العباسيون في تركيا
بعد ظهور دولة الإسلام خضعت جميع الأ ا رضي التي كانت تعد تابعة للروم آنذاك،
والمتاخمة للدولة الإسلامية، والتي هي اليوم تمثل السواد الأعظم من تركيا لحكم الدولة الإسلامية
من خلال الفتوحات العظيمة في العهد الأموي، ومن بعده العباسي، وسيطر الحكم العربي
المباشر على تلك المناطق لعدة قرون متواصلة اتخذت فيها الدولة الأموية ومن بعدها العباسية
سياسة )توطين( القبائل العربية في تلك الأقاليم لحماية الثغور والحدود الإسلامية من الاعتداءات
البيزنطية، وكانت القبائل العربية ترفد تلك الأقاليم بالهج ا رت الجماعية الكبيرة المتتابعة عبر قرون
طويلة لم تتوقف حتى مطلع القرن الثالث عشر الهجري.
ولم يكن كما أسلفنا لسكان تلك المناطق زمن الخلافة ال ا رشدة ومن بعدها الأموية والعباسية
دولة ذات كيان معروف حيث كانت تقع تحت سيطرة الروم حتى حررها المسلمون العرب،
وأصبحت زمن الأمويين والعباسيين تتبع في حكمها لأقرب المدن العربية في الشام أو الع ا رق
حسب توزيع الأقاليم الإسلامية المتوافقة مع المتطلبات الدفاعية عن الدولة الإسلامية وثغورها..
جزءاً كبي ا رً يمثل ) 09 %( من الأ ا رضي  ففي عهد العباسيين جعل الخليفة أبو جعفر المنصور
المعروفة حالياً بدولة تركيا )كو ا رً() 1( يتبع لإقليم )الجزيرة( الذي يشتمل على ثلاث كور، تمثل
جعلها تتبع لإقليم )منبج( بالشام وولى  تركيا جزءاً منه، وفي زمن أمير المؤمنين هارون الرشيد
عليها الأمير عبد الملك بن صالح العباسي. وقد اهتم العباسيون اهتماماً بالغاً في تشجيع القبائل
العربية واغ ا رئها للسكن في المناطق التركية وذلك بغرض توطين العرب المجاهدين في الثغور
الإسلامية للم ا ربطة الدائمة بها لمواجهة الاعتداءات البيزنطية على حدود الدولة، ومن ذلك بنا ؤهم
للمدن والحصون الكثيرة المتاخمة للدولة البيزنطية، فازداد بذلك توافد القبائل العربية لأقصى حدود
تلك البلاد بغرض الجهاد والم ا ربطة في سبيل الله.
ولما أحس البيزنطيون بالضغط العباسي المستمر على حدودهم وخاصة بعد توجيه
العباسيين لهم الضربات الموجعة في أنقرة، وعمورية، والصفصاف، وغيرها من ملاحم الشرف
والبطولة.. عمدوا إلى تحريض الأقليات من السكان المحليين مثل الأك ا رد، والسريان، وسلاجقة
الروم، إذ أن الكثير منهم لم يكن قد دخل الإسلام، وحتى من دخل منهم الإسلام كان يقف إلى
جانب البيزنطيين من باب العنصرية العرقية.. مما اضطر الخلفاء العباسيين في مطلع القرن
الثالث الهجري إلى ش ا رء أعداد كبيرة من الأت ا رك الشرقيين من أواسط آسيا كمماليك وخدم
وأدخولهم في الإسلام بعد ذلك، وجعلوهم يخدمون في الجيش مثل السلاجقة وغيرهم من الأجناس
1( الكور: محافظة. (
التركية وذلك للاستفادة منهم في إخماد حركات التمرد في الجبال وخاصة بمناطق الأناضول
الجبلية وفي الحروب مع البيزنطيين وأتباعهم من الديالمة، وكان ذلك الإج ا رء الذي اتخذته الدولة
العباسية من استخدام الجند الأت ا رك بسبب معرفتهم بطبيعة تلك المناطق المشابهة جغ ا رفياً وبيئياً
لمناطق سكناهم في آسيا الوسطى، وقد برز منهم في العهد العباسي بالفعل عدد من القادة الذين
حققوا انتصا ا رت كبيرة في تلك المناطق مثل القائد )أشناس التركي( الذي كان من مماليك الخليفة
المعتصم بالله العباسي.
