موروث ومواقف الأشراف العبادلة
في العراق مع آل عون الملوك

مقدمة :

لا يخفى على الجميع إن التاريخ ذاكرة الشعوب وان الوثائق والمذكرات هي صمام الأمان للحقيقة والبيان ,حيث إن الموروث التاريخي حال ظهوره يجُب ما قبله من خلاف ,
فإذا ما قلنا إن الخلاف معتبر كما يقول الفقهاء , فلابد من عدم وجود أدلة ووثائق لنأخذ باعتباره , أما بعد خروج الأدلة والوثائق فقد أصبح هذا الخلاف مذموم ومبني على العصبية والجاهلية التي نهى عنها الشارع ما لم يثبت العكس.

فمن الأمور التي لاشك فيها إن القبائل و البيوتات التي انتشرت في القرن الماضي في ربوع المعمورة صنعت لنفسها قوة معنوية ومادية من خلال الأحلاف التي كانت إما هرباً من حرب أو مرض أو ثأر أو بحثاً عن الكلأ والرزق , ومع هذا لا يخلوا الأمر من شكوك تفندها الوثائق والقرائن والأدلة حال ظهورها,

لذلك أود قبل أن ادخل بموضوع العبادلة الأشراف في العراق أن اقتطف لموضوعي هذا مدخل أشرع به ممهداً له,
فقد كتب السيد جاسم العساف العبدلي بحثاً قبل ظهور الوثائق الملكية الخاصة بالعبادلة الأشراف في العراق , و التي كانت بخط جلالة الملك المغفور له فيصل الأول ملك ومؤسسة الدولة العراقية الحديثة , كما ان بحثه كان قبل وقوع عملية التزوير في نسب الملك فيصل من أحد عبادلة الحجاز , فحين قام أحد كبار العبادلة في الحجاز بالحاق ولد للملك فيصل لم يكن من صلبه كما هو ثابت في الوثائق والكتب تصدى لهم العبادلة أشراف العراق وكشفوا اكبر عملة تزوير في تاريخ النسب الطاهر والتي حاولوا بها تزوير نسب الملك فيصل الأول رحمه الله , مما أثار حفيظة الأشراف العبادلة في العراق وقاموا بالتصدي لهذه الجريمة الكبرى, وأجبروا بنو عمومتهم في الحجاز لإصدار بيانات بحق الدعي والمزورين.

لذا أستميحكم عذراً سادتي الأفاضل على هذا المدخل المحزن لموضوعي , فما كنت لأذكر تلك الواقعة إلا حرصا وتبياناً أن المرجعية في الأصل لا علاقة لها بالمكان, بل المرجعية هي ضمير الإنسان ,
وان كان الله جل في علاه اختار لنا الكعبة المشرفة قبلة لصلاتنا, فأنه بارك بما حولها , فحين نتكلم عن العبادلة الأشراف في العراق يجب ان يعلم القارئ والأجيال التي ستطلع على هذا الموضوع بعد سنين,
إن هذا الفرع الأصيل لم يذكره الملك فيصل الأول في مذكراته عبثاً, بل شاء الله وان يعيد التاريخ نفسه , فيقوم أبناء هذه القبيلة في العراق بالدفاع عن نسبه بعد وفاته , كما دافعو عنه أثناء حياته حيث جاء ذكر ذلك وعلى لسانه رحمه الله في مذكراته,

لا أريد الاسترسال بالقول , وأترككم الآن مع مقتطف من بحث السيد جاسم العساف العبدلي الذي كتبه كما أشرنا قبل ظهور الوثائق وقبل كشف جريمة التزوير بنسب الملك فيصل الأول , حيث يقول السيد جاسم:

