لعلامة السيد عبد الزهرة الخطيب في ذكرى رحيله
بقلم |مجاهد منعثر منشد
نسب العلامة السيد عبد الزهرة الخطيب do.php?img=14697
ونحن نعيش في أجواء محرم وماساة الطف الدامية ,وما لحقتها من مصائب الاليمة جرت على اسرة الامام الحسين (عليه السلام) ,وصولا لاحياء ذكرى الاربعينية .
وبين ثنايا هذه الاحزان ,ستكون ذكريات لرحيل بعض خدام المنبر الحسيني ,الذين كان لهم دورا رائدا ومميزا لنقل الماساة والمصائب التي تجرعها أهل البيت (عليهم السلام) وتحملوا الالم تلو الالم الممزوج بالفاجعة .
فكان دور هؤلاء الخدام الذين تشرفوا بهذه الهوية الكبرى ,وهذا العنوان الخالد ,أن يبتكروا أساليب عصرية حديثة ,والتي اصبحت فيما بعد أساس لفن الخطابة .فنقلوا النهضة الحسينية نقله نوعية الى المجتمعات الاسلامية .
ولقد كان أحد الاوتاد التأسيسية لهذا الفن الابداعي سماحة العلامة السيد عبد الزهرة الخطيب ,والذي ستكون ذكرى وفاته بتاريخ 24|12 .
لقد كان (رحمه الله ) مفيدا وجذابا ومؤثرا ,ويتمتع بعدد من المميزات الذهنية والاخلاقية ,فكان بين الذكاء ,سريع الخاطر ,نافذ الحجة ,قادرا على تقليب الافكار ,وذاكرته زاخره بالمعلومات والمعارف والشواهد .
وقد خدم المنبر الحسيني لمدة خمسين عام , وبسبب حبه المنبر قال : لو خيرت بين أعلى المراتب الدينية ,واسمى المناصب الدنيوية ,وبين ان أكون خطيبا ناجحا لما اخترت عليها غيرها,وماتركتها حتى تركتني ,ومارغبت عنها حتى رغبت عني بسبب كبر سني ,وضعف بدني ,ونسيان اكثر محفوظاتي.
يقول سماحة الشيخ محمد باقر الناصري (اعزه الله ) عن السيد الخطيب : أنه من الخطباء المعدودين الذين لم تثنهم محاولات القمع والترهيب على الاستمرار في المواجهة ,فكان سليط اللسان قوي الحجة وذا تأثير كبير في الاواسط الشعبية .
وكانت مجالسه(رحمه الله ) عامره سواء في العراق أم في خارجه كالبحرين والكويت ولبنان والامارات .
وقال الدكتور مصطفى جمال الدين :ثلاثة اقلام كان لها الدور المميز في أغناء المكتبة العربية بهذا النهج البلاغي العظمي.
الشريف الرضي في اختياره
وابن ابي الحديد في شرحه
والسيد عبد الزهرة الحسيني في الرد الشبه عنه .
نسب العلامة السيد الخطيب
هو السيد عبد الزهرة بن حسين بن جبر بن خفي بن حمود بن نوح بن ناصر بن شلال بن محمود بن محمد بن شوكة بن علي بن عفان بن ياسر (الاول ) بن شوكة بن عبد الله بن أبي الحسين علي ( المعروف بالشويكة ,ويقال لوالده وولد اخيه الحسن بنو الشويكة ),بن احمد بن أبي عبد الله بن ابي الهيجاء محمد بن ابي الحسين زيد الاسود بن الحسين بن ابي الحسن علي بن يحيي (الثاني) بن يحيي (الاول ) بن الحسين ذي الدمعة بن زيد الشهيد بن الامام زين العابدين بن الحسين الشهيد بن امير المؤمنين الامام علي بن أبي طالب (عليهم السلام)(1).
وعشيرة العلامة الخطيب (الياسري ) ونخوتهم (أخوة سميه ) موطنهم في الناصرية .
