-
حكايات شعبية تراثية ... من مختلف الثقافات
الحكاية الاولى
قمر الزمان
يُحْكَى أنَّ الملك الذي كان يحب الأذكياء، ويقرِّبهم إليه دائماً ، ويسعد بمجالستهم واختبارهم بأسئلته الذكيَّة ، كان في أحد الصباحات يتنزَّه مع وزيره في حديقة القصر الواسعة ، فمر ببحرة رائعة تزيِّنها تماثيل أسود يخرج الماء العذبُ من أفواهها بطريقةٍ مُعْجِبَةٍ وساحرة . شعر الملكُ بالعطش ، وطلب من الوزير أن يسقيه شربة ماء .. فتناول الوزير طاسة فضية كانت على الحافة ، وملأها ، ثم سقى الملك ، وأعاد الطاسة إلى مكانها . نظر الملك إلى الطاسة بعد أن استقرَّت في مكانها ، ثم التفت إلى الوزير ، وقال :
- أيّها الوزير ! لقد تكلَّمتِ الطاسةُ ، فماذا قالت ؟!
وجمَ الوزيرُ ، وكسا التعجُّبُ ملامِحَهُ ، ولم يدرِ بماذا يجيب .فالطَّاسة جماد ، ولايمكن لها أن تتكلم ، ولكن هل يجرؤ على قول هذا للملك ؟!
ولمَّا طال صمتُ الوزير ووجومُهُ ، صاح به الملك :
- أُمْهِلُكَ ثلاثة أيام لتأتيني بما تفوَّهت بهِ الطاسة ، وإلاَّ نالكَ منِّي عقابٌ قاسٍ !
عاد الوزير إلى بيته مهموماً حزيناً ، ثم دخل غرفته ، وأغلق على نفسه بابها ، وراح يفكِّر ويفكِّر ، ولكنه لم يهتدِ إلى حلٍّ أو جوابٍ مقنعٍ ، وراح يتساءل : ( ترى ماذا يقصد الملك بسؤاله ؟ .. هناك جوابٌ ، ولاشك ، يدور في خلده .. ولكن
ماهو ؟! ) .
طالت خلوةُ الوزير في غرفته ، فقلقت عليهِ ابنته الوحيدة ( قمر الزمان ) ، فاقتربت من باب الغرفة ، ونقرت عليه بلطف ، ثم استأذنت بالدخول ، فأذن لها .
قالت ( قمر الزمان ) لأبيها :
- مضى عليكَ يومان وأنتَ معتكفٌ في غرفتكَ ، وأرى الهمَّ واضحاً على وجهكَ، فماذا جرى ياأبي؟!
قال الوزير :
- حدثَ أمرٌ جَلَلٌ يا ابنتي ! .. لقد طرح عليَّ الملكُ سؤالاً صعباً ومستحيلاً ، وامهلني ثلاثة أيام لأجيبه عليه ، وإلاَّ عاقبني عقاباً قاسياً !
قالت ( قمر الزمان ) :
- وماهو السؤال ياابي ؟
قال الوزير :
- سَقَيْتُهُ الماء في طاسة ، ولمَّا أعدتُ الطَّاسةَ إلى مكانها ، قال لي : لقد تكلَّمتِ الطَّاسةُ ، فماذا قالت ؟
ضحكتْ ( قمر الزمان ) ، وقالت :
- إنَّه سؤالٌ ذكيٌّ ، وجوابُهُ يجب أن يكون ذكيَّاً أيضاً !
صاح الوزير بلهفة :
- وهل تعرفينَ الجوابَ ياابنتي ؟
قالت ( قمر الزمان ) :
- طبعاً .. فالطاَّسةُ قالتْ : صبرتُ على النَّار ، وطَرْقِ المطارِقِ ، وبعدها وصلتُ إلى المباسِمِ ، وما مِنْ ظالمٍ إلاَّ سَيُبْلَى بِأظْلَم !
وعلى الفور ، لبس الوزير ثيابه ، وقصد مجلس الملك ، ثم نقل إليه الجواب كما قالته له ابنته .
أُعجِبَ الملك بالجواب الذي كان أذكى من السؤال ، ولكنَّه شكَّ في أن يكون الوزير هو الذي اهتدى إليه...
وفي صباح اليوم التالي ، فاجأ الملكُ الوزيرَ قائلاً :
- أيُّها الوزير ! أريدك أن تأتي إلى مجلسي غداً لاراكِباً ولا ماشياً ..وإن فشلتَ، فإن عقابكَ سيكون قاسياً ، وقاسياً جدَّاً !
