غيرهم من الشعوب القديمة ، كانوا يفرحون إذا ولد لهم ولد
ذكر ، ويغتمون إذا ولدت لهم انثى ، وكان الرجل العربي الجاهل يصاب بضيق صدر ، وهمّ بالغ ، إذا قيل له إن زوجته وضعت انثى وقد أشار الباري سبحانه وتعالى بقوله إلى هذا : ( وإذا بُشِّر أحدهم بالأنثى ظلّ وجهه مسوّداً وهو كظيم ) (3).
كان العدل والحق في زمن الجاهلية ، هو بجانب صاحب القوة ( كما في زماننا الحاضر ) وصار القوي المنيع هو صاحب الحق في الغالب .
ولما كان الرجل بتركيب جسمه الطبيعي وفطرته أقوى من المرأة منح نفسه حق سن الأحكام عندها صار الحق في الجاهلية في جانبه ورفع نفسه عنها في أكثر الأحكام وحرمها ميراثها وقايضها بديونه .
يقول الدكتور جواد علي (4) : وفي زواج البدل ، وفي منع المرأة من الزواج إلا من قريبها لوجود حق الدم عليها ، وفي منع زواج زوجات الآباء إلا برضى ابناء الأب وذوي قرابته ، لأنهم أحق بالزواج منها . وغير ذلك من سنن الجاهلية التي كانت توحي إليهم أن المرأة دون الرجل في الحقوق ، لأنها خلقت دون الرجل في القوة ، ولم يكن أمامها بالطبع إلا الاستسلام .
ولما جاء الإسلام حرَّم كثيراً من هذه السنن ، التي لم يكن أهل الجاهلية يرونها تنافي العدالة . وقد ورد أنَّ ( كبشة بنت معن بن عاصم ) امرأة ( أبي قيس بن الأسلت ) انطلقت إلى الرسول فقالت : « إن أبا قيس قد هلك ، وإنَّ ابنه من خيار الحمى قد خطبني . » فسكت الرسول (ص) ثم نزلت الآية ( ولا
تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء ) (5) فهي أول امرأة حرمت على ابن زوجها (6) .
روي عن ابن عباس أنه قال : ( إذا مات الرجل وترك جارية ، القى عليها حميمه ثوبه ، فيمنعها من الناس ، فإن كان جميلة تزوجها . وإن كانت قبيحة حبسها حتى تموت ) وظل هذا شأنهم إلى أن نزل الوحي بتحريم ذلك ( ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إنه كان فاحشة ومقتاً وساء سبيلا) (7) . هذا الظلم الفادح الذي كان ينزل بالمرأة بسبب ضعفها ، وبسبب عرف الجاهلية في حقها ، وأبشع العادات وأفظعها ، عادة وأد البنات التي تميَّز بها عرب الجاهلية ، وعدُّوها من المكرمات قال الشاعر :
القبر أخفى سترة للبنات ودفنها يروى من المكرمات


وأد البنات :
إن في الدين الإسلامي حيوية ومرونة ومسايرة ، لكل عصر وزمان . ففي النظم الإسلامية من الحلول ما يكفي لجميع المشكلات التي تعترض حياة الإنسان ، فالإسلام قد حرَّم وأد البنات ، وحفظ بل أبقى على هذا المخلوق البريء حياته قال عز من قائل : ( وإذا الموؤدة سئلت بأي ذنب قتلت ) (8) .
إن مسألة الوأد جديرة بأن نوليها الاهتمام ، فهي نقطة هامة في الحياة الاجتماعية .
هذه العادة القبيحة ، اللإنسانية ، كانت واسعة الانتشار في أيام الجاهلية ، في الجزيرة العربية عند أهل البادية في الصحراء وفي المدن المتحضرة .
يقول الدكتور جواد علي : وقد اختلف في هذا القول ، فقال لين پول ـ Laine Poole ـ انها كانت عادة سيئة ، ولكنها كانت نادرة الحدوث في الصحراء . ولكن الميداني يقول : إن عادة وأد البنات ، كانت متبعة عند قبائل العرب قاطبة ، وظلت هذه العادة جارية ومتبعة عند جميع قبائل العربية حتى جاء الإسلام فأبطلها وحرَّمها .
ولقد اختلفت مذاهب القبائل العربية في مسألة الوأد ، والنظر اليها ، فمنهم من كان يئد البنات ، غيرة على العرض ، ومخافة من لحوق العار لأنهم أهل سطو وغزو ، وكانت تساق الذراري مع الغنائم ، ويؤخذ السبي فتكون بناتهم عند الأعداء ، وهذا منتهى الذل والعار ، وكانت بنو تميم ـ وكندة من أشهر القبائل ، التي تئد بناتها خوفاً لمزيد الغيرة .