كانت ولادته في مدينة الخضر عام (1920م|1338هــ )(2).
نشا في كنف اخواله الشيخين أسد حيدر (صاحب كتاب الامام الصادق والمذاهب الاربعة ) ,وطالب حيدر .
دراسته
اكمل الدراسة الابتدائية عام 1935 م ,ومنذ صغره كان يدرس العلوم العربية والاسلامية (المقدمات ) كالنحو والمنطق على يد اخواله الشيخين اسد حيدر وطالب حيدر ,وانتقل الى مدرسة الامام محمد حسين كاشف الغطاء ليواصل دراسته (3).
وعندما بلغ عمره 16 سنة ,كتب رسالة الى الامام الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء يبدي فيها رغبته لطلب العلوم الدينية ,فكتب له الامام الشيخ الغطاء بالقدوم اليه ,وذهب في عام 1936 الى النجف الاشرف ,ونزل في مدرسة الشيخ الغطاء ,ولازمه طيلة مراحل حياته ,واصبح كاتبه الخاص .
و اساتذته هم :
1. الامام الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء (1877م ـ 1954م).
2. الشيخ طالب حيدر .
3. الشيخ أسد حيدر .
4. الشيخ علي المرهون .
5. السيد سعدون البعاج الخطيب .
وكان استاذه في الخطابة السيد كاظم الحسيني الذي أخذ عنه الخطابة ولازمه وتأثر به .
وكانت فترة الملازمة لمدة عشرة سنوات ,وأستمع اليه عشرين سنة (4).
مؤلفاته
1.مصدر نهج البلاغة واسانيده (4مجلدات ),وهو الكتاب الاول من مؤلفاته عام 1966,وقد أستغرقت كتابته خمس عشرة سنة .
يقول الشيخ حسن الصفار في كتابه ( رؤى الحياة في نهج البلاغة ) :(واخيرا) اصدر احد العلماء موسوعة جيدة اثبت فيها اسانيد ومصادر كل خطبة ورسالة وكلمة من ( نهج البلاغة) وهو العلامة السيد عبد الزهراء الحسيني الخطيب والذي قام بتحقيق نسبة ما في ( نهج البلاغة ) الى الامام علي بالاعتماد على مصادر موثوقة من كتب التاريخ والادب اغلبها كان مؤلفا" قبل نهج البلاغة وبعضها تروي كلام الامام باسناد متصلة لاتمر في طريقها على نهج البلاغة ولا على جامعه الشريف الرضي . وقد طبع هذا العمل العلمي الهام في اربعة مجلدات تحت عنوان مصادر نهج البلاغة تنوف عدد صفحاتها على ( 1870 ) صفحة .
اما الشيخ محمد مهدي شمس الدين رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى في لبنان فيقول :
( ولعل اخر دراسة توثيقية هامة وشاملة اتبع فيها منهاج النقد الخارجي هي دراسة الاستاذ السيد عبد الزهراء الخطيب التي نشرها في كتابه مصادر نهج البلاغة ).
1. مصدر الخلافة
2. أشعة من منار الهدى (تحقيق وتنقيح وتعليق )
3. الغارات للثقفي (تحقيق وتعليق )
4. الشافي في الامامة (تحقيق وتعليق)(4 أجزاء)
5. شرائع الاسلام في مسائل الحلال والحرام (شرح وتعليق )(8اجزاء).
6. مائة شاهد وشاهد
7. مصدر الحكمة المنثورة (مخطوط ).
وله مؤلفات أخرى منها :
أ.التحريف والتصحيف عشرة مجلدات .
ب. وكتابين هما ( عمر بن عبد العزيز ) و(عمل مسرحي في كربلاء ) وهذين الكتابين تمت مصادرتهما من قبل النظام العفلقي من مكتبته (5).
