فى الوقت الذى لا تزال النساء فى دول مجاورة لليمن، كالسعودية، يطالبن بحقهن فى قيادة السيارات، ترقد فى الغرفة رقم 9 بمستشفى الجمهورية، بعدن، جنوب اليمن، "عيشة يوسف"، أول سائقة تاكسى فى شبه الجزيرة العربية كلها منذ ما يقرب من نصف قرن، تلتقط أنفاسها بصعوبة بالغة وهى تقول لمراسل الأناضول "أنا رايحة (أغادر الحياة) خلاص".

عيشة، التى يناهز عمرها 80 سنة، أمضت معظمها خلف مقود سيارتها، كسائقة تقل الركاب بين أحياء مدينة عدن والمناطق المجاورة، لم تسجل خلال نصف قرن من عملها كسائقة تاكسى أى مخالفة مرورية، بحسب شهادة حصلت عليها من إدارة مرور عدن فى العام 2006، بصفتها أول سائقة تاكسى فى اليمن والجزيرة العربية.

ترقد "عيشة" حاليا فى إحدى غرف الدور الثالث بالمستشفى، وتبدو فى سريرها تعانى من أمراض وأعراض الشيخوخة، عاجزة عن الحركة والكلام، وبعد محاولة مراسل الأناضول التحدث معها، اكتفت بالقول: "أنا رايحة خلاص (إنى راحلة عن الحياة)"، وكأن عبارتها الموجزة تتضمن جميع الإجابات على أى سؤال يطرح بشأنها.

تعيش منذ سنوات وحيدة بعد وفاة شقيقتها، وهى آخر من بقى من أسرتها، حيث توفى والداها، وهى لا تزال طفلة صغيرة، مما جعلها تقرر مواجهة أعباء الحياة منذ وقت مبكر، وإن بطريقة رأى فيها البعض تجاوزا لأعراف وعادات سائدة لا تحتمل وجود امرأة تعمل سائقة تاكسى.

ومازالت مهنة سائقة التاكسى، حتى اليوم، ضمن الخطوط الحمراء لدى المجتمع اليمنى وفى شبه الجزيرة العربية عموما، الذى كان أكثر رفضا للفكرة فى خمسينيات القرن الماضى، حين بدأت "عيشة" توصل زبائنها من اليمنيين وغيرهم، خاصة من الإنجليز فى ذلك الوقت، الذين كانوا ينادونها بـ"عيشة عرور"، وتعنى باللغة الصومالية "عيشة الصغيرة"، وكانت تحظى بحب واحترام الجميع.

يقول مرافقها، عامر عبدالحكيم (23 عاما) لمراسل الأناضول، إنه وعدد من أصدقائه المقيمين فى الحى الذى تسكنه عيشة يتناوبون رعايتها وتدبير ما تحتاجه.

ويتذكر عامر أن والده كان يحدثه عن "عيشة" قبل أن يقعدها المرض، وتصبح حبيسة جدران غرفة صغيرة تعيش على رعاية جيرانها، الذين قال إنهم "لم يتخلوا عن مساعدتها وتقديم ما تحتاجه من غذاء ودواء".

وتقيم "عيشة" فى حى شعبى يدعى "القطيع" بمنطقة "كريتر"، بالقرب من قلعة صيرة التاريخية، شرق مدينة عدن، وتسمى الوحدة السكنية التى تقيم فيها "وحدة لطفى أمان"، الشاعر اليمنى المعروف، الذى تفخر به "عيشة" وتصفه بابن حارتها، حسب صديقتها الصحفية لبنى الخطيب.

وتقول الخطيب، إن عيشة "تعد من رموز عدن الرائعة، وأمرها يهم كل محبيها، وهى بحاجة سريعة لفراش طبى هوائى ليخفف عليها بعض الآم الجراح فى جسمها المنهك من امراض الشيخوخة".



أكثر...