عرضت الدورة الـ13 من المهرجان الدولى للفيلم فى مدينة مراكش المغربية، أكثر من 100 عمل سينمائى يعكس كل منها مجتمعًا ووسطًا ثقافيًا مختلفًا، ما أعاد النقاش بين النقاد والمفكرين حول دور السينما كلغة إبداعية تعيد صياغة الواقع، وتأريخ الأحداث وتشكل وعى الناس بذواتهم ومحيطهم.

واعتبر المفكر والفيلسوف الفرنسى إدجار موران، فى حديث لوكالة الأناضول، اليوم السبت أن العلاقة بين الإبداعات الأدبية من قصة ورواية وشعر ذات صلة وطيدة بالفن السينمائي، فجميعها تروى قصة الإنسان بأشكال مختلفة، ما يجعل الفن السينمائى يسهم بشكل كبير فى الحوار بين الثقافات والشعوب ومد جسور المعرفة المتبادلة بينها".

فكل فيلم سينمائى يشكل توليفة خاصة عمادها الرواية المحكية وتعبيرات الصورة المرئية، ويغوص فى تفاصيل المجتمع مدونًا لحظته المعاشة الراهنة، ويعود بالذاكرة إلى أزمنة واقعية بعيدة وأخرى متخيلة، فلكل مجتمع "سينما خاصة به" تحيل إلى واقعه والقيم السائدة داخله، دون أن تنزع هذه الخصوصية الثقافية عن الفن السابع العالمى الشمولى كـ"إحدى الأدوات الثقافية العابرة للقارات".

ويضيف الفيلسوف الفرنسي، الذى أصدر عددًا من المؤلفات الفكرية ناقش من خلاها بشكل عميق "شروط صناعة النجم السينمائي"، أن "الغرب لا يزال يعانى من قصور فى معرفة العوالم السينمائية التى تقدمها فضاءات جغرافية أخرى كالسينما الآسيوية والإنتاجات السينمائية العربية، فعبر هذه الأعمال الفنية المقبلة من ثقافات وأنماط عيش مختلفة عن تلك التى خبرها الإنسان الغربي، نستكشف عالمًا مغايرًا تصوغه رؤى أخرى وزوايا معالجة مختلفة، تساهم فى إثراء الثقافة العالمية والتعرف عن قرب عن ذلك الآخر".

وفى درس فلسفى حول دلالات الصورة وأهميتها فى الفن السينمائى ألقاه الفيلسوف الفرنسى ريجيس دوبري، خلال فعاليات المهرجان الدولى للفيلم بمراكش، اعتبر أن الصورة تمنحنا جواز السفر لرؤية ما لانراه مرئيًا فى العالم، بل تتجاوز حدود قدرتها على إحالة العالم اللامرئى إلى عالم مرئي، لتشكل قوة محركة للخيال والحلم وتحفيز الانفعالات الإنسانية.

ويرى دوبرى أن الصورة التى تشكل أحد أعمد الصناعة السينمائية وركيزتها الأساس تعود جذور تطورها إلى الأديان السماوية فى العهود القديمة، ففن التصوير شهد تطورًا كبيرًا فى ظل الديانة المسيحية، بالنظر للمعتقدات الخاصة لهذه الديانة التى وفرت له سبل الازدهار.

وفى حديثه عن مساهمة السينما فى تشكيل وعيه كمفكر فى وقت مبكر، يقول دوبرى إن الأفلام الوثائقية الإثنوغرافية التى كانت تعرض فى فرنسا فى ستينيات القرن الماضي، والتى تستكشف حضارات وشعوب بعيدة عن رقعتى الجغرافية، خلقت لدى قناعة راسخة بكون العالم بالنسبة للناس هو كل مايمكن تسجيله وعرضه أمامهم.. ومنذ طفولتي، وخلال متابعتى للأشرطة الوثائقية، كانت تتملكنى رغبة فى التجوال عبر العالم واستكشاف مجالات مغايرة لمحيطى وذاتى.

وعرضت خلال فعاليات المهرجان عددًا من الأفلام التى تطرقت إلى مواضيع مختلفة، منها ذات المضمون السياسي، مثل فيلم "المسيرة" لمخرجه البلجيكى ذى الأوصول المغربية نبيل يادير، والذى استعاد وقائع أحداث مسيرة من أجل المساواة وضد العنصرية نظمها شباب مغاربيون عانوا من اعتداءات متطرفة ضدهم، وعاشوا فى ظل تمييز ضدهم.

فيما وجه الفيلم الإيطالى "تحيا الحرية" للمخرج "روبرتو أندو" نقدًا حادًا للطبقة السياسية فى إيطاليا، ودعا إلى إعادة صياغة شخصية "السياسى الملتزم" من أجل الإسهام فى تحسين أوضاع الناس وحل مشاكلهم.

وعادت بعض الأفلام المشاركة فى المسابقة الرئيسية لمهرجان مراكش لتطرح سؤال الهوية والمصالحة مع الانتهاكات الجسيمة، التى تعرضت لها بعض الأقليات، كالفيلم البولندى "آيدا"، والذى أثارت قصته عدد من الثنائيات الجدلية كالهوية الدينية والالتزام بالتعاليم المقدسة، والتعايش السلمى بين الديانات المختلفة.

وتناولت أفلام أخرى مآسى الحروب والأهوال التى ترافقها ويذهب ضيحيتها الأبرياء من الأطفال والنساء، كفيلم "كيف أعيش الآن"، للبريطانى "كيفن ماكدونالد" مقدمًا مشاهد من حرب "عالمية ثالثة" متخيلة.

ويقول نقاد سينمائيون إن هذه التظاهرات الثقافية والفنية المقامة فى البلدان العربية والإفريقية "تساهم فى انفتاح شرائح واسعة من السينمائين المحليين على إنتاجات عالمية، وأخرى تنتمى إلى أنساق ثقافية مغايرة للنسق الثقافى المغربى والعربي"، وتشجيعهم على تطوير قدراتهم للارتقاء بالإنتاج السينمائى المحلى "لينافس على العالمية".

وانطلقت الدورة الحالية من مهرجان مراكش مساء 29 نوفمبر الماضي، وتختتم مساء اليوم السبت، ويتنافس على جوائزه الخمس 15 فيلمًا، ويشارك فى عروض أفلامه إنتاجات عالمية من 23 دولة، بحضور عشرات الوجوه السينمائية العالمية والعربية.



أكثر...