بقلم| مجاهد منعثر منشد
من الاحاديث المروية عن الرسول الاعظم محمد (صلى الله عليه واله وسلم ) :ـ
ـ كل بني أمّ ينتمون الى عصبة الا أولاد فاطمة فانا أبوهم وأنا عصبتهم.
ـ كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي. رواه الشبلنجي الشافعي في نور الأبصار وغيرها .
قال الشاعر‏:‏ ونقيب عن أبيك وكان قريباً من الأجواد سراب المدام
يعرف نقيب الاشراف :ـ هو من نَقّب على الأثر ودلّ عليه .
قال الشيخ أبو حاتم الرازي‏:‏ يقال نقيب ونقباء والنقباء الكفلاء والأمناء قال الله تعالى عز وجل ‏"‏ وبعثنا منهم اثني عشر نقيباً ‏"‏ يعني‏:‏ كل رجل كان كفيلاً أميناً على سبط‏.‏
وقيل‏:‏ النقيب مأخوذ من قولهم رجل نقيب ونقاب إذا كان فطناً يستخرج الأمور والأسرار‏.‏
وحسب مامدون في الوثائق الخاصة بنقابة الاشراف هناك نقاط لصغة هذا النقيب او يتعبير اخر هي شروط تقتضي المصلحة ان تكون متوفرة في النقيب .ومنها :ـ
1.كل من يتولى نقابة السادة الطالبيين أو العباسيين، وهو المتكفل لحفظ انساب آل أبي طالب وتسلسلها وحمايتها من التلف والضياع والدخيل .
2.أن يكون عالماً بأنسابهم ذرية بعد ذرية وجيلاً بعد جيل، وأن يعمل سجلاًّ بأنسابهم ليكون محكوماً بثقته وصراحته وصحته، وكان سجلّهم يسمّى ديواناً في زمانهم الأول .
وفي رأي بعض المؤرخين أن النقيب كالعريف على القوم المقدَّم عليهم الذي عرف بأخبارهم ونقّب عن شؤونهم الخاصة والعامة. وقد وردت كلمة نقيب في كلام الرسول الكريم محمد ( صلّى الله عليه وآله وسلم) لمبايعيه من الانصار في العقبة الثانية.
ووردت كلمة شريف والأشراف في أحاديث الرواة عند حديثهم عن نقابة الاشراف في العهد العباسي، وهي النقابة التي تعني بأنساب من تسلسل من الإمامين الحسن والحسين. وأول من أُطلق كلمة شريف على النسب العلوي هما الشريفان الرضي والمرتضى عام 370 هـ..
فالنقيب للسادة هو الباحث عن أنسابهم حتى يستخرجها والفطن لما غاب من صحة الأنساب وفسادها ويبحث عنها .
اذا اردنا التحدث عن نقابة الاشراف لابد من العودة للاصل وهو امير المؤمنين الامام علي (عليه السلام ) الذي يجمع النسب للامامان الحسن والحسين (عليهم السلام) ,فمن مرقد الامام علي (عليه السلام) كان انطلاق اول نقابة اشراف في العالم الاسلامي برمته .ولم تظهر اي نقابة اشراف قبل نقابة الاشراف في الكوفة المقدسة والنجف الاشرف .
وللخوض في تفاصيل المعرفة في تأسيس اول نقابة لابد من تمهيد تأريخي حول قضية مرقد الامام علي (عليه السلام)
كانت البقعة التي دفن فيها الامام علي (عليه السلام) تسمّى بالثويّة . وفي البحار «الثويّة» بفتح الثاء وكسر الواو موضع بالكوفة1.
ويقول العلامة السيد محمد الغروي في تاريخ الحوزة العلمية :ـ بعد أن هُجِرَ اسم «ثويّة» لأرضها ومسمّاها، فاشتهرت تلك الرقعة بـ «النجف». وحيث أن صاحب المرقد الطاهر، أشرف إنسان على وجه الأرض بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، سُمي بلد الإمام أميرالمؤمنين(عليه السلام)بـ «النجف الأشرف»2.
