الآيات الواردة في النسب وفضيلته وصلة الأرحام 54645sd.gif



الآيات الواردة في النسب وفضيلته وصلة الأرحام



قال الله تعالى في سورة النساء " يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدةٍ وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تسائلون به والأرحام " .
قوله " خلقكم من نفس واحدة " أي: من آدم عليه السلام وبث منهما أي: أظهر البشر من آدم وحواء عليهما السلام.
قال أكثر المفسرين: أي واتقوا الأرحام أن تقطعوها. وهذا عام ودليل على أنه لا يجوز قطع رحم النبي صلى الله عليه وآله.
قال الإمام علي بن أحمد الواحدي، فيما حدثني به الإمام محمد بن الفضل الفزاري عنه: اتقوا الله الذي تسائلون فيما بينكم حوائجكم وحقوقكم به، فيقولون: أسألك بالله وأنشدك الله. وكذا كانت العرب تقول.
قال أكثر المفسرين: والأرحام عطف على اسم الله في قوله تعالى واتقوا الله والمعنى: اتقوا الأرحام فصلوها ولا تقطعوها.

فإن قال قائل: كيف يقع الاتقاء على الأرحام؟ والأرحام يوصل ولا تيقى. وكيف يعطف الأرحام على الله تعالى؟ وكيف عطفت هذه التقوى المتقدمة؟ وليس ها هنا شيء يوجب العطف؛ لأن قوله اتقوا ربكم الذي خلقكم قد أوجب التقوى لله؛ لأن الذي خلقهم من نفس واحدة هو الله الذي تساءلون به. وظاهر قوله " واتقوا الله الذي تسائلون به " يشير إلى تقوى ثانية قد فرضت عليهم مع التقوى الأولى.
قيل له: أما اقتضاء الاتقاء للأرحام، فالوجه فيه اتقاؤها أن تقطع، وقد يقول القائل: اتق الرحم أن تقطعها. ولهذا الكلام نظائر كثيرة يعرفها من عرف طريقة اللغة.
وأما وجه عطف الأرحام على الله في هذه الآية، فإن هذه الآية آية فيها الحث على صلة الرحم والمقصود من الآية صلة الرحم وبيان ذلك قوله تعالى " خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها " والمتقي للرحم أن يقطعها إنما يتقي ذلك باتقائه الله تعالى عز وجل.
وللعرب عادة في مثل هذا الكلام ممن شاء قال: اتق الله في الرحم أن تقطعها، ومن شاء قال: اتق الله والرحم ومن يقطعها، ومن شاء أوجز وقال: الله والرحم. وفي ذلك كلام طويل ذكره أبو المطهر القائني في سؤالات القرآن.
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وقال الله تعالى: " أنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها اسماً من اسمي، فمن وصلها وصلته، ومن قطعها قطعته " .
قال بعض العلماء: التقوى اجتماع الطاعات، وأوله ترك الشرك، وآخره اتقاء كل ما نهى الله تعالى عنه.
وقوله تعالى " وخلق منها زوجها " حكم الله تعالى بسكون الخلق مع الخلق لبقاء النسل، ورد المثل إلى المثل، ثم نبه أصناف الناس على غوامض الحكمة حين خلق جميع هذه الخلائق من نسل شخص واحد على اختلاف هممهم وتفاوت صورهم وتباين أخلاقهم. وتكرير الأمر بالتقوى في قوله تعالى " واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام " يدل على تأكيد حكمته.
ولا طريق إلى صلة الرحم إلا بمعرفة الأنساب.
قال النبي صلى الله عليه وآله: " صلة الرحم تزيد في العمر " .
وقال عليه السلام: " اعرفوا أنسابكم لتصلوا به أرحامكم " .
وقال عليه السلام: " الوصول من وصل رحماً بعيداً، والقطوع من قطع رحماً قريباً " .
قوله تعالى " ذريةً بعضها من بعضٍ والله سميعٌ عليمٌ " قال بعض المفسرين: ذرية بعضها من بعض أي: بعضها من ولد بعض. وقيل: أي بعضهم على دين بعض.
وذكر الثعلبي في تفسيره عن الأعمش عن أبي وائل أنه قال: قرأت في مصحف عبد الله بن مسعود وآل إبراهيم وآل عمران وآل محمد على العالمين وسيأتي بعد ذلك تفسيره.
قال الإمام علي بن أحمد الواحدي: إنما خص هؤلاء بالذكر؛ لأن الأنبياء بأسرهم من نسلهم. والذرية: الذكور والإناث من الولد وولد الولد؛ لأن الذرية من ذر الله الخلق، والذرية أولاد الابن وأولاد البنات، وقد جعل الله تعالى عيسى عليه السلام من ذرية إبراهيم، وهو من ولد البنات.
