بسم الله الرحمن الرحيم





ويعترف العبرانيون بوجود صلات قربى لهم بالإسماعيليين. ويظهر أن الإسماعيلية عاشت زمناً طويلاً في "طور سيناء". وفي جنوب فلسطين. عاشت عيشة أعرابية. ولهذا كان الإسماعيليون أهل وبر بالقياس إلى اليقطانيين المستقرين. وقد نظر العبرانيون نظرة عداء إلى الإسماعيليين، لأنهم كانوا يتحرشون بهم ويغيرون عليهم ويتعرضون بتجاراتهم. وقد ذكروا في أيام "داوود". وقد ورد في التوراة أن الله أوحى إلى "هاجر" يبشرها بأن نسل ابنها سيكثر وينمو حتى يكون أمة عظيمة، وهو كناية عن كثرة عدد أولئك الأعراب في أيام عن لهجاتهم. ويرى بعض العلماء أن لهجاتهم يجب أن تكون من اللهجات العربية الشمالية المتأثرة بلغة بني إرم. ولعدم وصول نصّ مدوّن بلهجة من لهجات هذه القبائل، لا نستطيع أن نبدي في الزمان الحاضر رأياً علمياً في شكل هذه اللهجات.


و "نبايوت" هو بكر إسماعيل وأهم القبائل الإسماعيلية في التوراة، وقد أعطاه هذه المنزلة أهل الأخبار أيضاً لأخذهم منها. ونحن لا نعرف الأسباب التي جعلت التوراة تعدّه أحسن أولاد "إسماعيل" أراعت في ذلك بعد القبيلة، أم راعت قربها من العبرانيين، أم ضخامتها وكثرة عددها بالقياس إلى القبائل الإسماعيلية الأخرى، أم أمورا أخرى جعلت العبرانيين ينظرون إليهم على أنهم أقدم تلك القبائل ? فليس في التوراة قواعد ثابتة تمشى عليها كتبة العهد القديم في تدوين الأنساب.


ويعرف "نبايوت" ب "نابت" و "نبت" عند الأخباريين. ومنه ومن قيدر، نشر الله العرب، على رأي أهل الأخبار. وقد جعل بعض الأخباربين نابتاً والداً لأ "يشجب"، مع أن "يشجب" هو ابن "يعرب" عند الأكثرين.



وقد ورد اسم "نبايوت" مع اسم "قيدار" في النصوص الآشورية: ويظهر أنهم كانوا أقوياء كثيري العدد. ويدل ورود اسمهم مع "قيدار" في التوراة في النصوص الآشورية على أنهم كانوا متجاورين. ولم تعين التوراة مواضع سكناهم، ولكن ورود اسمهم في رأس قائمة الإسماعيليين واقترانه بالأدوميين عن طريق المصاهرة ووقوف العبرانيين على أخبارهم، يدل كله على أنهم كانوا يقيمون في المناطق الواقعة في جنوب شرقي فلسطين وفي الأقسام الجنوبية الشرقية من بادية الشام.


وقد ذهب "كلاسر" إلى أن "نبايوت" "مشيخة" أو مملكة حكمت في "القصيم"، و قد كانت معاصرة لمملكة "عريبي"، وكانت لا تزال مستقلة في أيام الفرس.


وقد ظن بعض العلماء انهم "النبط"، ذهبوا إلى ذلك من تشابه "نبايوت" "Nabaiot" و "نبط" "Nabat"، غير إن هذا رأي يعارضه كثير من علماء التوراة.


وقد ورد اميم "قيسار" في النصوص الأشورية، ورد على هذه الصورة: "قِدرو" "Kidru" و "قَدرو" "Kadru"، كما ورد في المؤلفات "الكلاسيكية"، فقال لهم "بلينيوس" "قدراي" "Pliny" "Cedrei"، وذكر انهم قبيلة عربية تقيم على مقربة من النبط. وقد حاربهم "آشور بنبال"، وكان ملك "قيدار" في ذلك العهد، ملك عرف باسم "أو أيطع" "U Aite'" ابن "خزاعيل" "Hazael"، وقد ذكرهم "آشور بنبال" مع "عريبي" "أريبي"، كما ذكرهم "حزقيال" مع العرب "العرب وكل رؤساء قيدار"، مما يدل على إن مواطن "قيدار" كانت تجاور العرب، ويراد بالعرب هنا، الأعراب. وهو ما يتفق مع ما جاء في نص "آشور بنبال" كل الاتفاق. وذكروا بعد "نبايوت" في التوراة، مما يدل على انهم كانوا يقطنون في جوارهم، كما ذكروا مع "ممالك حاصور" التي ضربها "نبوخذ نصر" "بختنصر". وقد نكل "بختنصر" بالقيداريين كذلك، وخرب بلادهم وأخذ غنائم كثيرة منهم، واستولىعلى ما وقع في أيدي جيشه من أموللهم وخيامهم وغنمهم وجمالهم وقد ورد وصف ذلك في سفر "أرمياء".


