نبوءة ليست بريئة



عبد المنعم الاعسم


من النادر إن يتطابق معنى الاسم مع صاحبه، فليس بالضرورة إن يكون صاحب اسم "كريم" كريما و"جواد" سخيا و" مرعب" مخيفا و"محمود" محمودا و"غزال" غزالا، إما صاحبنا ( علي غراب ) الذي كتب في (الأسبوع العربي) المصرية عن قرب قيام دولة العراق الإسلامية فانه كان وفيا لدلالة الاسم الذي يحمله، في الأقل لما يتضمنه من نعيق، وما يحمله من دلالات الشؤم. والغريب إن صاحب هذه النبوءة لم يشأ إن يعترف بأن قيام دولة طاليبان في العراق لن يتم من دون بركة دم "تزهق فيها أرواح الألوف من الأبرياء" لكنه (وهنا المهم) يعد ذلك ضروريا لتحقيق هذا الهدف، ثم يقدم رؤيا تفصح عن حقد دفين يضمره الكاتب حيال العراق والعراقيين، فيما يعترف في نهاية الأمر بأن مداد هذا المشروع مستعار من خارج الإرادة العراقية، وطبعا، لم يكلف النفس في البحث عن الحقائق التاريخية والسياسية التي تحول دون قيام مثل هذه الدولة في العراق.
وباختصار، فقد كان استطلاع غراب بمثابة ترديد لهلوسة عفا عليها الزمن، عدا عن أنها رسالة غراب بالمعنى الذي أورده ابن قتيبة في (الإمامة والسياسة) بالقول إن العراقيين "لا يسافرون ولا يتزوجون" إذا ما نعق غراب على مسامعهم، وما ذكره التوحيدي قائلا:"إذا صاح الغراب قال الناس: خير، خير، وأنت شر طير" وحيث قال عنترة متذمرا:
ظعـن الذيـن فراقهــم أتوقع وجرى ببيتهم الغراب الابقع.
إما قصة سيدنا نوح مع الغراب فهي الأكثر مدعاة للتأمل، فقد اضطر، حين بقى في اللجة أياما، إلى إن يستعين بالغراب ليخبر عنه، لكن الأخير "وقع على جيفة ولم يرجع" ويقول المثل تأسيساً على ذلك لا يرجع فلان حتى يرجع غراب نوح". وليس ثمة أكثر جبنا من الغراب.. تقول حكاية عراقية انه يوصي ابنه بالقول:"اهرب حين ترى شخصا ينحني، فربما كان يبحث عن حجر يقذفه عليك" وفي التراث، ليس ثمة أحذر من غراب، وعندهم إن فرط الحذر من فرط الذعر. ولسوء حظ العراقيين هذه الأيام إن الغربان أغارت وتغير على أشجارهم، وقد تكاثف وجودها على حيطان منازلهم، تنعق من فوق كل غصن ومن على كل حائط: غربان من على الشاشات الملونة، وغربان من على مانشيتات الصحف، وغربان عبر الأثير.. غربان أنيقة ببدلات السهرة، وثانية بالعمائم، وأخرى بالجراويات، ورابعة بالزى البدوي، وخامسة بالزى الأوربي.. غربان تتحدث بالعربية وأخرى بجميع اللغات.. غربان تقود سيارات ملغومة نحو مزدحمات العراقيين، وأخرى تقود مناقشات مفخخة نحو تسميم حياتهم.. غربان ترطن وأخرى توشوش وثالثة تنبح: هذه تتوعد وتلك تتشفى وثالثة تحض على الكراهية. غربان بكل اللغات ولكل المناسبات، وكلها تعزف لحنا جنائزيا لتشييع العراق إلى مثواه الأخير، أو إلى مشروع دولة إسلامية على مقاس ناعق الجريدة المصرية.


منقول حرفيا مع تصحيح الأخطاء الإملائية

لكن هل الغراب هو هكذا ؟ الغراب دائما مظلوم

مع احترامي للجميع