بعد سقوط بغداد ,قفز الى مركز القرار السياسي-الديني رجل
مغمور ,صغير الحجم ,وضعيف الارادة ,وفاقد الهوية ,
ومضطرب نفسيا ,اي بمجمل القول ,انه رجل لايستحق ان
يوصف كما يوصف بقية الرجال العظماء,لانه ببساطة اسمه مقتدى
الصدر.
لم يصدق مقتدى الصدر,الذي كان معروفا في الاوساط الحوزية
بسوء السمعة والسلوك ,بانه اصبح بين يوما وليلة قائدا وزعيما
لاكثر من ثلاثة مليون شخص ,في وسط وجنوب العراق,فاصيب
بالدهشة والذهول ,دهشته هذه ,جعلته شخصا استعراضيا ,اكثر
مما هو مهنيا ,فراح يستقطب الى تياره السذج والمهملين وقطاع
الطرق والصعاليك , ليدخلهم في برامج وخطط همجية غير فعالة
وغير مجدية ,ابرزها الحروب الطائفية ,التي كانت نتائجها تدمير
وتخريب البنى الاجتماعية والاقتصادية في البلاد .
ورغم مقتل واعتقال وتشريد الالاف من اتباعه دون سبب اومبرر
يذكر ,الا انهم ما زالوا يظهرون له الزلفى والطاعة والولاء,رغم
معرفتهم بحماقته وسذاجته ,وحتى عمالته لدول واقطار شتى ,
لاتمتلك في جعبتها اية ذرة من النوايا الحسنة تجاه بلدهم وشعبهم
,ليؤكدوا للجميع انهم موالين وتابعين لقائدهم بدون ادنى معرفة او
بصيرة ,وانما لسبب واحد ,وهو ان مقتدى هو ابن السيد الشهيد
الراحل ,محمد محمد صادق الصدر ,اي لو انه لم يكن ابنا لذلك
السيد الجليل ,لما تبعه احد ,بتاتا.
الطامة الكبرى ,ان قادة التيار المقتدائي,وليس الصدري ,دائما
ما يكذبون على القواعد الشعبية ,فيوحون اليهم زخرف القول ,
وان القائد في احسن احواله ,ضليع في السياسة ,وخبير في
الاقتصاد ,وبارع في الادارة ,وانه النحرير الصنديد ,الذي
لايغفل ,ولايتعب ,رغم ان كلتا قدميه ,متعفنة ,وهرمة ,
لاتعرف لطريق المعرفة وسيلة ,ولاتفهم من امور الادارة
والسياسة والاقتصاد شيئا نزيرا, لكن ما ان غرقت سفينة التيار
بعد صولة الحمير والفرسان التي قادها المالكي ضده ,حتى وجدت
تلك القواعد ان اول الهاربين ,هو مقتدى ,وقادته الكبار ,تاركين
تلك القواعد تئن بين رصاص المالكي وقضبانه الحديدية ,ليثبت لهم
وللجميع بانه رجل جبان وخائن ,لايمتلك اي ذرة من الوجدان
والضمير ,تجاه اتباعه ,الذين ضحوا بكل ما يملكون من اجل رفع
شأنه واعلاء كلمته ,بين الاخرين .

وبعد انتخابات البرلمان الماضية ,كان الجميع ,اتباعه والاخرين
,يتوقعون من مقتدى ,انتهاج فكرة الانتقام من المالكي ,بعد ان
وجه ضربة قاضية لهم ,كسرت ظهر البعير ,لكن الزعيم المجنون
والمضطرب ,قدم الى المالكي طقما ذهبيا ,مكنه من الحصول على
كرسي الرئاسة وسط دهشة وذهول الجميع .
كنا نتوقع ان يخرج ابناء التيار في مسيرات عارمة وكبيرة تندد
بحماقة القائد وخيانته ,للتيار ,لكن الصعاليك من كبار القادة ,
تمكنوا من الضحك عليهم مرة اخرى ,ليخرجونهم في مظاهرات
مجنونة يمجدون فيها القائد الذي خانهم مرتين ,بذريعة ان السيد
الوالد يقول بان السياسة لاقلب لها.
اليكم هذه الرواية
تقدم وفد من الاعيان لمقابلة زعيم عربي وهم متذمرون للتقدم
بشكوى ضد بعض المظالم , سمع الزعيم بخبر مقدمهم فجهز
نفسه بمسرحية. وعندما دخلوا مكتبه كان يتحدث بالهاتف .
يبدو أن الزعيم لم يكن في أفضل حال, فبدأ يرتفع صوته ثم نطق
بجملة مخيفة:أنا آمرك أن تأخذه فورا إلى ساحة الإعدام ولا ترجع
بدون تنفيذ ذلك , نظر الرهط القادم في وجه بعضهم بعضا وقد
امتقعت سحناتهم رعباً, التفت إليهم (الزعيم) مبتسماً وقال
تفضلوا خيرا إن شاء الله, ما الذي أستطيع أن أقدمه لكم؟ صاح
الوفد بصوت رجل واحد: أيها الزعيم نحن جئنا فقط لنتشرف
بمقابلتك ونهنئك على إنجازاتك. قال: قد أديتم الأمانة فانصرفوا
إلى أهلكم راشدين,قائلا في قرارة نفسه ان شعبا من هذا الطراز
,لايستحق ان يحكمه رجلا الا من طرازي.
ترى مدرسة (علم النفس السلوكي) أنه كلما اظهر الأتباع المزيد
من الخضوع (عزَّز) مشاعر السيطرة عند القادة. وفي
مسرحيات احتفالات العظماء يلاحظ المتأمل كيفية ولادة هذا
الوسط. من توجيه ألفاظ التعظيم وأنه المتفضل المنعم الواهب
الرزَّاق ذو القوة المتين. كل الالتفاتات إليه وكل الإيماءات
نحوه. وعند استعراض المحطات الفضائية في لقاء يضم مجموعة
من الزعماء تكاد لا تشعر من كل محطة بوجود أحد سوى رئيسها
وأن الآخرين نكرات مهملة. ويستمر التلفزيون المحلي في تسليط
الكاميرا على الزعيم من كل الزوايا لكل ملمتر من وجهه وكل حركة
من تصرفاته وبالتقريب والتبعيد. وبين الحين والآخر تعرض
صوره على المشاهدين في وجه ملائكي يفيض بالسماحة والاقتدار
تحيط به هالة القديسين.
الشعوب إذن هي التي تصنع الطواغيت كما تصنع خلية النحل
ملكتها من أصغر العاملات. كل ما تحتاجه حتى تصبح ملكة هو
تغذيتها برحيق خاص. وفي عالم البشر يمكن لأي مغامر من أمة
مريضة أن يقفز على ظهر حصان عسكري إلى مركز الصدارة
والتأله. كل ما يحتاجه أمران: عدم التورع عن سفك الدم
وتجنيد الأتباع بغير حساب وضمير.
ان يشعر مقتدى بالقداسة والعصمة شيء..
لكن ان يشعروه اتباعه بتلك القداسة والعصمة شيئا آخر...
وهذا ما خول مقتدى ,لان يصبح مجرما ,بحق نفسه ,حينما اعطاها اكبر من حجمها ,وبحق اتباعه ,حينما جعلهم قنابل يدوية وعبوات ناسفة ومسدسات كاتمة للصوت ,وبحق والده السيد الشهيد الصدر ,حينما هدم بمعوله المشروخ جميع ما شيده من تاريخ واصالة ,في لحظة عابرة ....