حقوق الإنسان عند الإمام علي(ع)
لاشك ان وثيقة حقوق الانسان قد انقذت البشرية من الرق والعبودية ...فهل كان في تاريخنا وثقافتنا ما يتطابق مع وثيقة حقوق الانسان ....هذا ما وجدناه فيما يخص هذا الأمر ولكم أن تزيدوا عليه .

إذا أردنا أن نفصل في هذا المجال، على ضوء (نهج البلاغة) للإمام علي(ع)، نجد الأثر الكبير، الذي خلفه القرآن الكريم وسنة نبيه العظيم، في تشكيل شخصية الإمام المسلم والحاكم المؤمن، وفي توجيه علاقته بالإنسان، فخليفة المسلمين حريص على حفظ دين الفرد مع تقديم كافة الضمانات التي تصونه وتجعل منه انساناً حراً في عقيدته وعبادته وتفكيره (عباد الله، الله الله، في أعز الأنفس عليكم، وأحبّها إليكم. فإن الله قد أوضح لكم سبيل الحق وأنار طرقه. فشقوة لازمة أو سعادة دائمة، فتزودوا في أيام الغناء لأيام البقاء. فقد دللتم على الزاد وأمرتم بالظعن، وحثثتم على المسيرة. فإنما أنتم كركب وقوف لا يدرون متى يؤمرون بالمسير ألا فما يصنع بالدنيا من خلق للآخرة وما يصنع بالمال من عما قليل يسلبه، وتبقى عليه تبعته وحسابه)(1)...

ومن كلام له(ع) مخاطباً أباذر لما خرج إلى الربذة منفياً:

(يا أباذر، إنك غضبت لله فارج من غضبت له. إن القوم خافوك على دنياهم وخفتهم على دينك، فاترك في أيديهم ما خافوك عليه، واهرب منهم بما خفتهم عليه، فما أحوجهم إلى ما منعتهم، وما أغناك عما منعوك، وستعلم من الرابح غداً، والأكثر حسداً، ولو أن السموات والأرضين كانتا على عبد رتقاً ثم اتقى الله لجعل الله له منهماً مخرجاً، ولا يؤنسنّك إلا الحق، ولا يوحشّنك إلا الباطل. فلو قبلت دنياهم لا حبّوك، ولو قرضت منها لأمنوك)(2)...

في موقف فريد يعبر فيه عن احترامه لحرية التفكير ودفاعه عن أصحاب الآراء المخالفة. ومن كلام له رضوان الله عليه، يبدي حرصه على الإنسان وعلى حقه في حياة عزيزة كريمة، يقول:

(وقد علمتم أنه لا ينبغي أن يكون الوالي على الفروج والدماء والمغانم والأحكام وإمامة المسلمين البخيل فتكون في أموالهم نهمته، ولا الجاهل فيضلهم بجهله، ولا الجافي فيقطعهم بجفائه، ولا الحائف للدّول فيتخذ قوماً دون قوم، ولا المرتشي في الحكم فيذهب بالحقوق ويقف بها دون المقاطع، ولا المعطّل للسنة فيهلك الأمة)(3)...

وفي موضع آخر: (أما بعد فإنما أهلك من كان قـــبلكم أنهم منعوا الناس الحقّ فاشـــتروه، وأخذوهـــم بالباطل فاقتدوه)(4)..

وفي اشارة إلى وجوب المحافظة على الكرامة الإنسانية يقول:

(اتقوا الله في عباده وبلاده، فإنكم مسؤولون حتى عن البقاع والبهائم، أطيعوا الله ولا تعصوه، وإذا رأيتم الخير فخذوا به، وإذا رأيتم الشر فأعرضوا عنه)(5).

وفي تأكيد منه على المحافظة على حرية الفكر والرأي والعمل يقول:

(... واستعن بمن انقاد معك عمن تقاعس، فإن المتكاره مغيبه خير من شهوده، وقعوده أغنى من نهوضه)(6).

وفي كلام آخر: (سع الناس بوجهك ومجلسك وحكمك، وإياك والغضب فإنه طيرة من الشيطان، واعلم أن ما قرّبك من الله يباعدك من النار، وما باعدك من الله يقربك من النار)(7).