إن العبادلة الأشراف حين خروجهم من موطنهم الأصلي في مكة المكرمة بسبب الخلافات الحادة التي حصلت فيما بينهم ( وهو مرض الأشراف الفتاك ) خرج معهم العدد الكبير من العبيد والخدم والرعاة والموالي والمماليك، وان هؤلاء الأتباع وبمرور الزمن انتحلوا العبدلية نسباً لهم، ومثل هذا العرف كان وما زال سارياً منذ عصور ما قبل الإسلام والى يومنا هذا، فقد ينظمّ الرجل إلى غير قبيلته بالحلف والموالاة فينتسب إليهم، ويقال حليف بني فلان أو مولاهم، وإذا كان الرجل من قبيلة ودخل في قبيلة أخرى، جاز أن ينتسب إلى القبيلة الأولى، وان ينتسب إلى القبيلة التي دخل فيها، مثل أن يقال: التميمي ثم الوائلي أو ما أشبه ذلك.
أما طبقة العبيد، وهم أحط الطبقات، ولا يزال اسم العبودية لاصقاً بهم، ولو أن أسيادهم اعتقوهم فصاروا أحرارا يتصرفون بأنفسهم و أموالهم كما يشاءون.، وأفراد العشيرة لا يصاهرون هؤلاء، بحكم أنهم ليسوا بمستوى اجتماعي مماثل لهم، وليس كل العبيد سود البشرة، بل إن بعضهم بيض، وهؤلاء العبيد رغم انعتاقهم ما برحوا متعلقين بشيوخهم وأسيادهم، لا ينفكون عن ولائهم وخدمتهم وبذل النفس والنفيس في سبيلهم، لولا صفة بارزة تتجلى أحيانا في بعضهم، وهي نكران الجميل، فأحدهم يبقى على الولاء ما دام يرى إحسانا ومعروفاً، أما إذا قصّر عنه مولاه ولو قليلاً بسبب عسر أو سهو تنكر وجحد.
ونود أن نبين للجميع بان هؤلاء الأتباع المنتحلين العبدلية نسباً لهم، أو ممن دخل بأحد الطرق المذكورة أعلاه، مشخصون ومعروفون، ونعلم عنهم الشيء الكثير، ولكن لاعتبارات إنسانية سنتجنب التعرض لهم طالما إنهم لم يتنكروا لجميل أسيادهم. وبعكسه سنقوم بنشر بعض الوثائق القديمة والقسامات الشرعية الخاصة بتوزيع أملاك بعض الأشراف العبادلة المتوفين على الورثة وأموالهم وتركاتهم، ومن بين تلك الموروثات عبيد ومماليك بالاسم الصريح، واعتقوا فيما بعد، ولا زالت ذراريهم موجودة إلى اليوم.
وكم كان بودّي نشر الوثيقة المـحررة في سنة 1168هـ. وهي عبارة عن قسام شرعي بتوزيع تركة أحد الأشراف العبادلة الحسنيين، ومن بينها عبد وعبدة ومملوك، وهذا المملوك له ذرية، متخذين العبدلية نسباً لهم حيناً، و أحيانا أخرى تراهم من اشد المتحمسين الداعين للانتساب إلى عشيرة الرولة، بعد أن يأسوا من الدخول في نسب الأشراف الحسنيين، وكانت لي الرغبة الشديدة في نشر هذه الوثيقة من خلال هذا البحث، إلا أن معارضة أحد أبناء عمومتنا العبادلة حالت دون تحقيق ذلك في الوقت الحاضر، مقدراً لما بين الطرفين من علاقات حسنة. و بالمقابل، فان هناك أشخاص وعوائل هم حقاً من العبادلة الأشراف نسباً، بدليل ورود أسماء آبائهم وأجداهم ضمن مشجرات النسب الموثوقة و المصدقة، ألا انهم – مع الأسف الشديد – نراهم يتخبطون ويتلونون، و يتأرجحون في نسبهم، ويدّعون دعاوى لا أساس لها من الصحة. فإنكار الحقائق لا ينفي وجودها، فمصادرهم في أوهامهم، واهوائهم مجهولة غير معلومة، خفية غير ظاهرة، فلا عن بيّنة يعتقدون، ولا إلى غاية صالحة ينـزعون، وعذرنا لهم أن كثيراً من النفوس التي الفت شيئاً وطبعت عليه، يصعب عليها أن تتحلل منه و تنـزع إلى جديد غيره.
نسأل الله تعالى أن يردهم إلى جادة الصواب، ويدفع عنهم المكابرة والغرور، إذ أن الغرور قد يدفع الإنسان الغبي إلى التنكر للحق، والبعد عن الاستقامة، وكأنه يريد بغروره وطغيانه أن يثبت ذاته بطريق المخالفة ولو إلى الباطل، وقديماً قيل لمثله ((خــالف تُـعـرف )).والمرء عدو ما جهل.