ويظهر من التوراة أن القيداريين كانوا أعراباً يعيشون في الخيام، عيشة أهل البداوة، وقد
وصفت خيامهم بأنها خيام سود "أنا سوداء وجميلة يا بنات اورشليم، كخيام قيدار، كشقق سليمان". والخيام السود هي بيوت أهل الوبر. وكانوا يعتنون بتربية المواشي، وقد اشتهروا بأن فيهم رعاة يملكون ماشية كثيرة. إلا أن منهم من كان متحضراً سكن القرى والمدن. ونجد "أشعياء" يتنبأ بإفناء "مجد قيدار. وبقية عدد قسي أبطال بني قيدار.

مما يدل على إن القيداريين كانوا قوة وعدداً ضخماً، فيهم جماعة مهرت برمي السهام. ويتبين من "المزامير" انهم غزاة، وحياتهم حياة غزو، لا يعرفون السلام ولا الاستقرار، وقد ذكروا مع العرب في جملة من تاجر مع العبرانيين. تاجروا معهم "بالخرفان والكباش والأعتدة". وكانوا مثل قبائل العرب الأخرى على احتكاك بالعبرانيين، يتاجرون معهم تارة، ويخاصمونهم تارة أخرى، ويظهر انهم كانوا على عداء شديد معهم، وخصومة منتهرة في أيام "أشعياء" و "أرمياء"، كما يتبن ذلك من الهجوم الضيف الموجه إليهم في سفريهما ومن فرح العبرانيين من النكبات التي حلت بهم، ولا سيما انتقام "بختنصر" منهم. ويظهر إنه غزاهم، لأنهم كانوا يتحرشون بالبابليين في أثناء مرورهم بالبادية إلى فلسطين، مما حمل "بختنصر" على الانتقام منهم ومن قبائل أخرى كانت ضاربة في البادية وفي الطرق المؤدية إلى بلاد الشام.


وأما "أدبئيل" "Adbeel"، فكناية عن قبيلة عربية أخرى من القبائل الإسماعيلية، يرى بعض علماء التوراة إنها عاشت في جنوب غربي البحر الميت. ويظن إنها قبيلة "ادب ايله" "Idiba'ila" "Didi'ila" "ادبئيله" "ادبعيله" "دبئيله "وبعيلة" الذكورة في كتابة من كتابات الملك "تغلا تبلسر الثالث". وقد ذكر هذا الملك إنه عين نائعباً عنه، أو "منسوباً سامياً" "قيبو" "Kepu" على خمسة عشر موضعاً، وكان اسم هذا المندوب "ادب ال" "أدب أبل" "أًدبئيل" "Idibi'il"، وهو سيد قبيلة عرفت بهذا الاسم
وهو سيد قبيلة عرفت بهذا الاسم. والظاهر إنه فوّض إليه أمر حماية الحدود والمحافظة عليها من الغزو. وتقع أرض هذه القبيلة على مقربة من الحدود المصرية وفي الجنوب من غزة. و كأنما هذه القبيلة لا تزال موجودة في أيام المؤرخ اليهودي "يوسف فلافيوس".

ويلي "أدبئيل" "أدب ال" "ادب ايل" في تسلسل أولاد إسماعيل، مبسام "Mibsam"، و قد سمي في بعض الكتب العربية "ميشا"، ولا نعرف من أمر هذه القبيلة شيئا.


وأما "مشماع"، وقد سمي "منمى" و "منسى" و "مسمع" و "مشماعة" في بعض الكتب العربية، فلا نعرف من أمره شيئاً. ويتصور بعض العلماء أن لهذا الاسم علاقة بقبيلة "بني مسماع" أو "جبل مسماع" "جبل مسمع" قرب تيماء.

ورأى "فورستر" أن "مشماع" هي قبيلة "Masmaos" التي ذكرها "يوسفوس"، على إنها من القبائل العربية التي كانت تعيش في أيامه. و يرى "فورسر" أيضاً أن قبيلة "Masaemanes" التي ذكرها "بطلميوس" هي هذه القبيلة كذلك. وهذا الاسم قريب من اسم "ماء السماء".

وقد ورد اسم "مسا" "Massa" في النصوص الآشورية مقروناً ب "تيما" "تيماء".ويرى بعض العلماء إنه كناية عن قبيلة كانت منازلها في المشرق والجنوب الشرقي من "موآب". ويرى بعض آخر أن مواطنها في الأرضين الجنوبية من وادي السرحان، وفي غرب منازل "عريبي" "اريبي".

وجاء في رسالة أرسلها أحد "المقيمين" الآشوريين إلى ملك آشوري لم يرد أسمه في الكتابة أن "ملك قمرو" "مالك قمرو" اين "عميطع" سيد قبيلة "مسئا" "Mas'a" غزا قبيلة "Naba'ti"، وقتل عدداً من أتباعها. الظاهر أن هذه القبيلة، هي القبيلة المذكورة في التوراة.


