مع الليل له موعد لم يخلفه يوماً خلال رحلة طويلة من العزف المنفرد، خطوات ثابتة تعرف طريقها جيداً إلى خشبة المسرح، تتبعها ضربات متعاقبة على كمان يعود عمره لسنوات طويلة من عمر الحاج "سعد" صاحب سنوات العمر التى تجاوزت التسعين عاماً، من زمن الفن الجميل الذى يحفظه عن ظهر قلب منذ جلوسه الأول بين صفوف العازفين خلف "الست" فى زمن أمجادها وغيرها من العملاقة اللذين وقف بينهم "سعد محمد حسن" أو الحاج "سعد" كما يعرفه الجميع على مسارح دار الأوبرا وحفلات الموسيقى العربية التى مازالت على موعد مع حضوره بين ليلة وأخرى.

"ما بعرفش أعبر بالكلام أنا بعزف بس" بابتسامة لا تخلو من خجل يجيب على من يحاول اقتحام تاريخه المزدحم بالحكايات مع الكمان الذى ينسحب بداخله تاركاً له مهمة الحديث، هو آخر من تبقى من العازفين خلف العمالقة بداية من "الست" مروراً بـ"عبد الوهاب" و"عبد الحليم"، و"فريد الأطرش"، و"شادية"، و"هدى سلطان"، ووصولاً إلى "عمر دياب" و"تامر حسنى" من شباب "اليومين دول".

سكون من لا يعرف من أين يبدأ، أعقبه سرد للموقف الأول الذى قفز فى مخيلته مع بداياته بصحبة الفنان "محمد رشدى" الذى عزف خلفه للمرة الأولى فى فرح شعبى على عربة كارو، ضاحكاً يسرده "الحج سعد" فى فخر قبل أن يحكى عن عمله مع "نجوى فؤاد" و"سهير زكى" و"كارم محمود".

"بليغ حمدى هو أول من التقطنى للعزف فى الفرق الكبيرة" يتذكره "الحج سعد" الذى يحكى قائلاً: اختارنى أنا ورضا رجب عام 1967" للعزف فى فرقة "أم كلثوم"، الرهبة الممزوجة بالبهجة هى ما يصف بها "الحج سعد" شعوره خلف "الست" للمرة الأولى، عندما اشترك مع فرقتها العملاقة فى عزف "القلب يعشق كل جميل"، و"سيرة الحب" وغيرها من الأغانى، يصمت قليلاً ثم يطلق ضحكة مدوية قبل أن يتذكر لقاءه الأول بها قائلاً: فى هذا الوقت كانت "الست" هى أكبر شخصية يمكن الحديث معها بالنسبة لشاب فى مثل سنى، كنا نتقاضى 5 جنيهات عن الحفلة الواحدة، عندما تجمعنا حول الست بعد إحدى الحفلات متوسلين لزيادة فى الراتب، فضحكت قائلة بالحرف الواحد، "خلاص افرحوا يا ولاد هديلكوا 6 جنيه".

ليس هو الموقف الوحيد الذى يتذكره الحج سعد عن الست التى انتقل من خلفها للعزف خلف عبد الوهاب وفى تسجيلاته التى ترك الحج "سعد" عليها بصمة لاقت إعجاب موسيقار الأجيال وقتها عندما قام بتسجيل شريط لأغانى "عبد الوهاب" بالعزف المنفرد للمرة الأولى والتى علق عليها عبد الوهاب قائلا "الواد سعد عمل حاجة مش معقولة".

"اشتغلت مع فايزة أحمد ونجاة، وشادية، وفريد الأطرش، وهدى سلطان، وعبد الحليم حافظ" كانوا بيطلبونى بالإسم، لفيت العالم كله بالكمانجة مع أكبر نجوم فى مصر"، يحكى "الحج سعد" الذى لم يترك الكمان من يده مع مرور السنوات واختفاء زمن الفن الجميل شيئاً فشيئاً وتحول "المزيكا" إلى ألواناً جديدة لم يتركها دون طبع بصماته عليها.

أستاذ للكمان الشرقى بمعهد الموسيقى العربية، إلى جانب ما حصل عليه من شهادات وتكريم من كل دولة زارها، ومشاركات لا تنتهى على مسارح الدولة هى حياة الحج "سعد الصاخبة بمزيكا الروح"، علاقته بالفنانين وحتى الرؤساء هى ما يتذكرها جيداً من بين التفاصيل ف "الست" كانت "وقورة"، وعبد الوهاب كان "لذيذ وبسيط"، أما الرئيس "السادات" فكان "راجل فنان" بينما ظل "الحج سعد" علامة واضحة على حياة فنية عاصفة لم تنته بعد.

"الحاج سعد".. آخر من تبقى من زمن الفن الجميل. 1.jpg

"الحاج سعد".. آخر من تبقى من زمن الفن الجميل. 2.jpg

"الحاج سعد".. آخر من تبقى من زمن الفن الجميل. 3.jpg



أكثر...