مع قدوم فصل الشتاء وما يصاحبه من هطول أمطار، تكتسب مهنته أهمية خاصة رغم توفرها طوال أيام العام، لتجد محمد سيد أبو سريع منزويا إلى ركنه بكوبرى بولاق الدكرور، بين غابة من سيقان تعفرت كلها من آثار الشتاء، متحديا ظروف الطقس السيئة.

هذه المرة لا يحتاج الشاب الثلاثينى أن يدق على صندوقه الخشبى معلنا عن وجوده، فالزبائن تتهافت عليه دون أى محاولة منه للفت انتباههم، كل ما عليه أن يبدأعمله بعد أن يرفع نعل الحذاء المبلل أعلى الكرسى الخشبى، متحدثا وهو منهمك فى طلاء الحذاء أمامه: "الشتا السنة دى رزقه واسع"، مضيفا: "بقالى فى الشغلانة دى أكتر من 10 سنين ماكسبتش زى الأيام دى بسبب المطر".

طبيعة عمل "أبو سريع" تجبره أن يقضى أكثر من ثلثى اليوم فى الشارع، فيقول: "بصحى من النجمة مهما كان الجو بارد بشتغل لغاية آخر الليل ما هو الرزق يحب الخفية".

العادات القروية التى لا تزال "أبو سريع" محتفظا بها، منذ قدومه من محافظة المنيا، تمنعه من الحديث عن الرزق القليل، والظروف الصعبة، فيقول: "عموما الشغلانة سهلة ورزقها كويس ومستورة بفضل ربنا".

"أبو سريع" لم ينل حظه من التعليم، فحرص على إدخال أولاده الثلاث المدارس، مهما كان الثمن، رافضا أن يورثهم مهنته فهى حسب رأيه، ملجأ من فاتهم قطار التعليم، فيقول: "أبويا خرجنى من تالتة ابتدائى وعلشان كده قررت أدخل عيالى المدارس".



أكثر...