وفي معجم البلدان عند ذكر النجف: (قال السهيلي: وهو بظهر الكوفة كالمسنّاة تمنع سيل الماء أن يعلو الكوفة ومقابرها وبالقرب من هذا الموضع قبر أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب(عليه السلام)3.
ويستخرج السيد محمد الغروي ملخص عن النجف الاشرف في بطون الكتب مثل تاريخ الطبري وابن أثير4.أن النجف كانت قرية عامرة على ظهر الكوفة لها أهلها وأصحابها.
ففي كتاب حياة الحيوان للدميري في حرف الحاء عند ذكر الحية قال: (إن خالد بن الوليد لما تحصّن منه أهل الحيرة بالقصر الأبيض وغيره من قصورهم نزل بالنجف وأرسل إليهم أن ابعثوا إليَّ رجلا من عقلائكم فأرسلوا إليه عبدالمسيح بن عمرو بن قيس بن حيّان بن بقيلة الغسّاني وكان من المعمرين فقاوله) 5.
وقبر امير المؤمنين الامام علي (عليه السلام ) كان مخفي لمدة تسعين عاماً ابتداءً من يوم استشهاده في 21 ـ رمضان ـ 40 هـ اي من حكم معاوية بن أبي سفيان واعقبة 12 حاكم اخرهم كان مروان بن الحكم. عام 132 هـ الموافق 711 م .وبعدهم استولى العباسيين على الحكم ابتداءً بأبي العباس السفّاح أيام الإمام الصادق(عليه السلام)،
وعند ذلك انكشف أمر القبر، فصنع داود بن عليّ العباسي المتوفى عام 133 هـ 712 م صندوقاً للقبر الشريف، وأصبح المرقد الطاهر مزاراً للموالين والمحبّين لآل الرسول(عليهم السلام).
ويكمل السيد الغروي في كتابه تاريخ الحوزة العلمية في النجف الاشرف وبعد أن استلم العباسيون الأمر، وتمكّنوا من الحكم، بدأوا بملاحقة الشيعة والمحبين للعترة الطاهرة وتعذيبهم أيام خلافة المنصور ومحمّد المهدي وموسى الهادي، يقول الشاعر:
يا ليت ظلم بني مروان دام لنا *** وكان عدل بني العباس في النار
فاختفى الزائرون، وضاع القبر الشريف على الكثير من الناس، إلى أن حَانت أيام هارون الرشيد عام 170 هـ 749 م حيث خرج يوماً هارون الرشيد، من قصره في بغداد للنزهة والاصطياد، وبلغ ظهر الكوفة، ووجد كثيب رمل تتجمع عنده الغزلان والحمر الوحشية، فاستغرب ذلك، وتحرّى عن سببه. وعندما سمع إنه قبر الإمام عليّ(عليه السلام)، توضأ وزار القبر وصلّى عنده ثم بنى قُبّة على القبر، وأصبح مقاماً مباركاً للزائرين والموالين لأهل بيت الرسول(عليهم السلام) إلى يومنا هذا. انتهى كلام السيد محمد الغروي ومن اراد الاطلاع على اسباب اخفاء القبر فليراجع 6.ولم تظهر في التاريخ أن هناك نقابة اشراف .وبدأ ظهور نقابة الاشراف في زمن الحكم العباسي تحديدا بعد إظهار القبر الشريف في النجف الاشرف سنة (170) هـ .
بدأت تظهر المباني والعمارات حول المرقد المبارك، وقطن في النجف بعض العلويّين وخاصّتهم من الشيعة، ولم ينقضِ القرن الرابع الهجري حتّى كان فيها من السادة العلوية ألف وسبعمائة عدا أتباعهم وشيعتهم، ويقدّر البعض عدد سكانها آنذاك بستة آلاف نسمة.
وصفها ابنبطّوطة حينما زارها سنة 727 هـ بأنها من أحسن مدن العراق وأكثرها ناساً وأتقنها بناء، ولها أسواق حسنة نظيفة. 7.
