قيس من أبر الناس بأمه وألهاه عكوفه على لبنى عن بعض ذلك، مما أغضب الأم وقالت: لقد شغلت هذه المرأة ابني عن بري، فلما مرض قيس في أحد الأيام قالت أمه لأبيه لقد خشيت أن يموت ولم يترك خلفاً، وقد حرم الولد من هذه المرأة فزوجه غيرها، لعل الله يرزقه ولداً، وزادت في إلحاها، فقال له، فأبى قيس أن يفعل، فعرض عليه أن يتخذ جارية، فقال لا أسؤها أبداً، فأقسم عليه أبوه أن يطلقها، فكان يدخل على لبنى فيعانقها ويبكيان وتقول له لا تطع أباك فتهلك، ولكن مع إلحاح والداه طلقها، وما كاد يفعل حتى استطار عقله ولحق به الجنون وأخذ يبكي ويتألم، وأرسلت لبنى لأبيها فأحتملها، وعندما ذهب قيس لها منعه قومها، وأقبلت عليه امرأة فقالت: ويحك كأنك جاهل هذه لبنى ترحل الليلة أو غداً فسقط ثم أفاق يقول:



يَـقـولـونَ لُـبـنـى فِـتـنَةٌ كُـنـتَ قَـبـلَها
بِـخَـيـرٍ فَـــلا تَــنـدَم عَـلَـيـها iiوَطَـلِّـقِ
فَطاوَعتُ أَعدائي وَعاصَيتُ ناصِحي
وَأَقــرَرتُ عَـيـنَ الـشامِتِ iiالـمُتَخَلِّقِ
وَدِدتُ وَبَــيـتِ الـلَـهِ أَنــي عَـصَـيتُهُم
وَحُـمِـلتُ فــي رَضـوانِها كُـلُّ مَـوبِقِ
وَكُـلِّفتُ خَـوضَ البَحرَ وَالبَحرُ زاخِرٌ
أَبــيـتُ عَـلـى أَثـبـاجِ مَــوجٍ iiمُـغَـرَّقِ
كَـأَنّـي أَرى الـناسَ الـمُحِبّينَ iiبَـعدَها
عَــصـارَةَ مـــاءِ الـحَـنظَلِ iiالـمُـتَفَلِّقِ
فَـتُـنـكِرُ عَـيـنـي بَـعـدَهـا كُــلَّ مَـنـظَرٍ
وَيَـكـرَهُ سَـمـعي بَـعـدَها كُــلَّ مَـنطِقِ



ظل قيس يعاني من الألم والحزن لفراق لبنى، وكلما اشتد به الشوق يذهب إلى مكان خبائها يتمرغ به ويبكي وينشد الأشعار.



بِــتُّ وَالـهَـمُّ يــا لُـبَينى iiضَـجيعي
وَجَـرَت مُـذ نَـأَيتِ عَـنّي دُمـوعَي
وَتَــنَـفَّـسـتُ إِذ ذَكَـــرتُــكِ iiحَــتّــى
زالَتِ اليَومَ عَن فُؤادي ضُلوعي
أَتَـنـاسـاكِ كَـــي يُــريـغَ فُـــؤادي
زُمَّ يَــشـتَـدُّ عِــنـدَ ذاكَ iiوَلَــوعـي
يــا لُـبَـينى فَـدَتـكِ نَـفسي وَأَهـلي
هَـل لِـدَهرٍ مَـضى لَنا مِن iiرِجوعِ


اشتد المرض على قيس من كثرة الحزن، فأرسل والده للطبيب، ولما أتى وعلم ما في قيس من ألم لفراق محبوبته نصحه قائلاً : إنما يسليك عنها تذكر ما فيها من المساويء والعيوب وما تعافه النفس فقال قيس منشداً:



إِذا عِـبـتُـها شَـبَّـهتُها الـبَـدرَ iiطـالِـعاً
وَحَـسبُكِ مِـن عَـيبٍ لَـها شَبَهُ iiالبَدرِ
لَقَد فُضِّلَت لُبنى عَلى الناسِ مِثلَ ما
عَـلى أَلـفِ شَـهرٍ فُضِّلَت لَيلَةُ iiالقَدرِ