لايسلم اعقل العقلاء من أن تخطر بباله أحيانا بعض الأسئلة الساذجة والتصورات الغبية التي تستولي على تفكيره لبرهة من الوقت ثم ما يلبث أن يعود إلى رشده ليضحك من نفسه ويستغرب كيف خطر كل ذلك الهراء في باله
ومع بساطة تفكيري الذي يصل أحيانا إلى حد السذاجة كان لابد من أن تراود نفسي بعضا من تلك التساؤلات المضحكة البلهاء ومن ثم أعود إلى رشدي واضحك في سري من طرافة ما خطر ببالي
على سبيل المثال لا الحصر تساءلت في نفسي عن السن التقاعدية للحكام والرؤساء العرب( سن المعاش) ومن ثم استدركت وقلت لنفسي : وهل رأيت أحدا منهم قد أحال نفسه على المعاش أصلا؟
وسالت نفسي أيضا في إحدى المرات :هب أن الملوك والأمراء قد ورثوا شعوبهم من ضمن ما ورثوه من أسلافهم وبالتالي لم يعد ممكنا الكلام عن موعد تنتهي فيه فترات حكمهم فما بال الرؤساء؟
ألا يعتبرون من الموظفين العامين الذين تخضع ممارستهم لسلطاتهم من حيث الابتداء والانتهاء والصلاحيات والترفيع والعلاوات والإجازات والإحالة إلى المعاش إلى حكم القانون ؟
ومن بعد ذلك ضحكت في سري وقلت لنفسي: وما الفرق بين ملك أو رئيس في عالمنا العربي؟ أليسوا كلهم طغاة؟ لايحتكمون إلى دستور ولا يلزمهم قانون , أليسوا كلهم يمددون فترات بقائهم في السلطة بانتخابات شكلية صورية كاريكاتورية لا ينافسهم فيها احد؟ أليسوا باجمعهم يورثون السلطة والحكم إلى أبناءهم بعد أن يذهبوا إلى جهنم غير مأسوف عليهم؟ أليسوا كلهم مكروهين من قبل شعوبهم المبتلاة بهم؟
في إحدى المرات سرح بي الخيال و وتخيلت رئيسا عربيا قضى في الحكم فترتين رئاسيتين ومن ثم غادر مقر الرئاسة مودعا من قبل موظفي مكتبه ,مبتسما للصحفيين , متأبطا ذراع زوجته وممسكا بيد احد أطفاله ليقضي وقتا مع عائلته في مزرعته النائية وليتفرغ لكتابة مذكراته ولإلقاء المحاضرات السياسية على طلبة الجامعات أو المشاركة في البرامج الإخبارية والحوارية من على شاشات الفضائيات
بعد ذلك صحوت من أحلام اليقظة هذه وتساءلت : أي خيال واسع هذا؟ هل من المعقول أن يغادر رئيس عربي كرسيه بدون انقلاب عسكري أو ثورة شعبية تطيح به وبالقردة المحيطين به ممن يصوبون له أخطائه ويحسنون له مساوئه؟
منذ عشرون عاما ومقاطع من قصيدة نزار قباني ( السيرة الذاتية لسياف عربي) لا تفارق ذاكرتي.....

كلّما فكّرتُ أن أعتزلَ السُّلطةَ ،

ينهاني ضميري ..

مَن تُرى يحكمُ بعدي هؤلاءِ الطيّبينْ ؟

مَن سيشفي بعديَ ..

الأعرجَ ..

والأبرصَ ..

والأعمى ..

ومَن يحيي عظامَ الميّتينْ ؟

كلّما فكّرتُ أن أتركَهم

فاضتْ دموعي كغمامهْ

وتوكّلتُ على اللهِ ..

وقرّرتُ بأن أركبَ الشعبَ ..

من الآنَ .. إلى يومِ القيامة ..