ولعل السبب في ذلك راجع إلى تلك القصة ، التي يرويها التاريخ ، وهي أن بني تميم ، منعوا الملك النعمان ضريبة الأتاوة التي كانت عليهم ، فجرد عليهم النعمان أخاه الريان مع ( دوسرا ) إحدى كتابئه وكان أكثر رجالها من بني بكر بن وائل ، فاستاق النعمان سبي ذراريهم . فوفدت وفود بني تميم على النعمان بن المنذر ، وكلموه في الذراري ، فحكم النعمان بأن يجعل الخيار في ذلك إلى النساء ، فأية امرأة اختارت زوجها ردت إليه، فشكروا له هذا الصنيع .
وكانت من بين النساء بنت قيس بن عاصم فاختارت سابيها على زوجها
فغضب قيس بن عاصم ، ونذر أن يدس كل بنت تولد في التراب ، فوأد بضع عشرة بنتاً (9) .
وقد ظلت هذه العادة السيئة جارية ، وكأنها قانون لا يمكن إزالته ، حتى ظهر الاسلام فحرمها وعاقب عليها .
وفي بعض الروايات ، أن أول قبيلة وأدت من العرب هي قبيلة ربيعة وسبوا بنتا لأمير لهم فاستردها بعد الصلح وبعد أن خيروها بين أن ترجع إلى أبيها ، أو تبقى عند من هي عنده من الأعداء ، فاختارت سابيها وآثرته على أبيها ، عند ذلك غضب وسن لقومه قانون الوأد ، ففعلوا غيرة منهم ، وخوفاً من تكرار هذه الحادثة (10) .
ومن القبائل من كانت تئد البنات ، لا لغيرة أو خوف من عار ، بل إذا كانت مشوهة أو بها عاهة مثلاً : إذا كانت زرقاء ... أو سوداء ... أو برشاء ... أو كسحاء ... ويمسكون من البنات من كانت على غير تلك الصفات لكن مع ذل وعلى كره منهم .
وذكر بعض المؤرخين (11) أن سنين شديدة كانت تنزل بالناس تكون قاسية على أكثرهم ولا سيما على الفقراء ، فيأكلون ( العلهز ) وهو الوبر بالدم ، وذلك من شدة الجوع ، وبهذا الفقر وهذه الفاقة وذلك الاملاق ، كل هذا حملهم على وأد البنات حذر الوقوع في الغواية . وذلك قوله تعالى : ( ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم ) (12) .
وقال تعالى : ( قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفهاً بغير علم وحرَّموا ما رزقهم الله افتراءً على الله قد ضلّوا وما كانوا مهتدين ) (13) .
وقال تعالى : ( ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطئاً كبيراً ) (14) .
روى أهل السير : أن العرب كانوا يحفرون حفرة ، فإذا ولدت الحامل بنتاً ولم يشأ أهلها الاحتفاظ بها رموها في تلك الحفرة ، أو أنهم كانوا يقولون للأم بأن تهيء ابنتها للوأد وذلك بتطييبها وتزيينها فإذا زينت وطيبت اخذها أبوها الى حفرة يكون قد احتفرها فيدفعها فيها ويهيل عليها التراب حتى تستوي الحفرة في الأرض (15).
وذُكر أيضاً أن الرجل منهم كان إذا ولدت له بنتاً فأراد أن يستحييها (16) ألبسها جبة من صوف أو شعر ترعى له الإبل والغنم في البادية وإن أراد قتلها تركها حتى إذا كانت سداسية (17) فيقول لامها طيبيها (18) وزينيها حتى أذهب بها إلى أحمائها ، وقد حفر لها بئراً في الصحراء فيبلغ بها البئر فيقول لها انظري فيها ، ثم يدفعها من خلفها ويهيل عليها التراب حتى تستوي البئر بالأرض
قصة رجل وأد ابنته وقد أظهر ندمه عند النبي (ص) :
روي أن رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وكان لايزال مغتماً بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما لك تكون محزوناً ؟ فقال يا رسول الله إني أذنبت ذنباً في الجاهلية فأخاف ألا يغفره الله لي وإن أسلمت فقال له : أخبرني عن ذنبك ؟ فقال : يا ر سول الله ، إني كنت من الذين يقتلون بناتهم ، فولدت لي بنت فتشفعت إلي امرأتي أن أتركها فتركتها حتى كبرت وأدركت ، وصارت من أجمل النساء فخطبوها ، فدخلتني الحمية ، ولم يحتمل قلبي أن أزوجها ، أو أتركها في البيت بغير زواج ، فقلت للمرأة إني أريد أن أذهب الى قبيلة كذا وكذا في زيارة أقربائي فأبعثيها معي ، فسرَّت بذلك ، وزينتها بالثياب والحلي ، وأخذت عليَّ المواثيق بألا أخونها ، فذهبت الى رأس بئر فنظرت في البئر ، ففطنت الجارية أني اريد ان ألقيها في البئر فالتزمتني وجعلت تبكي وتقول : يا أبت إيش تريد أن تفعل بي (19) ؟ فرحمتها ، ثم نظرت في البئر فدخلت عليَّ الحمية ، ثم التزمتني وجعلت تقول : يا أبت لا تضيع أمانة أمي ! فجعلت مرة أنظر في البئر ومرة أنظر إليها فأرحمها ، حتى غلبني الشيطان فأخذتها وألقيتها في البئر منكوسة ، وهي تنادي في البئر : يا أبتِ قتلتني ؟! ومكثت هناك حتى انقطع صوتها فرجعت .
فبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، وقال : لو أمرت أن أعاقب أحداً بما فعل في الجاهلية لعاقبتك (20) .
ومهما كانت كيفية الوأد ، واختلاف المسببات ، فلقد حاربه الاسلام ،
وندد به ، وعاقب عليه وجعله من الكبائر ، حتى محى أثره من الوجود ، وأصبح قصة يرويها الرواة ، من جملة ما يروونه من أخبار الماضي .
ولم يكتف الاسلام بذلك ، بل رفع من شأن المرأة ، وساوي بينها وبين الرجل في كثير من شؤون الحياة . وفي الحديث «إن أحسن الناس عند الله من أحسن صحبة أزواجه وبناته » .
وقد أكثر الشعراء العرب في وصف حالهم وحال المرأة في ذلك العهد وعجزها عن العمل والمقاومة ، في حين أن البنين أقوى منهن ، ويتاح لهم ما لا يتاح للبنت . قال بعض الشعراء :
وزادني رغبة في العيش معرفتي أخشى فظاظة عمٍ أو جفاء أخ تهوى حياتي وأهوى موتها شفقاً إذا تذكرت بنتي حين تندبني ذل اليتيمة بحفوها ذوو الرحم وكنت أبكي عليها من اذى الكلم والموت أكرم نزال على الحرم فاضت لعبرة بنتي عبرتي بدم
ووصف سروره واستقراره بعد أَن تخلص من ابنته حيث يقول :
فالآن تمت فلا همُّ يؤرقني بعد الهدوء بلا وجدٍ ولا حل

المرأة في بلاد الفرس
أما في بلاد الفرس وهم الذين قبضوا على ناصية الحكم في كثير من البلاد وسنوا القوانين والأنظمة ، لم يكن وضع المرأة عندهم أحسن مما كانت عليه في بلاد النيل والبلاد الصينية ، يقول الدكتور محمود نجم آبادي في كتاب ( الإسلام وتنظيم الأسرة ) : نلاحظ أن قوانين زرادشت ، كانت جائرة وظالمة بحق المرأة ، فإنها كانت تعاقبها أشد العقوبة إذا صدر عنها أقل خطأ ، او هفوة ، بعكس الرجل فإنها قد أطلقت له جميع الصلاحيات يسرح ، ويمرح ، وليس من رقيب عليه .
فهو له مطلق الحرية لأنه رجل ولكن الحساب والعقاب لايكون إلا على المرأة !
ويقول ايضاً : كان أتباع زرادشت يمقتون النساء ، وحالما كانت تتجمع لدى الرجل براهين على عدم إخلاص الزوجة ، كان لامفر لها من الانتحار . وقد ظل هذا القانون سارياً حتى عهد الاكاديين ، وفي عهد السانيين خفَّف هذا القانون ، بحيث صارت المرأة تُسجن جزاء عدم إخلاصها أول مرة ، حتى إذا كررت عملها ، صار لامفر لها من انتحار ويقول ايضاً : بينما كان يحق للرجل من أتباع زرادشت أن يتزوج من امرأة غير زراد شتية فإنه لم يكن يحق للمرأة أن تتزوج من رجل غير زرادشتي وهذا القانون على المرأة كما أسلفنا فقط ، ناهيك عن الاضطهاد والحرمان وأما الرجل فله الحرية في التصرف على هواه وهو المالك لأنه رجل .
المرأة في البلاد الصينية
لم تكن المرأة في البلاد الصينية أحسن حالاً من اختها في بلاد الفرس ، ويؤخذ من مادة في موسوعة الدين والأخلاق ، أن المجتمع الصيني على العموم كان الناس يعيشون في فوضوية ، فهم أقرب الى الوحوش منهم الى البشر ، كانوا يعرفون امهاتهم ، ولا يعرفون آباءهم ، وكانوا يتزاوجون بلاحشمة ولاحياء ، حتى قام رجل منهم وكان من الحكماء الأقوياء اسمه ( فوه ـ سي ) ( Fh ـ Hsi ) وذلك سنة ( 2736 ـ 2852 ) قبل الميلاد قام هذا الحكيم ووضع لهم القوانين ، وسنَّ لهم الأنظمة ، ولكن المرأة واحسرتاه ... لم تنل من السلطة أو الكرامة أي نصيب ، بل كان نصيبها أن تتلقى الاوامر ، وتنفذها بدون أي اعتراض . فإذا كانت لاتزال بنتاً لم تتزوج ، فواجب عليها إطاعة أبيها ، فإذا تزوجت فالطاعة لزوجها ، وإذا مات عنها زوجها أطاعت ابنها الكبير .
