هل الاقدار هي التي جعلت من العراق أرضا وشعبا وتأريخا وثقافة، حقلا مناسبا للتجارب الامريكية السياسية المعاصرة؟؟، تساؤل تردده ألسنة العراقيين منذ أن وطأ الاحتلال أرضهم..
ولماذا العراق تحديدا، بل لماذا يقع الاختيار على هذا الشعب المبتلى منذ نعومة أظافره ليُصبحَ بوتقة إختبار أو (منضدة رملية عسكرية) مناسبة لتجريب الخطط الامريكية الهادفة الى أمركة العالم برمته من خلال التطبيق الفعلي لأفكار ونوايا المحافظين الامريكيين الجدد في تقويض العالم القديم بل تهديمه تماما وبناء عالمهم الجديد من خلال نظرية الفوضى البنّاءة التي يقول فيها أبرز وأهم مفكريها ومنظريها مايكل ليدن (إن الحرب الشاملة لا تدمر القوة للعدو فحسب، بل تدفع مجتمع العدو الى أقصى نقطة يكون عندها مستعدا لقبول تغيير كامل في توجهاته الثقافية) وهو بذلك يرى إن جميع المجتمعات القديمة أو ذات الأنماط السلوكية الثابتة أعداء يجب خلخلة أنساقهم المعتادة وتدميرها وزرع الفوضى في جذورها وبنيانها لتنهض محلها أنماط سلوكية وحياتية مختلفة تماما.
ومع ذلك نحن تعوّدنا من المتحضّرين إسلوبا مقبولا ومناسبا في إسداء الخدمات المتنوعة للغير، تلك التي يمنحها الانسان لغيره (فردا كان او مؤسسات) بصورة طوعية لا قسر فيها ولا إجبار، وكلنا يتفق على أن الوضع البشري ما كان له أن يصل الى ما وصل إليه من تطور مدهش في المجالات العلمية والانسانية كافة لولا الاسلوب الانساني التطوعي الذي يمنح للمخترعين والمفكرين فرصة التجريب والتطبيق ثم الصنع الذي يأتي في نهاية المطاف ليسدي خدماته الجمة للانسان.
نعم لقد تطور الطب كثيرا على سبيل المثال بهذا الاسلوب المتحضّر الذي لا يغبن أحدا فردا كان او جماعات وكذلك الحال في المجالات الحياتية الأخرى، أما أن تُصبح حقلا للتجارب والتطبيق شئت أم أبيت، فذلك ما لا ينتمي الى الحضارة والتحضّر بشيء، بل هو أقرب الى القسرية الهمجية من أي شيء آخر، كما ان الاسلوب الجمعي وليس الفردي سيعود بالمساوئ الجمعية وليس الفردية على (أدوات التجريب) وهنا تكمن الطامة الكبرى، فلو تطوّع فرد لتجربة خطيرة وفقد حياته أثناء التجريب فالنتيجة ستكون فردية ولو أُجبِرَ فرد على التجريب وفقد حياته سينقص العالم البشري نفسا واحدة، لكن أن يوضع شعب كامل تعداده يتجاوز 25 مليون نسمة تحت رحمة التجريب والتخطيط والتطبيق وبصورة قسرية يخسر فيها يوميا مئات الارواح من أبنائه على مدى سنين لا يعلم عدَّها أو حدَّها إلاّ الله، وكل ذلك من أجل تطبيق أفكار سياسية عالمية جديدة لم يجتمع على صحتها الجمع البشري، فهذا ما لا يستسيغه عقل ولا روح ولا يقبله دين أو عرف ولا انس ولا جان، وكان على السيد ليدن ومحافظيه الآخرين أن يتقدموا بطلب إذن من العراقيين قبل أن يختاروهم كبوتقة اختبار ويقسروهم على التجريب الفعلي لأفكارهم (المدمرة اللاّخلاقة)، أما وقد وقعت الفأس بالرأس وصار العراق منضدة رملية ذهبية لتجريب الفوضى الأمريكية البنّاءة، فلن ينطبق عليه الآن سوى المثل الذي يقول (عقلك براسك واعرف خلاصك)!!!.
اهداء من
القاص العراقي المبدع
علي حسين عبيد