صعق الوزير للطلب المُعْجِزِ ، وانصرف من مجلس الملكِ مهموماً ، وعندما وصل إلى بيته ، استنجدَ بابنته ( قمر الزمان ) ، وحدَّثها عن طلب الملكِ ، وطلبَ منها الحل .
ابتسمت ( قمر الزمان ) ، وقالت لأبيها :
- وهذا أيضاً حَلُّهُ هَيِّنٌ ياأبي !
وفي صباح اليوم التالي ، أَحْضَرَتْ ( قمرُ الزمان ) لأبيها دابَّةً صغيرةً، فركب عليها ، وذهب إلى قصر الملكِ ، وهو راكب على الدَّابةِ ، وقدماه على الأرض .
ذهلَ الملكُ لِحُسْنِ تصرُّفِ الوزيرِ ودَهاءِ حَلِّهِ ، فأدناهُ منهُ ، وهمسَ له :
- قُلْ لِي مَنْ يقولُ لكَ ذلكَ .. ولكَ الأمان !
قال الوزير :
- إنَّها ابنتي ( قمر الزمان ) يامولاي !
قال الملك :
- أحضِرها لي في الحال !
ولما مثلت ( قمر الزمان ) بين يديِّ الملك ، أعجبه جمالها ، ولكنَّ ذلكَ لم يثنهِ عن اختبارها في سؤالٍ مُعْجِزٍ ، تكون الإجابةُ عليهِ مستحيلة . قال الملك :
- سأتزوَّجكِ الليلةَ ياقمر الزمان ، وأريدكِ أن تحملي منِّي في الفورِ، وأن تَلِدِي الليلةَ ولداً يكبرُ في ساعات ، ويغدو في الصباحِ ملِكاً يجلس على عرشي !
ابتسمت ( قمر الزمان ) ، وقالت :
- أمركَ يامولاي !
واقتربت من النافذة المطلَّة على جزء كبير من الحديقة لازرع فيه ، ثمَّ التفتتْ إلى الملكِ ، وقالت :
- أريدُكَ يامولايَ أن تحرثَ هذه الأرض الليلة ، وتزرعها الليلة ، وتقطف الزرع الليلة ، وآكل من ثمارها في الصَّبح !
ذهل الملكُ ، ونهض صائحاً :
- هذا غير معقول !!
قالت ( قمر الزمان ) :
- كيف تريدني إذن أن أُنْجِبَ لكَ ولداً الليلة ، ويكبر في ساعات ، ويغدو في الصباح ملكاً ؟!
سُرَّ الملكُ من جواب ( قمر الزمان ) ، ثمَّ عقد قِرانه عليها ، وأصبحت ملكة إلى جواره ، وعاشا معاً حياةً هانئةً سعيدة .
-
[align=center]الحكاية الثانية[/align]
سنيسل ورباب
كان ياما كان في قديم الزمان نحكي وإلاّ ننام وإلاّ نصلي على النبي العدنان
كان فيه عنزة وعندها ولدان اسمهما سنسيل ورباب. كانت تخرج كل يوم من البيت وتذهب إلى الحقل لتجمع لهما بعض الحشيش الطري للطعام وتتركهما وحيدين في البيت وتوصيهما ألاّ يفتحا الباب حتى يسمعاها تقول:
يا سنيسل يا رباب
افتحوا لأمكم الباب
حشيشاتا بقروناتا
حليباتا ببزيزاتا
فيفتحوا لها الباب وتدخل فتقدم لهما بعض الحشيش ليأكلاه مسرورين وينامان إلى الصباح. فراقبتهم الضبعة وعرفت كلمة السر فصنعت قروناً من عجين ولزقتهما على رأسها وذهبت إلى الحقل ووضعت بعض الحشيش عليهما وعادت فطرقت الباب فسأل الولدان من..؟ فقالت:
يا سنيسل يا رباب
افتحوا لأمكم الباب
حشيشاتا بقروناتا
حليباتا ببزيزاتا
وشك الولدان بصوتها ولكن نظرا من فتحة الباب فرأيا الحشيش على قرونها فانخدعا وفتحا لها الباب فأمسكت بهما وأكلتهما.