وفي كلام آخر: (فمنهم المنكر للمنكر بيده ولسانه وقلبه، فذلك المستكمل لخصال الخير، ومنهم المنكر بلسانه وقلبه والتارك بيده، فذلك متمسك بخصلتين من خصال الخير ومضيع خصلة، ومنهم المنكر بقلبه والتارك بيده ولسانه فذلك الذي ضيّع اشرف الخصلتين من الثلاث وتمسك بواحدة، ومنهم تارك لإنكار المنكر بلسانه وقلبه ويده فذلك ميّت الأحياء وما أعمال البر كلها والجهاد في سبيل الله عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا كنفثة في بحر لجّي وان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يقربان من أجلٍ، ولا ينقصان من رزق، وأفضل من ذلك كله كلمة عدل عند إمام جائر)(8).

ومن احتجاجه وغضبه لنفي أبي ذر رضي الله عنه، وإبعاده يظهر حرص الإمام على الإنسان واصراره على صون حريته في الاقامة والتنقل، أما عن قراره في حماية الإنسان من التنكيل والتعذيب فيبرز من خلال كتاب بعث به إلى عبد الله بن عباس رضي الله عنه، وهو عامله على البصرة:

(فحادث أهلها بالاحسان اليهم، واحلل عقدة الخوف من قلوبهم... وقد بلغني تنمرك لبني تميم وغلظتك عليهم)(9).

ومن كتاب له عليه السلام إلى بعض عماله:

(أما بعد، فإن دهاقين أهل بلدك شكوا منك غلظة وقسوة واحتقاراً وجفوة)(10).

ومن عهده(ع)، إلى محمد بن أبي بكر، حين قلّده مصر:

(فأخفض لهم جناحك، وألن لهم جانبك وابسط لهم وجهك...)(11).

ويرتقي الإمام علي(ع) في دفاعه عن الإنسان وحقوقه، حين يأمر بحماية سمعته والنهي عن عيب الناس:

(وإنما ينبغي لأهل العصمة والمصنوع إليهم في السلامة، أن يرحموا أهل الذنوب والمعصية، ويكون الشكر هو الغالب عليهم والحاجز لهم عنهم: فكيف بالعائب الذي عاب أخاً وعيّره ببلواه. أما ذكر موضع ستر الله عليه من ذنوبه مما هو أعظم من الذنب الذي عاب به. وكيف يذمه بذنب ركب مثله، فإن لم يكن ركب ذلك الذنب بعينه فقد عصى الله فيما سواه مما هو أعظم منه، وإيم الله لئن لم يكن عصاه في الكبير وعصاه في الصغير لجرأته على عيب الناس أكبر يا عبد الله، لا تعجل في عيب أحد بذنبه فلعله مغفور له، ولا تأمن على نفسك صغير معصية فلعلك معذّب عليه...)(12).

ويقول في موضع آخر مدافعاً عن قراره:

(أيها الناس من عرف من أخيه وثيقة دين وسداد طريق فلا يسمعنّ فيه أقاويل الرجال. أما إنه قد يرمي الرامي وتخطئ السهام ويحيل الكلام، وباطل ذلك يبور والله سميع وشهيد. أما انه ليس بين الحق والباطل إلا أربعة أصابع: الباطل أن تقول سمعت والحق أن تقول رأيت...)(13).

ومن كلام له(ع) وقد سمع قوماً من أصحابه يسبون أهل الشام أيام حربهم بصفين: (إني أكره أن تكونوا سبّابين ولكنكم لو وصفتم أعمالهم وذكرتم حالهم كان أصوب في القول وأبلغ، وقلتم مكان سبكم إياهم: اللهم احقن دماءنا ودماءهم، وأصلح ذات بيننا وبينهم، واهدهم من ضلالتهم حتى يعرف الحق من جهله ويرعوي عن الغيّ والعدوان من لهج به...)(14).