أخلاقه
كماكان عملاق في الادب والخطابة ,كان يتميز باخلاق عاليه ,فيحب الاخرين ,ومتواضع , وعفيف ,وقد ذكرنا بأنه كان مؤثر ,ومن أحد تأثيراته على الاخرين ,عندما كان في دولة الامارات تم منحه منصب مسؤول الوقف الشيعي في دبي,فكان عنده خادم هندي مسلم من الطائفة السنية ,ونتيجة حب الخادم لسماحته وتعلقه به سمى أبنتة بالزهراء.

وفاته
توفي 24|12|1993 في دمشق ,ودفن هناك في مقبرة السيدة زينب (عليها السلام).
وقد ارتجل الشيخ احمد الوائلي كلمه قال فيها على قبره :
وحدث مالم يكن في الحسبان ,وتلبدت الاجواء في العراق ,واغتيل البلد اغتيالا مروعا فغرق في الدماء والمحن ,وخرجنا عن الوطن الجريح ..خرجنا لنكون السنة معبرة عما يجري فيه لنحاول ان نعكس مأساته في الخارج ,ولنضع أيدي الناس على مايجري في هذا البلد ,وكيف انتهى الامر الى مأساة لايعرف لها التاريخ مثيلا ..وكنت أقول للسيد الحسيني ان مجرد خروجه وخروج الارقام من امثاله هي صيحة في وجه الدكتاتورية والباطل ,هي صيحة في وجه الوحشية التي انشبت مخالبها في هذا البلد .
لقد أخذ القبر ابا موسى جسدا ولم ياخذه من مشاعرنا ,ولقد عاش بمشاعرنا بما حمل من ملكات كريمة أولها نفس كبيرة(6).
ورثاء الدكتور الشيخ احمد الوائلي بعد مرور عام واحد على رحيله في قصيدة بعنوان (تجديد عهد)
وعدتنا واخلف التنويل ...والليالي كثيرهن قليل
ماتخلت عن طبعها ذات يوم ...وهو فيما علمت طبع بخيل
ان انالتك فرحة سلبتها ...بارق خلب وحال يحول
لم تكن تبتسم الاماني حتى ...اسفت كيف كان منها الجميل
فاذا هذه الحياة هشيم ...أو غثاء تحملته السيول
لاصروح تبقى ولاالكوخ يبقى ...ويولي محقر وجليل
كل ما باليدين للمرء تخويل ..وللرد ينتهي التخويل
نحن نمشي لغاية سرانا ....اسريع مسيرنا ام ذميل
غاية يدفع الوجود اليها ,,وانيها هذي الحياة سبيل
سالتني عنك الديار ابا موسى ...وكم أحزان المجيب سؤول
اين منا شمائل يحمل الزاد ...الى الردح طبعهن النبيل
مر عام والدار يفارقها حزن ..وصمت ووحشة وذهول
ومصلى يقظان بالذكر صاح ..حين يخفو نجم وترخى سدول
وليالي الرهبان شوط عليها ....يتبارى التسبيح والتهليل
أصحيح أوى الى ظلمة القبر ...مزاج كما يرن الخميل
وكيان عرفته دونما زيف ...على طيب فطرة مجبول
ان بعض الورى طعام شهي ...وبهم من هو الطعام الوبيل
لم يزل يشتهيك رهط تمازجت ...بأرداحه فقسيم الرحيل
أكذا غالك الردى فالجبين ...الصلت بالتراب واليار طلول
ويح هذا التراب راح بأحبائي ..فليت التراب غالته غول
ذهب السامرون حول الندى ...الحلو فانصمت بالندى عويل
ويموت الندى ان عاقه الفضل ..وعاشت بجانبه فضول
غربة الروح حين يرحل احباب ..وينفض مجمع مهول
فرقاق الحياة نبع تعب ..الروح من صفوة ويطفي الغليل
واذا جف النبع امحل روض ...وسجى صادح وذاب هديل
هو قتل موت الاحبة فالانفس ...جدب من بعدهم ومحول
وسواء رحلت ام رحلواعنك ..فغي الحالتين انت القتيل
يا اخ العمر جاد قبرك غيث ...ورعى رمله النسيم العليل
وسواء ااغدقت الغيث ام جف..ففيما عند القلوب بديل
فلقد نث من عواطف اخوانك ...وبل على ثراك هطول
خلجات بكل حبة رمل ...نابضات لو الرمال تقول
سكبتها عليك حبا وقرانا ...كريما ثوابه موصول
ومن الحب والعواطف صرح ..كل صرح من دونه لا يطول
قد تلاشت كل الاكاليل لكن ...عاش للعلم والتقى اكليل
سوف يبقى رمز الوفاء على قبرك .غمر من الدموع يسيل
هو مني رساله فاستلمه ..ومن الدمع للحبيب رسول
ان لي مدمعا على الخطب صلب ..العود لكن لدى الوفاء ذليل .