عادت العنزة إلى البيت فوجدت الباب مفتوحاً وابنيها مفقودين وشمت آثار الضبعة فتبعت أثرها حتى وصلت إلى مغارتها فصعدت على ظهر المغارة وهي غاضبة وأخذت تدبّك على سطح المغارة فقالت الضبعة:
مين عما يدبك على سطوحنا
فترد عليها العنزة:
أنا العنزة العنيزية أم القرون الذهبية
اللي أكل سنيسل ورباب يلاقيني على البرية
وتخاف الضبعة فلا تخرج فتعود العنزة فتدبك وتعد وتتحدى حتى اضطرت لقبول التحدي والنزال فصنعت قروناً من العجين وشوتهما على النار ثم لصقتهما على رأسها وخرجت لقتال العنزة أما العنزة فعندما رأتها ثار غضبها وهجمت عليها بقوة ونطحتها على رأسها فتتفتت قرونها وينشق رأسها وترتمي على الأرض فتنطحها مرة أخرى على بطنها فتشقه ويخرج ولداها سنيسل ورباب فتأخذهما إلى البيت وهي مسرورة من انتصارها على الضبعة وتوصي الولدين أن يكونا حذرين ولا يفتحا الباب مرة أخرى حتى يتأكدا من الطارق تماماً ولا ينخدعا ثانية وعاشا بسلام وأمان.
وتوتي توتي من عبي لعبكم مفلوتي......
-
حكاية 3
الطـير الأخضـر
كان في قديم الزمان رجل عنده ولد وبنت، وعندهم بقرة صغيرة صفراء اللون كان الولدان يرعيانها ويحبانها وتحبهما وهما متعلقان بها كثيراً، ماتت زوجة الرجل فتزوج امرأة أخرى لكنها بدت شريرة لا تحب الأولاد، وتكره الولد والبقرة خاصة، فأخذت تكيد لهما وتفكر في طريقة للتتخلّص منهما ومن البقرة.
في يوم من الأيام جعلت نفسها مريضة، وأرسلت بطلب أحد الأطباء من أصحابها ليعالجها، فطلبت منه أن يوصف لها لحم البقرة الصفرا، وأنها لا تشفى حتى تأكل من لحمها، وتدهن جسمها بدمها. وكان ذلك فبعد أن فحصها الطبيب وصف لها أمام الجميع لحم البقرة والدهون بدمها، وبين لهم أنه لا دواء لها غيره، ورغم معارضة الأولاد وحزنهم الشديد على البقرة وافقوا مضطرين عليه، فذبح الرجل البقرة وأكلت المرأة من لحمها ودهنت من دمها، وبعد قليل ادّعت أنّها شفيت من المرض، وقامت مثل الغزالة ففرح الأب بشفائها.
بقي همها الوحيد الولد (حطّت نقرها من نقره وبدها يا هو يا هي بالبيت ). لكن الأب تمسك بولده الوحيد، ولم يضحّ به من أجل زوجته، فذهبت المرأة إلى عند ساحرة شريرة، فصنعت لها سحراً وكتبت للأب والولد، فصار الرجل يكره ابنه ولم يعد يطيق رؤيته.
وفي يوم عملت نفسها مريضة أيضاً وأخذت تتدلل على رجلها، وتتغنّج عليه ومنعته أن يقرب منها، فصار يراضيها ويسألها عن طلباتها وينفذها لها لترضى عليه، وعندما تمكنت منه طلبت منه أن يذبح ابنه ويطعمها من لحمه، فقام الرجل وذبح ولده فطبخته وأكلت من لحمة، وتركت عظامه ورمتها في الحديقة. رأتها أخته فصارت تبكي، ولمّت عظامه وهي حزينة عليه، وضعتهم بكيس وحفرت حفرة في الحديقة ودفنتهم، وأصبحت كل يوم تسقي العظام وتبكي على أخيها0
مضت سبعة أيام على هذا الحال، وإذ خرج من الحفرة طير أخضر صغير، أحلى من كل الطيور، دار بالحديقة من شجرة لشجرة، وصار يزقزق ويناغي بألحان حزينة، وحط أخيراً على شباك غرفة أخته وصار يغني:
" أنا الطير الأخضر بشد العسكر، أبوي دابحاني وخالتي إكّالة لحامي، أختي الحنونة لملمت عظامي وحطتهم بكيس خامي، بعد سبعة أيام صرت طير أطير بالبلداني..."
سمعته أخته وعرفت أنه أخوها فقربت منه ، وصارت تلمّس ريشاته، ودموعها تنزل غزيرة من عيونها مثل المطر من حزنها عليه، طار بعيد عنها ورجع ومعه قلادة من ذهب ورماها على أخته، أخذتها ولبستها وصارت مثل العروس فيها. رأت خالتها بعينيها ما حدث للبنت، فانزعجت وحسدتها وطمعت بقلادة مثلها ...
في اليوم التالي وقف الطير على الشباك وصار يغني أغنيته، أتت خالته وصارت تلمّس ريشاته، فطار بعيداً ورجع ومعه إبرة مسمومة، ورماها عليها فجاءت برقبتها وماتت لوقتها، وبقي الطير كل يوم يقف على الشباك ويغني أغنية لأخته، ويرمي إليها الهدايا من الحلي والجواهر، وهي فرحانة ومبسوطة به.
