كتبه د./ يحيى الأحمدي رحمه الله ...


كنت ولا أزال أتباهي بين أصدقائي بأنني أحمل في جيبي دائماً دفتر " شهادات وفاة " .. استخدمه كلما تيقنت ان صديقاً او زميلاً لي قد استعصي على النبل او استعصي النبل عليه .. حيث اخرج الدفتر فوراً واحرر له شهادة وفاة بتاريخ اليوم... أكتب فيها : ( توفي الى رحمة الله اليوم السيد فلان الفلاني .. ولا عزاء لأحد ) .!! ومن ذلك التاريخ لا تقوم بيني وبينه علاقة من أى نوع ..!! وقد لامني الكثير من معارفي على ذلك التشدد ، المتناقض مع دعوة التسامح التى من المفترض أن نعتنقها جميعا .. وكانت اجابتي عليهم ولا تزال أن الله سبحانه لا يكلف النفس إلا وسعها .. وأنه جل وعلا أعلم بمن خلق وهو اللطيف الخبير .. وأننا عندما ندعو الله في لحظات الضيق من الواقع المؤلم لا نهرع إلا الى الدعاء ( ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به ) .. وان الصديق النذل او الخبيث او غير المؤتمن هو من أولئك الذين لا نطيقهم ولا نطيق مصاحبتهم .. وهو ممن ندعو الله الا يحملنا وزر استمرار علاقتنا به .. فإذا كان بمقدورنا ان ندفع البلاء بعيداً عنا بيدنا ، فنظن ان هذا أمر متفق مع المراد الدنيوى والديني .. نبعدهم عنا قبل ان تصيبهم طامة فتأخذنا معهم : ( واتقوا فتنة لاتصيبن الذين ظلموا منكم خاصة ) صدق الله العظيم . المهم .. انني ورغم استمساكي الشديد بهذا النهج .. واستنفادي للأعذار السبعين قبل ان اشرع في تحرير شهادة الوفاة لأولئك الذين يتعذر إصلاح مسلكهم .. ورغم انبهار الكثيرين بهذا الأسلوب المريح .. إلا أنني كنت بالأمس أشد انبهارا بمكالمة اخت فاضلة قالت لي فيما قالت : أنا أعتبر ان كل صديقة او صديق لي هي نقطة دم تضاف الى دمي وترتع في جسدي وبين جنباتي وتنتزع لنفسها مكانا اثيراً في قلبي كلما زارته في رحلتها " النبضية " .. وعندما اختلف مع صديق او صديقة واتأكد انه لا يستحق هذا اللقب وتلك المكانة الاثيرة .. اتناول موسي حلاقة واجرح وريدي واسقط تلك النقطة على الارض لاتخلص منها ومن صاحبها – الى الابد .!! وبالطبع فإن هناك اصدقاء يحتلون مساحة اكبر من دمي .. والتخلص منهم - عندما يحين الحين واكتشف سوء طويتهم - لايكفيه التخلص من نقطة واحدة من دمي ، بل قد يصل الامر الى اراقة حفنة منه للتخلص من وجودهم نهائيا ... وساعتها ربما يكون التخلص منهم هو نوع من الانتحار .!! الى هذا الحد هناك من يحمل للصداقة هذا القدر من التقدير والتوقير والمكانة .. والى هذا الحد يتعامل بعض الاصدقاء مع تلك المكانة بنوع من الاستهانة والاستخفاف الى درجة طعن الصديق في مقتل ، فلا يجد أمامه سبيلاً إلا التخلص من بعض دمه حتي يزيل كل اثر لعلاقة كانت يوما .. حتي لو ادي ذلك الى انهيار يشبه الانتحار .؟! ليت الاصدقاء يعرفون قدرهم عند اصدقائهم .. وليتهم يعطون تلك العلاقة المقدسة ما تستحق من الولاء والتقدير .. وليتهم يفكرون الف مرة قبل ان يذبحوا صديقهم علي مائدة المصلحة الخاصة والأنانية الغبية .. واخيراً .. ليت الطيبين من الاصدقاء يتخففون من حساسيتهم المفرطة نحو اصدقائهم فلا يفترضون ان الملائكة تعيش على الارض .. ويكتفون فقط بتحرير شهادة الوفاة .. فالموت المعنوي للصديق النذل أخف وطاة من انتحار الصديق الطيب .. فهم لا يستحقون موتنا .. بينما نحن بكل تاكيد نستحق الحياة .. من دونهم .!!