وفي المجتمع الصيني القديم ايضاً صاحب الحضارة العريقة ، أن يسير الأب على ما جرى عليه العرف العام ، فالعادة بالميراث أن البنات لايرثن ، وحصة الابن الأكبر من الميراث تكون هي الكبرى ، وليس للبنت أن تطلب من مال أبيها شيئاً لأن البنت لا ترث لأنها ليست بولد .
المرأة في البلاد المصرية
كانت بلاد النيل مهد الحضارات القديمة ، وكان المجتمع المصري القديم يتميز
بطابع التمدن والرقي في تلك العصور ، ولكن المرأة المصرية كانت بغاية الاضطهاد والهوان ، وكانت تعامل معاملة ازدراء واحتقار كالخدم ، وهي لا تصلح إلا لتدبير شؤون البيت ، وتربية الأطفال .
كان المصري القديم ، يتزوج في مرحلة مبكرة ، وكان يتزوج من اخته وذلك خشية أن تنتقل أملاك الاسرة الى الأغراب ، وقد عرف المصريون القدماء تعدد الزوجات ، وعرفوا التسري ، وكانت الزوجة تحمل التمائم خلال أشهر الحمل ، لتقي حملها من الأرواح الشريرة ، وكان الرجل المصري يفرح إذا بُشر بالمولود الذكر ، ويكفهر وجهه حزناً إذا علم أن زوجته وضعت أنثى ، ومن الطريف أن المصريين القدماء قاموا بتجارب لمعرفة الجنين قبل ولادته خوفاً من أن يكون أنثى .
ويقول الدكتور ميخائيل ابراهيم : لقد حرص المصري على زوجته أشد الحرص ، فلا تخرج من بيتها أبداً إلا لخدمة الآلهة ، أو الخدمة في القصور ، وكانت على جانب عظيم من الذلة والمهانة .
المرأة في بلاد ما بين النهرين
المرأة السومرية :
وأما في العهد السومري ، فقد كانوا يعاملون المرأة معاملة فظة غليظة ، كما كانت تعامل عند جميع الشعوب في تلك الأزمنة . فما كانت مكانتها أحسن من أخواتها في البلاد المجاورة ، وذلك على الصعيد الاجتماعي ، ومن حيث الحرية والكرامة .
وأما المرأة عند البابليين فكانوا ينظرون إليها نظرة احتقار فهي لم تخلق إلا لإسعاد الرجل .

المرأة الاشورية :
كان المجتمع الأشوري لا يختلف في شكله العام عن تركيب المجتمع البابلي من حيث عدد الطبقات ، والتشابه في البيوت والأثاث واللباس . وبالنظر الى الاهمية التي تعطى عادة للرجال في مجتمع تسوده الروح العسكرية ، أصبح الرجل الاشوري أكبر قوة وتسلطا في حين انخفض مركز المرأة الاجتماعي ، وفقدت بعض الحقوق التي كانت تتمتع بها في الحضارتين : السومرية والبابلية .
فقد أصبحت المرأة الأشورية تعتبر ملكا للرجل وله الحق في أن يحرمها ما تملك ، ويطلقها متى أراد ، ولا فرق بينها وبين الحيوان الأعجم . الرجل يأمر وهي تتلقى الأوامر ، وتنفذها صاغرة ، وليس لها حق الاعتراض (21) .

المرأة عند اليونان :
اليونان من أرقى الامم القديمة حضارة ، وأزهرها وأكثرها تمدناً في التاريخ في عصرهم البدائي كانت المرأة في غاية من الانحطاط وسوء الحال ، من حيث الأخلاق والحقوق القانونية والسلوك الاجتماعي جميعاً فلم تكن لها في مجتمعهم منزلة ـ أو مقام كريم ، وكانت الأساطير ( Mythology ) اليونانية قد اتخذت امرأة خيالية تسمى ( باندورا ) (Pandora ) ينبوع جميع آلام الانسان
ومصائبه . لقد كان تأثير الاسطورة اليونانية عن ( باندورا ) في عقولهم وأذهانهم ، فلم تكن المرأة عندهم إلا خلقاً من الدرك الأسفل ، في غاية المهانة والذل ، في كل جانب من جوانب الحياة الاجتماعية وأما منازل العز والكرامة في المجتمع ، فكانت كلها مختصة بالرجل (22) .
فالمرأة الأثينية تقضي معظم وقتها في المنزل ، تغزل وتنسج ، وتخيط ثيابها ، وثياب زوجها ، ونجد انها ضئيلة الحظ من الثقافة ، وان بنات أثينا يلزمن البيت في حين يذهب أبناؤها يومياً الى المدرسة ، حيث يتعلمون القراءة والكتابة والحساب ، ويحفظون شعر هوميروس ويعزفون على القيثارة ويقومون بالتمارين الرياضية ، ولم تكن المرأة اللاتينية ، تجلس الى المائدة ، إذا كان عندهم ضيوف غرباء لأنها بمنزلة العبيد والخدم .

المرأة عند الرومان :
الذين تسنموا ذروة المجد والرقي في العالم لمدة طويلة من الزمن هم الرومان وفي هذه الامة ايضاً ، نرى أن القوانين والأنظمة ، كانت تميل الى الظلم والحرمان والاضطهاد تجاه المرأة .