وفي حينها لم تظهر اي نقابة اشراف في دول العالم الاسلامي ..,ففي مصر ظهرت سنة 358 هــ بعد انتهاء الخلافة العباسية .وبداية سيطرة الفاطميون على مصر تم تأسيس اول نقابة اشراف في مصر .وكان اول نقيب الخليفة الفاطمي المعز لدين الله سنة 358 هــ ثم تلاه فى هذا المنصب الخلفاء الفاطميون وكان الذين بعده احدى عشر نقيبا .واستمر الفاطميون نقباء للأشراف حتى سقطت دولتهم سنة 564هــ ... 8.
وكان عمرها في العراق بـ 107 عام .وبعد هذا العمر تأسسست في مصر .وفي وثائق السادة العلويين أن نقابة الأشراف تأسست أول مرة في العراق سنة 251هـ، وكان مقرّها الكوفة، وتولاّها ورأسها أبو عبدالله الحسين النسّابة بن أحمد المحدّث بن محمد المعروف بأبي علي عمر بن يحيى الراوية بن الحسين ذي الدمعة ابن زيد الشهيد. وذكره الطبري في تاريخه : إن المحدث الكوفي : حسين بن احمد بن محمد بن يحيى بن الحسين ذي الدمعة أبن زيد بن الإمام زين العابدين ، أول من سعى إلى تأسيس نقابة الطالبيين، إذ ورد إلى العراق من المدينة في عام 251 هــ، فعينه الخليفة لهذه المهمة.
وفي بداية تولية أمر نقابة الأشراف وضع الحسين النسابة الأسس والقواعد التي تحميها وتصونها، كما وضع الشروط التي تقبل بموجبها عضوية المنتسب إلى النقابة، والتثبيت من الأبناء والأحفاد الذين يرجعون إلى الأمامين الحسن والحسين، وتوثيق أنسابهم وحفظها في سجلّ خاص.
نزح الحسين النسابة من المدينة بالحجاز إلى الكوفة سنة 250 هـ وفي الكوفة جمعٌ من اصحابه وجمهور واسع يعرفه، فحظي باستقبال منقطع النظير، ووضع في مكانة رفيعة حيث يوضع الرجال الأُصلاء.
وفي اول عهده نشأت حوادث دامية بين العلويين وقواد الحاكم العباسي من الاتراك نتيجة الغطرسة التي أظهرها الاتراك ازاء القوم في الكوفة، مما دفع الحاكم أحمد المستعين بالله بن محمد بن المعتصم أن يحضر بجيشه لفضّ النزاع الذي أخذ يهدد أركان الدولة العباسية. وما أن استقر الحاكم العباسي في الكوفة حتّى استدعى الحسين النسّابة وتحاور معه حول معالجة الأمور بالطريقة التي يراها الحسين، فاقترح الحسين النسابة على الحاكم حل الأمور سلمياً للحفاظ على أمن الجميع، كما اقترح عليه تولية أحد العلويين على تنظيم شؤون العلويين وحلّ مشاكلهم ويسمّى نقيباً، فوافق الحاكم العباسي على اقتراحه وتولى الحسين النسابة نقابة العلويين بإجماع وتأييد جميع العلويين في الكوفة.
ويعد الحسين النسابة اول من تولى نقابة أشراف الطالبيين في العالم الإسلاميّ، وأُطلق عليه النقيب ونقيب الكوفة. وكان كل طالبيّ في أقطار العالم الإسلامي تابعاً لنقيب الكوفة، وبذلك فإن الحسين النسابه يعود له الفضل في جمع شتات الطالبيين الذين تفرقوا في الآفاق وضمّهم في سجلّ عام.
ولمّا توسعت أعماله انتقل بالنقابة من الكوفة إلى العاصمة بغداد وفي بغداد سمي نقيب النقباء، الذي أشرف على جميع نقباء المدن المهمة في العالم الإسلامي. وفي اثناء ذلك ألّف كتاباً في نسب آل الرسول، وهو مشجّر موثّق ويعتبر الأول من نوعه في مصادر النسب العلوي، وسمّاه: « الغصون في آل ياسين »، وبقي الحسين في منصبه حتّى وفاته سنة 290 هـ.