وأصل الذر إظهار الخلق بالإيجاد، يقال: ذر الخلق وأصله الظهور، ومنه: ملح ذراني لظهور بياضها. والذرية لظهورها ممن هي منه. قال بعض العلماء: إن الله تعالى اصطفى آدم بالحسب، واصطفى أولاده بالحسب والنسب حيث قال: ذرية بعضها من بعض.
قوله في سورة النحل " والله جعل لكم من أنفسكم أزواجاً وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدةً ورزقكم من الطيبات " .
قال بعض المفسرين: الحفدة أولاد الأولاد. وقال بعضهم: الأعوان.
وقال عطاء بن أبي رباح: هم أولاد الرجل الذي يعنونه ويحفدونه ويرقدونه. وقال قتادة: الحفدة الأولاد الذين يخدمون الآباء. قال الكلبي: الحفدة الأولادة الكبار. وقال ابن عباس: الحفدة أولاد الأب وأولاد البنت. وقال غيره: الحفدة بنو المرأة من الزوج الأول. وأصل الحفد الإسراع في المشي.
وفي الدعاء وإليك نسعى ونحفد أي: نسرع إلى العمل بطاعتك.
قوله تعالى " قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى " هذه الآية في سورة حمعسق.
قال ابن عباس: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وآله إلى المدينة كان يلزمه حقوق من جهة الصادر والوارد، ولم يكن عنده صلى الله عليه وآله سعة من المال، فقال الأنصار: إن رسول الله صلى الله عليه وآله رجل هدانا الله به، وله نسب منا ويلزمه حقوق وليس في يديه مال، فتعالوا حتى نجمع له من أموالنا مالاً يصرفه وينفقه، حتى نستعين به على أداء حقوق يلزمه، ففعلوا ذلك، ثم عرضوا هذا المال عليه، فتوقف رسول الله صلى الله عليه وآله في قبول المال حتى نزل جبرئيل وأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال قتادة: أجمع المشركون في دار الندوة وقالوا: تعالوا حتى نعين لمحمد أجراً حتى لا يتعرض لديننا، فأنزل الله تعالى هذه الآية. وهذا القول موافق لظاهر التنزيل؛ لأن هذه السورة مكية.
قال الحسن البصري: المودة في القربى التودد إليه بالطاعة والتقرب إليه بمتابعة رسول الله صلى الله عليه وآله.
قال ابن عباس: معنى الآية أن أكثر أقارب رسول الله صلى الله عليه وآله خالفوه وكذبوه، فقال تعالى " لا أسألكم عليه أجراً " إلا حفظ قرابتي وصلة رحمي، فإنكم قومي وأحق الناس بطاعتي.
وقال سعيد بن جبير وغيره من العلماء: معنى الآية مودة أقارب رسول الله صلى الله عليه وآله وحفظ حقوقهم ومحبة أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله.
وفرق بعض المفسرين بين المودة والمحبة فقال: المودة ما يتعلق بواحد بسبب غيره، مثال ذلك من يود حافظ القرآن بسبب القران ونود العلماء بسبب العلم، ويود أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله. والمحبة أعم من المودة.
وحدثني الإمام علي بن محمود النصر آبادي، قال: حدثنا الإمام علي بن أحمد الواحدي، قال: حدثنا الإمام المفسر أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي، قال: أخبرنا الحسين بن محمد الثقفي العدل، قال: حدثنا برهان بن علي الصوفي، قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن سليمان الحضرمي، قال: حدثنا حرب بن الحسن الطحان، قال: حدثنا الحسين الأشقر، قال: حدثنا قيس، عن الأعمش، عن سعيد بن جبير، عن عبد الله بن العباس رضي الله عنه أنه قال: لما نزلت هذه الآية قيل: يا رسول الله من قرابتك الذين وجبت علينا مودتهم؟ فقال عليه السلام: علي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم.
وحدثنا أستاذنا الإمام أحمد بن محمد الميداني، قال: حدثنا علي بن أحمد الواحدي، قال: حدثنا الإمام المفسر أبو إسحاق أحمد بن إبراهيم الثعلبي، قال: حدثنا أبو منصور الحمشادي، قال: حدثنا الحاكم أبو عبد الله الحافظ، قال: أخبرني أبو بكر بن مالك، قال: حدثنا محمد بن يونس، قال: حدثنا عبيد الله بن عائشة، قال: حدثنا إسماعيل بن عمرو، عن عمرو بن موسى، عن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم عن آبائه أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: شكوت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله حسد الناس لي، فقال عليه السلام: أما ترضى أن تكون رابع أربعة أول من يدخل الجنة أنا وأنت والحسن والحسين وأزواجنا على أيماننا وعن شمائلنا، وذريتنا خلف أزواجنا.
