القيثارة البابلية
هكذا وجدوا القيثارة البابلية
وهكذا وضعت في المتحف العراقي
وهكذا دمرت عام 2003م عند الاحتلال الأمريكي للعراق
فأن اللصوص سرقوا ما غلى ثمنه .
الموسيقى السومرية ــ البابلية
ترجمة وأعداد جودت جالي
حظيت الموسيقى الإغريقية باهتمام المختصين منذ قرون عديدة غير أن موسيقى الشرق الأوسط لم تحظ باهتمام مماثل ألا منذ منتصف القرن العشرين. حقا أنه قد تم العثور على أدوات موسيقية رائعة في قبور أور الملكية منذ عامي 1927 و1929 ولكن لم يكن هذا كافيا. حصل تناول مناسب للموضوع عام 1960 عندما جذبت مصطلحات النغمات الموسيقية المرسومة على الألواح اهتمام علماء الآشوريات وتظافرت جهودهم مع جهود علماء اللغة والمختصين بعلم الموسيقى بحيث أمكن الاقتراب من فهم للموسيقى البابلية. في ذلك العام نشرت عالمة الآشوريات (آن كيلمر) لوحا (حسابيا) يعود تأريخه الى القرن الخامس عشر قبل الميلاد وعرف بأسم (لوح فيلادلفيا) لأنه كان محفوظا في متحف جامعة فيلادلفيا، وقد رقمت عليه سبعة أوتار لآلة موسيقية مع قائمة الدرجات وكذلك أربعة عشر أسما للفواصل. أعطت المؤرخة البلجيكية مارسيل غيلمن التي عرفت منذ عام 1937 بمقالها عن القيثارة في آسيا الغربية القديمة أول تفسير للوح فيلادلفيا عام 1963 وقد قادها البحث الى استنتاج أساسي عن استخدام البابليين لسلم أنغام دياتوني (يعني قوي) مكون من سبع طبقات. ثم في عام 1965 درست كيلمر وغيلمن لوحا معجميا من أور محفوظا في المتحف البريطاني فيه ترقيم لتسعة أوتار، وكذلك لوحا من آشور في متحف برلين مسجلة فيه أناشيد مصنفة تتبع سبعة من أربعة عشرة أسما لفواصل من لوح فيلادلفيا. في عام 1968 قدم عالم الآشوريات في أوكسفورد (غورني) لوحا جديدا من أور في المتحف البريطاني أقدم من المذكورين سابقا فهو يعود الى القرن الثامن عشر قبل الميلاد. كان لوحا ناقصا ولكنه يتضمن قواعد عزف على آلة وترية سماها اللوح باسم (زامي) وحيث نجد أيضا المسميات السبعة للفواصل ويوضح كيفية العزف على الوتر للحصول على فاصلة واضحة (أو صافية) تغير طبقة الصوت. في الوقت نفسه فسر مختص بعلم الموسيقى في أكسفورد أيضا وهو (ديفيد ولستان) الفاصلة غير الصافية بوصفها طبقة صوتية ثلاثية تبتسر رباعية الى ثلاث طبقات صوتية كاملة فتصبح نشازا (على سبيل المثال اختزال فا- سول -لا - سي الى ثلاثة).