ومنذ الأيام الاُولى من سكنى الناس حول قبر أميرالمؤمنين(عليه السلام) ظهرت اول نقابة للاشراف في العالم الاسلامي . وكان اول من تولّوا نقابة المشهد العلوي. منهم السيد شريف الدين محمّد المعروف بابن السدرة أقام في النجف عام 308 هـ 887 م حتّى توفّى فيه. وكذلك ناصر الدين مطهر بن رضي الدين محمّد بن الحسين وقد تولّى نقابة المشهدين العلوي والحسيني(عليهما السلام)9. وأن الخلفاء العباسيّين قد عهدوا إلى نقيب الأشراف إمارة الحاج وديوان المظالم، واستمر هذا الاحترام والتكريم حتّى حلول أيام العثمانيين الأتراك .
يقول الرحّالة ابن بطوطة 10: (ونقيب الأشراف مقدم من ملك العراق ومكانه عنده مكين ومنزلته رفيعة وله ترتيب الاُمراء الكبار في سفره وله الأعلام والأطبال وتضرب الطبلخانة عند بابه مساءً وصباحاً.وإليه حكم هذه المدينة ولا والي بها سواه، ولا مغرم فيها للسلطان ولا لغيره وكان النقيب ـ في عهد دخولي إليها ـ نظام الدين حسين بن تاج الدين الآوي نسبة إلى بلدة آوه من عراق العجم أهلها رافضة.وكان قبله جماعة يلي كلّ واحد منهم بعد صاحبه: منهم جلال الدين بن الفقيه ومنهم قوام الدين بن طاووس ومنهم ناصر الدين مطهر بن الشريف الصالح شمس الدين محمّد الأوهري من عراق العجم وهو الآن بأرض الهند من قدماء ملكها ومنهم أبو غرّة بن سالم بن مهنى بن جماز بن شيحة الحسيني المدني)11..
ولقد نشكلت نقابات اشراف في الدول الاسلامية بعد النجف الاشرف .ورغم الحوادث التي طرأت على جميع نقابات الاشراف في البلدان الاسلامية الا ان الاصل وهي نقابة الاشراف في النجف الاشرف حافظة على نفسها رغم الحوادث وان لم يكن اسمها شائع في بعض الاوقات لكن تولى بعض النقباء سدنة الضريح المقدس في النجف الاشرف وكربلاء المقدسة .ونتوقف قليلا لنعرف تعريف النقابة العلوية ونعود للموضوع .

النقابة العلوية :- لنقيب العلويين في مدينة النجف الأشرف واجبات دينية واجتماعية تقوم على إدارة المرقد العلوي الشريف , وإمرة المدينة والدفاع عنها ، وتعيين السدنة والخدمة . وقد تمتع النقيب العلوي بصلاحية القيام بهذه الواجبات حتى عصر أسرة (الملالي) وتوليتهم على سدانة المرقد وحكم المدينة ، ثم أخذ منصب النقيب في الضعف بعد تجريده من صلاحياته وواجباته حتى أصبح النقيب ((مجردا من كل شيء سوى الاسم) 12.
وكان نقيب العلويين في كثير من الأحيان يجمع بيده (النقابة والسدانة) للمرقد العلوي الشريف ، وأصبح الخازن أو (الكليدار) ، وهو لفظ فارسي معناه صاحب المفتاح ، مختصا بإدارة المشهد(2) الشرقي : الأحلام ص45.. ولهذا دلالة على حصر السلطة الدينية والاجتماعية بيد النقيب في فترات معينة اقتضتها ظروف المدينة . وقد انحصرت النقابة في أسر علوية معروفة في النجف بالنزاهة والشرف وموسومة بصحة وعلو والشرف ، وقد توارثها الأبناء عن الآباء 13.