والإتباع للحق، والاقتداء في مجال الصدق من شيم الأقوياء الذين يعرفون الحق فيتبعونه، ويعرفون الباطل فيتجنبونه، ولا يرون في الرجوع إلى الحق أي غضاضة، ولذلك ينبغي للمؤمن أن يحرص على فضيلة الإتباع، وان يحذر رذيلة الابتداع، ويقتدي بقول الخليفة الراشد سيدنا عمر بن الخطاب (( رضي الله عنه )) في رسالته إلى أبي موسى الأشعري:- (( ولا يمنعنّك قضاء قضية بالأمس، فراجعت فيه نفسك، وهديت فيه لرشدك أن ترجع إلى الحق، فإن الحق قديم لا يبطله شيء، واعلم أن مراجعة الحق خير من التمادي في الباطل )). - الفاروق عمر بن الخطاب – للأستاذ محمد رضا ص062 والبيان والتبيين للجاحظ ص 237
وقول الله سبحانه وتعالى في الآية 24 من سورة البقرة:-
(( ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وانتم تعلمون )).
وليعلم المغرورون أن الانتساب العفوي، وكذلك الدحض العفوي الذي لا يستند إلى دليل، فذلك ما لا يحسن بإنسان يحترم نفسه الأخذ به، كما ليس من الحكمة أن نضع الآراء التي تغير النسب الحقيقي للعشيرة المتحالفة مع عشيرة أخرى فوق مستوى النقد وننظر إليها على أنها حقائق علمية لا يأتيها الباطل من بين يديها أو من خلفها.
فكل تلك الآراء تحتمل النقد، وقد تورط من اخذ بها في إصدار تعليلات عليلة لا يمكن التسليم بصحتها، لإستنادهم إلى مقدمات فاسدة، بنوا عليها نتائج باطلة، وقد اقترفوا ظلماً، بوضعهم الشيء في غير محله.
عن أمير المؤمنين سيدنا علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله ((محمد)) صلى الله عليه وسلم:- (( إن الله حرم الجنة على من ظلم أهل بيتي، أو قاتلهم، أو أغار عليهم، أو سبـهم )) – ذخائر العقبى – للطبري ص30.
فالعبدلي الصميم من طبيعته غيور على نسبه كغيرته على دينه، أو عرضه، أو وطنه، ولا يستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير، ولا يرضى أو يرتضي لنفسه أن يكون ذيلاً لعشيرة أخرى، أو تابعاً أو ملحقاً أو حاشية أو ما شابه من هذه الصفات الرخيصة.
فالعبادلة الصرحاء واسطة العِقد في كل القبائل والعشائر، وليسوا لحقاً لحاشية أو تبعاً، بل غيرهم تابع لهم، وإني إذ أهيب بكل عبدلي وكل سيد حسيني أو شريف حسني أن يبتعد عن قبول مثل هذه العبارات ويقاومها وينبذها، إذ أن إطلاقها أو قبولها ما هو إلا محاولة لإفقاد هذه القبيلة مزية الأصل وشامخ الشرف، وما أقساها من عبارات.
أما كلمة التبعية وشدة وقعها على النفوس، فلا تختلف عن كلمة العبودية. وإطلاق كلمة التبعية على الأشراف والسادة مخالف لمضمون ومعنى الحديث الشريف:
((الناس تبع لقريش، صالحهم تبع لصالحهم، وشرارهم تبع لشرارهم )).
- أخرجه الأمام احمد في المناقب. ورواه احمد بن عبد الله الطبري في ذخائر العقبى ص 23-. هذا بالنسبة لعموم قريش، فكيف وأين يكون موقع الشريف الحسني أو السيد الحسيني، وأين يكون موقعك أنت أيها الشريف العبدلي الحسني الهاشمي القرشي، أننا لا ننظر للموضوع نظرة استعلائية أو تفاخرية، حاشا الله أن يكون ذلك، ولكن من باب لكل مقام مقال، ولو أن من حق كل حسني او حسيني أن يفاخر من يشاء، ويطاول نجوم السماء.
