بقلم|مجاهد منعثر منشد
قال تعالى : وَلَتَجِدَنّ أقربَهم مَودّةً لِلَّذينَ آمَنُوا الَّذين قالُوا إنّا نصارى، ذلك بأنّ مِنَهم قِسِّيسِينَ ورُهباناً وأنّهم لا يَستكبرون (1).
قال الامام الحسين (عليه السلام ) قبل خروجه من مكة : كأني بأوصالي تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء.
و قال الامام الصادق (عليه السلام
ان النواويس شكت الى الله عز وجل شدة حرها : فقال لها عز وجل اسكتي . فان مواضعالقضاء اشد حرا منك .
يقول الشيخ المظفري:
عند النواويس أجساد موزعة ... من آل يس في صال من البيد
النواويس
تقع شمال غربي كربلاء , والنواويس . جمعناووس . من القبر ما سد لحده. (2).
والنواويس ورد ذكرها في مصادر كثيرة منها كتاب من (لايحضره الفقيه )(3).
و الحموي في معجمه ,فقد قال الناووس والقبر واحد, وفي نفس الرحمنللشيخ النوري . والنواويس مقابر النصارى . كما في حواشي الكفعمي..
و أنها فيالمكان الذي فيه مزار ـ الحر بن يزيد الرياحي من شاطئ الطف . وهي ما بين الغربوشمال البلد ـ يعني كربلاء ـ
في العهد القديم كانت فيهامجموعة مقابر للنصارى ,والذين سكنوا هذه الاراضي في الاحقاب السالفة . واليوم يقال لها . أراضي ـ الجمالية ـ وفي شمال شرقها أراضي الفراشية . قالوا وكانتالنواويس قبل الاسلام مقبرة للانباط والمسيحيين..
هذا رابط تاريخي اولي ,وبما ان نهضة وثورة الامام الحسين (عليه السلام) كانت حركة اصلاحية شاملة وعامة .فكذلك كان مجاهدي هذه الثورة من أنتمائات ومجتمعات اخرى ,فالعثماني موجود , والعبد الذي عتقة رقبته,و اصبح حرا يقاتل اعداء الامام الحسين (عليه السلام) .,وكذلك معتنق الديانه المسيحية سابقا كان له نصيبا في واقعة الطف ,ليدون ربط تاريخي اخر ,ذاك هو وهب وامه الذين تشرفوا بالشهادة تحت راية الامام الحسين (عليه السلام) .
وحتى بعد واقعة الطف لم تتخلف الديانة المسيحية عن قول كلمة الحق ,فعندما أخذيزيد بعد مجزرة الطف ينكت ثغر الحسين الطاهر بالقضيب على مرأى من الحاضرين في مجلسه، كان من جملة الحاضرين مبعوث قيصر الروم ، فما كان منه إلا أن قال ليزيد مستعظماًفعلته: إن عندنا في بعض الجزائر حافر حمار عيسى ونحن نحج إليه في كل علم من الأقطارونهدي إليه النذور ونعظمه كما تعظمون كتبكم ، فأشهد أنكم على باطل . (4).
هناك روابط تاريخية بين السيدالمسيح والامام الحسين (عليهما السلام ) ,والى جانب هذه الروابط لم يتنصل النصارى عن جذورهم الاخلاقية والانسانية ,وكانت مواقفهم واحترامهم لرموز الالهية قل نظيرها .
والديانة المسيحية ديانة سماوية هدفها المحبّة والتمسّك بالفضائل...والنصارى أقربهم مودة للمؤمنين المسلمين كما في صريح الاية الكريمة .
يقول الدكتور الاديب انطوان بارا :
الفكر المسيحيّ العربيّ يقدّس آل البيت (عليهم السلام) كالمسلم، وفي أخذه لأيّة حادثةٍ تاريخيّةٍ تخصّ العالم الإسلاميّ الذي يعيش فيه، يهدف إلى الحِيدة، مبتغياً الواقع، باحثاً عن المنطق والرُّؤى العقلانية السليمة، وهي صعوبةٌ تتكاثف على قلمِ غير المسلم..
وفي هذا حُجّة، وللحجّة سببٌ بل أسباب، منها أنّ الفكر المسيحيّ العربيّ يستمدّ تراثه الفكريّ من تراثٍ عربيٍّ إسلاميّ، ويتعرّض لنفس التيّارات الفكريّة والروحيّة التي يتعرّض لها، ويعي كلَّ حادثةٍ تاريخيّة نتيجةَ تشرّبه لها في المدرسة، أو زيارته لأماكن تلك الحادثة، أو لاتّصاله بظواهرها،.. بينما لا يملك الفكر المسيحيُّ الغربيّ الخشيةَ والإحساس والورع بقيمة الشخصيّة القُدسيّة التي يتناولها...
فشخصيّة الحسين محيطٌ واسعٌ من المُثل الأدبية والأخلاق النبويّة0(5).
انصار المسيح تستمر مواقفهم الطيبة التي تعبر عن سمو الاخلاق النبيلة .