-
-
-
اللـولـو بأغـصانو
كان يا مكان في قديم الزمان كان في تاجر كبير عنده ثلاث بنات. أراد أن يذهب إلى الحج فجمع بناته وسألهن عن طلباتهن، فقالت الكبرى: إنها تريد ثوبا من حرير، والوسطى طلبت أساور من ذهب، أما الصغرى ففكرت قليلا ثم قالت له: أريد اللولو بأغصانو.
ذهب الرجل إلى الحج ولما انتهى من المناسك، نزل إلى السوق ليشتري هدايا لبناته، فاشترى ثوب الحرير، وأساور الذهب، وسأل التاجر عن اللولو بأغصانه ؟ فاستغرب طلبه وأرسله إلى جاره. فتعجب الآخر من طلبه وأرسله إلى جاره، وبقي يسأل حتى وصل إلى شيخ التجار، فقال له شيخ التجار: يا رجل أنت تاجر كبير وعاقل، فلا تطلب مثل هذا الطلب، حتى لا يضحك عليك الناس، لأن اللولو بأغصانو هو ابن ملك الجان الأحمر، فكيف تشتريه لابنتك فغضب الرجل غضبا شديداً من ابنته وصمّم أن ينتقم منها.
لما عاد إلى بيته سلّم الهدايا لابنتيه، وأتى بحبل وربط الصغيرة، وأقسم أن يعطيها للنخاس حتى يبيعها في سوق النخاسين بأرخص الأثمان وتبقى عبدة طوال عمرها، فأنزلها العبد إلى السوق ليبيعها فوصل الخبر إلى ابن ملك الجان الأحمر اللولو بأغصانو، فأرسل عبده مسروراً في الحال مع كيس من الجواهر، ليشتريها ويحضرها إليه معصبة العينين، ففعل مسرور وفرح التاجر بالذهب والجواهر، وسلّم الصبية لمسرور, الذي عصّب عينيها وسار بها، وبعد قليل وجدت نفسها في قصر مليء بالجواري، والعبيد، والحدائق، والأزهار كأنه جنة من الجنان، ولم يكن معها في القصر إلا مسروراً.
في المساء وضعوا لها العشاء مما لذّ وطاب، فأكلت حتى شبعت ثم أحضر لها مسرور كأسا من الشراب اللذيذ، فشربته ونامت ولم تستيقظ إلاّ في الصباح، فوجدت إلى جانبها منديلاً، فسألت مسروراً عنه ؟. فقال لها: هو من زوجك اللولو بأغصانو، وسيفيدك عند اللزوم. سألته لماذا لا تراه ويحضر إليها ؟. قال: لا أعرف متى سيظهر لك ؟.
بعد أسبوع وجدت منديلاً آخر ثم بعد فترة منديلاً ثالثاً. سألها مسرور مرة إن كانت تريد أن تزور أهلها؟ فأجابته: نعم. فعصّب عينيها ثم فتحتهما وفجأة وجدت نفسها في بيت أهلها، فرحبت بها أمها وسألتها عن حالها وعيشتها، فأجابت: بأنها تعيش أحلى عيشة ولا ينقصها شيئاً من المال واللباس والطعام، وسألتها عن زوجها، فقالت لها: لم أره حتى الآن فهو يأتي يوم في الجمعة وأنا نائمة، ويذهب قبل أن أفيق ويترك لي منديله، فسألتها: ماذا تفعل قبل أن تنام ؟. قالت: أتعشى ويعطيني مسرور شراباً لذيذاً، اشربه ثم أنام. قالت لها أمها: إذا أعطاك الشراب فغافليه واسكبي الشراب في المزهرية، وتظاهري بالنوم لتري ما يحدث ؟ وعندما حل المساء جاء مسرور فعصّب عينيها ثم فتحتهما، فوجدت نفسها في القصر، ولما قدم لها الشراب، غافلته وأفرغته في المزهرية وتظاهرت بالنوم. حملها مسرور إلى غرفة النوم ووضعها على السرير، وجاءت الجواري فألبسنها أحلى الثياب، وزيّنوها بأجمل الحلي ثم خرجن، فدخل الملك اللولو بأغصانو وضمّها بين ذراعيه، وأخذ يكلّمها عن حبّه وشوقه لها وهي نائمة، وأمضى معها السهرة ثم أطفأ الضوء ونام. الصبية سمعت ورأت كل شيء، ولكن عملت نفسها نائمة، وعندما تأكّدت أنه استغرق بالنوم، نهضت وأشعلت شمعة ونظرت إليه، فبهرها حسنه وجماله، وأحبته أكثر وتعلّقت روحها فيه، ونظرت إلى بطنه فوجدت على سرّته قفل ومفتاح، فتلهفت لتعرف ما فيه، فتحت القفل فظهر وراءه باب، دخلت فيه فوجدت سوقاً كبيراً فيه من جميع الأشكال والألوان والبضائع وأهل الحرف، يبيعون ويشترون ويصنعون الأدوات، ونجارين وحدادين وصيّاغ وكل الصناع، فأخذت تسأل الناس عما يفعلون فيجيبونها: أنا أخيط ملابس لابن الملك، والثاني يصنع سريراً لابن الملك، وآخر يصنع قلادة لابن الملك، وغيره يصنع فرشة ولحافاً لابن الملك لأن الملك تزوج، وزوجته حامل وستلد عن قريب، وينتظرون مولودها ليهدوه هذه الهدايا.
