تشير دقات الساعة إلى السابعة صباحاً.. يتعالى صياح الديوك هنا بجوار مسجد اليتيم فى القليوبية، ولكنه لا يصمت حتى أذان المغرب معلناً عن واحدة من آخر مضاربات صراع الديوك الذى وصل مصر فى عصر الباشوات، وبدأ منذ ستينات القرن الماضى فى الانقراض حتى انحصر بين مضاربات قليوب وطنطا التى تقام كل 21 يوماً.

يتراص فى دوائر واسعة أمام أحد المقاهى المتسابقون والمضاربون والمراهنون فى جلسة يرتفع فيها لواء فتوات الديوك ومن حولهم صيحات المشجعين والمراهنين بجنيهات تزداد وتقل مع سخونة الصراع الذى ينتهى بموت أو هرب أحد ديوك عالم لم يعرف معظمنا عنه الكثير.

نظرات حادة يقف بها الديكان أمام بعضهما موجهين مناقيرهم كما السيوف فى ترقب، بينما يقف الريش المحيط بعنقهم فى دائرة، معلناً بداية الحرب، يتبادلان المبارزة التى تستمر حتى الموت ويكفيهم لإنهائها مجرد اختيار الهروب الذى لا يُتخذ إلا نادراً، ضربات ساحقة تقطع الرقبة فى مرة وشقلبات تستخدم أسلحة القدم الحادة يرتفع معها صوت الجماهير ومراهناتهم لتملأ حلبة الصراع، أو كما يطلقون عليها "الكوبانية".

بشيشة وجلباب ورابطة بيضاء تحيط رأسه يجلس عم "راعى بكير" ريس "كوبانية" القليوبية فى منتصف حلبة المنافسة، يبدأ بقياس توافق الديوك للصراع ويضع النقاط ويحكم فى النهاية بالديك الفائز أو إلغاء المصارعة فى حالة عدم التكافؤ أو الغش أو غيرهما، يعرف نفسه قائلاً "عندى 65 سنة كلهم كانوا فى الغية دى" ويتابع "صراع الديوك ده غية مش شغلانة.. لأن الديك اللى بيخش المصارعة وممكن يموت بيكون سعره أعلى بكثير من الرهان اللى فى الغالب بيكون رمزى، والمريسة بتكون حاجة رمزية لكبير الغية فى كل بلد أو منطقة".

تجاعيد وجه عم محمد على، الذى يجلس فى مقاعد كبار "الكوبانية" إلى جوار عم "راعى" تشير إلى رجل فى نهاية عقده الخامس، يعود بقصته مع "الغية" إلى قبل 40 عاماً، ويقول "وقت ما بدأت أحب صراع الديوك كان بداية نهايته فى القاهرة، هو جه مع الباشوات أيام الملك، وورثه عنهم الناس اللى كانت شغالة عندهم وبعد ثورة 52 بدأت تنقرض سنة ورا الثانية، وقتها كنت فى الإعدادية وكنت بطلع من المدرسة أجى القليوبية كل أسبوع أتفرج على المضاربات واشترى واتعلم لحد ما بقيت دلوقتى واحد من أكبر ثلاثة فى الكوبانية".

وعن سر اختفاء الصراع من معظم أراضى المحروسة وبقائه فى القليوبية يقول عم "راعى": "هنا الناس وارثة السلالات ومحافظة عليها، وكمان فى طنطا، لكن فى القاهرة مبقاش فى مكان يتعمل كوبانية والناس تضارب فيه وبقى أصحاب الغية بيتجمعوا كل 21 يوم فى المضاربة هنا من سبعة الصبح ولحد أذان المغرب".

ترتفع حدة الصراع ويبدو تفوق أحد الديكين على الآخر الذى بدأ يلفظ أنفاسه الأخيرة ورغم ذلك يرفض الاستسلام، نوجه السؤال مباشرة لعم محمد: مفيش ديك صعب عليك وفكرت تبطل؟ ليجيب بسرعة "كتير جداً.. وفى ديوك كنت متعلق بيها وماتت وفعلاً بطلت الغية مدة طويلة لكن فى النهاية رجعت لها، حاسس أنها حاجة بتجرى فى دمى مقدرش أبطلها".

قواعد صارمة فى مصارعة الديوك، فلا يمكن أن يدخل ديك للمضاربة قبل أن يتم العام، ويبدأ تجهيز الديك قبل المضاربة بحوالى شهر بمجموعة من التمرينات والوجبات الغذائية المنظمة، ولكن عن كيفية تصمم الديك على المصارعة وكيف يبدأ الصراع، يقول عم محمد على "دى الحاجة الوحيدة اللى ملناش دخل فيها، بيعملوها بفطرتهم، الديك المقاتل الهندى ده ما ينفعش يتجمع مع ديك ثانى وإلا يبدأ الحرب، والموت بالنسبة ليه أهون من الاستسلام والهروب".

"لازم الديك يكون بطل وابن فراخ كويسة".. هذه هى شروط وضع سعر ديك المضاربات الذى يباع العادى منه فى سوق السيدة عائشة، أما الأبطال فهم حكر على عالم كبار المضاربين، ويقول عنهم "محمد على": "بتبدأ أسعارهم من 500 جنيه وبتوصل لحد 2000 جنيه".

بالصور.. مصارعة الديوك فى "الكوبانية" بين "الغية والموت" 1.jpg

بالصور.. مصارعة الديوك فى "الكوبانية" بين "الغية والموت" 2.jpg

بالصور.. مصارعة الديوك فى "الكوبانية" بين "الغية والموت" 3.jpg

بالصور.. مصارعة الديوك فى "الكوبانية" بين "الغية والموت" 4.jpg

بالصور.. مصارعة الديوك فى "الكوبانية" بين "الغية والموت" 5.jpg

بالصور.. مصارعة الديوك فى "الكوبانية" بين "الغية والموت" 6.jpg

بالصور.. مصارعة الديوك فى "الكوبانية" بين "الغية والموت" 7.jpg

بالصور.. مصارعة الديوك فى "الكوبانية" بين "الغية والموت" 8.jpg

بالصور.. مصارعة الديوك فى "الكوبانية" بين "الغية والموت" 9.jpg



أكثر...