جميلة ومؤثرة والله وتصلح لان تقال بحق كل الطغاة العرب من معاوية إلى حسني مبارك
قبل أيام أرسل لي احدهم رسالة طريفة تتضمن مقارنة بين مصر وأمريكا منذ العام 1981 ولحد ألان ,تتضمن في الجهة اليمنى منها صورا متسلسلة زمنيا لرؤساء الولايات المتحدة منذ ذلك الوقت أي ابتداءا من رونالد ريغان ومرورا ببوش الأب وكلينتون وبوش الابن وانتهاءا بباراك اوباما وفي اليسرى صورا متسلسلة زمنيا أيضا لحسني مبارك منذ أول ولاية له بعد اغتيال السادات والى ولايته الخامسة التي ستنتهي هذا العام
الرجل قضى في الحكم ثلاثة عقود بالتمام والكمال ومازال مثل جهنم تقول(هل من مزيد)؟ لم يشبع من السلطة ولا أظنه سيشبعه ألا التراب الذي سيملأ فاه
ست وثلاثون رصاصة اخترقت جسد السادات في عملية الاسلامبولي المشهورة وجعلته كالمنخل ولم يصب نائبه حسني حتى بخدش ولا حتى بمظروف فارغ مع انه كان يلاصقه كتفا لكتف ولا نعلم أين يكمن السر في ذلك؟ أهي مهارة الرامي؟ أم سوء طالع المرمي ؟ أم هو القدر الذي شاء أن يجعل مبارك يعتلي أكتاف المصريين طيلة عقود ثلاث

ماذا ينتظر هذا الرجل العجوز ليذهب؟
هاهو قد تجاوز عقده الثامن بسنوات فماذا ينتظر؟
لم يقدم لمصر شيئا قط , بل عاشت في عهده أسوء أيامها على الإطلاق ,مصر أم الدنيا كما يسمونها تعاني من الأزمات المتلاحقة ويعاني شعبها من الآلام والماسي التي لم تترك له فسحة من أمل
مصر الإبداع والحضارة والعلوم والرقي في كل المجالات تحولت في عهده إلى جحيم لايطاق وشبابها المبدع الخلاق أنهكته المتاعب التي تحاصره أينما ذهب
مصر أم الخيرات , وادي النيل العظيم , سلة غذاء العالم,التي اكتشف إنسانها الأول الزراعة واشبع العالم وامن له الغذاء في أوقات الجوع والأزمات هي الآن ثاني اكبر مستورد للقمح في العالم
الإنسان المصري العظيم الذي علم الناس معنى الحضارة والإبداع وكان دوما في الطليعة منتجا وفنانا ومتميزا ومفكرا وراقيا هو الآن مشرد في المنافي من شرق المعمرة إلى غربها بحثا عن فرصة عمل بعد أن شحت بها مصر عليه
أي بلد هذا الذي جعل أبنائه يستجدون فرص العمل المهينة في ظروف أكثر مهانة ومشقة في كل بلاد الأرض؟ هل توجد دولة مهمة كانت أو تافهة لا أهمية لها , موجودة على الخارطة أم غير موجودة ألا وذهب إليها المصريون بحثا عن فرص العمل لكي يطعموا عوائلهم ويعيلوا أبنائهم
مصر العظيمة التي كانت فيها أولى المستوطنات البشرية ومازالت أثارها العمرانية محل إعجاب العالم تعجز الآن عن إسكان شعبها بأماكن تليق بالبشر فاضطر لان يسكن أكثره في العشوائيات أو بيوت الصفيح أو في المقابر الخاصة وتحت الجسور وفي العوامات والزوارق التي تتهادى على سطح النيل في ظروف لا تليق بإنسانية الإنسان
ماذا قدم مبارك ونظامه لمصر غير تشويه هويتها العربية والإسلامية وإبعادها عن محيطها وتهميش دورها العظيم ومكانتها التاريخية التي قدرها الله لها كأهم جزء من النسيج العربي والإسلامي وأكثره قوة وأصالة
ماذا قدم مبارك لمصر غير اللهاث وراء الغرب والانفتاح الذي جعل مصر سوقا مفتوحة لمن هب ودب ودمر الصناعة المصرية وجعل المصرين عمالا في مصانع ومرافق يملكها ويديرها الأجانب على ارض بلادهم
ماذا قدم مبارك لمصر غير التطبيع الذي جعل نظامه يحاصر غزة من غربها كما يحاصرها أعداؤها من جهة الشرق ويساهم في إيذاء الشباب والشيوخ والأطفال من أبناءها وزيادة معاناتهم , التطبيع الذي جاء ادخل الأعداء من الشباك بعد أن أخرجتهم حرب أكتوبر من الباب
ماذا قدم مبارك لمصر ولشعب مصر غير قمع الحريات وتكميم الأفواه وخنق الأصوات المعارضة وزج المعارضين والمناوئين في السجون والمعتقلات
أن سقوط نظام مبارك سيعجل بسقوط كل الأنظمة الدكتاتورية في المنطقة وسقوط كل الطغاة وها هو يسقط ويتهاوى
ها قد انكسر حاجز الخوف من مبارك والته القمعية وهاهم شباب مصر في كل ارض مصر الطاهرة يطالبون بالتغيير, وهاهي شرارة بوعزيزي التي أشعلها ذلك الشاب الفقير في تونس تنتقل إلى مصر وتسري في جسد مبارك ونظامه , هاهو يوم الغضب يصبح أياما للغضب والرفض لمبارك ونظامه