فرحت عندما علمت بهذه الأمور، وبعد أن انتهت من جولتها، عادت وخرجت كما دخلت، وأرادت أن تقفل القفل، فسقطت نقطة من الشمعة على سرّته، فأفاق الملك وعرف ما فعلت، فغضب غضباً شديداً. وقال: لقد خنتني وعرفت ما لا يجب أن تعرفيه، وتعجّلت في كشف السر، وما جزاء الخائن إلاّ الموت، فتدخلت عليه وأعلنت ندمها وتوبتها ورجته أن يعفو عنها, وأنها أحبته من قلبها فلم يردّ عليها، وأمر مسرورًا أن يأخذها، ويذبحها ويأت له بكأس من دمها، فحملها مسرور إلى البرية وأراد أن يذبحها فرقّ قلبه عليها، فتركها وذبح طيراً وملأ كأساً من دمه وعاد به إلى سيّده.
أما البنت فقامت ومشت في البرية حتى وجدت كوخاً فيه عجوز، فأدخلتها وأشفقت على حالتها، وأطعمتها ورحبت بها، وقالت لها: إنها وحيدة وستجعلها ابنتها، وبقيت عندها حتى ولدت غلاماً مثل أبيه في الحسن والجمال، وربّت ابنها ورضيت بقسمتها، والعجوز فرحانة فيها كثيراً.
في أحد الأيام جاءت العجوز من السوق، وهي تكاد تطير من الفرحة، وقالت للبنت: سنرتاح من الأكل والشرب ثلاثة أيام، لأن الملك اللولو بأغصانو أقام عرساً كبيراً مدة ثلاثة أيام، والناس لا تأكل ولا تشرب إلا من بيت الملك، واليوم السهرة في قصر الملك، فجهّزي نفسك حتى نذهب إلى الحفلة. اعتذرت منها البنت لأنها تعبة، وبعد مدة من الزمن أخرجت منديلاً من مناديل الملك، وطلبت ثياب ملكات فحضر أمامها كل شيء، لبست أحلى البدلات حتى صارت أجمل الأميرات، وذهبت إلى حفلة الملك، وربطت منديلها على الباب ودخلت فلفتت أنظار الجميع، ورقصت أحلى الرقصات، وفي نهاية الحفلة فقدت منديلها فلم تجده، فصارت تغني:
( منديلي منديلي، شراقي من بلد العراقي، شاغلته ست الحسن يا مين يلاقي ).
فضج الناس وصاروا يفتشون عن المنديل فغافلتهم، وهربت وعادت إلى بيت العجوز.
دخلت عليها العجوز فقالت: آه يا بنتي لو ذهبت إلى الحفلة لرأيت أحلى الأميرات، ونجمة السهرات وقد ضيعت منديلها الذي أخذه الملك، وصار يسأل عن صاحبته، فاختفت ولم يعرف أحد من هي ؟. فضحكت البنت، وقالت يعوّض الله.
في اليوم الثاني لبست العجوز ثيابها وطلبت منها أن تذهب معها إلى الحفلة، لترى ما يحدث فاعتذرت وقالت لها: ابني مريض وسأبقى بجانبه، فتركتها وخرجت، وبعد فترة قصيرة أخرجت المنديل الثاني، ولبست أحلى الثياب وذهبت إلى الحفلة، وعلّقت منديلها على الباب، ودخلت فرحّب بها الحاضرون، وغنّت حتى تعبت ورقصت، وعندما أرادت أن تخرج لم تجد منديلها في مكانه فغنت:
( منديلي منديل مطرّز وباللولو مخرّز، شاغلته ست الحسن، يا مين يتفرج )
انشغل الناس بالبحث عن منديلها فغافلتهم وهربت. في البيت حكت لها العجوز ما حدث فضحكت ولم ترد. في اليوم الثالث أيضا ذهبت إلى الحفلة، وأخرجت المنديل الثالث، ولبست ثياباً أجمل من ثياب الملكات وأتت إلى الحفلة. أما الملك فقد صمّم أن يعرف صاحبة المنديل، فأخذ المنديل الذي عرفه أنه من مناديله، ودخل يراقب صاحبته من بعيد وقد أعجبه وسحرته بجمالها، وبعد أن رقصت وغنّت وطيّرت عقل الجميع، فقدت منديلها فلم تجده، فغنت:
( منديلي هوني هوني، مطرز بعرق ليموني، شاغلة كاملة الحسن، الله يظلم الّلي ظلموني ).
