أكدت الدكتورة نهلة الفرا استشارى الأمراض النفسية وعضو الجمعية المصرية للتحليل النفسى أن ظاهرة غياب الأب عن أبنائه ظاهرة شائعة وعامة بشكل كبير فى مجتمعنا لأسباب عديدة قد تكون قهرية أو استثنائية أو مقصودة.

وقالت إنه قد يتواجد الأب بصورة دائمة فى المنزل مع أبنائه ولكنه لا يكون له وجود فعلى، فقد يكون أبا سلبيا غير مشارك أو قد يكون مجرد ممول مادى فقط، أو قد يكون مجرد منفذ لعمليات الأمر والنهى، ومخطط ومدبر لكل عمليات التعذيب والتهديدات وممارسة أنواع العقاب المختلفة، أو أنه قد يكون مجرد "تابلوه" أو صورة شكلية مكملة لا طعم لها ولا لون.

وأوضحت دكتور نهلة الفرا أنه فى كل الحالات السابقة فإن الصورة الذهنية للطفل عن أبيه، قد تعيق نجاحه ونموه النفسى الطبيعى...فيظل يبحث عن ذلك "الأب الغائب"...أو الحاضر الغائب..ويظل يبحث عن الإحساس بالهوية المفقودة التى قد يظل طوال حياته يبحث عنها من خلال بدائل، فقد يكون هذا البديل يتمثل فى أشخاص أو أشياء أو اعتناق أفكار شاذة، قد تجره إلى تعويضات زائفة قد تفقده حياته...فمثلا قد يلجأ للمخدرات أو الإدمان أو أصدقاء السوء، أو إلى الانحراف محاولا للتعويض عما يفقده...أو أنه قد "يتسامى" ويلجأ للنجاح والدراسة والتحدى..أو للفن والإبداع والشهرة.. فالكثير من المبدعين المعروفين قد كان لديهم أزمة ذلك الأب الغائب...حيث كان المبدع يبحث عنه من خلال كتاباته التى لا تنتهى..لأن السؤال لا ينتهى مادامت الحياة..من أنا؟؟ ومن أكون؟

لذلك تؤكد دكتور نهلة الفرا أن الأب هو الذى ينقل الطفل من أحضان أمه إلى أحضان الثقافة والواقع...هو الذى ينقل له معنى القوانين..هو الناقل والمؤسس الأول والأوحد لحماية الطفل من نرجسيته وجمح رغباته الطفولية الخيالية لربطها بالواقع...فإذا لم يتحقق ذلك النقل الطبيعى..قد يكبر الطفل مقاوما "للسلطة"...أى سلطة..لا ينصاع للقوانين، معارضا للواقع والطبيعة، معارضا على أى شىء..ولكنه لا يدرك أنه إذا استمر هكذا..حتما سيسقط فى النهاية إلى الهاوية...هاوية المرض النفسى أو الجنون.

ومن ذلك...على كل أب أن يدرس ويتعلم مفهوم "الأب" وكيفية ممارسته لدوره فقد يسأل متخصصين ويتثقف ويتعلم المشاركة الإيجابية، وليس شرطا ان يكون مثاليا...فعليه فقط..أن يكون حقا..أب موجود...فيصبح "الغائب الحاضر"...وليس العكس.



أكثر...