ولكن تحفيزاً لمن يريد الله أن يذهب عنهم الرجس ويطهرهم تطهراً، ومودة لمن لا يسألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أجراً إلّا مودتهم لقرباهم منه.
عذراً سيدي أبا القاسم، هل نودّهم، وقد تنكروا لقرباك، هل نودهم وقد خرجوا من دائرة النسب النبوي الشريف، هل نودهم وهم حرب على أهل بيتك الطاهرين، هل نودهم وقد سيّدوا غير السيد وفضلوا غير الفاضل، وقالوا بعلم من لا علم له، هل نودهم وهم اتباع من سبق إليهم من غير تمييز بين الفاضل والمفضول، والفضل والنقصان، ولا معرفة للحق من الباطل عندهم، ولا ينكرون منكراً، ولا يعرّفون معروفاً، ولا يبالون أن يلحقوا البار بالفاجر، والمؤمن بالكافر ؟
أما الديار فإنها كديارهم وارى رجال الحي غير رجاله.
وعلى كل حالٍ، فالتحالف أو الانضمام إلى قبيلة أو عشيرة اكبر من العشيرة الداخلة ما هو إلا عملية تذويب شخصية لتلك العشيرة، وبالتالي انصهارها وهدم كيانها كلياً، حتى لم تعد تعرف تاريخها، أو هويتها، وبهذا فقد ضاعت العشيرة وضاع نسبها.
وخلاصة القول، يعد اختلاط العشيرة بالعشيرة والنسب بالنسب اول مراحل الضياع المطلق.
لأجل كل هذا، فالمطلوب من أبناء قبيلة العبادلة، السعي بجدية لتدوين تاريخهم، لا سيما في العراق. فالحكماء قالوا قديماً:-
(( ما كُتِبَ قَرّ، وما حُفِظَ فَرّ ))
وقيل شعراً:-
وما غلظت رقاب الُأسد حتى بأنفسها تولت ما عناها.
ولا نلتفت إلى من لا يعبأ الله بهم، قال الإمام علي بن أبى طالب – عليه السلام – في نهج البلاغة – ج4 ص594:-
(( الناس اثنان: عالم ومتعلم، وما عدا ذلك همج رعاع لا يعبأ الله بهم ))
قال أبو الدرداء – رضي الله عنه:-
(( العالم والمتعلم شريكان في الخير. وسائر الناس همج لا خير فيهم ))
ج1 ص95 – إحياء علوم الدين –لحجة الإسلام الإمام أبى حامد الغزالي.
لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يحذر الناس المتبرئين من أنسابهم وان صَغُرَت، وكذلك يحذرهم الادعاء إلى نسب لا يُعرف، فقال:-
(( كفرٌ بالله تبرؤٌ من نسب وان دقّ، وكفرٌ ادعاء إلى نسبٍ لا يُعرف ))
(( حديث حسن خرجه الألباني، وقال حديث حسن صحيح (في سنن ابن ماجة. مج2 رقم 2116)).
ذُكر أن الأشعث بن قيس قال:-
((قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في وفد كنده فقلت: ألستم منا يا رسول الله ؟
فقال لا، نحن بنو النضر من كنانة، لا نقفوا أمّنا، ولا ننتفي من أبينا )). – ابن عبد البر النمري القرطبي المتوفى سنة 463هـ – في كتاب القصد في الاسم في التعريف بأنساب العرب والعجم، وأول من تكلم بالعربية من الأمم /ص42/النجف –المطبعة الحيدرية-.
فقبيلة العبادلة الحسنية، شأنها كباقي القبائل والعشائر المنتمية نسباً إلى بيت النبوة، لها من الأمجاد والمفاخر والفضل الشيء الكثير، فحريٌّ أن يكتب تأريخها، سيما و أنها من سلالة من رفع الله عنهم ما وضعه في غيرهم، فما كان من فضل أو إحسان فبـهم وصل إلينا، وانهم سلّم الله إلى خلقه، ووسيلته إلى طرقه.
قال الشاعر مسهر بن النعمان بن عمرو:-
لكل أناس سلم يرتقى بـــه وليس إلينا في السلالم مطلعُ
وينفر منا كل وحش وينتمي إلى وحشنا وحش البلاد فيرتع
فالحمد لله الذي رفع عنكم أهل البيت ما وضعه في غيركم.
فمـــا كان من خير أتوه فأنما تــوارثه آباء آبائهم قبــلُ
وهــل ينبت الخطي إلّا وشيجة وتغرس إلّا في منابتــها النخلُ ا.هـ

