أرسلت (م) إلى "افتح قلبك" تقول:

أنا زوجة فى منتصف الثلاثينات، تزوجت زواجا تقليديا منذ 9 سنوات، ولدى طفلان، لن تصدقينى يا دكتورة لو قلت لك أنى أفكر فى الانفصال منذ أول شهر فى زواجى، فالحق يقال إنى عرفت أن زوجى ليس هو الشخص الذى يمكننى العيش معه من أول يوم رأيته فيه، وأكبر دليل على ذلك هو سنة كاملة من النكد والمشاكل وسوء التفاهم، وهى مدة خطوبتى كلها.. ولكنى وعلى الرغم من ذلك أكملت، وأتممت الزواج، وكأنى كنت أسمع قصة حياة فتاة أخرى، ولست أنا من أكتب سطور حياتى.

قبلت الارتباط بزوجى لأنه ظاهريا كان شخصا مناسبا، كل ظروفه المادية والاجتماعية ملائمة جدا، ولم يكن هناك سبب يرفض من أجله، أضيفى إلى ذلك أننى لم يكن لدى معايير للاختيار، وبالتالى كان هو مثله مثل غيره بالنسبة لى، فلم يكن هناك مبرر للاعتراض، ولكنه وفى حقيقة الأمر أيضا لم يكن هناك سبب للقبول.. فنحن مختلفان بوضوح ومن البداية.

لن أقول لك إن مشاكلى مع زوجى غير عادية، ورهيبة، وأكبر من غيرها، لا... مشاكلنا معتادة جدا فى كثير من البيوت، ويعانى منها الكثير من الأزواج، أنا أرى أن زوجى نتاج تربية خاطئة إلى أبعد الحدود، فقد كان والده يسىء معاملة والدته على مرأى ومسمع من الجميع، ووالدته كانت تقبل وتتنازل من أجل أن تستمر الحياة، فما كان من هذه الأسرة الكريمة إلا أنها أخرجت رجالا هم طبق الأصل من والدهم، وفتاة لا تفرق عن أمها شيئا، وفتاة أخرى على العكس تماما.. مستأسدة ومتنمرة ومتحفزة لكل من يقترب منها فى الحياة، وكأنها تقول لقد تعلمت الدرس من أمى ولن أكون مثلها أبدا، حتى لو أصبحت أنا المعتدى والجانى.

بعد وفاة والد زوجى تحمل زوجى الكثير من الأعباء المادية لأسرته، بحكم أنه الابن الأكبر، وبحكم أنه من كان يعمل مع والده فى تجارته، فكانت كل مشكلة عائلية لديه تلقى بظلالها السوداء دائما على بيتى أنا، بداية من مشاكل الضرائب والكهرباء والمياه، ونهاية بجهاز أخواته البنات الذى كان عليه تدبير أمره بشكل كامل، صحيح أنه لم يكن يقوم بذلك من ماله وحده، فقد كان يفعل من مال التجارة التى تخص الأسرة كلها، لكنه كان دائما ما يضعنا نحن فى ورطة أن هناك 20 ألف متبقية، أو ما زلنا نحتاج إلى 30 ألفا هنا، أو 40 ألفا هناك، ولم يكن أمام زوجى غيرى لأنقذه من هذه الورطات المرة بعد الأخرى، فأنا من عائلة ميسورة الحال، وميراثى من والدى كبير، وهو يعرف ذلك، وشيئا فشيئا اكتشفت أنه سحب منى قرابة الـ 100 ألف، بالإضافة إلى ثمن شبكتى التى بعتها فى مرة من المرات.. وطبعا دون رد.

قد تعتقدين أن الماديات هى أكثر ما يضيرنى فى حياتى معه، ولكن صدقينى أنها كان من الممكن أن تمر لو كنت أشعر بشىء من الراحة والأمان مع هذا الشخص، فالسبب الرئيسى لاستمرارى معه طوال هذه المدة هم أطفالى، الذين كنت أتمنى لهم أن يعيشوا فى أمان بين أم وأب أسوياء، خاصة وأنى نشأت يتيمة، لأن والدى توفى وأنا ما زلت رضيعة.. فإذا بى أجد نفسى أخسر هذا المبرر أيضا، لأن زوجى يتشاجر معى ويشتمنى بل ويضربنى أحيانا أمام أطفالى، بشكل أصبح لا يمكن إنكاره أو التضليل فيه، فحتى الحياة الآمنة السوية التى كنت أرجوها لأطفالى لم تعد موجودة، كما أن لى بنتا لا أريدها أن تشب وتكبر على (إهانة) أمها المستمرة فتكون صورة من إحدى عمتيها.