وقد عمل العباسيون أيضاً على توطين الأت ا رك الشرقيين بمناطق الأناضول لذات الأسباب
الدفاعية وأقطعوهم بها الكثير من القرى والضياع، واختلط الأت ا رك بالأقليات الهمجية من الديالمة
والكرد وغيرهم القاطنين بجبال الأناضول وذلك لتشابههم في السلوك الحياتي كسكان جبال، إذ إن
الأت ا رك أيضاً لم يكن له في موطنهم قبل أن يجلبهم العباسيون آنذاك إلى الأناضول أي دور
فاعل على الصعيد الإنساني، حيث لم يكن لهم ثقافة ولا حضارة، وكانت دياناتهم بين مجوسية
ووثنية، ويعيشون حياة الرعاة الجهلة الذين يعتاشون على الرعي والصيد والحياة في الكهوف ولا
.) يحبذون الحياة المدنية) 1
وفي أواخر القرن الثالث الهجري توجه الكثير من علماء وفقهاء البيت العباسي وغيرهم من
علماء الأمة لنشر الدين وتفقيه الأهالي بالدين واصلاح ذات بينهم، لا سيما وأن العديد من
الحركات الهدامة التي كان يتزعمها بعض الأف ا رد من السكان المحليين في أقاصي تلك المناطق
بدعم من البيزنطيين منذ القرن الثاني الهجري كانت تطل بشررها على الأمة لإشغال الدولة
الإسلامية ومحاولة جعل تلك الأقليات حاج ا زً يحول بينهم وبين المد الإسلامي تجاه مناطق النفوذ
البيزنطي) 2(، مما جعل ردة الفعل للدولة العباسية آنذاك بأن تزيد من تشجيع توطين القبائل
العربية، والجماعات التركية هناك كما ذكرنا آنفاً لذات الغرض الجهادي وافساد ما يرمي له أعداء
1( كان أول من أكثر من ش ا رء الأت ا رك وجلبهم إلى الع ا رق الخليفة العباسي المعتصم بالله حيث اشترى منهم (
عش ا رت الآلاف، حتى ضاق أهل بغداد ذرعاً من تصرفاتهم الهمجية في الطرقات، واجتمع وجوه الناس
والعامة بالخليفة المعتصم وطلبوا منه إخ ا رج الترك من العاصمة بغداد، وقد كان ذلك سبب بناء مدينة
)العسكر( التي عرفت )بسر من أ رى سام ا رء( لتكون عاصمة جديدة للخلافة العباسية، ومعسك ا رً للجند
الأت ا رك.
2( لم يكن دعم البيزنطيين، والديالمة مقتص ا رً على الأقليات الوثنية هناك بل كانوا يوفرون الدعم لأي متمرد أو (
خارج على الخلافة العباسية مثل ما قام به الديالمة الوثنيون في دعم حركة التمرد التي قام بها إب ا رهيم بن
عبد الله العلوي في عهد الرشيد. حيث تعاون مع الوثنيين الديالمة ضد الدولة الإسلامية وبقي على ذلك مدة
من الزمن يشاغل دولة الخلافة حتى مكن الله لأمير المؤمنين الرشيد من القبض عليه وسحق حركته.
الإسلام، مما نتج عنه تنامي التواجد العربي في كامل أ ا رضي ما يعرف ب )تركيا( اليوم، وتنامي
الترك واستيطانهم لمناطق الأناضول الجبلية بالذات.
وأما فيما نحن بصدد الكلام عنه فيما يخص التواجد لذات الأسرة العباسية بتركيا، فإنه كان
كما ذكرنا منذ رحيل الكثير من علماء البيت العباسي لتلك الديار التي كانت تعد جزءاً من
دولتهم، حيث استوطنوها ونشروا بها الكثير من الذرية المباركة، واستمر الكثير من البيوتات
العباسية برفد تلك المناطق بالهج ا رت المتتابعة والتوطن بتلك الديار وخاصة فيما بعد سقوط بغداد
في منتصف القرن السابع الهجري كما أسلفنا الكلام عنه في باب الممالك والإما ا رت العباسية،
حيث استوطنها بعض بني أمير المؤمنين الخليفة المستعصم بالله العباسي، وأسس بها الملك
س ا رج الدين بن محمد أبي نصر بن المبارك أبي المناقب بن المستعصم بالله )إمارة حكاري
العباسية(، واقليم )حكاري/ هكاري( يعد اليوم أكبر الأقاليم التركية الشرقية، كما أسس رجال البيت
العباسي هناك الكثير من الإما ا رت العباسية الأخرى، الأمر الذي ا زد في تواجد العباسيين
وتكاثرهم بتلك المنطقة حتى شكلوا عشائر وقبائل كثيرة جداً أغلبها يقطن ديار بكر، وربيعة،
وأقاليم شرق تركيا في إقليم )حكاري( وبمحافظة )سعرت سيرت( وبعاصمتها بمدينة )تيلو(،
وجميع القبائل العباسية بتركيا معتدة بأصولها العربية الهاشمية، وهم محافظون ومتمسكون بشدة
بالتقاليد الإسلامية السمحاء في جميع أمورهم الحياتية، كما هم محافظون أيضاً على لغتهم
العربية) 1( ولا يتحدثون بغيرها، وهم أقرب لتقاليد البادية العربية الأصيلة أكثر منهم إلى الحاضرة،
كما تجد نساءهم يتحلين بالزي العربي الإسلامي حيث يرتدين العباءة ذات اللون الأسود التي
تغطي أبدانهن من ال أ رس والوجه حتى أخمص القدم.