فالرجل رب الاسرة في مجتمعهم ، له حقوق الملك كاملة ، على أهله وأولاده والقانون الروماني كان قد أعطى الرجل حق التصرف بزوجته على هواه ، حتى بلغ من تعسف الرجل وتسلطه في هذا الشأن ، انه يجوز له حتى قتل زوجته في بعض الأحيان .
ولما تقدم الرومان ، خطوات في سبيل الحضارة، وأخذوا يرتقون سلم
المدنية ، خفت القسوة في تلك السلطة ، من قتل وتعذيب وأخذت تميل الكفة إلى الاعتدال شيئاً فشيئاً .
لكن بقي نظام الاسرة القديم ، ثابت على حاله ، بل قيدوا النساء بقيود مثقلة ، مما زادهنَّ ذلة ومهانة .
كان الرومان يتسابقون في ميدان التقدم والرقي ، ولكن احتقارهم لنسائهم يعاملوهنَّ معاملة الخدم والإماء ، وينظرون إليهن نظرة الازدراء مما جعل المرأة تنجرف في تيار الاستهتار ، عندما رأت نفسها ، في مثل هذا الانحطاط والانهيار ، ولأنها لاتصلح إلا لإرضاء الرجل ، وتلبية رغباته ، عندها تفجر بركان من الفحشاء والفجور .
وعن المودودي ( ولما تراخت عرى الاخلاق وصيانة الآداب في المجتمع الروماني الى هذا الحد ، اندفع تيار من العرى والفواحش ، وجموح الشهوات ، فأصبحت المسارح مظاهر للخلاعة والتبرج الممقوت ، وزُينت البيوت بصور ورسوم كلها دعوة سافرة الى الفجور ، والدعارة والفحشاء .
ومن جراء هذا كله ، راجت مهنة المومسات والداعرات . الى أن يقول : ونالت مسرحية فلورا ( Flora ) حضوة عظيمة ، لدى الروم ، لكونها تحتوي على سباق النساء العاريات .
وكذلك انتشر استحمام النساء والرجال في مكان واحد بمرأى من الناس ومشهد . أما سرد المقالات الخليعة ، والقصص الماجنة العارية ، فكان شغلاً مرضياً مقبولاً ، لا يتحرج منه أحد ، بل الأدب الذي كان يلتقاه الناس بالقبول والرضى ، هو الذي يعبر عنه اليوم بالأدب المكشوف ، وهو الذي تبيَّن فيه أحوال الحب ، والعناق والتقبيل سافرة غير مقنعة ، بحجب من المجاز والكنايات . انتهى (23) .
أقول : وفي القلب حسرة ... لقد أصبحنا في زماننا هذا ، وفساد الأخلاق آخذ بناصية جميع المسالك الحياتية تقريباً ، وفي معظم البلاد العربية والاسلامية وإذا استنكر مستنكر على أمواج الفوضى العارمة ، وتيار الفساد الطاغي على النفوس ـ أو أمر آمر بالمعروف ، او نهى عن المنكر ناهٍ وجد نفسه ، بلا ناصر ولا معين ، بل اتهم بالرجعية والتخلف وكما قيل :
وإذا تراءى مصلح ساد الفساد وساد والدين أصبح شاكياً لم يبق بين بنيه يلفى بلا أعوان أهل الجور في البلدان متداعي الأركان غير الحقد والشنآن (24)
المرأة في بلاد الهند
بلاد الهند ذات حضارة عريقة راسخة ، تتميز بطابع العلم والتمدن ، والثقافة ، منذ أقدم العصور . ولكننا إذا أمعنا النظر نرى أهل بلاد الهند كبقية الامم والشعوب ، التي كانت في الزمن الغابر تعامل المرأة عندهم ، بمنتهى القساوة ، وينظر اليها نظرة الاحتقار .
تتخذ المرأة مملوكة ، وينزل الرجل منها منزلة المالك ـ او المعبود ، وهي محتوم عليها ، أن تظل مملوكة لأبيها بكراً ، ولبعلها زوجة ، ولأولادها ايِّماً .
ثم بعد هذا الهوان ، والذل ، يقدمونها ضحية على نيران زوجها المتوفي ـ أي إذا مات عنها زوجها ، يحرقونها معه بالنار وهي حية
لقد كان الهندوك يحرقون موتاهم ويحرقون زوجة الميت معه وهي حية . كانوا يلبسونها أفخر ثيابها وحليِّها ، ويأتون بها وكأنها عروس في ليلة الزفاف ، ثم يلقونها فوق الجثة المحترقة لتأكلها النيران وبقيت هذه العادة البشعة ، يتوارثها الأبناء عن الآباء حتى جاء الاسلام ، بنور تعاليمه ، واستنقذ المرأة من المصير الأسود ، فأبطل هذه العادة البشعة وحرم العمل بها وعاقب عليها .