لن أقول لك أنى ملاك، لا طبعا، فقد تصرفت بعنف شديد أحيانا كثيرة، وأقصد هنا عنف لفظى وجسدى أيضا، فقد كنت أسكت فى البداية، ولكنى مع الوقت أصبحت أرد الكلمة بكلمة، والسب بسب، والضربة بضربة.. لينتهى بنا الموقف كالعادة بأنى أنا المخطئة وأنا ناقصة التربية والأخلاق، فلا توجد زوجة محترمة تشتم وتضرب زوجها، خاصة فى حضور أولادها.

لا أبالغ إذا قلت لك أنى أصحو كل يوم تقريبا أفكر فى الطلاق، حتى أنه أصبح من المعتاد جدا أن أؤجل أو حتى الغى شراء بعض الأشياء للبيت لأنى أفكر دائما (إيه لازمته ما أنا مش عارفه إذا كنت هاكمل ولا لأ؟)... حاولت أن أصرف ذهنى عن هذا الأمر كثيرا، خاصة وأنى لدى الكثير من المسئوليات بالفعل، فأنا أعمل، وأراعى أطفالى، وأرعى أمى المسنة، ولكن لا شىء من كل هذا يصرف ذهنى عن رغبتى القوية فى إنهاء هذه الحياة التى لم أكن أريدها يوما من الأيام.

لا أحد فى عائلتى كلها لا يعرف أنى أفكر فى الطلاق، كلهم يعرفون، وكلهم يرفضون، ويحذروننى أحيانا ويخوفوننى أحيانا أخرى، وبالأخص أمى التى ليس لها سوى مقولة واحدة (لا تيتمى أبنائك وأبوهم على قيد الحياة).. تعبت، لم يعد لدى أى طاقة للمزيد، فأنا الآن أعانى نفسيا وجسديا لأنى أصبت أخيرا بأحد أمراض نقص المناعة، والذى أكد لى الأطباء أنه نفسى المنشأ.. لا أنا سعيدة، ولا أطفالى فى أمان، ولا شىء مستقر على الإطلاق، وفى نفس الوقت _ ولهذا أرسل إليكى _أنا لست واثقة من أن الطلاق هو القرار السليم..
ومؤخرا بدأت أفكر بشكل مختلف، وهو أن أدعو الله أن يبعد عنى زوجى من تلقاء نفسه، إما بوفاته، أو بزواجه من أخرى، أو بأن يقرر هو تطليقى بنفسه، لم يعد لدى أمل غير أن يستجيب الله لدعائى، وها أنا أعيش سنوات عمرى فى الانتظار.

وإليك أقول:

عندما بدأت عملى فى مجال الاستشارات منذ سنوات، وضعت لنفسى شعارا كبير لأتصرف دائما تحته، وهو (إن أريد إلا الإصلاح)، فأخذت عهدا على نفسى ألا أقول كلمة أو أشور بمشورة إلا إذا كانت تؤدى إلى الخير والصلاح _على حد علمى طبعا_ فجاء يوما فى بالى، وماذا لو كنت أرى أن الخير حقا فى الطلاق وفصم عرى الزواج؟ فكلنا نسعى دائما وأبدا إلى التوفيق والتقريب وخلق التفاهم إلى آخر المدى، فكيف سأتصرف إذا وقع فى ضميرى أنه لا فائدة من كل هذا وأن الفراق هو الحل الأمثل؟ سألت أستاذتى التى كانت تحاضرنى فى (الإرشاد) حينها، فقالت لى لو تأكدتى من داخلك أن الحل هو الطلاق فسيكون عدم النصح به خيانة للأمانة، وتضييع لحق من استشارتك.. فالطلاق وإن كان ليس من الطرق المفضلة لحل المشاكل، إلا أننا لا يمكن أن ننكر أنه هو الحل بعينه فى بعض الأحيان.

لهذا يا عزيزتى لا تتوقعى أن يوافقك أحد على الطلاق، لا أهلك ولا أصدقائك ولا حتى أغلب المستشارين، لأن الكل يخاف تحمل المسئولية، والكل يعتقد أنه أى شىء سيكون أفضل من أن يساعدك فى هدم بيت.. الكل يعتقد أن هدم جدران بيت أخطر من هدم الأشخاص الذين يعيشون فيه.

