من النفاق المزري ان يثني مسؤول عراقي على تجربة مانديلا في التسامح ويحتفظ برؤوس خيرة ضباط الجيش في زنزانات الموت تم نشره على وكالة الصحافة المستقلة - اخبار العراق.

حسن العلوي في تأبينه في الأممي المدهش ، يرحل مانديلا ليدخل العالم في عصر مانديلا الذي ولد ساعة تأبينه ، وهذا المجد الذي لايختصر عالمه المتسرب الى القلوب البيضاء والذي احتفلت حديقة صغيرة في لندن بثلاثة تماثيل له ، لم يحض بهكذا تكريم بطل انكليزي مثل ونستون تشرتشل ، لكنه يمكن ان يختصر بمعادلة بسيطة تناظر بساطته ، فهو سجين الحرية ، وهناك آلاف السجناء مثله ممن عاشوا قبله وسيعيش آخرون بعده ، فلماذا هو دون غيره يصنع العصر ولاتصنعه العصور . ان سبب سجنه شائع ومعروف على وجه الأرض منذ أن فكر الانسان بالتحرر من عبوديته ، وهو يتصل بحق بني لونه في الحرية والمساواة ، وهذا ايضا ليس امتيازا له دون غيره ، ففي حاضر البشرية وماضيها سجناء دفع بعضهم حياته ثمنا لحرية بني قومه. ربما كان السجن الطويل قد اعطى مانديلا شهرة إعلامية ، لكن سبب العظمة شيء آخر ، وعظمته لاتقيم في ركن من أركان الجدران الأربعة التي حشر فيها سبعا وعشرين سنة ، بل لأن سبعة وعشرين عاما في السجن لم تترك ندبة في بيضاء سريرته ولا أشغلته ساعة في الربع قرن أمضاها وهو يفكر في الانتقام من سجانيه وقتلة أهله ، فارتفع روحاً علياً وصنع ذاتا إنسانية تركزت من تراث الأنبياء.. في تسامح المسيح مع خصومه وتسامح النبي محمد يوم الفتح مع قاتلي صحابته ، وقدوة مانديلا المعاصرة شاخصة في صورة شيخه المهاتما غاندي ، ولأنه مخلوق بشري مركب من تراث الأنبياء في الصبر على الأذى والعفو الواسع بحجم قلبه عن قاتلي شعبه صار مانديلا مخلوقا فوق السياسة والسياسيين ، هو اقرب الى الأبدال وأهل التصوف في تاريخنا الإسلامي هو في مثال العشق العربي ، لكنه عشق لبني البشر وليس لواحدة تحاصر افقه الوجداني وتحتكر صدره وما تحت صدره ، فكان على قول شاعرنا : قتيلا بكى من حبه قاتله ، ولم يكن رجل ثأر يبكي من جور قاتله ومع كل هذا فمانديلا تجربة سهلة ، وقد يكون العراق ميدان مانديلا وبيئته المناسبة لتجربة عابرة من أقاصي الجنوب الأفريقي الى أقاصي الشرق العربي ، لاسيما وأن الحاكمين الجدد في بلادنا اسلاميون لكنهم لم يترسموا خطا نبي الإسلام التي ترسمها اليسوعي المبرأ نيلسون مانديلا ، فلُحدت بغداد في وحل الانتقام الأحمر ، فيما خرجت بريتوريا السوداء من وحل الانتقام الى أفق يسوعي محنك يضمد الجراء الحمراء بضماد أبيض . فهلا التفت العالم الذي يؤبن مانديلا ويتحدث عن منعكسات عالمه المتسع لحظة الى تجربة صورة تستلهم روح مكة ساعة الفتح وروح مانديلا ساعة إطلاله على العالم خارجا الى نور التسامح بعد ربع قرن من ظلمة السجن ، انها ساعة كردية وقف فيها سجناء وأولياء دم ومقاتلون نصف قرن من اجل حرية بني قومهم وانتشالهم من سوء الغذاء وسوء العذاب وهم يتعرضون لإبادة جماعية ، فصبروا على الموت لكن الصبر على (فريق منهم انتصروا لقاتليهم) كان اكبر ، فإذا القرار الكردي يكرر ديباجة مكة (اذهبوا فأنتم الطلقاء) ، فأرسي الحجر الأساس من معادن الجبل لبناء مجتمع كردي بقوة الصخر ليس فيه هيئة اجتثاث تموج بروح الانتقام . هكذا استلهمت اربيل تجربة بريتوريا ، ولم تستلهم تجربة بغداد التي لم تراجع تاريخ نبيها ، فنامت بغداد على الثأر والدماء وقامت أربيل على المودة والإخاء ، معمارية في الاقتصاد والسياسة والتمدن الأبيض . ومادمنا نسجل لحظة لم يقف عندها العالم المنشغل بتأبين مانديلا ، فمن الإنصاف ان تكرم التجربة الكردية ليس فقط لأنها تسامحت مع الخصوم من بني جنسها ، بل لأن الزعامة الكردية الشاخصة في الطالباني المتسامح والبارزاني الحليم قد صعدت بالتسامح الكردي الى مدارج عليا تستشرف الأفق العالي من تجربة مانديلا ، فاتسعت الارض الكردية لما ضاقت به الأرض العربية ، وأسملت الزعامة الكردية عينيها وأحرقت ملفات دامية وهي تستقبل سياسيين عربا ضاقت بهم السبل العربية فطرقوا سبيلا الى صخرة كردية كان يحتمي بها المقاتل الكردي من مدافع الجو فصارت صخرة يحتمي خلفها المسؤول السابق الذي لم يحّمله التسامح الكردي مسؤولية نظامه في حملات الأنفال وسموم حلبجة ودفن الأسير الكردي حياً ، فضربت الزعامة الكردية أرقى أمثلة التسامح فيما أخفقت بغداد في إصدار عفو صغير ليتمتع فيه سجناء وأسرى وقادة محكومون بالموت بحق الحياة ، ولم يفعل هؤلاء الأسرى في زنزانات الإعدام ما فعلته جحافل الفرسان الكردية التي قتلت وقاتلت بني جنسها في حروب المركز ضد أهل كردستان . وكان ناتج تجربتين ان تستحيل بغداد أرضا تنزّ بالدم البريء ، لكنها لم تفكر في إصدار عفو عن سجين تقدم له المبررات ليكون بريئا من نظامه الذي عفا عليه الزمن منذ اكثر من عشرة اعوام . ختاما ، من النفاق المزري ان يثني مسؤول عراقي او يكتب في تأبين مانديلا في الوقت الذي يحتفظ فيه برؤوس قادة من خيرة ضباط الجيش العراقي في زنزانات الموت ويحشر في غرف صغيرة آلاف السجناء من أبرياء حكموا ظلما ومن أبرياء امضوا سنوات دون محاكمة .

من النفاق المزري ان يثني مسؤول عراقي على تجربة مانديلا في التسامح ويحتفظ برؤوس خيرة ضباط الجيش في زنزانات الموت تم نشره على وكالة الصحافة المستقلة - اخبار العراق.



أكثر...