مع اقتراب الذكرى الثانية لأحداث محمد محمود، وبالنظر إلى الشارع، تشعر بشريط سينمائى يعيد إلى ذهنك أصوات الحرية، وإلى أنفك رائحة الغاز المسيل للدموع، وإلى عينيك مشاهد الجروح والدماء التى خضبت الأسفلت والجدران، وتسمع ابتهالات سكان المنطقة والعاملين فيها، "يارب ما يحصل اشتباك المرة دى كمان"، بعد أن شاهدوا "الموت بأعينهم"، وعرفوا معنى الدمار الحقيقى، والذى لا يزال ضررة تلاحقهم حتى الآن.

بعض أصحاب المحلات الموجودة فى الشارع، قرر أن يغلق أبوابه اليوم بالتزامن مع بداية الذكرى الثانية للأحداث التى اندلعت فى 19 نوفمبر 2011، فى انتظار ما ستسفر عنه الأحداث، ومن بينهم الحاج عبد الفتاح مرسى قناوى، يعمل منذ 20 عاما فى إحدى شركات السياحة بشارع محمد محمود، قائلا: "ما نبناش من أحداث محمد محمود، دى غير 3 عمليات فى عينى من القنابل المسيلة للدموع، وتكسير وسرقة للمحل".

وأضاف، رغم فتح الشارع وسير بعض المواطنين فيه، إلا أن الخوف يسيطر على قلوبهم، فأصبح شارع محمد محمود فى ذاكرتهم هو الشارع سريع الاشتعال، جميع من يسكن ويعمل فى الشارع، لا يستطيعون تحمل خسائر أكثر مما تحملوها من قبل، وكل ما أتمناه فى الذكرى الثانية، أن يعود شباب 25 يناير إلى سابق عهدهم، فهم من قاموا بتنظيف الشوارع وتزيين جدرانها بصور الشهداء، حتى نتذكرهم جميعا، نريدهم أن يعودوا ويقرروا أن يزيلوا آثار ما حدث فى العامين الماضيين، حتى يمكن لدائرة العمل أن تسير مرة أخرى".

ورغم تأييد الكثير من العاملين فى الشارع، لغلق محلاتهم هذا اليوم، إلا أن الحاج محسن حسنين، صاحب أحد محلات الحيوانات الأليفة بشارع محمد محمود، قرر أن يواجه ويدافع عن أرواح الحيوانات الصغيرة التى يقوم برعايتها وبيعها، ويقول، الحيوانات أرواح نشتريها لرعايتها وليس لقتلها، لا أستطيع أن أتركهم بدون نظافة وطعام، لدى أمل كبير فى الشرطة والجيش أن يتعاونوا سويا لوقف أية تجاوزات ستحدث فى هذا اليوم، حماية لهيبة الدولة، وحتى يشعر الشعب أنه آمن، فالجميع هنا يتذكر فقط من أحداث الثورة صورة الدم والقتلى والمحلات التى احترقت وسرقت".

يقاطعه فى الحديث ابن أخته محمد سعيد، مشيرا إلى مطعم "بون ابيتى"، ومكتبة "القاضى"، الذين تم سرقتهم وحرق الأول بالكامل وسرقة الشقة التى تعلوه، متسائلا: ما علاقة نداءات الحرية بحرق وسرقة ممتلكات الغير؟.

ومن المفارقات التى حدثت أثناء أحداث محمد محمود، هو اقتحام مكتبة "بلدنا" التى تقع بالدور الثانى وحرقها، وإلى الآن تتساءل فاطمة الجندى، إحدى العاملات بالمكتبة، ما علاقة سرقة الكتب وحرق المكتبة بطلب الحقوق؟، هذا الفعل أرادوا به إلقاء التهم على الثوار وهم براء من هذا الفعل.

وتتذكر فاطمة الأحداث وتقول، البداية كانت "بحدف طوبة" وأعقبها الغاز وطلقات الرصاص الحى، وكان القرار هو غلق المكتبة، وعندما هدأت الأجواء، عودنا إلى عملنا مرة أخرى، فوجدنا المكتبة مسروقة ومكسرة.
خططنا هنا للمشاركة فى الذكرى الثانية بعمل ندوات نتحدث فيها عن شهداء محمد محمود وعن تاريخهم، وعمل ورشة لكل من يرغب فى رسم جرافيتى تخليدا للأحداث، ولكن الدعوات شديدة اللهجة نشعر من ورائها بخطر كبير، لهذا سوف نغلق المكتبة تماما حتى يعود الأمان إلى الشارع مرة أخرى.

أما توكيل المطاعم والكافيهات التى لها فروع فى الشارع، لم يقرروا بعد غلق المحلات الخاصة بهم، منتظرين قرار من الإدراة، ولكنهم تحسبوا للأحداث بعمل أبواب من الحديد تشبه أبواب السجون.

ورغم تظاهر البعض بتماسكهم وعدم خوفهم من الأحداث، إلا أن عيونهم تفضح ما فى قلوبهم من رعب أن تعود الذكرى الثانية بشهداء جدد .



أكثر...