بجسد هزيل يحاول بعزم ما فيه من قوة ضئيلة أن يدفع العربة الخشبية التى تكاد تعلوه طولاً، دون أن ينبس بكلمة لينادى على بضاعته المرصوصة فوقها؛ فالمجهود الذى يبذله فى دفع العربة والمرور بها وسط زحمة الناس والسيارات وحده يكفى بالنسبة إلى رصيده عمره القليل فى الحياة.

ليس هذا حال طفل وحيد ترك طفولته مبكراً ليبحث عن الخبز الجاف الذى يطعم به أهله ويساعد أسرته الفقيرة، فهناك الكثير من الأطفال فى على تلك الحالة يعانون الشقاء وراء عربة ترمس أو بطاطا يدفعونها من باكورة الصباح إلى آخر الليل، رغم عدم تجاوزهم سن الطفولة المنصوص عليه فى الدستور الجديد، والذى يحظر تشغيل الأطفال حتى تجاوزهم سن التعليم الإلزامى، والذى نأمل فى وجود فعالية قوية تضمن آلا تُصير هذه المواد مثل غيرها مجرد "أمنيات".

عربة الترمس هى رفيقة درب الطفل "محمد ناصر أحمد"، الذى لا يتعدى عمره 12 عاما، منذ 3 سنوات أى أنه يدفع هذا الحمل الثقيل وهو طفل ابن 9 سنوات، ويبرر خروجه للعمل وكأنه أمر مُسَلم به قائلاً: "لازم الواحد يساعد باباه"، ويروى "محمد" قصة رحيله عن بلدته فى الفيوم قبل 3 سنوات: "أبويا قالى أنزل مصر شوف شغل هناك، ولو عجبك الحال خليك، لو معجبكش أرجع، وقابلت هنا راجل أدانى عربية الترمس بشتغل عليها كل يوم وأديله الفلوس وآخر الشهر يدينى حسابى."

ليس "محمد" الطفل الوحيد الذى يسرحه ذلك الرجل، "فيه غيرى كتير أداهم عربيات وبيعملهم الترمس فى البيت اللى ساكنين فيه كلنا فى باب الشعرية، وإحنا ننزل نلف بيه من الصبح ونرجعله آخر اليوم، ومعايا أخويا هو كمان بيشتغل هنا على عربية عنده 11 سنة".

فيما عدا الأخ الذى يتقاسم معه "محمد" الشقاء لديه أخ رضيع وأخت فى الخامسة من عمرها، لا يغطى راتب الأب الذى يعمل "صنايعى" نفقاتهم، لذلك أوكل جزءاً من المسئولية إلى صغيريه اللذين اعتبرهما رجلين، وحثهما أن يسافرا إلى القاهرة ليخففا عنه الحمل.

"300 جنيه" هى كل ما يحصل عليه "محمد" فى الشهر مقابل التخلى عن طفولته التى يستعيدها يوماً فى الأسبوع على سبيل الإجازة يقضيه فى لعب الكرة مع رفاقه فى شقة باب الشعرية ويشترى لنفسه "فرخة" مشوية تسند جسده الصغير، وبرغم ذلك يقول كالرجال، "شغلتنى صعبة بس بتأكل عيش"، ولا ترقى أحلامه البسيطة فوق مستوى أن يمتلك مشروعاً صغيراً فى مكان ثابت لا يضطر فيه لدفع العربة الثقيلة ليل نهار.

من عربة الترمس التى يلف بها "محمد" فى منطقة الحسين إلى عربة البطاطا التى يمتلكها "أحمد" فى السيدة عائشة الهم واحد، والتى اشتراها له والده منذ عامين ليسند بعض الحمل الذى لم تتحمله كتفه العريضة إلى كتف الصبى، ويدور فى الشوارع وهو ابن العشر سنوات يبيع البطاطا ويكسب قوت يومه، مؤكداً بابتسامة تحمل بعضاً من ملامح الطفولة، "لا صغير ولا حاجة ده أنا بشتغل بقالى سنتين"، إلا أن أكثر ما يزعجه هو المضايقات التى تقابله من المارة، الذين يستعجلونه فى دفع العربة الثقيلة بعيداً عن طريقهم.

"الدستور الجديد حظر تشغيل الأطفال قبل سن التعليم الإلزامى، والأهم هو تفعيل تلك المادة وتوعية المجتمع بأهمية الحفاظ على الأطفال".. هكذا أكد المحامى "أحمد مصيلحى"، المستشار القانونى للائتلاف المصرى لحقوق الطفل، لـ"اليوم السابع"، مضيفاً: "كنا نتمنى أن يتم حظر أسوء أشكال العمالة للأطفال الذين تجاوزوا سن التعليم الإلزامى حتى يصلوا إلى 18 عاما، وهو سن الطفولة المنصوص عليه فى الدستور الجديد، حتى نمنع بعمالة الأطفال فى المحاجر والمدابغ وغيرهما من الأعمال الشاقة التى تضر بصحتهم وتحرمهم من طفولتهم".

أطفال"مع إيقاف التنفيذ"يعملون لمساندة الأهل وينتظرون حقوقهم بالدستور 1.jpg

أطفال"مع إيقاف التنفيذ"يعملون لمساندة الأهل وينتظرون حقوقهم بالدستور 2.jpg

أطفال"مع إيقاف التنفيذ"يعملون لمساندة الأهل وينتظرون حقوقهم بالدستور 3.jpg

أطفال"مع إيقاف التنفيذ"يعملون لمساندة الأهل وينتظرون حقوقهم بالدستور 4.jpg

أطفال"مع إيقاف التنفيذ"يعملون لمساندة الأهل وينتظرون حقوقهم بالدستور 5.jpg



أكثر...