وكان الهنود يحرمون المرأة من جميع الحقوق الملكية ، ومن الأرث ايضاً وعليها ان ترضى بقوانين الزواج ، المتبعة عندهم ، فهم يسلمونها الى أي رجل من الرجال ، بغير رضاها او استشارتها ، وهي ملزمة ان تخضع له ، فهو المالك ولا يجوز لها ان تتخلص من حيازته الى آخر انفاس حياتها .
وكان الشعب الهندي ، يعتقد ، ان المرأة هي مادة الاثم وعنوان الانحطاط الخلقي ، والروحي ، ولا يسلم لها حتى بوجود الشخصية المستقلة كإنسان كامل .
المرأة في نظر بعض الفلاسفة
لقد عاشت المرأة مضطهدة ، ليس لها مجال في هذه الحياة ، إلا تربية الأطفال ، وإرضاء الرجال ، بل هي مخلوق أحط من الرجل والدليل على هذا قول بعض الفلاسفة وأهل الفكر .
قال : ( بردون ) الفيلسوف الاشتراكي في كتابه ( ابتكار النظام ) إن وجدان المرأة أضعف من وجداننا ، بقدر ضعف عقلها عن عقلنا .
وقال الفيلسوف ( روسُّو ) إن المرأة ، لم تُخلق للعلم ولا للحكمة ولا للتفكير ولا للفن ولا للسياسة ، وإنما خلقت لتكون اماً تغذي أطفالها بلبنها ، وتتعهد
ضعفهم بحسن عنايتها ، وتسلمهم بعد ذلك للأب ، أو للمربي يعتني بهم على نحو ما توحي به الطبيعة ، وترجع هي للقيام بوظيفة الامومة فتحمل ، وتضع ، وتُرضع ، وتتعهد لتعود ايضاً لتحمل ، وتُرضع وتتعهد من جديد ـ وهي وأطفالها دائماً في عنق الرجل (26) . قالت دائرة المعارف الافرنسية عن المرأة : إن تركيبها الجسماني يقرب من تركيب الطفل ، ولذلك تراها مثله ذات حساسية حادة جداً تتأثر بغاية السهولة ، بالاحساسات المختلفة كالفرح ـ والألم ـ والخوف .
وبما أن هذ المؤثرات ، تؤثر في تصورها ، بدون أن تكون مصحوبة بتعقل ، فلذلك نراها لا تستمر لديها إلا قليلاً ؛ ومن هنا صارت المرأة معرضة لعدم الثبات .
هذه الأمة الفرنسية تلك الدولة المتمدنة ، ظل قانونها المدني ، الى امد قريب ، ينص على ولاية الرجل على المرأة ، ويمنعها حرية التصرف بما لها إلا بإذن زوجها .
وقد نقل عن الكاتبة الفرنسية « أرماندين لوسيل اورو » فإنها لم تتمكن من نشر مؤلفاتها حتى اتخذت لنفسها اسم رجل هو جورج صاند ( 1814 ـ 1876 ) الكاتبة والمؤلفة الفرنسية التي حملت اسم الرجال حتى تجد أعمالها طريقها الى النور ، بعد أن فشلت تماماً في إقناع أصحاب الصحف ودور النشر ، أن المرأة ايضاً تستطيع أن تكتب وأن لها عقل المفكر ـ يفكر ـ ويستوعب مثل الرجل (27) .
مقارنة وتحليل
لقد ذكرت بايجاز حالة المرأة في القرون الغابرة ، وشرحت شرحاً ضئيلاً للتطورات التاريخية ، التي مرت بها لمدة تتراوح الثلاثة آلاف من السنين . وقد مرت على هذه الأرض امم شتى ، وتعاقبت عليها شعوب كثيرة ، مختلفة الاجناس والأديان ، والألوان ، ذوو قوة وبأس شديد ، وكانت لهم حضارات عظيمة ، من التقدم والرقي .
لقد حاول الإنسان بحدود تفكيره ومعرفته ، ان يخط للمرأة طريقاً تسير على هداه ، وتتبع منهاجه ، ولكن كما أسلفنا الميول والعواطف لها تأثير بالغ على العقل والفكر ، تصرفهما عن الحقائق العادلة .
وهكذا مما جعل المرأة حائرة ضائعة ، لا تدري ما تفعل ، ولاتجد أمامها ، إلا دروباً محاطة بالقيد والظلم والتعسف .
لقد ذكرت سابقاً ماحدثنا به التاريخ ، من أن المرأة كانت على جانب كبير من الاضطهاد والذل والمهانة عند جميع الأمم والشعوب ، وخلاصة القول : انها كانت : عند العرب في الجاهلية سلعة تباع وتشترى ، ليس لها أي اعتراض على حياة الذل .
وعند الفرس : ينظر اليها نظرة كلها احتقار وازدراء . وفي الصين : المرأة شيء تافه بالنسبة للرجل ، تتلقى الأوامر وتنفذها .
وعند المصريين : بغاية الانحطاط والذل .
وعند اليونان : انها رجس من عمل الشيطان .
وعند الرومان : على جانب عظيم من الذل والاحتقار .