وقد كان للقبائل العباسية بتركيا حتى عهد قريب حروب وغزوات بينها وبين القبائل القاطنة
في الأ ا رضي السورية، ومن شدة تمسكهم بأصولهم العباسية كانوا إلى زمن قريب أثناء حروبهم
) القبلية يحملون شعار العباسيين الذي يمثل السواد لوناً ل ا ريتهم في القتال وهم يعتدون بهذه ال ا رية) 1
حتى يومنا هذا، وسوف نذكر هنا بعضاً من القبائل والبيوتات العباسية القاطنة بتركيا حالياً:
1( ويستخدمون في لهجتهم كثي ا رً من ألفاظ اللهجة الع ا رقية، والسورية مثل: نعم. تقابلها لديهم كلمة )بلى(، لبيك (
= )لبى(، هنا = )هوني(، أنا = )آني(، العين الأخرى = )العين اللاخ( وغيرها من كلمات وجمل.
1( اللون الأسود هو شعار العباسيين، وقد اتخذوه في دولتهم لوناً ل ا رياتهم، وبداخله كتب باللون الأبيض )الله (
وحده لا شريك له(، ويعتبر السواد اللون الرسمي الذي يمثل شعار الدولة في كل المظاهر الرسمية، فكان
هو الزي الرسمي للخليفة العباسي ولكل من له صلة بالدولة من الوز ا رء والأم ا رء، والقادة، وأف ا رد الجيش.
أ العباسيون:
وهم قبيلة كبيرة منتشرة بمحافظة ) سعرت (، الواقعة جنوب شرق تركيا، وهم يمثلون الغالبية
العظمى لهذه المحافظة التي يبلغ عدد سكانها النصف مليون نسمة، وأما مركز سكناهم الرئيس
فهو: مدينة )تيلو( عاصمة المحافظة المشار إليها، والتي يعد جميع سكانها من قبيلة العباسيين
الذين يقدر عددهم في هذه المدينة فقط بحوالي ) 090999 ( سبعين ألف نسمة تقريباً. ومدينة
)تيلو( هذه قريبة من الحدود السورية والع ا رقية وتبعد حوالي ) 299 ( كيلومتر عن حدود القطرين،
ويمكن الوصول إليها من خلال معابر حدود البلدين وتبعد عن ديار بكر حوالي ) 259 ( كيلو
تقريباً.
وتنحدر هذه القبيلة من ذرية الإمام الشيخ فقير الله السلطان محمود الممدوح ابن الإمام
) عبد الرحمن ابن الإمام عبد القادر الثاني ابن الإمام العلامة الشيخ إسماعيل الشهير بالتلوي) 1
المكي ابن قاسم بن محمد بن جمال الدين بن علي بن جمال الدين بن الحسن ابن الإمام نور
الدين بن علي بن أحمد بن نور الدين بن علي بن محمد بن معد بن محمد بن حامد بن عيسى
بن ن ا زر بن أبي يعلى بن مسلم بن الحسن القاضي ابن ن ا زر بن أبي بكر المقرىء محمد الزينبي
ابن موسى بن محمد بن سليمان بن عبد الله بن محمد بن إب ا رهيم المعروف بالإمام ابن الإمام
محمد الكامل ابن التابعي الجليل الإمام علي السجاد ابن الصحابي الجليل عبد الله حبر الأمة
عم النبي عليه الصلاة والسلام.  ابن الصحابي الجليل أبي الفضل العباس
وتتفرع هذه القبيلة إلى عدة أفخاذ كثيرة، ومنهم أفرع تقيم بالشام في دير الزور يقال لهم:
)آل التلوي العباسي( سبق ذكرهم في باب )العباسيون بالشام(، وكذلك لهم أفرع في الموصل
بالع ا رق.. ومن أبرز الصفات لدى أبناء هذه القبيلة أن لديهم اهتماماً بالغاً جداً في تنشئة أبنائهم
نشأة دينية صرفة، وقد برز منهم العديد من العلماء والفقهاء والمحدثين الأجلاء عبر عدة قرون
متواصلة، وكانت لهم صدارة الزعامة الروحية زمناً طويلاً هناك، ولا ي ا زل اليوم منهم الكثير من
الأئمة الأعلام المشهورين الذين يعتد بهم المسلمون في تركيا عامة على المستوى الشعبي..