وكما انهم يحترمون احزان محرم الحرام لشخص الامام الحسين (عليه السلام ) كذلك يشاركون في الافراح ,ففي شهر شعبان المعظم كان لرموزهم حضور ,ونذكر منهم السوري القس معن بيطار الذي يقيم تعزية ومجلس عزاء للسيدة زينب (عليها السلام) في الكنيسة من كل عام (6).
والمسيحي الدكتور أواديس استانبوليان القائل :
أنالإمامالحسين(عليه السلام) نذرنفسهلإنقاذأبناءآدم، وأراد أن يرفعهم إلى السماء ووجودنا في هذاالمهرجان خير دليل على أن النذور لم تذهب سدى وبالتالي فإن محور ثورةالحسينلم يكن من أجل خلافة على سلطة دنيوية كما يشارأحياناً وإنما كان من أجل الحفاظ على القرآن الكريم حقيقةوحقا.
وأكد إننا إذا أمعنّا في خطبالإمامالحسين(عليه السلام) نجد إن همّه كان الدافع عن حق اللهفي القرآن الكريم، إذ يقول في إحدى خطبه: ألا ترون أن الحق لا يعمل به، وان الباطللا يتناهى عنه؟!
ومن خطبته في مِنى يقول: وأسألكم بحق الله عليكم وحق رسول الله (صلىالله عليه وآله وسلم) وقرابتي من نبيكم، إذن كان محور قضيته هو الحق.. حق الله،وهذا يأخذنا إلى قول الله سبحانه وتعالى.. في سورة مريم الآية (34) ((ذلك عيسى ابنمريم قول الحق الذي فيه يمترون))، حتى نفهم قضيةالحسينورسالته في إصلاح قومه علينا أن نستمع وبانتباهإلى حوار السيد المسيح (ع) مع اليهود في الإنجيل يوحنا من الكتاب المقدّس فيالإصحاح الثامن وكأنه يتنبأ بقضيةالحسينقبل مئات السنين.. حيث يقول: ((وتعرفون الحق.. والحق يحرركم)) وسأل اليهود السيد المسيح (ع).. كيف تقول أنت أنكم تصيرون أحراراًولم نستعبد لأحد قط؟، فأجابهم يسوع: الحق الحق أقول لكم.. إن كل من يعمل الخطيئة هوعبدٌ للخطيئة والعبد لا يبقى في البيت إلى البيت.. أما الابن فيبقى إلى الأبد فإنحرركم الابن فبالحقيقة تكونون أحراراً.
اللهم إنك تعلم أنه لم يكن ما كان منّاتنافساً في سلطان ولا التماساً من فضول الحطام، ولكن لنرى المعالم من دينك، ونظهرالإصلاح في بلادك، ويأمن المظلومون من عبادك، ويعمل بفرائضك وسننك وأحكامك، فإن لمتنصرونا وتنصفونا قويَ الظلمة عليكم، وعملوا في إطفاء نور نبيكم، وحسبنا الله،وعليه توكلنا، وإليه أنبنا، وإليه المصير. (7).
و النصارى في العراق ,مواقفهم واحترامهم لاتقل شأن عن غيرهم من الديانة المسيحية ,ففي كل عام يقوم رئيس ديوان الوقف المسيحيرعد عمانوئيل باصدار قرار بالغاء احتفالات المسيحيين بأعياد الميلاد واحتفالات رأس السنة لتزامنها مع شهر محرم الحرام.
وحتى في أحياء ذكرى مأساة كنيسة النجاة التي فجرها الارهاب المجرم ,نجد مواقفهم لاتتغير في احزان شهر محرم الحرام .
ففي محافظة البصرة , قررت الطوائف المسيحية نفس الفرار بعدم الاحتفالات .
وذكر سعد متي بطرس في تصريح صحفي تعتذر الطوائف مسبقاً عن استقبال كل المهنئينبهذه المناسبة، وأوضح بطرس أن إحياء عيد الميلاد في البصرة سيقتصر للسنة الثانيةعلي التوالي علي إقامة القداس في الكنائس، مشيرا إلي أن رجال الدين المسيحيين فيالمحافظة أوصوا بضرورة حجب كل مظاهر الابتهاج والاحتفال.
وأشار بطرس إلي أن الطوائف المسيحية في البصرة تشجع الشبابالمسلمين علي تأسيس عدد من المواكب الحسينية، منها موكب القديسة مريم .
والمسحيين لم ينحصروا في حدود هذه المواقف ,بل كتب مفكريهم وادبائهم الكثير عن اهل البيت (عليهم السلام) .
ومثال وشاهد ماكتبه المفكرالاستاذ انطوان بارا صاحب كتاب الحسين في الفكر المسيحي ,الذي ترجم الى عدة لغات .
وامتزج الادباء من الديانة المسيحية مع ادب الطف ,فكتبوا عن الامام الحسين (عليه السلام) اعذب واجمل القصائد ,ومن هؤلاء الادباء الشاعر حبيب الغطاس ,والشاعر حليم دموس , والشاعر الكبير القدير بولس سلامه الذي ساختم به المقال في احد قصائده الرائعة بحق الإمام الحسين (عليه السلام).