عزيزتى لقد اتخذتى القرار بالفعل، ومنذ فترة طويلة، وأنت لا تشكين فى صحته كما تقولين، فأنت متأكدة من أنه الطريق إلى الخلاص، ولكنك وببساطة خائفة من التنفيذ، خائفة من تحمل مسئولية العواقب، خائفة من لوم الآخرين عند أول مشكلة تحدث لك ولأولادك، ولك كل الحق، فمن منا لن يخاف إذا وضع فى هذا الموقف؟ القرار صعب فعلا، ويترتب عليه حياة أهم أناس فى حياتك وهم أولادك.. لكنك اتخذتيه وقضى الأمر.

كل ما تفعليه الآن هو أنك تنتظرين أن يأتى القدر لينقذك وينفذ لك أمنيتك، دون أن تتحملى أنتِ مسئولية الفعل والتنفيذ، ولكن ماذا لو حدث ذلك بعد سنوات طويلة من الآن؟، ماذا لو لم يحدث؟ لماذا ترضين بمزيد من العذاب والألم لك ولأولادك؟ لماذا ترضين بأن تكونى على قيد الحياة لكن مع إيقاف التنفيذ؟ لماذا ترضين بوضع اللا زوجة واللا مطلقة؟... من أدراكى أن فى العمر بقية تكفى كل هذا الانتظار؟

أنا نشرت رسالتك ليس ردًا عليكِ فقط، وإنما على كثيرات غيرك عالقين فى نفس المكان، وللجميع سأتحدث عن معايير واضحة تسهل عليكِ وعلى غيرك اتخاذ القرار، سواء بأن تكمل أو أن تنفصل:

1) هل المشكلة التى تعانين منها مع زوجك مشكلة طارئة أو وقتية أو جديدة؟ أم أنها مشكلة أصيلة وأزلية بينكما منذ بداية الارتباط؟

2) هل تنشط هذه المشكلة أحيانا ويمكن التغلب عليها أحيانا أخرى؟ أم أنها تؤثر بشكل قوى فى جميع الأوقات على حياتكما؟

3) هل تعانين من مشكلة أو اثنين أو حتى عدد محدد من المشاكل والخلافات؟ أم أن الأمر تطور إلى أن يصبح حالة عامة من اللا تفاهم واللا تعايش؟

4) هل يستفيد الأولاد من الإبقاء على الزواج من وجهة نظرك؟، أم أن بعد الوالدين عن بعضهما البعض سيوفر وضعا أكثر أمنا واحتراما لهم؟

5) هل ترين بصدق أن هناك أملا فى المحاولة؟ وأنه ربما يكون هناك طريقة ما لتغيير الواقع؟ أم أنك استنفذت كل الطرق والحيل التى تعرفينها؟

6) وأخيرا وهو الأهم هل ما زالت لديك القدرة على والرغبة فى المحاولة من جديد؟، أم أنك متأكدة من أنه ليس فى الإمكان أبدع مما كان؟

إذا كانت إجابتك على الأسئلة السابقة كلها أو أغلبها بنعم، إذا فما زال أمامك فرصة، ولا بد لك أن تحاولى أكثر، ولا أنصحك أبدا بالطلاق، فأنت لم تستهلكى كل محاولاتك بعد، وربما يكون هناك شىء ما لا تعرفينه، ويمكنك تعلمه أو إضافته فى حياتك فتتحسن الأمور.
أما إذا كانت إجاباتك على الأسئلة كلها أو أغلبها بـ (لا)، فلا تضحكى على نفسك، أنت لا تفعلين شيئا سوى تضييع المزيد من الوقت والعمر فى مثل هذه الزيجة.. هذا بشكل عام، ولكل السيدات اللواتى فى نفس الموقف، فلتحسمى أمرك، إما أن تأخذى القرار بالاستمرار، وبالتالى عليكِ بالبحث على سبل المساعدة فى التغيير، وإما أن تقرى بوجوب الانفصال وصحته، وتبدأى فى البحث عن طرق التكيف مع وضعك الجديد.

عزيزتى صاحبة الرسالة، أنت أخذت القرار بالفعل، وأنا أؤيدك فيه، لهذا نصيحتى لك بأن تبدأى فى تخطيط مستقبلك كمطلقة، استعينى بمستشار قانونى ليشرح لك تبعات الأمر من الجهة القانونية كالسكن ونفقة الأولاد وغيرهم من الأمور المشابهة، واستعينى بمستشار نفسى (أطفال) يساعدك فى تأهيل أولادك للأمر، وقبل كل ذلك استعينى بالله من الآن فصاعدا كثيرا، صلى استخارة لينير الله بصيرتك وييسر عليكى الطريق الصواب.

للتواصل مع د. هبة وافتح قلبك:
h.yasien@youm7.com



أكثر...