لم أكن ارغب في اقتطاع واجتزاء كلام السيد جاسم وتركته كما هو عليه لفصاحته وبيانه , لكن أود أن أبين للقارئ الكريم إن هذا الخلاف جاء بعد قرار الحكومة العراقية في تسعينيات القرن الماضي حول تثبيت الأنساب , ولأن اللجان لم تكن تتمتع بقبول الجميع كونها حكومية التأسيس والسمة العامة في الناس هي نفرتها من دخول السياسة في علم التنسيب , لهذا أصبح اليوم هناك متسع لاستدراك قراراتها أو اعتبارها لا غية ان جاز التعبير كما يعتبرها البعض خصوصاً بعد تغير الحال وظهور مستجدات لكثير من القبائل كان من ضمنهم العبادلة الأشراف الذين كشفوا لنا عن موروث لم يكشفوا عنه من قبل لأسباب سياسية لا تخفى على الجميع ,
لكن بعد تغير الأحوال شاء الله أن يـُكشف الستار عن هذه الوثائق وتـُلجم كل من ناصب ذرية أهل البيت العداوة والبغضاء ,

فبعد دفاع العبادلة الأشراف في العراق عن الملك فيصل الأول في حياته كما جاء ذكرهم بالمذكرات , وبعد وفاته ايضاً كما في تصديهم لتزوير نسبه , أصبح من الواجب ان يقول المنصفين كلمتهم فلا يعرف الفضل إلا ذووه.
ومع هذا ليس من حقنا مصادرة اراء الآخرين كما ليس من حقهم السعي لتعميم آرائهم على العامة ممن ليس لهم الخبرة في البحث ولا في الأطلاع على مستجدات الأمور , فالهجمة المسعورة التي يروج لها المرجفون لدوافع دنيوية وسياسية حالت بينهم وبين الحقيقة , وأصبح قادة هذه الحملة قطاع رحم بدلاً من وصله,