ناولــوني القرآنقــال حسـين * لذويه وجــدَّ فــي الـركعات

فرأى في الكتــاب سِفــرَ عزاء * ومشى قلبـه علــى الصفحــاتِ

ليس فــي القــارئين مثلُ حسين * عالمــاًبالجـواهــر الغاليـات

فهــو يدري خلف السطور سطوراً * ليــس كـلُ الاعجازفي الكلمات

للبيان العُلوي فـي انفس الاطهار * مسرى يفــوقُ مســرىاللغات

وهو وقفٌ على البصيرة فالابصار * تعشو فــي الانجــمالباهرات

يقذف البحـرُ للشواطـىء رمــلاً * واللالــي تغوص فــياللُّجـاتِ

والمصلُّـون فــي التـلاوة أشبـاه * وإنَّ الفــــروقبالنيّــــاتِ

فالمناجـاة شعلــةٌ مــن فـؤاد * صادق الــحس مُـرهفالخلجات

فإذا لم تكن سوى رجع قول * فهي لهـوُ الشفـاه بالتمتمات

إنماالساجد المُصلي حسـين * طاهرُ الذيل طيّب النفحات

فتقبّلْ جبريـلُ أثمارَوحـي * أنت حُمّلتـهُ إلـى الكائناتِ

إذ تلقَّـاه جـدُّه وتـــلاه * مُعجزاتترنُّ في السجعاتِ

وأبوه مُدوّن الذكر أجـراه * ضياءً علـى سوادِالدواةِ

فالحسين الفقيهُ نجلُ فقيــه * أرشد المؤمنين للصلـواتِ

أطلقالسبط قلبه في صـلاة * فالاريج الزكي في النسماتِ

المناجاة ألسُنٌ مـن ضيـاء * نحو عرش العليِّ مرتفعاتِ

وهمت نعمــةُ القديـر سلاماً * وسكــوناًللأجفــن القلقاتِ

ودعاهُ إلــى الرقــاد هدوءٌ * كهُـدوءِ الاسحـار فيالربواتِ

وصحــا غبَّ ساعــة هاتفاً: * اُختاهُ بنت العــواتكالفاطماتِ

إنني قــد رأيت جـدي واُمي * وأبي والشقيقُ فـــيالجناتِ

بَشّــروني أنـي إليهم سأغدو * مُشرقَ الوجه طائرَالخطـواتِ

فبكت والدمـوع في عين اُخت * نفثات البُركان فــيعبراتِ

صرختْ: ويلتاه، قال: خلاك الشرُّ * فالـويل مــن نصيبالعـتاةِ

ودعا صحبَه فخفُّوا إليه * فغدا النسر في إطارالبُزاةِ

قــال إنــي لقيت منكــم وفاءً * وثباتاً فــي الهولوالنائــباتِ

حسبكــم ما لقيتــم مــن عناء * فدعوني فالقوم يبغــونذاتـي

وخذوا عترتي وهيموا بجُنح الليل * فالليــل درعُــكمللنجــاةِ

إن تظلــوا معــي فــإن أديم الـ * أرض هذا يغصُبالامــواتِ

هتفــوا: يــا حسين لسنا لئاماً * فَنخلّيــك مُفــرداً فيالفــلاةِ

فتقــول الاجيـال: ويلٌ لصحب * خلَّفوا شيخهم أسيــرالطغــاةِ