وعندما أمسكها الملك وعرف أنها زوجته، وأنها ولدت له غلاماً جميلاً وأنها تعيش مع العجوز، حوّل الملك العرس على زوجته السابقة، وجاء بالولد فوجده يشبهه تماماً وعلى سرته قفل ومفتاح، ففرح به كثيراً وعاشوا جميعا باللذة والنعيم وطيب الله عيش السامعين
-
-
صـرنا مـثل الناس
كان في قديم الزمان ملك من الملوك اسمه صقر صاحب دين وحكمة وأخلاق وعادل بين الناس، لم يرزقه الله سبحانه وتعالى سوى بولد واحد، فرباه أحسن تربية وعاش على الرفاه والدلال، وتعلم الأخلاق الفاضلة وحسن المعاملة، حتى يحبه الشعب ويصبح ملكاً عليهم بعد عمر طويل، وأمه كانت جميلة وبنت أصل أحبّت ابنها كثيراً وتعلّقت به، ولم تعد تصبر على فراقه ساعة زمان.
شبّ الولد وكبر وأصبح جسمه قوياً جميل الأوصاف، لكنه كثير الحركة تولّع بالصيد والقنص والسفر. في أحد الأيام قرّر الولد أن يخرج مع أصحابه إلى القنص، فتجهّز الشاب قبل الفجر للخروج إلى الصيد، فلما رأته أمه قالت له: أنا خائفة عليك يا ابني وبالي مشغول، لا تخرج إلى الصيد حتى لا يحدث معك سوء فالزمن غدّار، اقعد في القصر وتمتع بحياتك فلا ينقصك شيئاً.
ضحك الأمير وقال: أنا لم أعد صغيراً يا أمي حتى تخافي علي فقد صرت رجلاً وقد الحصان، ارتاحي وطمّني بالك سأعود لك بالسلامة، ومعي الصيد الوفير إن شاء الله تعالى، فحزنت الأم وذهبت إلى الملك وقالت له: إما أن يبقى ابنك ولا يخرج إلى الصيد، وإمّا أن تذهب مع ابنك حتى تبقى عيونك عليه وترعاه حتى يرجع بالسلامة.
سمع الملك كلام زوجته وجهز نفسه، وخرج مع ابنه إلى صيد الغزلان في الصحراء ليرافقه ويعتني به ويحميه من غدرات الزمان. في الطريق قال الملك لابنه: سنرى من يصيد أول صيد أنا أو أنت. فردّ عليه الابن: أنت فارس الفرسان يا أبي، ولا أحد مثلك في العالم، وبقيا يتحادثان ويتضاحكان مسافة بعيدة، حتى رأيا غزالاً يمرّ من أمامها، فرماه الأمير بالسهم الأول وحاول ألاّ يصيبه عن قصد, ورمى عليه الملك فأصابه، وفرح الجميع بهذا الصيد وحملوه على الحصان، وتابعوا طريقهم مسافة من الزمن فشاهدوا طيراً كبيراً قدر النعامة، واقفاً على رأس تلّة صغيرة قريبة منهم. قال الملك لابنه: أنت تذهب من هذه الجهة وأنا أذهب من الجهة الأخرى، فنحاصره فإذا نفذ من واحد تلقّاه الثاني.
سمع الأمير كلامه ولما اقترب من الطير، وأصبح على مرمى سهمه، طار الطير ثم نزل بعد مسافة، فلاحقه فطار وابتعد كثيراً، وبقي يلاحقه حتى تمكّن منه وأصابه بسهم فقتله، فرح الأمير بصيده ولم يدر أين أصبح والده، وكان الأمير تعباً فجلس يرتاح وقد هدّه الجوع والعطش، والمشي الطويل تحت الشمس، فنصب سهامه على الأرض، وفرش الطير على السهام وفرد جناحيه واستظلّ به ونام.