ومن عهد له كتبه للأشتر النخعي لما ولاه مصر وأعمالها: (وليكن أبعد رعيتك منك وأشنؤهم (أبغضهم) عندك أطلبهم لمعائب الناس، فإن في الناس عيوباً الوالي أحق من سترها. فلا تكشفنّ عما غاب عنك منها فإنما عليك تطهير ما ظهر لك، والله يحكم على ما غاب عنك. فاستر العورة ما استطعت يستر الله منك ما تحب ستره من رعيتك...)(15).

وفي مواقف مميزة يؤكد عبرها عزمه على حماية الإنسان من تعسف السلطة يقول الإمام علي(ع) من كتاب له إلى الأشعث بن قيس عامل أذر بيجان: (ليس لك أن تفتات (تستبد) في رعية ولا تخاطر إلا بوثيقة، وفي يديك مال من مال الله عز وجل وأنت من خُزانه...)(16).

وفي توجيه له لأحد ولاته يقول: (... ولا تندمنّ على عفو، ولا تبجحنّ (تعزمن) بعقوبة، ولا تسرعنّ إلى بادرة، وجدت منها مندوحة، ولا تقولن إني مؤمّر آمر فأطاع فإن ذلك إدغال في القلب ومنهكة للدين، وتقرب من الغير (حادثات الدهر بتبدل الدول)(17) ويتابع آمراً الحاكم: (أنصف الله وأنصف الناس من نفسك ومن خاصة أهلك ومن لك فيه هوى من رعيتك، فإنك إلا تفعل تظلم، ومن ظلم عباد الله كان الله خصمه دون عباده، ومن خاصمه الله أدحض حجته (أبطل) وكان لله حرباً حتى ينزع ويتوب)(18) وفي صرخة مدوية في وجه السلطات الظالمة، يخاطب الناس بقوله: (... لا يزالون بكم حتى لا يتركوا منكم إلا نافعاً لهم أو غير ضائر بهم. ولا يزال بلاؤهم حتى لا يكون انتصار أحدكم منهم إلا كانتصار العبد من ربه والصاحب من مستصحبه (التابع من متبوعه) ترد عليكم فتنتهم شوهاء مخشّية (قبيحة المنظر) وقطعاً جاهلية)(19).

وفي مجال حفظ عقل الإنسان وتوفير التعليم المناسب له كأحد حقوقه وواجباته (طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة)(حديث شريف) يقول الإمام علي(ع) موجهاً عبد الله بن عباس، عامله على البصرة: (...واجلس لهم العصرين، فأفت المستفتي وعلم الجاهل وذكر العالم...)(20).

ومن كلام له عليه السلام لكميل بن زياد النخعي: (يا كميل العلم خير من المال، والعلم يحرسك، وأنت تحرس المال، المال تنقصه النفقة والعلم يزكو على الانفاق وصنيع المال يزول بزواله.

يا كميل العلم دين يدان به، به يكسب الإنسان الطاعة في حياته وجميل الأحدوثة بعد وفاته، والعلم حاكم والمال محكوم عليه)(21).

ومن خطبة له: (فإن العامل بغير علم كالسائر على غير طريق. فلا يزيده بعده عن الطريق إلا بعداً من حاجته والعامل بالعلم كالسائر على الطريق الواضح، فلينظر ناظر أسائر هو أم راجع...)(22).

ومن خطبة أخرى موجهاً العلماء: (...فإن العالم العامل بغير علمه كالجاهل الحائر الذي لا يستفيق من جهله، بل الحجة عليه أعظم والحسرة له ألزم، وهو عند الله ألوم)(23) وأما عن حفظ المال وهو من حق الناس على السلطة، فيقول من كلام له لما عوتب على التسوية في العطاء: (ألا وإن إعطاء المال في غير حقه تبذير واسراف، وهو يرفع صاحبه في الدنيا ويضعه في الآخرة ويكرمه في الناس ويهينه عند الله)(24) ويقول محذراً شريح بن الحارث القاضي: (فانظر يا شريح لا تكون اتبعت هذه الدار من غير مالِك، أو نقدت الثمن من غير جلالك فإذاً أنت قد خسرت دار الدنيا ودار الآخرة...)(25).