وعند الاشوريين : مادة الاثم ـ وعنوان الانحطاط .
كذلك كانت المرأة السومرية ـ والبابلية ـ والاكادية ـ والساسانية وغيرهم من الشعوب التي كانت لها حضارات .
وظلت المرأة تتخبط في الظلام حتى ظهر الاسلام .

فالاسلام هو الخطة الوحيدة المستقيمة ، والطريق الناجح ... والإسلام بجميع نظمه وقوانينه هو الحل الوحيد ، الذي رسم للمرأة طريقاً محدوداً ، وانهجها منهاجاً صحيحاً ، وخط لها درباً واضحاً ، وأبان لها دورها في الحياة ومدى مسؤولياتها في المجتمع ، واظهر قيمتها منزلتها مع الآخرين ، وسن لها في القوانين حقوقاً وواجبات ، وأعطاها ما لم يعطه من قبله ولا من بعده أحد من الامم والشعوب .
جاء الإسلام هادياً للبشرية منقذاً لها من الضلال والشرك مصدقاً للعلم والعقل حاثاً على اكتشاف اسرار الكون والسيطرة عليه لذلك سمي دين الفطرة ودين العقل .
جاء الإسلام ، حاملاً دستور الحق والعدل والانصاف ناشراً لواء المحبة والأخوة والمساواة ، ناصراً للضعيف المظلوم على القوي الظالم .
ففي آداب الإسلام واخلاقياته ومعنوياته ، ما يقوم بأعظم دستور للحياة ، في أروع صور الحياة واسماها ، وللحضارة في أرقى ما تصل اليه الحضارة ، يصوغ المعاملات ، والعلاقات الحياتية على العدل والإنصاف ( ان الله يأمر بالعدل

والإحسان وايتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون ) (28) . ويحث على السلوك الإنساني والعمل بالحق ، وعلى طريق الخير والديمقراطية ، و محاربة الاستبداد والدكتاتورية ، ولايضع قيوداً على عقل الإنسان أو يحول دون تقدم الفكر . ولا يكبل الإنسان بالزهد والتقشف . قال تعالى : ( قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق ) (30) ولا يرضى أن يسلم الإنسان نفسه للترف والمتع ، قال تعالى : ( وكلوا واشربوا ولا تسرفوا انه لا يحب المسرفين ) (31) .
والمبادىء الإسلامية تقوم على المحبة ، وهي الاخوة والتضامن قال تعالى : ( إنما المؤمنون اخوة فاصلحوا بين اخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون) (32) . وتقوم أيضاً على الرحمة والإحسان ، وإيتاء ذي القربى ، والعمل الصالح في سبيل الله قال تعالى : ( وانفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة واحسنوا ان الله يحب المحسنين) (33) . وكذلك تحث على التعاطف والتعاون قال تعالى : ( وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله ان الله شديد العقاب) (34) وكذلك تحث على الإلتزام بالمكارم والتسابق للفضائل والتجنب للرذائل ، قال تعالى : ( يا أيها الناس انا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا ان أكرمكم عند الله اتقاكم ان الله عليم خبير) (35) .
ولم تقتصر التعاليم الإسلامية على فئة معينة من البشر ، بل تعدتها إلى جميع الامم والشعوب .
فالاسلام أعز المرأة ، وانتشلها من حضيض الذل ومرارة الحرمان ، وجعل لها المكانة العليا في المجتمع ، ثم بعد هذا ، ساوى بين الرجل والمرأة في أكثر المجالات .
ان الشريعة الإسلامية هي الوحيدة التي منحت المرأة الكثير من الحقوق والواجبات ، وحباها الرسول العظيم صلّى الله عليه وآله وسلّم بفيض من الرعاية والعناية واللطف ، ووضعها في المكان اللائق بحالها .
قال تعالى : « ان المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيراً والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجراً عظيماً » (36) .
وقال تعالى : « والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله اولئك سيرحمهم الله ان الله عزيز حكيم » (37) .
وقال تعالى : « وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله أكبر ذلك هو الفوز العظيم » (38)
ثم ان الاسلام أمدّ المرأة المسلمة بالشعور بالشخصية المستقلة ، المزودة بمكارم الأخلاق ، والطموح الى العزة والكرامة ، حيث أخذ النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم البيعة منها مستقلة كالرجل ، قال تعالى : « يا ايها النبي اذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئاً ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يـأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصينك في معروف فبايعهن واستغفر لهن الله ان الله غفور رحيم » (39) .
وفي الحث على التضامن مع رفع مستوى المرأة قال تعالى : « فاستجاب لهم ربهم أني لا اضيع عمل عامل منكم من ذكر أو انثى بعضكم من بعض فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا لأكفرن عنهم سيآتهم ولادخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثواباً من عند الله والله عنده حسن الثواب » (40) .
هذا من الناحية الاجتماعية ، وأما من حيث الارث والعمل في اكتساب المال والرزق الحلال ، فقد فرض لها الاسلام فرضاً معلوماً من الارث ولم يحرمها .