أما الملك فإنه لاحق الطير من الجهة الأخرى، ورماه فلم يصبه ولما طار تابعه مرة أخرى، وسار وراءه وأضاعه ثم رآه بعد فترة على سفح الجبل، فأطلق عليه سهماً فأصابه لكن الطير لم يتحرّك من مكانه، فرماه بسهم آخر فأتى في وسطه أيضاً، فاقترب منه بحذر وهو يشعر بالفرحة والغبطة، ويحدّث نفسه قائلاً : سيرى ابني حقيقة أنني أحسن صياد في المملكة ؟
ولما صار فوق الطير رأى منظراً صعقه، وطيّر صوابه وفجّر عواطفه، فقد كان ابنه على الأرض مضرجاً بدمائه، وقد أتى سهم أبيه في قلبه، فارتمى الملك على ابنه واحتضنه، وبكى وناح عليه حتى جفّ دمعه، ثم حمله على كتفه وحمل الطير على الكتف الثاني، وعاد إلى جماعته فقصّ عليهم حكاية المصيبة التي وقعت له، فحزنوا على الأمير ثم لفوه بثوب من القماش، ووضعوه على حصانه وعادوا إلى ديارهم.
استقبلتهم الملكة ملهوفة وسألت عن ابنها، فأجابها الملك بكل رباطة جأش: لقد تأخّر قليلاً وهو قادم مع الصيد، ورأت حصان ابنها يحمل لفّة من القماش، فسألت عنها. فأجابها الملك: إنه أكبر صيد صدته في حياتي وقد حملته على حصان ابنك، وقبل أن ننزله وأريك إيّاه أريد منك أن تأتي لنا بأكبر قدرٍ في البلد حتى يسعه، ولكن على شرط أن يكون الدست من بيت لم يدخله حزن حتى الآن، فقبل أن تسألي عن القدر اسألي إن كان أهل البيت قد أصابتهم مصيبة، ودخل بيتهم الحزن أم لا ؟.
أطاعته الملكة وذهبت تبحث عما طلبه، وهي متعجبة من أمره وأمر شرطه، وبعد بحث طوال النهار عادت الملكة في آخر النهار خالية اليدين، وقد هدّها التعب والبحث والسؤال، وقالت للملك: لقد درت على كل البيوت وسألت كل الناس، فلم أجد بيتاً لم يدخله حزن، أولم تحدث فيه مصيبة فما العمل؟.
فكّر الملك قليلاً وسألها: وهل دخل بيتنا الحزن قبل الآن، أو حدثت عندنا مصيبة ؟.
فأجابته: لا يا ملك الزمان لم يحدث شيئاً مما تقول.
فقال لها حزيناً: الآن تساوينا مع الناس؛ أنزلي ابنك من على الحصان، فهو الصيد الكبير الذي صدته اليوم، ودعينا نحزن عليه كما حزن الناس على مصيبتهم.
كان الحزن قد تمكّن من الملكة خلال جولتها على البيوت، وما سمعته من المصائب والأهوال التي جرت لهم، فهانت عليها مصيبتها وأقامت العزاء ثلاثة أيام؛ بعدها عادوا إلى حياتهم العادية، وعاشوا بقية حياتهم بالرضى والنعيم والسلام.
والسلام ختام
-
لحـكمة يريدها الله
كان في قديم الزمان ملك وعنده مستشار حكيم يشاوره في كل الأمور، ويستفهمه عن كل ما يحدث معه، وكان في كل مرة يسأله عن مسألة غريبة وصعبة يرد عليه المستشار بقوله: " هذه لحكمة يريدها الله " .
في أحد الأيام كان الملك يمشي في بستانه يشمّ الهواء، ويتمتع بالمناظر الجميلة ويروّح عن نفسه دخل أحد الأغصان اليابسة في عينه فانقلعت، تألّم الملك وحزن كثيراً ثم طلب المستشار وسأله عن سبب حدوث ذلك معه، فأجابه الحكيم: حدث هذا لحكمة يريدها الله.
غضب الملك من ردّه وأمر وزيره أن يأخذه ويقتله ويريحه منه ومن حكمته، فأخذه الوزير ولكن حنّ قلبه عليه وخبأه في بيته، وقال للملك بأنه قتله.
بعد مدّة من الزمن كان الملك يتنزّه على الشاطئ ويفكر في أحوال الدنيا، فجاء قوم متوحشون فنزلوا على الشاطئ، وكانوا يفتشون عن شخص يقدمونه قرباناً لآلهتهم، فوجدوا الملك وحيداً على الشاطئ فقبضوا عليه وقادوه إلى جزيرتهم، وهناك عرضوه على الكاهن، فلمّا رآه غضب منهم وعنّفهم ورفض أن يقدّم قرباناً للآلهة رجلاً أعور العين فأمرهم أن يعيدوه، ويأتوه بشخص سليم يصلح قرباناً.