في عام 1970 فسر عالم الآشوريات هانز كوميل أن العزف على القيثارة البابلية كان خماسيا ورباعيا، وفي السنة نفسها أكتشف عالم الحثيات هانز غوتربوك، وهو أستاذ في جامعة شيكاغو، في نصوص مسمارية من (رأس شمرة) أوغاريت القديمة سلسلة من القطع تؤلف ثلاثة عشرة من مصطلحات لوح فيلادلفيا الأربعة عشرة ولكن هذه المرة لم يكن النص باللغة البابلية بل بالحوريتية التي لم يعرف عنها العلماء ألا قليلا، ومن غرائب الصدف أن هذه النصوص المكتوبة بلغة عسيرة على المختصين والتي تعود الى منتصف الألف الثاني قبل الميلاد هي التي قدمت أفضل الأجوبة على هذه المسألة. هذا اللوح غير المقروء يظهر لأول مرة أمام العلماء تفصيلا موسيقيا دقيقا لأنشودة دينية تدعى (نيد قابلا) وقد ثبت حتى أسم الملحن (أورحيا) والخطاط (آمورابي)، وفي الحال شرع ولستان و كيلمر و غيلمن بالعمل لإيجاد مفتاح هذا النص غير القابل للتجزئة والمبهم جدا. وفيما فضل ولستان انتظار الحصول على نصوص جديدة للوصول الى نتيجة أفضل بشأن الترنيمة توصلت زميلتاه الى نتيجتين مختلفتين تماما. الباحثة الاميركية خلصت الى أن الموسيقى القديمة على عكس الشائع فيها تعدد أصوات ونغمات بينما كانت نظرية غيلمن هي الصوت المنفرد وهي النظرية التي بدت عند التطبيق مستساغة أكثر. أظهر ولستان ببحثه أن الفاصلة غير الواضحة هي رباعية الطبقات مبتسرة الى ثلاثية الطبقات كما سبق ذكره، ولكن كل هذه المحاولات (تضمنت المصادر تفاصيل معقدة عنها ومستندة الى الجداول العراقية القديمة في الألواح التي حلت رموزها) بدت، بحكم اختلافها، نظرية الى درجة بعيدة عن أمكانية تصور ممارسة الموسيقيين البابليين ولا يمكننا هنا سوى أيجاز ناحية فقط بالاستعانة بالجداول التوضيحية بقولنا أن كل مقام، بالمقارنة بين محتويات الألواح الموضحة في الجداول، يتألف من طبقات صوتية وأنصاف الطبقات مرتبة في نظام وبتكييف شد الوتر لغرض تجنب الرباعية المبتسرة (أو الخماسية المنقوصة) يغير هذا الترتيب ويقود الى مقام آخر.
أعيد جمع ألواح أخرى تذكر المصطلحات نفسها وفي حالات معينة يوجد مصطلح بديل في اللغة الأخرى. سبب الحيرة هو أن أسلافنا لم يتركوا لنا أنظمة نظرية كاملة في الموسيقى أو لم يعثر على هذه النظريات سوى على كتابات بمثابة مفكرات موجزة وتطبيقات يوجهها الأستاذ البابلي الى تلميذه كما في لوح أور.
في حين أن السومريين كانوا يسمون آلتهم (زامي) كان الآشوريون والبابليون يسمونها (سامو) وهي عادة من الخشب وقد تكون مذهبة، وقد ذكرت أحجام كبيرة جدا لها ويمكن حملها ويحدد لها لوح أور تسعة أوتار ولكننا نجهل أن كانت هذه الآلة قيثارة بالمواصفات المألوفة. أن القيثارة التي يتحدث عنها لوح أور في القرن الثامن عشر قبل الميلاد كانت معروفة قبل هذا التأريخ بزمن طويل ولكنها أصبحت ذات شكل حاد الزوايا نهاية الألف الرابع في حين كانت مقوسة قبلا، دائما قابلة للحمل، يعزف عليها بالأصابع في الوضع العمودي وإذا كان العزف أفقيا فبقطعة خشب أو ريشة أو قصبة وما شابه. آلة القيثارة اختراع سومري ذات شكل رباعي مغلق ومقدمة صندوقها تمثل شكل ثور وأوتارها قد تصل الى أحد عشر، توضع على الأرض ويعزف عليها جلوسا أو تحمل على الكتف الأيسر بواسطة حمالة ويعزف عليها وقوفا. بفضل ما عثر عليه في قبور أور الملكية من قطع أمكن أعادة بناء أجزاء الآلة الخشبية المزينة بموزائيك قواقع أو أحجار ملونة أو مزينة بالفضة، رأس الثور من ذهب أو فضة أو نحاس. تم فيما بعد اكتشاف رسوم أبسط ويأمل الآثاريون باكتشاف وثائق أكمل توسع نطاق المعرفة الموسيقية عن عراقنا القديم.
شكرا جزيل على المتابعةالمصدر: منتديات عراق الخير والمحبة - من قسم: منتدى التاريخ العراقي لمختلف العصور
رد مع اقتباس
المفضلات