بعد مشقة يوم عمل طويل تجدهم يجلسون على الكراسى يرشفون الشاى "المُعتبر" يطالعون فى جرائد أو يلعبون "الدومينو".. يستمعون لصوت أم كلثوم فى المذياع، يواسون أنفسهم بحكاوى "زمان "، هذا هو حال أصحاب المعاش على مقاهى مصر التى كانت قديماً مكان تجمع الشباب اللذين استمروا فى التوافد عليها يومياً حتى تحولت من ملتقى الشباب لتجمع أصحاب المعاشات وبجانبهم شباب من نوع أخر لم يعد الطموح وأحلام المستقبل هى كل ما تتناوله أحاديثهم، واستبدلوها بالحديث عن السياسة والبطالة وغيرها من أحوال شباب الـ"يومين دول"، على ذات المقاهى الشاهدة على تغير الأجيال عاماً بعد آخر.

بين المقاهى التى احتفظت كلاً منها بخصوصية وأنشطة خاصة، استقر مقهى "الشمس" الشهير بمنطقة وسط البلد، وفى نفس الركن الذى اعتاد أن يجلس به منذ خمسين عاما تقريبا.. بدأ عم "محمد مصطفى " بالمعاش" حديثه بنبرة يملأها الحزن والأسى قائلا: "مابقاش فيه حاجة خلاص من ريحة زمان"، مضيفا: "كل يوم باجى هنا من النجمة اقعد مع أصحابى ندردش ونهزر وبعدين أرجع بيتى قبل الفجر ".

المعلم "عبد الرحيم حمدان"، 75 سنة، "صاحب المقهى"، يلتقط منه أطراف الحديث قائلا "القهوة دى بقالها 80 سنة"، ويكمل فخوراً "قعد هنا كل مصر الكبير والصغير والأفندية اللى بيلبسوا طرابيش والبهوات والباشوات"، وعن أشهر من ارتادوا المقهى يقول: "الفنان إسماعيل يس، وعبد الحليم حافظ، وسيد درويش، وأنور وجدى"، مؤكدا أن المقهى كان مقصدا للموظفين على المعاش نظرا لموقعها المتميز فى قلب القاهرة وكانت متنفسا لهم "يدردشون " فى أحوال الحياة بعكس هذه الأيام بات المقهى يستقبل الشباب الثائر الذى حولوه إلى حلقات نقاش سياسى.

وعلى مقهى "ريتو" بشارع عماد الدين حيث تجمع "صفوة " المجتمع من الطبقات الغنية وأصحاب المقام الرفيع، يؤكد عم "أحمد إسماعيل "، 75 سنة، قهوجى، أنه كان شاهدا على هذا الزمن: "ما كنش أى حد وخلاص يقعد هنا لأن الطلبات كانت غالية والضيافة على مستوى"، لافتا أن المقهى شهد العديد من زيجات مشاهير الزمن الجميل مثل الفنانة ليلى فوزى والفنان حسن يوسف والراقصة زينات علوى وغيرهم كثيرون.

الحال يختلف تماما على مقهى "الألفى" الذى كان سببا فى شهرة منطقة بأكملها، فهناك كان يجتمع أصحاب الحرف المختلفة والصنايعية خاصة عمال التراحيل والمقاولين.



أكثر...