الشعر في قريش

قالوا : كانت العرب تقرّ لقريش بالتقدم في كل شيء عليها ، إلا في الشعر ، فإنها كانت لا تقر لها به ، حتى كان عمر بن أبي ربيعة ، فأقرت لهم الشعراء بالشعر أيضاً ، ولم تنازعها بعد ذلك شيئاً .
فقد كانت قريش أفصح العرب ، وأكثر العرب تذوقاً لجماليات الشعر ، وفهماً لمعناه ومغزاه ، وترنماً مع موسيقاه ، وإليها كان يتحاكم العربُ في الشعر ، إلا أن الشعر القرشيِّ في الجاهلية كان قليل ، ولم يكن في قريش شاعر حسب مصطلح العرب ، وعُرْف الشعراء ، وإنما كانوا على مذهب أغلب العرب في الشعر ، لئلا يَدُلُّ الحال على عِيٍّ ، فيقولون البيت والبيتين ، أو الرجز ، مع ضعف في التركيب ، وغلبة الإقواء على شعرهم ، وهذا لو كان في قبيلة أخرى لعد عيباً ، ولاعتبر نقصاً ، والعجب أن العرب لم تكن تعيبهم !! ، وما أدرك الناس سِرَّ ذلك حتى كانت البعثة المحمدية ، وأشرق نورُ الإسلام على ملكوت الله تعالى ، وجاء النبيُّ الأمي صلى الله عليه وآله وسلم بالقرآن العظيم ، فدَهِشَ العربُ ، والشعراءُ فَجِئَهُم الرَّوْعُ ، وتحيَّرت العقول وذُهِلتْ ، إذن كان ذلك إرهاصاً للنبوة ، وأَنَفَةً للمعجزة الخالدة .. لأن العرب كانت تعد القبيلة التي لم ينبثق منها شاعر ، قبيلة خاملة ، لا فطنة فيها ، ولا درع يقيها ، ولكن كانت العرب تقر لقريش ذَكاءَ القَلْبِ ، وشِدَّةَ الفِطْنَةِ ، كما أن الله آمنها من خوف ومن جوع ..
وليس أعجب من قوم هذه صفتهم أن يقولوا عن القرآن حين سمعوه : هذا شعر ! . فوضعوا من قدرهم ، وبدت منهم الحماقة ..
على أي حال ! ، هذا شعر عبد المطلب بن هاشم ، فَصْلٌ ، لا نَزْرٌ ، ولا هَذَرٌ ، وفيه ما قد لا يعجب نقاد الشعر من حيث ما هو شعر ، ولكن حسبنا بالغرض الذي أداه في زمانه ، وحسبنا أن نعلم أن الرجل قرشيٌّ ، بل هو سرُّ قريش .