مانديلا والتوازنات الصعبة تم نشره على وكالة الصحافة المستقلة - اخبار العراق.

إياد السامرائي الامين العام للحزب الإسلامي العراقي تحدثنا في مقال سابق وبشكل عام عن مانديلا متمنين أن نرى نموذجاً عربياً معاصراً يماثله . ونريد اليوم أن نلقي الضوء على جانب آخر من دوره، وهو جانب مثير للجدل ،  ولكن دعونا أولاً نتوقف عند هذا الأعجاب الكبير الذي حضى به مانديلا في الإعلام الغربي، والذي وضعه في مصاف عدد محدود من قادة العالم الثالث موازياً لغاندي، ولماذا رفقاء دربه لم يحظوا بالمكانة التي له على الرغم من أن نضالهم لا يقل عن نضاله وسنوات سجنهم قاربت سنواته ، ولكن لا أحد يذكرهم أو يتطرق إليهم ، فهل لذلك دلالة ومغزى ؟! . النظام العنصري في جنوب أفريقيا بدأ يدخل في مأزقين، حصار خارجي عليه، وحرب داخلية متصاعدة ، وهو وضع كان سيؤدي الى أنهيار تام لهذه الدولة ،  وكان أمام البيض أما الأستقلال بدولة صغيرة خاصة بهم، أو أن يجدوا حلاً من خلال التعايش. كانت لجنوب أفريقيا (الدولة العنصرية) ثلاث ميزات : 1- إنها دولة نووية تمتلك عدد من الرؤوس النووية، يمكن أستخدامها عند الضرورة. 2- لديها قاعدة تكنلوجيا وصناعة متقدمة. 3- البيض يملكون كل شيء تقريباً، فعندهم مصادر القوة كلها. أذا أخذنا أنماطاً مما حدث في العالم ـ وروديسيا لم تكن بعيدة ـ  فإن الطبقة المظلومة أنتقمت من الطبقة الظالمة، لكن الأمر لم يكن بهذه السهولة ، فكانت أمام مانديلا صفقة صعبة لا ينظر فيها الى الماضي، بل ينظر الى المستقبل. قامت الصفقة على المقومات التالية : 1- التخلي عن السلاح النووي بالكامل، وإيقاف كل جهود في هذا المجال. 2- أن يحافظ البيض على كل ميزاتهم الأقتصادية الصناعية والزراعية والتكنولوجية، وعدم التعرض لهم نهائياً. 3- تعمل الدولة على الأرتقاء بمستوى السود تدريجياً. 4- لا مجال للأنتقام من أي عمل أجرامي حصل سابقاً والأكتفاء بالأعتراف بالذنب والأعتذار. 5- فتح المجتمع الجنوب أفريقي أمام معطيات الحضارة الغربية بحسناتها وسيأتها. اليوم يساهم البيض في تغطية 80% من ميزانية الدولة التي تذهب غالبيتها لتطوير السود. والمجتمع يعيش بسلام إلا ماحصل من أنتشار للمفاسد الأخلاقية التي دخلت المجتمع، نتيجة ذلك الأنفتاح الثقافي على الغرب، بينما كان نظام الفصل العنصري صارماً في معاييره الأخلاقية على البيض قبل السود ، وكسبت جنوب أفريقيا نظاماً ديمقراطياً مدعوماً من شعبها أبيضها وأسودها ،  وحافظت على كل البناء الأقتصادي السابق. أن التعايش بين الخصوم والأعداء ليس بالأمر السهل، وتجاوز أحقاد الماضي صعب، ولكن المستقبل أهم من هذا كله. يقابل هذا المثال وهو عكسي ماحصل في روديسيا (زمبابوي)، حيث أنتقم السود من البيض واستولوا على كل ممتلكاتهم، فسرعان ماتحول الى نظام دكتاتوري فاسد، يحكمه حزب وزعيم مستبد، وتراجع أقتصاد البلاد بشكل هائل، وخيم الفقر والفساد على كل جوانب الحياة. هل كان مانديلا مصيباً في صفقته الكبرى؟ وهل ستنجح توازناته التي أقامها؟ وهل سيرتقي الوعي الجماهيري الى مستوى تقديس المواطنة وأعتبارها العامل الأول، متجاوزين اللون والجنس؟ كلها أسئلة للمستقبل. ونتمنى أن تستفيد أجيالنا وشعوبنا منها أستفادة واعية لا تقليداً أعمى.

مانديلا والتوازنات الصعبة تم نشره على وكالة الصحافة المستقلة - اخبار العراق.



أكثر...