سلمى الملقبة بقرة العين
شغل المجتمع العراقي في السنوات الأخيرة من ولاية نجيب باشا بحديث امرأة عجيبة تدعى قرة العين ، إذ هي أسفرت عن وجهها ، وارتقت المنبر ، وخطبت وجادلت ، فكانت ذلك أول حدث من نوعه في تاريخ العراق ، وربما تاريخ الشرق كله .
ولدت هذه المرأة في قزوين عام 1814 م ، وقد سميت بـــ ( زرين تاج ) وهو أسم فارسي بمعنى ( التاج الذهبي ) لأنها كانت ذات شعر أشقر وكانت أسرتها من الأسر الدينية المعروفة في قزوين ذات جاه ومكانة تدعى ( آل البرغاتي ) ، وقد برز منهم علماء مجتهدون لهم شأن كان منهم الملا محمد صالح الذي هو والد قرة العين ، والملا محمد تقي الذي هو أحد أعمامها ، والأخير من كبار علماء قزوين في ذلك الوقت .
تميزت بالذكاء المفرط ...
كان أبوها يظهر أسفه قائلا : لو كانت ولدا لكانت أضاءت بيتي وخلفتني .
كانت فتية بارعة الجمال متوقدة الجنان فاضلة عالمة أبوها أحد المجتهدين في العجم وكانت متزوجة بمجتهد أخر هو ابن عمها محمد بن الملا مجيد تقي ، ولم تمض مده قليلة حتى قرر الزوج الهجرة إلى العراق لطلب العلم ، فسافرا معا إلى كربلاء ونزلا في بيت يعود للأسرة فيها !!! وهي لاتزال قائمة يسكنها بعض أسرة البرغاتي !!!
مكث الزوجان ثلاث عشر سنه تقريبا رزقا فيها بولدين هما إبراهيم وإسماعيل ، وقد تخاصما وبدأت تميل إلى السيد كاظم ألرشتي الذي كان يرأس الشيخيين يومذاك ، بينما زوجها يميل إلى ( البالاسري ) ، ثم عاد الزوجان إلى قزوين عام 1841م ، ورزقا بولد ثالث سمياه – إسحاق - .
أصدر والدها فتوى أعلن فيها تكفير الشيخيين بينما هي ازدادت من جانبها ولعا بالعقائد الشيخية وتعلقا بالسيد ألرشتي ، وفي عام 1843م سافرت إلى كربلاء ، وكانت حينئذ في التاسعة والعشرين من عمرها وحين وصولها فوجئت بأن ألرشتي الذي جاءت من أجله مات قبل أيام قليلة فأصيبت بخيبة الأمل وشاركت في مأتمه (1) .
كذلك مكثت في الكاظمية زهاء ستة أشهر ، ثم عادت إلى كربلاء في شباط 1847م بمناسبة زيارة الأربعين ، وبعودتها إلى كربلاء دخلت مرحلة جديدة حيث بدأت بدعوتها جهارا ، وكان سببا في حدوث انشقاق في صفوف البابيين حيث تابعها فريق منهم وهم الذين يسمون – القرتية – وكان منهم الملا باقر وهو احد السابقين إلى الدعوة البابية ومن الذين نالوا مديحا من قلم الباب ، أما خصومها فقد اتبعوا الملا احمد الخراساني الذي يتولى رعاية بيت السيد كاظم ألرشتي ومسؤولا عن أرملته .
وقد أطلع الدكتور علي الوردي على كتابين يصوران هذا النزاع (2) أو بصورة أدق أحدها يرد على الأخر ، فالأول منهما مخطوط عنوانه – عقائد الشيخية – مكتوب بالعامية بقلم احمد الخراساني إذ ينتقد فيه قرة العين ويشتمها ويسميها – بنت الطالح - ، أما الكتاب الثاني ، فهو لإتباع قرة العين بقلم سلطان الكر بلائي وهو يرد فيه على الملا احمد الخراساني ويدافع عن قرة العين .
طلقت نفسها من زوجها على خلاف حكم شريعة الإسلام وأمت بالسيد على محمد تلميذ الشيخ أحمد زين الدين الأحسائي الذي مزج التصوف والفلسفة بالشريعة وتسمى السيد علي المذكور بالبابي وطريقته تسمت به وكانت قرة العين تكاتبه ويكاتبها فكان يخاطبها في مكاتباته بقرة العين فلقبت بذلك وكانت تناظر العلماء والفضلاء ومكشوفة الوجه بدون حجاب وسارت ثم لما وقعت المحاربة بين البابيين وعساكر الدولة في مازندران جيشت جيشا وقادته مكشوفة الوجه وسارت أمامه طالبة أعانتهم وفي أثناء الطريق قامت في الناس خطيبة وقالت (( أين أحكام الشريعة الأولى اعني المحمدية قد نسخت وأن أحكام الشريعة الثانية لم تصل ألينا فنحن الآن في زمن لاتكليف فيه بشيء فوقع الهرج والمرج وفعل كل من الناس ماكان يشتهيه من القبائح .... )) ثم قبض عليها ولبست البرقع جبرا وحكم عليها بأن تحرق حية ولكن الجلاد خنقها قبل أن تشتعل النار بالحطب الذي أعد لحرقها .
وقد ثبت فساد دعوى البابية لان المقصود بظهور الإمام الغائب في رأي قرة العين هو ظهور السابقين في الدعوة أي الذين اعتنقوا الدعوة البابية قبل غيرهم : فالملا حسين البشروئي هو في مقام رسول الله ، والملا علي البسطامي في مقام علي بن أبي طالب ، وقرة العين في مقام فاطمة الزهراء ، والملا حسن السجستاني في مقام الحسن ، والسيد حسين اليزدي في مقام الحسين ، والملا باقر في مقام الإمام الباقر .... إلى أخره .
أنظر وتفكر !!!!!!
............................................................................
(1) – ومن أراد المزيد فليراجع ( هكذا قتلوا قرة العين ) د. علي الوردي ط 3 1997م ، كولونيا – ألمانية ، منشورات الجمل .
الدر المنثور في طبقات ربات الخدور ،ص349 ، زينب يوسف فواز ، ط1 بولاق مصر 1312هـ .
(2) – عقائد الشيخية بقلم احمد الخراساني ، وظهور الحق ، سلطان الكر بلائي ، طبع في إيران .