ولذلك كان حفظ النسب الهاشمي في العراق موثوق اكثر من غيره في البلدان الاسلامية ، إذ احتفظ البعض من العلويين في وثائق خطية، كانت قد كتبت لأجدادهم، وهي عبارة عن استشهادات تَقِرُ وتعترف بان حاملها هو هاشمي يستحق الحق الشرعي، أو يستوجب مد يد العون إليه لأنه من آل بني هاشم14.
والتاريخ في العتبات المقدسة مدون ليس لنقباء الاشراف فقط بل حتى السدنة والاسر العلمية الغير هاشمية .
يقول الشيخ جعفر باقر آل محبوبة :ـ في ترجمة الشيخ حسن بن محمّد بن الحسين بن أحمد بن محمّد بن عليّ بن طحّال المقدادي: (كان من خدّام الحضرة العلوية وخزّانها اشترك مع والده في نقل الكرامة الّتي وقعت في نوبتهما عام 575 هـ ونقل هو كرامات دفعت في عصره من القبلة العلوية في سنة 584 وفي سنة 587 هـ )15.
وفي قرني الرابع والخامس مثل آل شهريار وقد تشرّفت هذه الاُسر بالعلم وسدنة الروضة الحيدرية 16. واشتهرت الاسر النجفية بالسدنة ونقابة الاشراف ومن هذه الاسر :ـ
آل الفقيه 17. و آل العميد18. و آل كمونة19. و بنو كتيلة20.وآل المختار21.وآل عبد الحميدابن زهرة : 22. و آل الصوفي23.و آل الرفيعي 24.تولى نقابة العلويين في مدينة النجف الأشرف علويون من أسر مختلفة ولم تستقر النقابة في أسرهم طويلا ، فسرعان ما كانت النقابة تنتقل من علوي إلى آخر.
ومن الجدير بالذكر ، أن نقابة العلويين قد انحلت فترة من الوقت ثم أسندت بعد ذلك إلى السيد عبد الله بن سالم الحيدري البغدادي ، وهو من أهل السنة ، بأمر من السلطان عبد الحميد الثاني . واستمرت النقابة على هذه الصورة حتى مجيء الإنكليز إلى العراق عام 1914م ، فأعيدت نقابة العلويين في النجف لأسرة آل الرفيعي25..وهناك الكثير من الاسرالنجفية التي استلمت نقابة الاشراف مثل آل سدرةو آل الأشتروآل جماز و آل طاووس و آل طباطبا و آل الأحوال و آل النقيب و آل الحسيني و الأبهريون و بنو الحسين بن مهنا و الآويون و الأفطسيون . .
وايضا مامحفوظ في مكتبة الروضة الحيدرية في النجف الاشرف في زمن هولاكو سنة 656هـ / 1258 م بعد سفوط بغداد تقسم العراق إلى ستة أقسام إدارية كانت النجف من نصيب أعمال (الحلة ـ الكوفة) تذكر المصادر التاريخية أن مؤسّسة نقابة الأشراف تولت حكم مدينة النجف وأعمالها دون تدخل من السلطة المركزية المحتلة 26.
وأقرّ العثمانيون حكم هذه الأسرة، وكانت (امارة الحاج) تستدعي الاحتفاظ بقوّة عسكرية كافية لحماية الحجّاج من مخاطر الطريق. انحصرت النقابة طيلة العهد العثماني الأوّل تقريباً بأحد فرعي اُسرة (آل كمونة) بينما كان يتولاها في العهود السابقة الفرع الآخر.