قال تعالى : « للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والاقربون مما قل منه أو كثر نصيباً مفروضاً » (41) .
ثم أعطاها الاسلام حرية التصرف بما لديها من أموال ، والتكسب به عن طريق الحلال ، قال تعالى : « للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن واسئلوا الله من فضله ان الله كان بكل شيء عليما » (42)
إلى غير ذلك من الآيات الكريمة الصريحة التي تحفظ منزلة المرأة ، وتزيد من كرامتها وحفظ معنوياتها ولقد احتوى القرآن الكريم على آيات كثيرة توضح ما للمرأة من حقوق وواجبات ، على أفضل واهدى وأقوم وأصلح ما يكون لكل زمان ومكان .
هذه بعض المبادىء الإسلامية والتعاليم السماوية ، التي فتحت القلوب المغلقة ، وأنارت البصائر عند ذوي الألباب ، فلم تمض بضع سنوات على بعث دعوة محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم وظهور الشريعة الآلهية السمحاء التي تفيض بالعدل والانصاف ، حتى أصبح الإسلام عقيدة الملايين من البشر .
ولم يمض قرن من الزمان حتى ارتفعت راية الإسلام خفاقة في ارجاء العالم ، واستولى أبناء البادية الاعراب على امبراطورية كسرى وقيصر .

المراجــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــع

1)-الاخلاق الاسلامية ـ السيد علي فضل الله الحسني .
(2) المفصل في تاريخ العرب قبل الاسلام ـ الدكتور جواد علي ـ ج ـ 4 . ص 647 .
(3) سورة النحل ـ آية ـ 58 وعن مجمع البيان للطبرسي ( ظل وجهه مسوداً ) أي صار لون وجهه متغيراً الى السواد لما يظهر فيه من أثر الحزن والكراهة .
(4) تاريخ العرب قبل الاسلام ـ الدكتور جواد علي ـ 5 ـ صفحة 485 .
5) سورة النساء آية .
(6) تاريخ العرب في الجاهلية قبل الاسلام ـ الدكتور جواد علي .
(8) تفسير الطبري ـ ج4 ـ ص ـ 207 .
(9) سورة التكوير ـ آية ـ 8 ـ 9 .
(10) المفصل في تاريخ العرب قبل الاسلام ـ الدكتور جواد علي .
(11) تاريخ العرب قبل الاسلام ـ الدكتور جواد علي ـ ص ـ 87 المجلد الخامس .
(12) تاريخ العرب قبل الإسلام ـ الدكتور جواد علي ـ ص ـ 88 المجلد الخامس .
13) سورة الانعام ـ آية ـ 151 .
(14) سورة الانعام ـ آية ـ 140.
(15) سورة الاسراء ـ آية ـ 31 .
(16) تاريخ العرب قبل الاسلام ـ الدكتور جواد علي ـ ج ـ 4 ـ ص 188 .
(17) أي أبقاها على قيد الحياة .
(18) أي يتركها حتى يصبح عمرها ست سنوات .
(19) كان العرب يزينون البنت ويطيبونها قبل أن يئدوا ، وكانوا في بلاد النيل يزينون الفتاة بأجمل زينة ثم يلقونها في مياه النيل حتى يفيض عليهم بخيراته . وكان الهنود يزينون المرأة قبل أن يحرقوها . وأغلب الظن ان هذه العادات هي من بقايا الوثنية والتقاليد الدينية يقدمون القرابين والضحايا بأجمل زينة .
(20) ايش : تريد ان تفعل بي ـ كذا وردت في الأصل .
(21)العرب قبل الأسلام ـ الدكتور جواد علي ـ ج ـ 5 .
(22) حضارات العالم في العصور القديمة ـ والرسطى ـ الطبعة الثانية
(23) كتاب الحجاب ـ ابو الاعلى المودودي
(24) الحجاب ـ ابو الاعلى المودودي .
(25) من قصيدة طويلة في رثاء الحسين عليه السلام ـ للسيد علي فضل الله الحسني .
(26) كتاب تاريخ التربية ـ الاستاذ عبدالله المشنوق .
(27) عن المجلة العربي ـ عدد : 220 ـ صفحة 116 .
(28) سورة النحل ـ آية : 90 .
(29) سورة الاعراف ـ آية 32 .
(30) سورة الاعراف ـ آية 31.
(31) سورة الحجرات ـ آية 10.
(32) سورة البقرة ـ آية 195 .
(33) سورة المائدة ـ آية 2 .
(34) سورة الحجرات ـ آية 13.
(35) سورة الأحزاب ـ آية ـ 35.
(36) سورة التوبة ـ آية ـ 71.
(37) سورة التوبة ـ آية ـ 72.
(38) سورة الممتحنة ـ آية ـ 12.
(39) سورة آل عمران ـ آية ـ 195.
(40) سورة النساء ـ آية ـ 7.
(41) سورة النساء ـ آية ـ 32.
منقـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــول للفائــــــــــــــــــــــــدة