الحكاية الاولى


قمر الزمان

يُحْكَى أنَّ الملك الذي كان يحب الأذكياء، ويقرِّبهم إليه دائماً ، ويسعد بمجالستهم واختبارهم بأسئلته الذكيَّة ، كان في أحد الصباحات يتنزَّه مع وزيره في حديقة القصر الواسعة ، فمر ببحرة رائعة تزيِّنها تماثيل أسود يخرج الماء العذبُ من أفواهها بطريقةٍ مُعْجِبَةٍ وساحرة . شعر الملكُ بالعطش ، وطلب من الوزير أن يسقيه شربة ماء .. فتناول الوزير طاسة فضية كانت على الحافة ، وملأها ، ثم سقى الملك ، وأعاد الطاسة إلى مكانها . نظر الملك إلى الطاسة بعد أن استقرَّت في مكانها ، ثم التفت إلى الوزير ، وقال :
- أيّها الوزير ! لقد تكلَّمتِ الطاسةُ ، فماذا قالت ؟!
وجمَ الوزيرُ ، وكسا التعجُّبُ ملامِحَهُ ، ولم يدرِ بماذا يجيب .فالطَّاسة جماد ، ولايمكن لها أن تتكلم ، ولكن هل يجرؤ على قول هذا للملك ؟!
ولمَّا طال صمتُ الوزير ووجومُهُ ، صاح به الملك :
- أُمْهِلُكَ ثلاثة أيام لتأتيني بما تفوَّهت بهِ الطاسة ، وإلاَّ نالكَ منِّي عقابٌ قاسٍ !
عاد الوزير إلى بيته مهموماً حزيناً ، ثم دخل غرفته ، وأغلق على نفسه بابها ، وراح يفكِّر ويفكِّر ، ولكنه لم يهتدِ إلى حلٍّ أو جوابٍ مقنعٍ ، وراح يتساءل : ( ترى ماذا يقصد الملك بسؤاله ؟ .. هناك جوابٌ ، ولاشك ، يدور في خلده .. ولكن
ماهو ؟! ) .
طالت خلوةُ الوزير في غرفته ، فقلقت عليهِ ابنته الوحيدة ( قمر الزمان ) ، فاقتربت من باب الغرفة ، ونقرت عليه بلطف ، ثم استأذنت بالدخول ، فأذن لها .
قالت ( قمر الزمان ) لأبيها :
- مضى عليكَ يومان وأنتَ معتكفٌ في غرفتكَ ، وأرى الهمَّ واضحاً على وجهكَ، فماذا جرى ياأبي؟!
قال الوزير :
- حدثَ أمرٌ جَلَلٌ يا ابنتي ! .. لقد طرح عليَّ الملكُ سؤالاً صعباً ومستحيلاً ، وامهلني ثلاثة أيام لأجيبه عليه ، وإلاَّ عاقبني عقاباً قاسياً !
قالت ( قمر الزمان ) :
- وماهو السؤال ياابي ؟
قال الوزير :
- سَقَيْتُهُ الماء في طاسة ، ولمَّا أعدتُ الطَّاسةَ إلى مكانها ، قال لي : لقد تكلَّمتِ الطَّاسةُ ، فماذا قالت ؟
ضحكتْ ( قمر الزمان ) ، وقالت :
- إنَّه سؤالٌ ذكيٌّ ، وجوابُهُ يجب أن يكون ذكيَّاً أيضاً !
صاح الوزير بلهفة :
- وهل تعرفينَ الجوابَ ياابنتي ؟
قالت ( قمر الزمان ) :
- طبعاً .. فالطاَّسةُ قالتْ : صبرتُ على النَّار ، وطَرْقِ المطارِقِ ، وبعدها وصلتُ إلى المباسِمِ ، وما مِنْ ظالمٍ إلاَّ سَيُبْلَى بِأظْلَم !
وعلى الفور ، لبس الوزير ثيابه ، وقصد مجلس الملك ، ثم نقل إليه الجواب كما قالته له ابنته .
أُعجِبَ الملك بالجواب الذي كان أذكى من السؤال ، ولكنَّه شكَّ في أن يكون الوزير هو الذي اهتدى إليه...
وفي صباح اليوم التالي ، فاجأ الملكُ الوزيرَ قائلاً :
- أيُّها الوزير ! أريدك أن تأتي إلى مجلسي غداً لاراكِباً ولا ماشياً ..وإن فشلتَ، فإن عقابكَ سيكون قاسياً ، وقاسياً جدَّاً !
صعق الوزير للطلب المُعْجِزِ ، وانصرف من مجلس الملكِ مهموماً ، وعندما وصل إلى بيته ، استنجدَ بابنته ( قمر الزمان ) ، وحدَّثها عن طلب الملكِ ، وطلبَ منها الحل .
ابتسمت ( قمر الزمان ) ، وقالت لأبيها :
- وهذا أيضاً حَلُّهُ هَيِّنٌ ياأبي !
وفي صباح اليوم التالي ، أَحْضَرَتْ ( قمرُ الزمان ) لأبيها دابَّةً صغيرةً، فركب عليها ، وذهب إلى قصر الملكِ ، وهو راكب على الدَّابةِ ، وقدماه على الأرض .
ذهلَ الملكُ لِحُسْنِ تصرُّفِ الوزيرِ ودَهاءِ حَلِّهِ ، فأدناهُ منهُ ، وهمسَ له :
- قُلْ لِي مَنْ يقولُ لكَ ذلكَ .. ولكَ الأمان !
قال الوزير :
- إنَّها ابنتي ( قمر الزمان ) يامولاي !
قال الملك :
- أحضِرها لي في الحال !
ولما مثلت ( قمر الزمان ) بين يديِّ الملك ، أعجبه جمالها ، ولكنَّ ذلكَ لم يثنهِ عن اختبارها في سؤالٍ مُعْجِزٍ ، تكون الإجابةُ عليهِ مستحيلة . قال الملك :
- سأتزوَّجكِ الليلةَ ياقمر الزمان ، وأريدكِ أن تحملي منِّي في الفورِ، وأن تَلِدِي الليلةَ ولداً يكبرُ في ساعات ، ويغدو في الصباحِ ملِكاً يجلس على عرشي !
ابتسمت ( قمر الزمان ) ، وقالت :
- أمركَ يامولاي !
واقتربت من النافذة المطلَّة على جزء كبير من الحديقة لازرع فيه ، ثمَّ التفتتْ إلى الملكِ ، وقالت :
- أريدُكَ يامولايَ أن تحرثَ هذه الأرض الليلة ، وتزرعها الليلة ، وتقطف الزرع الليلة ، وآكل من ثمارها في الصَّبح !
ذهل الملكُ ، ونهض صائحاً :
- هذا غير معقول !!
قالت ( قمر الزمان ) :
- كيف تريدني إذن أن أُنْجِبَ لكَ ولداً الليلة ، ويكبر في ساعات ، ويغدو في الصباح ملكاً ؟!
سُرَّ الملكُ من جواب ( قمر الزمان ) ، ثمَّ عقد قِرانه عليها ، وأصبحت ملكة إلى جواره ، وعاشا معاً حياةً هانئةً سعيدة .