لذلك قلنا لننصف ما قاله أهل العلم في المسائل الخلافية حيث قالوا:
( لا إنكار في مسائل الخلاف )
فما يحدث من تداخل في تشابه اللقب واختلاف النسب مع غياب ثقافة البحث حالة لا تخلوا منها قبيلة من قبائلنا العربية الأصيلة,
ومن هنا أود الإشارة لكلام الباحث التاريخي كاظم المسعودي في هذا الصدد حين قال:
اهتمت القبائل العربية ومنذ القدم بإقامة الأحلاف فتحالف بعضها مع البعض الآخر والغاية من التحالف زيادة قوة القبائل المتحالفة بكثرة العدد والعدة لتقف أمام القبائل الكبيرة مهابة الجانب يحسب لها أعداؤها ألف حساب وكلما زاد عدد المتحالفين زادت قوتهم وهيبتهم ومكنتهم قوة التحالف من التحول من الدافع عن نفسه ضد الغزاة والمعتدين إلى المهاجم المتمكن من غزو القبائل الضعيفة وبسط نفوذه عليها. وتعتبر القوة والهيمنة من محاسن الأحلاف ومن محاسنها الأخرى توحيد القيادة والرأي والمصير والراية والاسم والنخوة.ا.هـ
لذا أصبح اليوم من الواضح إن الأحلاف موجودة كما هو معروف ولا يمكن البت في فرزها وتبويبها ما لم تخرج وثائق وأدلة تحفها قرائن تساعد على تصنيف هذه الأحلاف , فلم يعد اليوم حاجة إلى الأحلاف مع استقلال الدول وعمل مؤسساتها واستقرار القبائل , وهنا أعود بكم الى كلام الباحث كاظم المسعودي مرة أخرى حين ذكر:
ومن المعلوم أن توحيد الاسم والراية والنخوة يعطي لقبائل الحلف هوية موحدة تحل محل هوية النسب بما في ذلك اسم النسب ورايته ونخوته ولكن ميزات ومحاسن الحلف تقابلها مساوئ أهمها ضياع اسم النسب ونخوته أحياناً ويحدث ذلك بسبب الاعتزاز باسم الحلف ونخوته وإذا مرت مدة طويلة على قيام الحلف تنشأ خلالها أجيال قد تضيع هوية النسب ونخوته ويحدث هذا عندما لا يخضع تاريخ القبيلة إلى التوثيق بالكتابة والتدوين بسبب انتشار الأمية والجهل وحياة البداوة غير المستقرة .ا.هـ
نعم لقد أصاب المسعودي كبد الحقيقة كما يقال في هذا الوصف, فتكاثر النسل وظهور أجيال بعد تكوين الحلف لاشك انه يفقد ويٌـضيع هوية الحلف خصوصاً عندما لا يخضع تاريخ القبيلة الى التوثيق بالكتابة
لهذا كان من فضل الله على نبيه أن حفظ له نسله , فما إن ظهرت الوثائق الملكية حتى وضعت نهاية للموضوع ما لم تظهر وثائق مماثلة تؤيد دوة الطرف الآخر ليؤخذ بها بالمقابل دون تعميم الأحكام وأخذ كل حالة منفصلة عن الأخرى ودراسة موروث كل عائلة منفصلة عن غيرها فليس كل ما يلمع ذهب كما يقولون.
كما لم يغب عن ذهن المسعودي ان ينوه مرة أخرى الى قضية مهمة قال فيها: وعند غياب التوثيق يعتمد رجال القبائل على تلقين وتحفيظ أنسابهم وما يتعلق بها إلى أولادهم وأحفادهم. إن طريقة التلقين والتحفيظ قد تحرف وتشوه النسب فعند اعتمادها لمعرفة نسب القبيلة فإنها تحتاج إلى أدلة تقنع الباحث وتعينه على الوصول إلى الحقيقة.ا.هـ
وهذا والله هو كلام العقلاء أصحاب الضمائر الحية الذين يتورعون في التوثيق ولا يعتمدون على الروايات والسماع فقط.
حيث نجد اليوم اغلب الباحثين يذكر ويؤلف الكتاب ليضع اسمه على غلافه وكأنه يقول للناس ما عندي هو الأصح , دون أن يسمح لنفسه الاستدراك بعد حدوث مستجدات للموضوع ويترك الأمر وكأنه لم يكتب شيء متناسياً قول الله جل في علاه (( مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ))
وحين نبحث عن المعلومات التي استقاها هذا الكاتب والباحث نجد إن مصادره و معلوماته مبنية على النقل ,وعلى أبيات الشعر , علما ا ن أبيات الشعر غير موثقة تاريخياً كما هي الأحاديث مع فارق الشبه , فمن الممكن أن أقول لكم بيتاً شعرياً أدعم به مزاعمي وأوهم الناس انه قبل مائة عام وسمعته من جدي , كما ان القطيعة السياسية بين الحكومات مع البعد الجغرافي بين الأوطان دفع الى استعمال الرسائل فيقول لك وصلني من فلان رسالة علماً ان فلان معاصر وأحد أطراف الخلاف , فهل هذا دليل؟ بل تصل بهم الجرأة أحيانا أن يقول سمعت من فلان كلام وهو لم يرى فلان ولم يلتق بفلان وينزل درجة السماع في أيامنا وكأنها في زمن الصحابة العدول الثقات , بل المؤلم أكثر من ذلك انه لا يتورع من الأخذ دون التثبت فالمهم انه يأخذ المعلومة لينتصر بها لفكرته وكان الله في عون الرحم و من يقرأ بعده,
إن من كتب في الأنساب لم يراعوا علم الرجال ( الجرح والتعديل ) وما أكثر اليوم هذا الأمر , فلو أردنا ان نطبق قواعد علم الجرح والتعديل على كتب وأبحاث الأنساب فلم ينجوا متهم ولا بريء , فالقال والقيل , ورحم الله الدليل.