وفي القرن الحادي عشر الهجري تولى (بهاء الدين الآوي الأفطسي) نقابة النجف وحكومتها وكانت تلك أوّل محاولة لنقل السلطة في المدينة إلى اُسر حسينية اُخرى، سبق أن تولتها في عهود ماضية، وكان احتفاظ الأسرة الكمونية بزعامة النجف قد لقي اعتراضات ما. وظهرت اُسر اُخرى كانت تملك من النفوذ السياسي والاجتماعي ما يؤهلها لتولي هذه الزعامة المحلية. وقد أورد (الشيخ جعفر محبوبة) في كتابه "ماضي النجف وحاضرها" أسماء عدد من نقباء النجف في هذه الفترة، على أن الملاحظ أن "حكومة البلد" لم تعد من بين سلطاتها، فقد انتقلت منذ أواخر القرن الثالث عشر الهجري إلى سَدَنة مرقد الإمام علي (عليه السلام) من الملالي (جمع ملا). والسدانة من الوظائف المهمة في النجف، يتولى القائم بها إدارة شؤون حرم أمير المؤمنين (عليه السلام)، وكانت تُعقد سابقاً لنقيب الأشراف نفسه، وهي تدرّ دخلا لما تفرضه من رسوم وما يقدم لها من هبات. وآل الملا اُسرة تنحدر من قبيلة (عنزة) النجدية، وكان تسلّم هذه الأسرة السدانة يؤكد خضوع المدينة خلال تلك الحقبة لقوة القبائل المجاورة. واستند (الملالي) في نفوذهم أيضاً إلى قوة اقتصادية تتمثل في ملكيتهم الواسعة لعدد من الواحات الزراعية التي تحيط بالنجف27.
وفي أوائل القرن الثاني عشر الهجري / الثامن عشر الميلادي، عُهد إلى اُولئك السدنة بـ "حكومة البلد" فاجتمعت في أيديهم مقاليد السلطة كلها. وفي هذا العهد نمت النجف بفضل مرجعيتها الدينية فتوافد إليها الألوف من طلاّب العلوم الدينية والزوّار، وباتساع الرقعة الزراعية قربها إثر افتتاح قناة "الهندية" الآخذة من الفرات، فعاشوا وسط مظاهر حكومة حقيقية. كان قانون الوراثة، ومواصفات الزعامة ينظّمان انتقال السلطة بينهم، إلاّ أن المصادقة على توليتهم كانت من اختصاص ولاة بغداد وحدهم.
وأدى نمو النجف وتزايد قاصدي العتبات فيها إلى تضخّم ثروة "الملالي" وهذا أدى لاحقاً إلى انهيار حكمهم، فقد ألّف طلبة العلوم الدينية بالتعاون مع الحرفيين ما يشبه أن يكون حزباً أخذ يفرض كلمته على المدينة. عُرف باسم جماعة " الزقرت " وفي المقابل نشأ ما يعرف بجماعة "الشمرت". أدى هذا الوضع إلى انفجار النجف ضد (الملالي) الذين حالوا استعادة نفوذهم، وبالفعل نجحوا في ذلك، إلاّ أنهم اضطروا إزاء المعارضة المتنامية في الداخل، وفقد تأييد ولاة بغداد بعد انتهاء حكم المماليك، إلى التنازل عن السلطة وترك النجف بصفة نهائية. بعد انتهاء حكم السَّدَنة من (آل الملا) اُعيد ضمّ السدانة إلى نقابة الأشراف، وتولاها (آل الرفيعي) احدى الأسر العَلوية في النجف والتي يرقى تاريخ استقرارها في المدينة إلى القرن الحادي عشر الهجري / السابع عشر الميلادي، وفقاً لتقاليد النقابة القديمة، فقد تولى (الرفيعيون) حكم النجف بصورة فعلية تعاونهم في ذلك المرجعية الدينية. إلاّ أن هذه التقاليد اصطدمت منذ سنة 1286هـ ـ 1869م بتطبيق قانون الولايات العثماني، الذي عُدّت المدينة ـ بموجبه ـ مركزاً لقضاء باسمها، يُديره قائمقامون تعيّنهم الإدارة العثمانية في بغداد، وعلى الرغم من هذا التنظيم، فقد لبثت زعامة المدينة الداخلية بيد النقابة ـ السدانة ـ.
وفي عهد (السلطان عبد الحميد الثاني) اُخرجت النقابة من الأسرة، فانفصل المنصبان عن بعضهما، وعند تأسيس الحكومة العراقية سنة 1921م اُنيطت النقابة بالأسرة مرة اُخرى.