وبصدري قلب يحل به الحب...وما للاحقاد فيه حلول
فجميع الدنيا بدون وفاء ....عفن منتن ومثوى رذيل
ياقبورا يجنب زينب فيها ...من احبائنا ينام رعيل
انت فيما ضممت ام رؤوم ..حملتنا هضابها والسهول
حضنتنا الشام موتى واحياء ...وللام مايعود الفصيل
حدة التراب بالوطن الاكبر..ذراته اليها تؤول
نحن عقد حباته جمعتها ...الضاد والدين والدم المطلول
عانق الرمل بعضه في تراثنا ...افننأى وتستجيب الرسول
قدر خطه دم ومصير ...وبنته تشتكي له والنيل
ايه بغداد والفراتان ورد ...سائغ والمجنحات النخيل
والشواطي للسامرين فراش ..والصحو كان مشرق واصيل
والرمال السمراء تحتضن التاريخ ...مجد سطروه والفصول
وقباب شم لآل الرسول ...الله فيهن مرقد ومقيل .
وبافنائها مدارس ايات ...لها بالعلوم باع طويل
ومحاريب ملأهن كتاب ...الله يتلى والذكر والترتيل
يتناجى بهن رهبان ليل ...كلما غردوا به التترتيل
لاتخلي انا على بعد دار ..سوف تنسى قلوبنا والعقول
اننا والديار خصب جنات ...ورهط يعني بنا وقبيل
أعين ترتجي لآفقك فجرا ...وتعاني كيف الظلام يزول
والى ان نعود والوطن المحبوب ...قد زال عنه عبأثقيل
سوف نبقي مشاعرا هائمات ..في مجاليك والوفاء كفيل
ووداعا الى اللقاء ابا موسى ..اذا ضمنا الغد المأمول
نتفيأ رحب رب كريم ...ورحاب الكريم ظل ظليل
ولدينا مما خدمنا به السبط ...شفيع فيما نرى مقبول
ووثوق برحمة وعدتنا ....نزلا لايضيع به الترتيل
ادننا رب الرحاب الكريمات ...اذا ابعد الخليل الخليل .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر والهوامش
(1) وكتب العلامة الخطيب بيده(هذا النسب الشريف اوصله الى ياسر الشيخ أسد حيدر رحمه الله وبعض المشايخ ,ومن ناصر فما فوق يوجد في كتاب الغياثي البحراني في انساب السادة ,كما توجد أصوله في عمدة الطالب لابن عنبه .
(2) المرجاني الشيخ حيدر ,خطباء المنبر الحسيني ج4ص 110 ط النجف .
(3) الاميني ,معجم رجال الفكر ,ج2ص 505,اغا برزك الطهراني ,الذريعة ,ج 21ص 97.
(4) السيد حسن داخل ,من لايحضره الخطيب ,تقديم السيد الحسيني ,ج 2ص18 ,ط بيروت 1991.
(5) مجلة الموسوم العدد العشرون ص 243.
(6) مجلة الموسم ,العدد الخاص بالعلامة الحسيني ص263ـ 266.
كتابات في الميزان / العلامة السيد عبد الزهرة الخطيب في ذكرى رحيله