هاهم أتباع مبارك وعناصر أمنه المستفيدين من بقائه يصبون جام غضبهم ويعبرون عن حقيقتهم الوحشية تجاه المتظاهرين العزل وهاهي فضائيات العالم تنقل لنا كيف يضربون وتكسر عظامهم بالعصي والهراوات

هاهم شباب مصر يتصدون بأجسادهم وصدورهم العارية لرصاص الجلاد وهاهم يقدمون الشهداء زرافات ووحدانا من اجل مصر وحرية مصر
مصر تستحق منا الكثير,تستحق أن نضحي من اجلها وفي سبيل تحررها بالغالي والنفيس, تستحق أن نموت من اجلها , وشباب مصر يجب أن لا يبقوا لوحدهم في الساحة
أن محاولة الإعلام السلطوي التابع لمبارك وحزبه الحاكم بان يصور شباب مصر كمجاميع من المشاغبين واللصوص الخارجين من اجل السلب والنهب هي محاولة يائسة من نظام يائس منهار
شباب مصر الأبطال اشرف من هذا يا مبارك ورجالها الشرفاء اكبر من هذا يا مبارك ونساؤها العظيمات أعظم من هذا يا مبارك
ها هما دعوتان
الأولى لكل الشرفاء في العالم ممن يحب مصر وشعب مصر, لكل عربي ومسلم وإنسان يشعر بإنسانيته ويقدرها أن يقف معهم وان يدعمهم بكل ما يستطيع, بالقول والفعل من اجل ديمومة شعلة الثورة المباركة حتى تنتصر إرادة مصر وأبناءها الطيبين ويسقط الطاغية المجرم
والثانية لكل الأبطال الأحرار الذين انتفضوا من اجل مصر وكرامة مصر ومستقبلها , لكل الشرفاء الغيارى من أبناء القاهرة والإسكندرية والسويس والإسماعيلية والصعيد وبقية مدن مصر العزيزة ونقول لهم:
الطاغية على وشك السقوط
هاهو يحزم حقائبه مرعوبا خائفا
قلوبنا معكم
ودعواتنا لكم
اللهم احفظ مصر وشعب مصر
اللهم آمين
بقلم صفاء ابراهيم

http://www.ll2ll.net/get-17151.html