و "نافش" "Naphish"، هو "نفيس" عند الأخباربين. ويرى بعض علماء التوراة احتمال كون "بنو نفسيم" "Naphisim" المذكورين في سفر "عزرا" هم "نافش" هؤلاء.

وأما "قدمة"، فهو "قيدمان" و "قيذما" وما شاكل ذلك في المؤلفات العربية، ولا نعرف من أمرهم شيئاً يذكر في الزمان الحاضر، ولعلهم "القدموينين" الذين أدخلت أرضهم في جملة "الأرض الموعودة" المذكورة في التوراة. وكانت مواطنهم عند "البحر الميت". ومن العلماء من يظن أن لهم صلة ب "بني قديم" "Bene Kedem"، أي "أبناء الشرق". وذهب "فورستر"، إلى احتمال كون "قدمة" موضع "رأس كاظمة" على الخليج. ولما كانت "قدمة" من القبائل الإسماعيلية، وقد ذكرت مع القبائل الإسماعيلية في التوراة، ومواطنها كلها لا تبعد كثيراً عن فلسطين، فإني أرى أن مواطن هذه القبيلة يجب أن تكون أيضاً في هذه المواضع،أي في مكان لا يبعد كثيراً عن فلسطين.


وذكر في التوراة اسم شعب سكن في شرقي الأردن وفي شرقي أرض "جلعاد"، عرف باسم "الهاجريين". وهم من العرب أو بن "بني إرم" في رأي بعض العلماء. غير أن إطلاق هذه اللفظة على الإسماعيليين، يدل على إن المراد بهم العرب بم لأن "الإسماعيليين" هم عرب، وأن "هاجر" كناية عن أم "إسماعيل" جد" القبائل التي تحدثت عنها على رأي التوراة. وقد ذهب بعض الباحثين إلى أن مراد التوراة من "الهاجريين" الأعراب، أي البدو وهم عرب أيضاً. وقد امتدت منازل الهاجريين من الفرات إلى "طور سيناء"، فهي منطقة واسعة تشمل البادية: بادية الشأم، وتضم عدداً كبيراً من الأعراب. وهي منازل "الإسماعيليين" أيضاً، وقد يكون هذا هو السبب في عدم تميز التوراة أحياناً فيما بين الهاجربين و الإسماعيليين. وقد ذكروا مع "يطور" "Jetur" و "Naphish"، وهما من الإسماعيليين. وأشير إلى اسم رجل من الهاجريين عرف ب "يازيز" "Jaziz"، ذكرتالتوراة إنه كان يرعى بغنم داوود في جملة أشخاص كان "داوود" قد أودع إليهم أمر إدارة أمواله

وفي التوراة إن "المديانيين" كانوا برفقة "الاشماعيليين" لما بيع "يوسف". وأن موسى نزل عندهم وتزوج فيهم: أخذ ابنة "يثرون" كاهن "مديان" "مدين". وفي موضع آخر أن "يثرون" من "بني القيني" "Kenite" ويظن أن "بني القيني" هم فرع من فروع "مديان".

وقد اتحد "المديانيون" مع "مؤاب" ضد إسرائيل. وفي أيام "جدعون""Gideon" كان المديانيون قد ضايقوا العبرانيين مضايقة شديدة، وكانوا قد اتفقوا مع العمالقة و "بني المشرق"، فتمكن "جدعون" من اخراجهم. وقد ورد في سفر "القضاة" اسم أميرين من أمراء المديانيين، هما "غراب" "Oreb"، و "ذئب" "Zeeb" وورد في الإصحاح الثامن من القضاة اسم ملكين أو "شيخين" من "مديان" "مدين" هما: "زبح" "Zebah" و "صلمناع " "Zalmuna". والظاهر إنه لم يعد للمديانيين شأن منذ هذا العهد، فلم يرد عنهم شيء يذكر، ولعلهم ذابوا في القبائل العربية الأخرى. ويفهم مما جاء في "القضاة" أنهم كانوا فرعاً من "الإشماعيليين". والذي يفهم من مواضع متعددة من أسفار التوراة أن مواطن "المديانيين" كانت تقع شرق العبرانيين. والظاهر أنهم توغلوا في المناطق الجنوبية لفلسطين، واتخذوا لهم هناك مواطن جديدة، عاشوا فيها أمداً طويلاً بعد هذا التأريخ حيث يرد ذكرهم في الأخبار المتأخرة. وقد ذكر "بطلميوس" موضعاً يقال له "مودينا" "Modiana" على ساحل البحر الأحمر، يرى العلماء إنه موضع "مدين"، وهو ينطبق على موضع أرض مدين المعروفة في الكتب العربية.



المصدر :المفصل في تاريخ العرب قبل الاسلام


للدكتور جواد علي