1( كان الإمام إسماعيل الشهير بالتلوي أول من سكن مدينة )تيلو( قادماً إليها من دير الزور بالشام، وجعلها (
دار مقام له، وكان يعد من جهابذة أهل العلم في زمانه إماماً فقيهاً ا زهداً وله ك ا رمات كثيرة، وكان ذا منزلة
عظيمة ومهابة عند السلاطين العثمانيين، وكان أهل تلك البلاد ينظ رون إليه ولذويه من بعده نظرة إجلال
وتعظيم لم يحظ بمثيلها أحد من العلماء، ولا ي ا زل عقبه هناك يحظون بنفس التقدير والإجلال، وقد كان
مولده رحمه الله بمدينة )دير الزور( بالشام في أول ليلة جمعة من شهر رجب لسنة ) 1900 ه(، وكان قد
ارتحل إلى بغداد لطلب العلم وتفقه بها ثم إلى الكوفة، وقد ارتحل في طلب العلم إلى مكة المكرمة أيضاً
وأخذ عن أكابر علمائها في وقته، بعد ذلك عاد إلى دير الزور، ومنها انتقل إلى البلاد التركية لنشر العلم
وبث الفائدة حتى استقر به المقام بمدينة )تيلو( التي اشتهر صيته منها.
وفضلاً عن تلك الصفات السامية لأبناء هذه القبيلة فهم يتصفون بقوة الشكيمة والأنفة والكرم، ولا
ي ا زلون متمسكين بلغتهم وعاداتهم وتقاليدهم العربية العريقة، وصفاتهم العباسية النبيلة كما تغلب
عليهم صفات البادية العربية في أع ا رفهم، وفي الزي، والمأكل، والمشرب، وهم على اتصال وثيق
جداً بأبناء عمومتهم خاصة المتواجدين ب )دير الزور( بالشام، و)الموصل( بالع ا رق وأغلب
مصاه ا رتهم تكون فيما بينهم وبين أبناء عمومتهم في المناطق المشار إليها، وهم لا يصاهرون
خارج نطاق البيت العباسي.
ب الس ا رجيون:
وهم قبيلة كبيرة منتشرة بمدن ديار بكر وربيعة، ولهم عدة أفرع تقيم بالموصل بالع ا رق، وفي
بعض مناطق الشمال الع ا رقي الأخرى.. وتنحدر هذه القبيلة من ذرية الملك س ا رج الدين بن محمد
أبي نصر ابن المبارك ابن أمير المؤمنين الخليفة الشهيد المستعصم بالله العباسي آخر الخلفاء
العباسيين بالع ا رق، والملك س ا رج الدين هو المؤسس ل )إمارة شمدينان العباسية() 1( التي كانت
تضم إليها عند نشأتها إقليم: )حكاري/ هكاري( وهو أكبر أقاليم شرق تركيا.. وتتفرع قبيلة
الس ا رجيين إلى عدة عشائر وأفخاذ من أشهرها: )عشيرة آل عثمان(، و)عشيرة آل بكر(، ويقال
لواحدهم: )العباسي(.
ج عشائر اللاز:
وهم مجموعة من العشائر العباسية منتشرة على سواحل البحر الأسود في تركيا، ويقال
لواحدهم: )العباسي( وهم من ذرية الملوك من بني أمير المؤمنين الخليفة أبي أحمد عبد الله
المستعصم بالله أيضاً، وقد عاد الكثير منهم إلى الع ا رق ويسكنون بناحية )دلي عباس( التابعة
لقضاء الخالص بشمال بغداد، ويحتفظ كب ا رء كل فرع من هذه العشائر بوثائق أنسابهم العباسية.
د عشيرة آل شاهين:
وهم من أم ا رء ديار بكر العباسيين، من ذرية الأمير علي همام بن عبد الله ابن عبد العزيز
بن يوسف بن أحمد العباسي.. وينتهي نسبه إلى أمير المؤمنين المستعصم بالله، ومنهم أفرع
كثيرة بالموصل تكلمنا عنهم في باب )العباسيون بالموصل(.
1( إمارة شمدينان العباسية: انظر عن كيفية تأسيسها في الفصل الأول. (
نفس المصدر اعلاه