فَنكونُ الاقــذارَ في صفحةِ التـأ * ريخ والعارَ فــي حـديثِالرُواةِ

أو سُباباً علــى لسـان عجـوز * أو لسان القصّاص فــيالسهراتِ

يتوارى أبناؤنــا فــي الزوايا * من أليـم الهــجاءواللعنــاتِ

ستـرانا غــداً نشـرّفُ حَــدَّ الـ * سيفِ حتــى يَذوبَ فيالهبواتِ

يشتكــي مـن سواعدٍ صاعقات * وزنــود سخيــّةِ الضربـاتِ

إنعطشنا فليـس تَعطـشُ أسيافٌ * تعبُّ السخين فــي المهجــاتِ

لا ترانا نرميالبواتــر حتــى * لا نُبقّي منها ســوى القبضـاتِ

ليتنا يا حسين نسقــطصرعـى * ثم تحيا الجسوم فــي حيـواتِ

وسنُفديك مــرةً بعـد اُخـرى * ونُضحّيدمـــاءنا مــرّاتِ

أصبحوا هانئين كالقوم في عرس * سكــوت مُعــطّلالزغرداتِ

إن درع الايمان بالحــق درعٌ * نسجتــه أصــابعُالمُعجزات

يُرجع السيف خائبـــاً ويردُ الـ * رمـح فالنصلُ هازئبالقناةِ

مثلما يطعــن الهــواء غبيّ * فيجــيب الاثيــرُبالبسمـاتِ

يغلب المــوتَ هـازئاً بحياة * لا يراها إلاّ عمــيقسُبــاتِ

فاللبيبُ اللبيبُ فيها يجـوبُ الـ * ـعمر في زحمة مــنالتـرّهــاتِ

ويعيش الفتـى غــريقـاً بجهل * فإذا شاخ عــاشبالـذكريـاتِ

ألمٌ فــي شبابـه فمـتى ولّى * فدمعُ الحرمــان فــياللفتاتِ

إن ما يكســب الشـهيدُ مضاءً * أمل كالجنائـــنالضـاحكاتِ

فهو يطوي تحـت الاخامص دُنيا * لينــال العُلــى بدهرآتِ.

http://www3.0zz0.com/2011/11/28/17/426077998.jpg
http://www3.0zz0.com/2011/11/28/17/692405493.jpg


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ

المصادر والهوامش

(1). سورة المائدة:82 .
(2). القاموس للفيروز آبادي .
(3). الشيخ الصدوق ابن بابويه القمي محمد بن علي بن الحسين .
(4)..الصواعقالمحرقة – 119.
(5). مقتبسات من مقدمة الاديب انطوان بارا في كتابه الحسين في الفكر المسيحي .
(6).راجع مقالنا رموز من ديانات مختلفة في مهرجان ربيع الشهادة بقلم |مجاهد منعثر منشد |موقع كتابات في الميزان |ملف مهرجان ربيع الشهادة .
(7). مقتبسات من مقال بعنوان "القرآنوالمسيح في وجدانالإمامالحسين)عليه السلام) بقلم |الكاتب المسيحي السوري ( د. أواديس استانبوليان)..