ربما لا يدرك خالد النبوى أن القدر يلعب معه لعبة مع عنوان فيلم اسمه المواطن، فالفيلم الأول فى مسيرته الفنية كان عام 1990 بعنوان "المواطن مصرى" من إخراج صلاح أبو سيف عن قصة يوسف القعيد، وكان النبوى الوجه الجديد فى ذلك الوقت يؤدى أول أدواره السينمائية وهو دور ابن العمدة عمر الشريف الفنان المصرى العالمى الذى عاد لمصر آنذاك بين الحين والآخر، ليقدم فيلمًا هنا وفيلمًا هناك، وها هو نفس العنوان لفيلم آخر وهو "المواطن" أو “The Citizen” يعرض الآن فى مصر ودول أخرى من العالم وأمريكا ليكون هذا الفيلم تدشينًا لدخول خالد النبوى الفنان المصرى الساحة الفنية العالمية عن حق تمامًا، كما دشن فيلم المواطن مصرى اقتحام الوجه الجديد خالد النبوى فى الساحة الفنية المصرية، فما بين المواطن مصرى والمواطن الأمريكى رحلة تستحق التوقف والتأمل.

قد أكون اختلفت فيها أحيانًا فى اختيارات النبوى الفنية أو رأيت ضعفًا فى أداء له هنا أو هناك أو صفقت لنجاح وحسن اختيار فى أحيان أخرى، وبغض النظر عن تفاصيل حياة النبوى الفنية إلا أننى بالتأكيد وأنا أجلس على مقعد فى قاعة عرض فيلم أمريكى بطولة النبوى وأقرأ الإشادة الكبيرة لأدائه من أهم النقاد فى العالم، أشعر بفخر له وبمسيرة تستحق الحكى، ولكن فى موضع آخر، لأننا الآن أمام فيلم اسمه المواطن سيناريو وإخراج سام قاضى، وهو مخرج أمريكى من أصل سورى، وهذا الفيلم هو أول أفلامه الطويلة، وشارك فى بطولته مع النبوى الممثلة الأمريكية آجنس بروكنر والهندى رزوان منجى والأمريكى الشهير ويليام أثيرتون.

الفيلم يحكى قصة شاب لبنانى يفوز فى "اللوتارى" الأمريكية للحصول على الجنسية فيصل إلى نيويورك قبل يوم واحد من هجمات 11 سبتمبر، وتتعقد حياته مع حالة الكراهية والعنصرية تجاه كل ما هو عربى أو أجنبى عمومًا، فالفيلم لا يقدم نموذج الكراهية تجاه العرب فقط، ولكن يبرز أيضًا الكراهية تجاه رب العمل الهندى، ولكن برغم كل ما يصادفه البطل من مشاكل إلا أن الحلم الذى يراوده فى أن يصبح مواطنًا أمريكيًا يجعله يقاتل من يكرهه بالقانون، ويقنع من يحبه بفعل الخير لينتهى الفيلم بمواطن أمريكى من أصل عربى ناجح.

نحن أمام فيلم من عالم السينما الأمريكية المستقلة، وهى كما فى مصر سينما فقيرة فى الإبهار والتكلفة، ولكنها تتفاوت فى مستواها الفنى بالتأكيد عن سينما هوليود الثرية المبهرة، فبطل السينما المستقلة هو الموضوع أو الفكرة، ويبدو أو المؤكد أن المخرج وهو كاتبه استلهم جزءًا من حياته وحياة بعض من يعرف ليقدم لنا هذه القصة، قصة الحلم الأمريكى الذى يسعى لتحقيقه البعض ويهرب منه آخرون كما فعلت الفتاة العربية التى كان البطل يفكر فى الزواج بها.

ولأننا أمام تجربة أولى فى سينما مستقلة فلا أظن أن المخرج استطاع أن يقدم كل ما كان يريد أو يحلم، ولكنه ربما عمل بمبدأ "على قد لحافك مد رجليك" فاختيار أماكن التصوير وكثير من حركة الكاميرا كانت محدودة ولكنها أيضًا ارتبطت بضيق عالم البطل المهاجر الخائف، ولكن المواطن بداية جيدة لمخرج فى أول أفلامه وهو فى الأصل مهندس.

وعلى عكس ما يصور الأمريكى الشخصية العربية فى السينما الأمريكية بدا سام قاضى متحيزًا للعربى المؤمن بدينه وبهدفه وبأخلاقه حتى أن الفيلم يخلو من قبلة واحدة أو مشهد غرام معتاد فى هذه السينما وغيرها، ولكن لم ينس المخرج الكاتب أن هناك آخرين فى العالم أخيار يساعدون أصحاب الحق حتى لو كانوا من لون أو دين مختلف وبهؤلاء معًا يرى المخرج الحلم الأمريكى يتحقق فى فيلمه ولا أظن على أرض الواقع بنفس الدرجة.

الأداء فى هذا الفيلم الذى ينتصر للنموذج العربى ينتصر أيضًا للممثل العربى خالد النبوى الذى بدا أنه الأكثر رسوخًا وفهمًا للشخصية، وكذلك الممثل الهندى، ثم يأتى بعدهم أداء الممثلين الأمريكيين وإن كانوا أكثر شهرة فى الغرب حتى أن بعض نقاد أمريكا رأوا أن أداء النبوى كان أفضل إنجازات الفيلم.

بالتأكيد أن القيم الإنسانية والفن لغة عالمية تصل إلى كل قلب وعقل ولكنها تصل بدرجات متفاوتة فالأمريكى الذى سيشاهد هذا الفيلم سيشعر بإحساس مختلف عن المواطن العربى وإن كان ما يشاهده هو منتج واحد، فما أكثر الإحباط فى عالم العربى وما أكثر الخوف وما أكثر القلق وانغلاق الأمل، وكلها أشياء تجعل المشاهد العربى والمصرى خاصة يحلم بأن يكون مكان إبراهيم بطل الفيلم، أما الأمريكى فقد يسعد قليلاً فى داخله أن بلاده هى الحلم لآخرين ولكنه فى قرارة نفسه ربما يقول مش أوى كدة، فالجنة ليست بالتأكيد أن تكون مواطنًا أمريكيًا ولكن إن كنت مصرًا لتنضم لقائمة طويلة ليست سعيدة كما تحلم أيها العربى.
فيلم المواطن تجربة تستحق التحية والمتابعة والمؤازرة ليس فقط من أجل بطله خالد النبوى ولكن لأنها سينما تحاول أن تغرد خارج السرب الهوليودى.



أكثر...