من منا لم يمر بمحنة؟، سواء على المستوى الشخصى، المهنى، العائلى، العاطفى أو الصحى، ومع ذلك نضطر إلى التغاضى عن أمور كثيرة، كى نستطيع أن نواصل طريقنا فى الحياة، إن أى تجربة قاسية، تدفعنا للسقوط فى دائرة الألم، الحزن، اليأس والكآبة، وتجعل منا شخصيات شديدة الحساسية، هشة، ضعيفة، فاقدة للثقة بالنفس، ونحتاج لبذل جهد، كى نستطيع أن نتغلب على هذه المشاعر السلبية، نحن كبشر لسنا متساويين فى قدرتنا على التحمل ومواجهة المواقف الصعبة، لذلك نجد أننا عندما نواجه مشكلة، نستخدم نوعان من ميكانزمات الدفاع إما "التجاهل اوالتحليل"، فالتجاهل مفيد لبعض الوقت، لأنه يحمينا من وقع الصدمة، وبالتالى من السقوط فى دائرة الأكتئاب، كما أن التحليل يمنحنا الفرصة لتحليل المشكلة، أبعادها، أسبابها، طرق علاجها، وقد نفاجأ بأشخاص كنا نراهم ضعافا، ومع ذلك نجدهم صامدون، ولديهم صلابة وقوة تحمل، وآخرين كنا نراهم أقوياءً، نجدهم ينهارون ولا يتمالكون أنفسهم أمام المحن، والفروق ترجع إلى أن هناك شخص مهيأ من الناحية النفسية، يثق بقدراته وقيمته، ولديه صورة جميلة عن ذاته، تجعله أكثر قدرة على التحمل، ولا شك أنه كلما تقدمنا فى العمر، كلما قلت قدرتنا على التحمل.

إن القدرة على تجاوز المحن يملكها الشخص نفسه، فعليه أن يتمتع بالإرادة، التماسك، الثقة بالنفس وحسن الظن بالله، وأن يبتعد عن اليأس، الإحباط، المخاوف والقلق النفسى، ويتوقف عن الشعور بالاستسلام، ويدرك أن هناك من مر بنفس ظروفه، وتجاوزها بالصبر الجميل والأمل والتفاؤل، من أهم ما يساعد على تجاوز المحن، الفضفضة مع صديق مقرب يستمع لمشكلتنا بصبر وهدوء وهو يعلم أننا لن نأخذ بنصيحته، الكتابة والرسم من خلالهما نعبر عن الصراعات النفسية التى بداخلنا ولا نعترف بوجودها، فهى تخفف الثقل الذى نشعر به، إلى جانب ممارسة الرياضة والمشى والجرى فى الهواء الطلق، يقلل من حالات الاكتئاب، ويمنحنا الثقة بالنفس، وأن نتعلم كيف نضع مسافة بيننا وبين الحدث المؤلم، وننفصل عنه، ولا نتصل به، كأننا نشاهده من خلال شاشة سينما، تعرض أمامنا المشكلة، حتى نتمكن من تحليلها، وما ترتب عليها، وما تعلمناه منها، وأن نعلم أن ليس كل ما نفقده يعتبر خسارة، فأحيانا ما تكون بداية لحياة جديدة، وعلينا أن نحاول أن نعرف السبب فى ما نمر به، هل نحن السبب فيه، أم الآخرين، أم القدر والنصيب.

فمن فقد عمله، عليه أن يعى جيداً، أنه لم يفقد قدرته على العمل والإنتاج، فيعتبر ما حدث فرصة، ليعيد تقييم حياته، ويبحث عن عمل آخر، أو يدرس مشروع صغير يبدأ فيه، ويتحلى بالأمل والطموح والرغبة فى النجاح، وبدلاً من أن يلوم نفسه ويوبخها، يستثمر طاقته، فى رسم سيناريو لحياته المهنية، ويسعى لتنفيذه.

من تعرضت للانفصال أو الطلاق، لا تعتبره آخر المطاف، وأنها كإنسانة لا تساوى شيئا، وأن حياتها الزوجية التى كانت تعتقد أنها الأمان بالنسبة لها، وستستمر العمر كله قد انتهت، وبالتالى حياتها أصبحت بلا معنى أو هدف، فتستسلم للحزن والكآبة وتهمل نفسها، عليها ان تغير نظرتها، إلى أنها أصبحت حرة من جديد، وأصبح لديها الوقت، لتهتم بمظهرها وجمالها الخارجى والداخلى، وتستعيد ثقتها بنفسها وبالحياة، من خلال جمال وجاذبية شخصيتها وعقلها وفكرها وتطور من نفسها.

من أصيب بمرض، لا يعنى نهاية الحياة، بل هى مرحلة اختبار،سيتجاوزها بالأمل والصبر واليقين، فلا ييأس ويلجأ للعلاج، مع التمسك بالأمل والروح المعنوية المرتفعة التى تساهم فى شفائه.

فى النهاية، فى كل محنة منحة، فالمحن تعيد تشكيل شخصية الإنسان من جديد، وتجعله يكتشف فى نفسه قدرات وإمكانيات، ما كان ليعرفها، لولا الظروف القاسية التى مر بها، وحولته من شخصية هشة، ضعيفة، إلى شخصية أكثر صلابة وقدرة على التحمل.



أكثر...