حت مظلة العادات والتقاليد وطلب الستر والعفاف والحصانة للفتاة، والهروب من مسؤولية الشرف، تتم جريمة متكاملة الأركان اسمها زواج القاصرات... هو فيلم مأساوي تتكرر تفاصيله كل يوم في عالمنا العربي. أبطاله: أب جشع جاهل متخلف يتحجج بالعادات والتقاليد وطلب الستر؛ ليقبض ثمن ابنته.
لكن ما يكون: زوج سبعيني.
ربّما أكثر أو أقل ما يوصف به أنّه وحش آدمي. وطفلة هي الذبيحة، أو الضحية أو كبش الفداء... سمِّها ما شئت، تتم بها الصفقة، والثمن إعداد الطفولة شنقاً؛ مخلفة وراءها آثاراً نفسية وإجتماعية إذا لم يكن الموت.
القاصر تحرم من التعليم ومن الطفولة ومن حقها بحنان ورعاية والديها؛ لتصبح زوجة رغماً عنها وأماً لا تدرك حجم مسؤولياتها. تلك الصغيرة لا تستطيع أن تفهم الواجبات والمتطلبات الزوجية، فهي غير مؤهلة لها، جسدياً ونفسياً وعاطفياً؛ لتتحول الممارسة الزوجية لتعذيب جسدي يفوق قدرتها على التحمل، تؤدي لحالات إكتئاب مزمن، وتذهب في حالات إنطواء وتقوقع، وقد تفكر في الإنتحار؛ لأنّ ما تعيشه يفوق تكوينها البدني والنفسي الذي مازال في طور النمو. وتزداد الأمور تعقيداً أمام مسؤوليات الحمل والولادة؛ لأنّها تجد نفسها أمام مسؤوليات تفوق خبرتها في التعامل معها، خصوصاً تربية طفل والإهتمام به.
أمّا عن أهم المشكلات الصحية التي تتعرض لها الزوجة القاصر فهي خطيرة جدّاً؛ منها إضطرابات الدورة الشهرية، وتأخر الحمل والآثار الجسدية، مثل تمزق الأعضاء التناسلية، وإزدياد نسبة الإصابة بهشاشة العظام نتيجة نقص الكالسيوم، وفقر الدم، والإجهاض، وعدم تأقلم الرحم على عملية حدوث الحمل، وحدوث إنقباضات رحميّة تؤدي لنزيف، والولادة المبكرة، وإرتفاع حاد في ضغط الدم قد يؤدي لفشل كلوي ونزيف، وحدوث تشنجات وزيادة العمليات القيصريّة؛ نتيجة تعسر الولادات وإرتفاع نسبة الوفيات، وظهور التشوهات العظميّة في الحوض والعمود الفقري بسبب الحمل المبكر.
أمّا عن الآثار النفسية فتكون في فقدان الحنان العاطفي من الوالدين، والحرمان من مرحلة الطفولة والمراهقة، والحرمان من التعليم، والتعرض لضغوط تظهر بصورة أمراض نفسيّة؛ مثل: الهيستريا، والفصام، والإكتئاب، والقلق، وإضطرابات الشخصية، وإضطرابات في العلاقة الزوجية، والخوف، وإفتقاد الشعور بالأمان. أمّا آثاره الإجتماعية فزواج القاصرات يشكل ظاهرة إجتماعيّة خطيرة لها تأثير سلبي على تكوين وبناء الأسرة، فهي مشروع لأسرة مفككة ومريضة نفسياً وصحياً وإجتماعياً، فالزوجة الطفلة التي تعاني من عنف جسدي ونفسي لا تستطيع تربية أطفالها تربية سليمة؛ لأنّها غير مؤهلة جسدياً ونفسياً وإدراكياً وثقافياً لتربية أطفالها.
فماذا نحن فاعلون بمجتمعنا؟! نعم أطفالنا.. وأطفالهم من بعدهم.. القضيّة تحتاج لوقفة جادة وتكاتف كافة أفراد المجتمع؛ لمنع هذه الجريمة بحق الطفولة.



منقول