ومن الأمور المهمة التي يجب معرفتها والوقوف عندها ما ذكره المسعودي عن محاسن ومساوئ الأحلاف حيث ذكر:
إن المغريات التي تشجع على التحالف بين القبائل تحجب عنها في البداية النظر إلى الأضرار التي ستلحق بها في المستقبل البعيد ومن المغريات التي تشجع على التحالف بين القبائل احتماء القبائل الضعيفة بالقبائل القوية والتخلص من الضغوط والتجاوزات التي تقع عليها من القبائل الأخرى يضاف إلى ذلك الأمل في تحقيق مغانم ومكاسب مادية ومعنوية كالحصول على المراعي الوافرة العشب والأراضي الخصبة المروية لاستقرار الحلفاء والعيش الرغيد الآمن فيها والظهور بمظهر الهيبة والاحترام بين العشائر المجاورة وقد أدى هذا الاتجاه في التحالف إلى ظهور قبائل غير متجانسة في أنسابها ولكنها مندمجة ببعضها البعض بسبب اعتزازها بالحلف مع أنها لا تنتسب إلى نسب واحد ويزداد هذا الاندماج بزيادة تحقيق المصالح المادية والمعنوية ويترسخ كلما مرت فترة أطول على قيام الحلف وإذا كتب له البقاء مدة طويلة فإن الأجيال الجديدة التي نشأت في ظله ستنسى انتسابها إلى العشيرة الأصل وتنسى اسمها ونخوتها وتضيع صلاتها بالعشائر التي ترتبط معها بصلة النسب وتبقى في حالة انفراط عقد الحلف بعد مدة طويلة تائهة لا تستطيع تلمس الطريق الذي يوصلها إلى من تنتسب إليه في الأصل وهذا يدل على أن للحلف مساوئً وأضراراً لا تراها العشيرة عند الشروع بدخوله وتبقى كامنة تغطيها حلاوة المكاسب الآنية ولكنها ستظهر إن عاجلاً أو آجلاً عندما يتفكك الحلف ويصبح عديم الفائدة عاجزاً عن لملة شتات وبعثرة العشائر التي كانت فيه وإذا حصل هذا التفكك فإن الأضرار ستنصب على العشائر الصغيرة والضعيفة التي كانت تعتمد على قوته وحمايته فتعود إلى الاعتماد على الذات وبناء نفسها من جديد ويتحتم عليها إصلاح الخلل الذي أصابها من جراء ضياع هوية النسب بالرجوع إليه والتمسك به رسمياً وعشائرياً وينطبق هذا على العشائر التي غلبت اسم الحلف على اسمها الأصل وصارت تسمى باسمه وتنتخي بنخوته وتستظل برايته وذهبت أبعد من هذا فوثقت انتسابها للحلف بدلاً من الأصل وتلقبت باسمه في سجلات الأحوال المدنية وبذلك تكون قد قطعت الصلة الرسمية والنسبية بأصلها وانحازت للحلف انحيازاً أعمى لا مبرر له ونسيت صلة ذي القربى بما يرضي الله ورسوله ويمتن أواصر المودة والتعاون على البر والتقوى سيما وإن الحاجة للأحلاف زالت في زماننا وتمدنت وتحضرت عشائر كثيرة في ظل الحكم الوطني الذي وفر الأمن وسيادة القانون والاستقرار والعدالة والمساواة بين المواطنين.أ.هـ
لهذا من الممكن القول ان مصابنا كبير فالانحياز الأعمى كما قال المسعودي هو فعلاً قطيعة لصلة الرحم بدل من وصله ويخالف شرعة الله
فلم يعد اليوم حاجة ملحة للتشبث بالأحلاف , لكنها الدنيا و أكاد اجزم ان اغلب من يتمسك اليوم بهذا الطرح هم زعماء وكبار هذه الأحلاف , وذلك رغبة منهم في الرياسة والسلطان وحب الزعامة لدى الإنسان,
حيث يـٌخيَل لصاحبها انه قد يفقد الهيبة بين قومه و يُسحب البساط من تحته إذا ما أقر بهذه الحقيقة , دون أن يراعي مصلحة العشيرة ومخافة الله في ضياع الأجيال.