وبالإسناد المتقدم قال قال: حدثنا أبو منصور الحمشادي، قال: أخبرنا أبو نصر أحمد بن الحسين بن أحمد، قال: أخبرنا أبو العباس محمد بن همام، قال: أخبرنا إسحاق بن عبد الله بن رزين، قال: أخبرنا حسان بن حسان، قال: أخبرنا حماد بن سلمة، عن علي بن زيد بن جذعان، عن شهر بن حوشب، عن أم سلمة أم المؤمنين رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال لفاطمة رضي الله عنها: ايتني بزوجك وابنيك، فجائت بهم، فألقى عليهم كساءه، ثم رفع يده فقال: اللهم هؤلاء آل محمد، فاجعل صلواتك وبركاتك على آل محمد إنك حميد مجيد، قالت أم سلمة: فرفعت الكساء حتى أدخل بينهم، فقال صلى الله عليه وآله: إنك على خير ثلاثاً.
وقيل: لما دخل علي بن الحسين زين العابدين رضي الله عنهما كورة دمشق بعد قتل أبيه قام خطيب من خطباء الشام، وقال: الحمد لله الذي قتلكم واستأصلكم، وقطع قرن الفتنة بهلاككم. فقال له زين العابدين رضي الله عنه: أقرأت القرآن؟ قال: نعم. فقال له: أفما قرأت قول الله تعالى " قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى " قال: وإنكم هؤلاء؟ فقال زين العابدين: نعم. فقال الشامي: اللهم اغفر.
وقيل: القربى ولد عبد المطلب، كما روى أنس بن مالك الأنصاري عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: نحن بنو عبد المطلب سادة أهل الجنة أنا وحمزة وجعفر وعلي والحسن والحسين.
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: حرمت الجنة على من ظلم أهل بيتي وآذاني في عترتي، ومن اصطنع صنيعة إلى واحد من ولد عبد المطلب ولم يجازه عليها، فأنا أجازه غداً إذا لقيني في يوم القيامة.
وقيل: القربى هم الذين تحرم عليهم الصدقة ويقسم فيهم الخمس، وهم بنو هاشم وبنو المطلب، وقال الله تعالى " واعلموا أنما غنمتم من شيءٍ فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى " وقال تعالى " وآت ذا القربى حقه " .
وذكر الإمام أبو إسحاق الثعلبي في تفسيره عن جرير بن عبد الله البجلي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: من مات على حب آل محمد مات شهيداًن ومن مات على حب آل محمد وقد غفر الله له، ألا ومن مات على حب آل محمد مات شهيداً، ومن مات على حب آل محمد وقد غفر الله له، ألا ومن مات على حب آل محمد بشره ملك الموت بالجنة، ثم منكر ونكير، ألا ومن مات على حب آل محمد فتح الله في قبره أبواباً من الجنة، ألا ومن مات على حب آل محمد جعل الله زوار قبره ملائكة الرحمة، ألا ومن مات على حب آل محمد مات على السنة والجماعة. ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وآله " ومن يقترف حسنةً نزد له فيها حسناً إن الله غفورٌ شكورٌ " قال ابن عباس: " ومن يقترف حسنةً نزد له حسناً " المودة في آل محمد.
ونهى الله عن قطع الرحم، حيث قال " فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم " ، وروى عبد الله بن معقل أن النبي صلى الله عليه وآله قرأ " فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض " .
وذكر محمد بن جرير في تاريخه: إن المهدي محمد بن جعفر بن المنصور كان يصلي ذات ليلة ويقرأ القرآن في صلاته وحاجبه الربيع حاضر في حجرته، فلما انتهى إلى هذه الآية رددها مراراً وبكى بكاءاً شديداً ثم سلم، وقال للربيع: اذهب إلى موسى بن جعفر الصادق رضي الله عنهما وائتني به، فذهب الربيع وأخبر موسى بذلك.
فدخل عليه موسى رضي الله عنه فقام المهدي وعانقه وقال: يا موسى عاهدت الله أن لا أؤذيك ولا أؤذي أحداً من أهل بيتك ما عشت، خوفاً من أن أكون كما قال الله تعالى فهل عسيتم أن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم فبكى موسى رضي الله عنه وودعه وخرج سالماً، وقال للمهدي: أوصل الله تعالى بركة الصلة الرحم إليك.
وقال الله تعالى في سورة مريم " أولئك الذين أنعم الله عليهم من ذرية آدم وممن حملنا مع نوحٍ ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل " هذه الآية دليل واضح على شرف الأنساب، ووجوب حفظ النسب، وقد جمع الله تعالى بين وصفهم بالنبوة وذكر أنسابهم إلى آدم ونوح وإبراهيم وإسرائيل عليه السلام، فلو لم يكن النسبة إلى الأنبياء شرفاً وفضيلة لما قرنها الله تعالى مع شرف النبوة والسلام.