الى ابي تراب (عليه السلام)
الدكتور احمد الوائلي
نظمت في النجف الاشرف عام 1977 م
غالى يسارٌ واستخفَّ يمينُ * * * بك يا لكنهك لا يكاد يبين
تُجفى وتُعبد والضَّغائن تغتلي * * * والدَّهر يقسُو تارةً ويلين
وتظلّ أَنتَ كما عهدتُكَ نغمةً * * * للان لم يرقى لها تلحين
فرأَيتُ أن أَرويك محضَ رواية * * * للنَّاس لا صوَرٌ ولا تلوين
فلانتَ أروع إذ تكون مجرَّداً * * * ولقد يضرُّ برائِع تثمين
ولقد يضيق الشَّكل عن مضمونه * * * ويضيع داخلَ شكلِهِ المضْمون
إنّي أتيتك أجتليك وأبتغي * * * وِرداً فعندكَ للعطاش مَعين
وأغصُّ من طرفي أمام شوامخ * * * وقع الزَّمان وأُسُّهُنَّ متين
وَأَراك أكبر من حديث خلافة * * * يستامها مروان أَو هارون
لك بالنُّفوس إمامةٌ فيَهُون لو * * * عصفت بك الشُّورى أو التعيين
فدع المعاولَ تزبئرّ قساوةً * * * وضراوةً إنَّ البناءَ متين
أأبا تراب وللتُّراب تفاخرٌ * * * إن كان من أَمشاجه لك طين
والنَّاس من هذا التُّراب وكلُّهم * * * في أصله حمأٌ به مسنون
لكنَّ من هذا التُّراب حوافرٌ * * * ومن التُّراب حواجبٌ وعيون
فإذا استطالَ بك التُّراب فعاذرٌ * * * فلانت من هذا التُّراب جبين
ولئِن رجعت إلى التُّراب فلم تمت * * * فالجذر ليس يموتُ وهو دفين
لكنَّه ينمو ويفترع الثَّرى * * * وترفُّ منه براعمٌ وغصون
بالامس عدت وأَنت أَكبرُ ما احتوى * * * وعيٌ وأَضخمُ ما تخال ظنون
فسأَلتُ ذهني عنك هل هو واهمٌ * * * فيما روى أم أنَّ ذاك يقين
وهل الّذي ربَّى أبي ورضعتُ من * * * أُمِّي بكلِّ تُراثِها مأمون
أم أنَّه بَعُدَ المدى فتضخَّمت * * * صُورٌ وتُخدع بالبعيد عيون
أم أَنَّ ذلك حاجة الدُّنيا إلى * * * متكامل يهفو له التَّكوين
فطلبت من ذهني يميط ستائراً * * * لَعبَ الغلوُّ بها أو التَّهوين
حتَّى انتهى وعيي إليك مجرَّداً * * * ما قاده الموروثُ والمخزون
فإذا المبالغُ في عُلاكَ مقصِّر * * * وإذا المبذِّر في ثناكَ ضنين
وإذا بك العملاقُ دونَ عيانه * * * ماقد روَى التَّاريخ والتَّدوين
وإذا الَّذي لك بالنُّفوس من الصَّدى * * * نزرٌ وإنَّك بالاشدِّ قمين
أَأَبا الحسين وتلك أروع كنية * * * وكلاكما بالرَّائِعاتِ قمين
لك في خيال الدَّهر أيّ رُؤىً لها * * * يروي السَّنا ويُترجم النِّسرين
هنَّ السَّوابق شزَّباً وبشوطها * * * ما نال منها الوَهنُ والتَّوهين
والشَّوط مملكة الاصيل وإنَّما * * * يؤذي الاصائِل أن يسود هجين
فسما زمانٌ أنت في أَبعاده * * * وعَلا مكانٌ أنتَ فيه مكين
آلاؤُك البيضاءُ طوَّقتِ الدُّنى * * * فلها على ذمَمِ الزَّمانِ ديون
أُفُقٌ من الابكار كلّ نجومه * * * مافيه حتّى بالتصوُّر عون
في الحرب أَنت المستحمّ من الدِّما * * * والسِّلم أنت التِّين والزَّيتون
والصُّبح أنت على المنابر نغمة * * * واللَّيل في المحراب أنت أنين
تكسو وأَنت قطيفةٌ مرقوعةٌ * * * وتموت من جوع وأَنت بطين
وترقُّ حتَّى قيل فيك دعابةٌ * * * وتفحُّ حتى يفزع التِّنِّين
خُلُقٌ أَقلّ نعوته وصفاته * * * أَنَّ الجلال بمثله مقرون
ما عدت أَلحو في هواك متَيَّماً * * * وصفاتك البيضاء حورٌ عين
فبحيث تجتمع الورود فراشة * * * وبحيث ليلى يوجد المجنون
وإذا سألت العاشقين فعندهم * * * فيما رووه مبرِّر موزون
قسماً بسحر رُؤاك وهي إليَّة * * * ما مثلها فيما إخال يمين
لو رمت تحرق عاشقيك لما ارعووا * * * ولقد فعلت فما ارعوى المفتون
وعذرتهم فلذى محاريب الهوى * * * صرعى ودين مغلق ورهون
والعيش دون العشق أو لذع الهوى * * * عيش يليق بمثله التَّأبين
ولقد عشقتك واحتفت بك أضلعي * * * جمراً وتاه بجمره الكانون
وفداء جمرك إنَّ نفسي عندها * * * توقٌ إلى لذعاتِه وسكون
ورجعت أعذر شانئيك بفعلهم * * * فمتى التقى المذبوح والسِّكين
بدرٌ وأحدٌ والهراسُ وخيبرٌ * * * والنَّهروان ومثلها صفِّين
رأس يطيح بها وينذر كاهلٌ * * * ويدٌ تُجذُّ ويُجدَع العرنين
هذا رصيدك بالنُّفوس فما ترى * * * أَيُحِبُّكَ المذبوح والمطعون
ومن البداهةِ والدُّيون ثقيلة * * * في أَن يقاضى دائِنٌ ومدين
حقدٌ إلى حسد وخسَّةُ معدن * * * مطرت عليك وكلُّهنَّ هتون
راموا بها أن يدفنوكَ فهالَهم * * * أن عاد سعيُهُم هو المدفون
وتوهَّموا أن يغرقوك بشتمهم * * * أتخاف من غَرق وأَنت سفين
ستظلُّ تحسبك الكواكبُ كوكباً * * * ويهزُّ سمع الدَّهر منك رنين
وتعيش من بعد الخلودِ دلالةً * * * في أَنَّ ما تهوَى السَّماءُ يكون