وبموجب التشكيلات الادارية الأخيرة عدّت النجف قضاء تابعاً للواء كربلاء، ورُبطت بها ناحيتان هما: الكوفة والرحبة ثمّ ضمّت إليها سنة 1317هـ ناحية (هور الدخن) (الرحالية) وكانت تابعة من قبل لقضاء الدليم (محافظة الأنبار) لاحقاً.
كان أقدم (قائمقام) في العهد العثماني تولى إدارة النجف يُدعى (عارف أفندي) وذلك سنة 1288هـ ـ 1871م. أما آخر إداري عثماني فكان (أمين بك) وقد ترك النجف سنة 1333هـ ـ 1918م. وفي أوائل السبعينات تحولت النجف الأشرف إلى محافظة بعد حذف كلمة الأشرف منها28.ولذلك ونظرا لما تقدم تعتبر النجف الاشرف الام في تدوين الانساب الهاشمية بالخصوص والعربية بشكل عام .ولم يسبقها اي بلد اسلامي تاسست فيه نقابة اشراف قبلها .
وحول كيفية اعتماد نسابين النجف الاشرف نضرب مثل على قضية في الانساب الغير هاشمية .وقد ذكرنا هذا الموضوع في مذكراتنا 29.
في تعداد رجالات وشخصيات قبيلة خفاجه ذكرنا المجاهد عز الدين القسام .
وبعض النسابون في العصر الحالي يشيرون الى انه سيد بدون مصدر موثوق في حين ذهب صديق لي من قبيلة خفاجه في الموصل الى عائلة المجاهد عز الدين القسام في فلسطين المحتلة .واخرجوا له وثيقة مختومة من النسابون النجف الاشرف وختم عليها المرجع الاعلى للشيعة في حينها السيد محسن الحكيم (قدس الله سره) تقول بانهم من قبيلة خفاجه .
وكان الشيخ عز الدين القسام ليس مجاهدا فقط بل من علماء الدين عند المسلمين السنة ,فذهب بنفسه الى النجف الاشرف كما وردتني الرواية .واحتفاظ عائلته بهذه الوثيقة التي تشير لنسبهم من نسابون النجف الاشرف له بعد ومدلول كبير بأن هذا الشيخ المجاهد يثق بنسابوا النجف الاشرف .واعتمد عليهم .
ومهما اختلطت الاوراق وتبعثرت للانساب الهاشمية او العربية ستجد الموثوق منها في البقعة المباركة المذكورة انفا .
وعلى هذا نهيب بنقابات الاشراف في الدول الاسلامية ان تترك تخرصات المتقولين من جديدي العهد في علم الانساب .وتسلط الضوء على رئاسة نقابات الاشراف التي هي الام لهم في النجف الاشرف .وليحاول النقباء في جميع الدول الاسلامية المواصلة مع نسابوا النجف الاشرف خصوصا ان مكتبات النجف الاشرف تضم مخطوطات قديمة جدا لاتتوفر في بلدان اخرى كمتبة العلامة السيد حسين ابو سعيدة اضافة الى وجود بقية السادة النسابون الاجلاء .والمشايخ الكرام .وليعلم الجميع أن نسابوا النجف الاشرف والباحثين من المؤرخين ان اتساع غزارة علمهم في الانساب جاء نتيجة وجود المخطوطات حيث تحرك بعضهم الى مكتبة بيت عباس باش عيان العباسي في محافظة البصرة |محلة البصرة القديمة .واطلعوا على مخطوطات نفيسة مكتوبة منذ الزمن العباسي اي ان المخطوطات الاصلية في العراق ثابته رغم تسلط حكام الجور على البلد سابقا .وهي محفوظة لم يضاف لها شيء .ونتيجة اطلاع النسابون والمؤرخين بتلك المخطوطات اكتسبوا خبرة كبيرة جدا حيث عندما تردهم مخطوطات مزورة من بعض البلدان بسهولة كبيرة يتمكشفها من قبلهم .والحمد لله رب العالمين .والله من وراء القصد .الاقل الى الله |مجاهد منعثر منشد .