عاد الملك إلى بلاده ونجا من الموت وعرف وتيقّن أن الحكيم كان على حق، وأن قلع عينه كانت لحكمة يريدها الله ولولا قلع عينه لما نجى من الموت، فتأسف على قتل الحكيم وندم على فعلته،وتمنى لو أن الحكيم حياً، عندما سمع الوزير رأيه أخبره بما حصل وأنه لم يقتله وأحضره بين يدي الملك، فرح الملك كثيراً ورحب بالحكيم وأجلسه بجانبه، وعاد ينتفع من حكمته.
-
أبو قـرن وقـرنين
كان في أيام زمان رجل وزوجته، وعندهما بنت وحيدة وهم في عيشة مبسوطة. في يوم من الأيام جاءت أختها وطلبت منها البنت لتنام عندها هذه الليلة حتى تؤنسها لأن زوجها مسافر، فوافقت الأم وأوصتها بها خيراً، ذهبت معها الفتاة إلى البيت في الطرف الآخر من الغابة، وسهرا تلك الليلة حتى منتصف الليل ثم نامتا .
لكن الزوج عاد فجأة قبل الصباح، فانزعج من وجود الفتاة في البيت، وطلب منها أن تعود إلى بيت أهلها، فأخذت الفتاة تبكي ورجته أن يتركها عندهم حتى الصباح، فرفض ذلك بحجة أنه لا يوجد عندهم مكان يتّسع لتنام فيه. وأخرجها من البيت وأغلق الباب وراءها، فخافت البنت كثيراً في هذا الليل وصارت تبكي ثم سارت في الغابة باتجاه بيت أهلها، فضاعت فلقيها في الطريق أبو قرن وقرنين، وكان يفتش طوال الليل عن فريسة يأكلها دون فائدة، حتى وجد الفتاة وحيدة في الغابة وأراد أن يأكلها.
قالت له الفتاة: أنا بنت صغيرة ولا أشبعك، ولكن إذا أوصلتني إلى البيت، أعطيك قفةً من التمر وقفة من الزبيب، فتأكل منه حتى تشبع، ويصبح عندك مونة من الطعام، فوافق وأوصلها إلى البيت وطرق الباب وهو يقول: ( البنت اللي عند خالتها، ضاعت بالغابة يا حنينتها، رجعها أبو قرن وقرنين، ويريد قفة تمر ورغيفين ) فلم يسمعه أحد فأعاد عدّة مرات حتى يئس من فتح الباب، فأكلها وعلّق ثيابها على الباب ومضى في حال سبيله .
في الصباح خرج والداها فشاهدا ثياب ابنتهما، فعرفا أن أبا قرن وقرنين أكلها، فحزنا عليها ولام الرجل زوجته لأنها سمحت لها بالذهاب مع خالتها، وغضبت الأم وقررت الانتقام لابنتها فتربّصت الفرصة المناسبة.
بعد شهور عاد ابن أختها من السفر، فجاء لزيارة خالته وسلّم عليها، فاستقبلته ورحبت به ثم تركته نائماً فذبحته وقطّعت لحمه وطبخته، ودعت أختها وزوج أختها على الغداء وقدمت لهم لحم الولد، فأكلا منه حتى شبعا، وبعد أن انتهيا من الطعام وجلسا يتسامران، قامت أختها وأتتها بملابس ولدها وعظامه، وقالت لها: هذا ابنك أكلته أنت وزوجك، مثل ما أكل أبو قرن وقرنين ابنتي والآن أصبحنا خالصين وعاش الطرفان في حزن وغم طول الحياة .
معلومات الموضوع
الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
المواضيع المتشابهه
-
بواسطة رضا البطاوى في المنتدى منتدى علوم القرأن والأحاديث النبوية
مشاركات: 0
آخر مشاركة: 01-20-2022, 08:02 AM
-
بواسطة المخذم الدليمي في المنتدى منتدى الوثائق والصور والمشجرات
مشاركات: 16
آخر مشاركة: 08-19-2017, 08:09 PM
-
بواسطة العصيمي في المنتدى منتدى الرأي والرأي الاخر
مشاركات: 0
آخر مشاركة: 11-09-2013, 05:40 PM
-
بواسطة العصيمي في المنتدى منتدى الرأي والرأي الاخر
مشاركات: 0
آخر مشاركة: 11-09-2013, 05:30 PM
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى
جميع آلمشآركآت آلمكتوبه تعبّر عن وجهة نظر صآحبهآ ,, ولا تعبّر بأي شكل من الاشكال عن وجهة نظر إدآرة آلمنتدى
المفضلات