ومن كتاب له(ع) إلى بعض عماله متوعداً: (وإني أقسم بالله قسماً صادقاً لئن بلغني أنك خنت من فيء المسلمين شيئاً صغيراً أو كبيراً لأشدّنّ عليك شدة تدعك قليل الوفر (المال) ثقيل الظهر ضئيل الأمر (ضعيف) والسلام...)(26) وعن حق الفرد أن ينال كفايته ومسؤولية الدولة عن المحتاجين ورعايتهم يقول في خطبة له مستنكراً: (اضرب بطرْفك حيث شئت من الناس فهل تبصر إلا فقيراً يكابد فقراً أو غنياً بدّل نعمة الله كفراً، أو بخيلاً اتخذ البخل بحق الله وفراً...)(27) ومن كتاب له إلى زياد بن أبيه وهو خليفة عامله عبد الله بن عباس على البصرة، مؤنباً: (... وتطمع - وأنت متمرغ في النعيم تمنعه الضعيف والأرملة - أن يوجب لك ثواب المتصدقين، وإنما المرء مجزي بما أسلف وقادم على ما قدم. والسلام...)(28) وعن حق الفرد في الرعاية الاجتماعية والصحية يأمر قُثَم بن العباس وهو عامله على مكة: (وانظر إلى ما اجتمع عندك من مال الله فاحزمه إلى من قبلك من ذوي العيال والمجاعة مصيباً به مواضع الفاقة والخلاّت، وما فضل عن ذلك فاحمله إلينا لنقسمه فيم قبلنا...)(29).

وأما حمايته للملكية الخاصة فقد ظهر من خلال كتبه إلى عدد من عماله يحضهم فيها على المحافظة على أملاك الناس وينذر من تجرّأ منهم على مصادرتها: (بلغني أنك جردت الأرض فأخذت ما تحت قدميك وأكلت ما تحت يديك، فارفع إلى حسابك، واعلم أن حساب الله أعظم من حساب الناس)(30).

ويقول لآخر موبخاً: (... واختطفت ما قدرت عليه من أموالهم المصونة لأراملهم وأيتامهم اختطاف الذئب الأزلّ (السريع الجري) دامية (المجروحة) المِعزى الكسيرة (المكسورة)...)(31).

ومن كتاب له إلى عماله على الخراج: (ولا تجشموا (تقطعوا) أحداً عن حاجته ولا تحبسوه عن طلبته... ولا تمسُّنَّ مال أحد من الناس مصلٍّ ولا معاهد...)(32).

وعن رأفته بالعمال وحمايتهم يوجه أحد ولاته على مصر بقوله:

(ثم الله الله في الطبقة السفلى من الذين لا حيلة لهم والمساكين والمحتاجين وأهل البؤس والزمنى (شدة الفقر)، فإن في هذه الطبقة قانعاً ومعتراً (المتعرض للعطاء بلا سؤال)، واحفظ لله ما استحفظك من حقه فيهم واجعل لهم قسماً من بيت مالك وقسماً من غلات صوافي الإسلام (ارض الغنيمة) في كل بلد)...(ج3، ص100-101) ويتابع قائلاً: (فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول في غير موطن: (لن تقدّس امة لا يؤخذ للضعيف فيها حقه من القوي غير متتعتع (غير خائف))(33) وفي قمة غضبه من أولئك المسؤولين الذين تجرؤوا على العامل الفقير يقول: (...والله لو أن الحسن والحسين فعلا مثل الذي فعلت ما كانت لهما عندي هوادة ولا ظفرا مني بإرادة حتى آخذ الحق منهما وأزيح الباطل من مظلمتهما...)(34).

وعن المساواة بين بني البشر ونبذ التفرقة بين الأفراد واعتماد العدل يقول علي(ع) في كتاب له إلى الاسود بن قطيبة صاحب حُلوان: (...فليكن أمر الناس عندك في الحق سواء فإنه ليس في الجور عوض من العدل. فاجتنب ما تنكر أمثاله (لو صدر من غيرك)...)(35).

ومن كتاب له إلى بعض عماله: (واخفض للرعية جناحك، وآس (سوّ بينهم) في اللحظة والنظرة والاشارة والتحية، حتى لا يطمع العظماء في حيفك، ولا ييأس الضعفاء من عدلك...)(36).