لهذا وبعد كل ما تم ذكره لم يعد من المنصف القول بما سطره الباحثون ممن تحدثوا عن القبائل بالسماع دون الرجوع الى أصحاب الشأن وخصوصاً قبل انتشار الثورة التكنولوجية وظهور الإنترنت ,
فيجب اليوم ان يتحلى الباحث بالشجاعة ويراجع ما كتب قبل ظهور وانتشار الإنترنت وسهولة المواصلات والتواصل , فمن الأمانة استدراك ما تم تأليفه من كتب اعتمدت في مصادرها على النقل والسماع خصوصاً إذا ظهرت وثائق وقرائن تفند آرائهم.

فمن صدق الحديث وأدوات البحث الأمانة , فحين يتكلم الإنسان عن موضوع معين وخاصة إذا كان هذا الموضوع يخص النسب الطاهر يجب ان يضع الله نصب عينيه ,
حيث يتوجب على الباحث ان يذكر منهجه في مقدمة الكتاب وعلى أي أساس يستقي معلومة كل عائلة في هذه العشيرة , وان يراعي قضية تشابه اللقب واختلاف النسب , كما يجب على المؤلف أن يقول في أي بحث أو مشجرة هذا ما توصلت إليه من جمع معلومات عن طريق الزيارة الميدانية او الرسائل الإلكترونية او الوثائق التاريخية ويرفق ما يعضد ويؤيد كلامه ,فلا يعقل ان يكون هو في مدينة ويستقي ويوغل ويفصل في انساب مدينة أخرى ويذكرهم ويمر عليهم مرور الكرام وكأنه قد أحصى ما فيهم وراعى معطيات وموروث كل عائلة بعد بحث علمي وتقصي واقعي ,كون البحوث النسبية لم تخرج عن محيطها الدولي الا بعد انتشار النت والجميع يعلم مع انتشار الإنترنت في العالم العربي اي في فترة التسعينات كانت هناك حملة على العراق اتبعها حصار لغاية 2003 الذي انتهى بالاحتلال وتدمير البلد , لذلك نقول لأخوتنا الباحثين حفظهم الله وهدانا وإياهم لما يحب ويرضاه , يجب الآن وبعد جلاء الحملة والعزلة الدولية التي فرضها الغرب على العراق والتي اشترك فيها أشقائنا العرب , ان نضع الله نصب أعيننا, ونستدرك ما فاتنا , حيث سبل الاتصال الحديثة تحقيق المراد , فنرجو استكمال وإلحاق ما فاتهم( فالكمال لله وحده ) وقد غيبت الكثير من الحقائق بدوافع غير شريفة , لهذا نقول :
أما آن الأوان اليوم ان نقف مع رسول الله وننصره في آل بيته بدل السعي الى تشتيتهم وتفرقهم لدوافع سياسية ودنيوية,
بل ان أضعف الإيمان هو تقيد العام لعناوين البحوث لا إطلاقها كما يفعل اليوم كثير من يكتب ويبحث في علم النسب , فنجده يتكلم عوائل وأشخاص ويذكرهم بالاسم دون الرجوع إليهم وسؤالهم والوقوف على موروثهم وأتعجب كيف أحصى كل هذه الأمة بكتابه دون ان يراعي ما قد يفوته !
فلا يعقل ان اكتب اليوم كتاب يتحدث عن قبيلة في العراق مثلا واختار له عنوان عام ! وحين أفصل لا اذكر سوى ما أحصيته في بلدي ومدينتي والباقي أمر عليه مرور الكرام , فهذا يؤدي الى قطع الرحم بدلاً من صلته
فتقيد العنوان وتوضيح البرهان سمة الباحث الأكاديمي .

لهذا آمل من كل من سيطلع على بحثنا هذا ان يقوم بتوجيه دعوة نحاجج بها الباحثين أمام الله , وندعوهم لاستدراك ما فاتهم وعدم تعميم بحوثهم ونحثهم على مراجعة ما يكتبوه كل فترة فعلم الأنساب من العلوم المرنة التي تحتاج الى تحديث دائم لنأخذ القرائن والأدلة ومستجدات الأمور,
وهذا يتطلب منا شجاعة لنعيد التفكير في جميع ما كتب منذ نهاية حكم الأشراف في الحجاز وحتى انتهائه في العراق ,
فاغلب ما تم تأليفه بعد سقوط ملكهم في الحجاز والعراق تم تأليفه بعد هذه الفترة , وما ألف أثنائها كان على نطاق جغرافي ضيق بسبب عدم توفر وسائل الاتصال كما هو معلوم

لهذا أقول إن معظم البحوث التي تتطلب انتشار جغرافي وتاريخي قد شابها الغموض والتعتيم لأسباب فنية مثل عدم توفر سبل الاتصال بشكل واسع فضلا عن الجانب السياسي المقيت الذي ليس من مصلحته لم الشمل والتواصل بين الأشراف كما هو معروف للجميع ,
آمل ان أكون قد وفقت في إيصال ما عندي
فأن صواب فمن الله وان خطا فمن نفسي
وفي الختام احمد الله على توفيقه




والسلام عليكم ورحمة الله



كتبه
الشريف أبو حسن العبدلي

11 -5-2011
abdly_hashme@yahoo.com

موقع بني عقيل الرسمي
الرابط http://www.banyoqail.com/vb/showthread.php?t=3881