ــــــــــــــــــــ
المصادر
1.راجع بحار الأنوار، المجلد 100 ص 237 الحديث الخامس.
2.مقدمة كتاب الحوزة العلمية في النجف الاشرف صور ـ جبل عامل|العلامة السيد محمد الغروي ـ 13/7/1992. مكتبة الروضة الحيدرية .
3.الشيخ ال محبوبة |ماضي النجف وحاضرها |1| 7.
4.موسوعة العتبات المقدسة، المجلد السادس ص 135.
5.الشيخ ال محبوبة |ماضي النجف وحاضرها |1|18.
6.المصادر التالية :ـ الكامل في التاريخ، المجلد الرابع، ص 154، دار الكتاب العربي بيروت و ماضي النجف وحاضرها، المجلد الأول، ص 37 و ماضي النجف وحاضرها، ج1| 39.
7.دراسات وبحوث في التاريخ والإسلام 203:2 .تأليف: جعفر مرتضى العامليّ..
8.انظر موضوع نقباء الاشراف على مر التاريخ .
9.موسوعة العتبات المقدسة، المجلد السابع ص 13.
10.رحلة ابن بطوطة ص110.
11.موسوعة العتبات المقدسة، المجلد السابع، القسم الأول ص 175.
12.موارد الاتحاف 2/33.عبد الرزاق كمونة.
13.الشيخ ال محبوبة |ماضي النجف وحاضرها 1|284.
14.(من كلمة سماحة العلامة السيد حسين ابو سعيدة في المؤتمروالمنشور على الموقع الالكتروني )
15.الشيخ ال محبوبة |ماضي النجف وحاضرها2| 424.
16.موسوعة العتبات المقدسة، المجلد السابع، القسم الثاني ص 12.
17.البراقي : تاريخ الكوفة ص234.
18.العاني : العراق في العصر الجلائري ص149.
19.موارد الأتحاف 2/56، الأمين : أعيان الشيعة 1/109، العزاوي : تاريخ العراق بين احتلالين 3/353.و عماد عبد السلام رؤوف : الأسر الحاكمة ص337. و آل الآويابن عنبة : عمدة الطالب ص94.
20.الشيخ ال محبوبة |ماضي النجف وحاضره 1|207.
21.موارد الأتحاف 1/103، 2/111. آل ياسين تاريخ المشهد الكاظمي ص230، ابن الدبيثي : المختصر المحتاج إليه 1/128.ماضي النجف وحاضرها 1/284، أعيان الشيعة 5/276، منية الراغبين ص422، التستري : مجالس المؤمنين ص62
22.غاية الاختصار ص113.
23.ماضي النجف وحاضره 1/299. والشيخ علي الشرقي : الأحلام ص45.
24.ماضي النجف وحاضرها 1/265. الوردي : لمحات اجتماعية 4/348، الدليل الرسمي لعام 1936م ص965.
25.موارد الاتحاف 2/71-72، العلامة السيدبحر العلوم : مقدمة كتاب "نشوة السلافة" ص60.
26. الأسرة الحاكمة ورجال الادارة والقضاء في العراق في القرون المتأخرة 656هـ / 1337م، د. عماد عبد السلام رؤوف، بغداد 1992م، ص: 327 ـ 338.
27.المقتطف من التاريخ الحضاري والفكريوالروحي لمدينة النجف الأشرف| الدكتور جليل العطيّة | إعداد مكتبة الروضة الحيدرية ص8| النجف الاشراف .
28..نفس المصدر اعلاه ص 9و10.
29.مذكرات مجاهد الخفاجي عن رئيس قبيلة خفاجه واسرته في العراق .منشور على الشبكة العنكبوتية.
»؛°..منتدى المخطوطات والكتب والمشجرات الخاصة بالسادة الأشراف..°؛« - منتدى السادة الأشراف
الام لنقابات الاشراف الكوفة والنجف الاشرف . - ..ٌ::ٌ:: النسابون العرب ::ٌ::ٌ..