حق الحاكم وحق المحكوم

وأما في واجب الشورى وحق الأمة في أن تختار حاكمها وأن تراقبه وتحاسبه وتعزله فهو يفتخر بأن الناس اختاروه بملء ارادتهم: (... وبايعني الناس غير مستكرهين ولا مجبرين بل طائعين مخيرين...)(37).

ومن كلام له في وصف بيعته بالخلافة يقول مخاطباً الناس: (وبسطتم يدي فكففتها، ومددتموها فقبضتها، وبلغ من سرور الناس ببيعتهم إياي أن ابتهج بها الصغير هدج إليها الكبير، وتحامل نحوها العليل، وحسرت إليها الكعاب (البنت حين يبدو ثدييها للنهود)(38).

وعن نزوله على رأي قومه ولو خالف رأيه يقول: (لقد كنتُ أمس أميراً فأصبحت اليوم مأموراً، وكنت أمس ناهياً فأصبحت اليوم منهياً. وقد أحببتم البقاء وليس لي أن أحملكم على ما تكرهون)(39).

وفي تفصيل حق الحاكم على الرعية وحق الرعية على الحاكم يقول في خطبة له: (وأعظم ما افترض سبحانه من تلك الحقوق حق الوالي على الرعية وحق الرعية على الوالي، فريضة فرضها الله سبحانه لكل على كل، فجعلها نظاماً لألفتهم وعزاً لدينهم. فليست تصلح الرعية إلا بصلاح الولاة، ولا تصلح الولاة إلا باستقامة الرعية، فإذا أدت الــــرعية إلى الوالي حـــقه وأدى الوالي إليها حقها، عز الحق بينهم، وقامت مناهج الـــدين واعتدلت معالم العدل...)(40) وعن العلاقة التي ينبغي أن تقوم بين الحاكم والرعية يقول: (...فلا تكلموني بما يتكلم به الجبابرة ولا تتحفظوا مني بما يتحفظ به عند أهل البادرة (أهل الغضب) ولا تخالطوني، بالمصانعة (المداراة) ولا تظنوا بي استثقالاً في حق قيل لي ولا التماس إعظام لنفسي. فإنه من استثقل الحق أن يقال له أو العدل أن يعرض عليه كان العمل بهما أثقل عليه...)(41).

أما عن رفضه كل الأوضاع الجائرة أو الحائدة عن منهج الله فيقول(ع): (أتأمروني أن أطلب النصر بالجور فيمن ولّيت عليه، والله ما أطور به ما سمر سمير بما آمر به ولا أقاربه مدى الدهر)، وما أمَّ نجم في السماء نجماً (ما قصد)...)(42) ويقول في موضع آخر: (ولئن أمهل الظالم فلن يفوت أخذه، وهوله بالمرصاد على مجاز طريقه، وبموضع الشجى من مساغ ريقه)(43) وفي مواجهته للظلم والباطل يقسم متوعداً: (وأيم الله لأبقرنّ الباطل حتى أخرج الحق من خاصرته).

ومن خطبة له يتحدث عن الوفاء والغدر يقول: (إن الوفاء توأم الصدق ولا أعلم جنّة أوقى منه. ولا يغدر من علم كيف المرجع...)(44).

ويوجه رسالة إلى أحد ولاته محذراً إياه من الظلم والعدوان:

(وأشعر قلبك الرحمة للرعية والمحبة لهم واللطف بهم، ولا تكوننّ عليهم سبعاً ضارباً تغتنم أكلهم، فإنهم صنفان إما أخ لك في الدين وإما نظير لك في الخلق)(45).

إنه الموقف الواضح والفكر الذي يفصح عنه، إنه (نهج البلاغة) للإمام علي(ع)، إنه وثيقة جامعة تعالج الإنسان داعية إياه إلى المطالبة بكامل حقوقه التي أوجبها الله له، ومستحثة إياه كي يؤدي واجباته تجاه خالقه ونفسه ومجتمعه والبشرية جمعاء، محذرة من أي تلكؤ أو تساهل بداعي الخوف أو الضعف.