تعددت الأسباب وموت المواطنين المصريين "ظلماً أو إهمالاً" واحد!
وبينما يرتاح من ذهب بلا عودة يتذوق أهله المرار فى انتظار قصاص يبرد قلوبهم، لكن لا يصلهم من الحكومة إلا تعويض مادى تتدخل عوامل كثيرة فى تحديد قيمته، يكون فى الغالب وفقاً لحجم التعاطى الإعلامى مع الحادث - أو بمعنى أصح "تسعيرة المصرى" التى أصبحت هى حل الحكومة أمام كل موت جديد طوال السنوات الماضية.

بدأت التسعيرة عند حريق قطار الصعيد، الذى راح ضحيته قرابة 1500 مصرى عام 2002 يوم العيد، حيث أُقر مبلغ ثلاثة آلاف جنيه للقتيل وألف للمصاب، وهو الرقم الأقل فى مصر لمثل هذه الكوارث منذ بداية القرن الجديد.. مروراً بسلسلة حوادث قطارات أسيوط والمنيا وقليوب وغيرها، لتصل "التسعيرة" حدها الأقصى مع شهداء الثورة، حيث صرف للشهيد 100 ألف جنيه، ومعاش شهرى لأسرته، وأخيراً كان حادث استشهاد طفل العمرانية، والذى قررت فيه الدولة تسعيرة تقدر بخمسين ألف جنيه، أما البحث عن حلول أو قصاص أو عقاب، فحتى الآن لم يجد جديد فى هذا الملف.

تسعيرة الشركات الخاصة تختلف بالطبع عن التسعيرة الحكومية، حيث ارتفعت عن حد "المائة ألف" فى حادث غرق عبارة السلام، ووصلت التعويضات وقتها إلى 300 ألف جنيه للمتوفى، وخمسين ألف جنيه للناجين، وبلغ عدد المتوفين فى الحادث 1033 والناجين 587فرداً.

ما زالت تتذكر ابتسامته وأحلامه التى كان يرددها عليها كل يوم، وطلبه أن تدعو له بالشهادة قبل أن يحصل عليها بساعات قليلة فى أحداث مجلس الوزراء.. ريهام شقيقة الشهيد رامى الشرقاوى، بمجرد الحديث عن التعويضات تقول: "ياخدوا قدهم عشر مرات بس يرجعوا اللى خدوه مننا، مفيش حد ابنه أو أخوه أو أبوة بيروحوا وبيعوضهم بفلوس، تعويضنا هو رجوع حقهم من اللى خده والقصاص ليهم".

"كارثة كبرى تعبر عن حالة من حالات عدم احترام الحق فى الحياة".. هكذا وصف ناصر أمين، مدير مكتب الشكاوى بالمجلس القومى لحقوق الإنسان، تعامل الحكومة المصرية مع حالات الوفاة طبقاً "للتسعيرة"، ويتابع أن التعويضات عن الوفيات بكل ما يحيط بها هى أزمة كبيرة فى مصر بداية من أسلوب التعامل معها وحتى أرقامها المالية الزهيدة مقارنة بفقدان الحياة وطرق صرفها والمماطلة فيها ويقول: "يجب أن تكون التعويضات كبيرة جداً لتعلم الجهة التى ستدفعها أن مصاريف تلافى إزهاق روح أقل بكثير من الروح".

ويشير الخبير الحقوقى ومدير المركز العربى لاستقلال القضاء والمحاماة، أن هناك بعض المواد القانونية الهزلية التى يتم اللجوء لها عند تحديد حجم التعويض عن حالة الوفاة مثل الوضع الاجتماعى والمادى قائلاً: هذه القوانين يجب أن تعدل على الفور، على اعتبار أن حق الإنسان فى الوجود هو حق متساوى للغنى والفقير لا يجوز أن يتم فيه تفريق".

ويؤكد "أمين"، أن تعامل الحكومة المصرية مع قضايا التعويضات بشكل عام منذ عهد مبارك وحتى الآن هو تعامل إعلامى، يظهر فى صرف سريع ومبالغ عالية للقضايا المغطاة إعلامياً ومماطلة وتضييق فى نفس القضايا التى لا يلتفت لها الإعلام.



أكثر...