أحقاً هي السلطة الرابعة؟ تم نشره على وكالة الصحافة المستقلة - اخبار العراق.

عبد الحسين شعبان باحث ومفكر عربي باغتيال الصحافية العراقية نورس النعيمي (مقدّمة برامج تلفزيونية)، يكون عدد الصحافيين الذين تم اغتيالهم في العراق خلال الثلاثة أشهر الأخيرة من العام 2013، ثلاثة عشر صحافياً، ويبلغ عددهم الإجمالي منذ الاحتلال الأمريكي في العام 2003 وإلى الآن نحو 267 صحافياً حسب مرصد الحرّيات الصحافية، وإنْ كانت جهات إعلامية ومهنية تذكر أرقاماً أكبر تصل إلى 360 إعلامياً. الكلمة اليوم أصبحت مثل المدفعية الثقيلة، التي تقصف العقول وتؤثر في الرأي والسلوك، لهذا يُراد إسكات الصحافي بكاتم الصوت أو بالتغييب، بعد أن أصبح حجب الكلمة عبر مقص الرقيب غير ذا جدوى لوحده، بفضل التطور الهائل الذي شهده العالم في تكنولوجيا الاعلام والمعلومات. ومثلما هي الكلمة مؤثرة، فالصورة فاعلة ومثيرة، ولهذا يُراد تصفية العاملين في التلفزيون أيضاً. الصورة مثل الوثيقة، إنها دامغة ودليل إدانة أحياناً، وإذا كانت الوثيقة خبراً كما نقول في البحث الأكاديمي، فإننا في العمل الصحافي نقول: الصورة خبرٌ أيضاً، لأنها تغني عن الكثير من الكلام وتقدّم الحدث طازجاً، مصوّراً بكل تفاصيله أحياناً ومنقولاً على الهواء كما هو دون رتوش أو تدخلات، لاسيّما إذا كان مباشراً، حيث يصل بسرعة البرق من أقصى المعمورة إلى أقصاها ليحرّك الرأي العام. إنه دليل وشهادة ووثيقة وخبر وتحليل في الآن ذاته، ويستطيع التأثير، إيجاباً أو سلباً. الصحافي حسب البير كامو هو مؤرخ اللحظة وهو الذي ينقل لنا الخبر، بل يحاول أن يسوّقه ويوظّفه ويلعب في توقيته أحياناً، وعلى هذه اللحظة يمكن التأسيس، فما بالك إذا جاءت اللحظة اليوم مشفوعة بالصورة، وأحياناً بالصوت، فلعلّها ستكون فعل إثبات وتأكيد وصدقية، ليأتي بعدها أو معها الكلام، فالصورة سيؤثر في العين ومنها تنتقل إلى الدماغ الذي يعطي للأفعال الانعكاسية دلالاتها، والكلمة المقروءة، ستؤثر أيضاً في العين ولا سيّما بالتأمل، وإذا كانت مسموعة، ستنتقل عبر الأذن إلى الدماغ، وكثيراً ما كان الفيلسوف الألماني فيورباخ يؤكد أن كل شيء يأتي من حاسة السمع (الأذن)، فهي حسب تقديراته الأكثر تأثيراً في الإنسان، وربما يعود ذلك لأن الصورة في القرن الثامن عشر لم تكن على هذه الدرجة من التأثير ولهذا أُطلق على الصحافة والكلمة المكتوبة التي تؤرخ اللحظة عبارة ” صاحبة الجلالة”. ولعلّ ما يفعله الإعلام بشكل عام، في ظل الثورة العلمية- التقنية، وثورة الاتصالات والمواصلات والطفرة الرقمية ” الديجيتل”، كبير جداً، فلم يكن أحداً قبل أربعة عقود من الزمان يتصور دور الانترنيت أو الفيسبوك أو التويتر أو الهاتف النقال، تلك الوسائل التي أخذت تحدّد سلوك الناس وأذواقهم وخياراتهم وردود أفعالهم، وتستطيع أحياناً أن تزجّهم في معارك أو تشركهم في حروب بقدر تأثيرها فيهم. لقد أصبح الإعلام جزءًا من المعركة المحتدمة في العراق، بل أنه يعتبر رأس حربة فيها، كما يعتبره بعض السياسيين الذين يلقون باللوم عليه، في حين أنه ينقل ما يحدث، بينما هم من يصنع الحدث. وقد أصبح الصحافي في العراق مشروع شهادة مؤجل أو لغم لا يُعرف متى ينفجر، فتتناثر أشلاؤه مثلما تتكسّر أقلامه وتحترق أوراقه وتتبدّد أحلامه، فالمعركة في العراق شملت كل شيء: الدين والطائفة والعشيرة والوظيفة العامة والمال والفساد والعنف والارهاب والخارج والداخل، ولم يبق شيء خارجها. إذا كان الإعلام في ظل النظام السابق خاضعاً لمراتبية ومركزية وتوجيهات آيديولوجية، لا يحيد عنها، فإنه بعد الاحتلال، وعلى الرغم من الحريات التي تمتع بها، ثمة معاناة من نوع آخر أخذت بالتشكل تدريجياً بحيث أصبحت كوابحاً مقيّدة، فبعد أن انفلتت الأمور لدرجة الفوضى، وسادت محاولات للهيمنة تحت عناوين دينية ومذهبية وإثنية، أخذت تتشكّل امبراطوريات إعلامية وطائفية، مموّلة من جهات سياسية ودينية وأصحاب رؤوس أموال لهم مشاريع خاصة، داخلية وخارجية وبعضها معه ميليشيات، حتى إن الدعاية اتخذت بُعداً استئصالياً إزاء الآخر، ناهيكم عن محاولات التهميش والإقصاء المستمرة! الإعلامي في العراق، وإن تمتّع بقدر من الحرية، لكن حياته أصبحت مهدّدة، في كل يوم وفي كل لحظة، ففي البداية كان بول بريمر الحاكم المدني الأمريكي للعراق يتصرّف باعتباره الحاكم المطلق، فيصدر الأوامر والتعليمات، ثم جاء دور الجماعات المسلحة، المتطرفة والمتعصبة، والتي ترى في الكلمة والصورة عدوًّا لا يمكن التعايش معه والاعلام  يستحق العقاب إن لم ينصاع، وقد نفّذت الجماعات التكفيرية عشرات عمليات الاغتيال والاختطاف (الاختفاء القسري) إزاء العديد من الصحافيين العراقيين والعرب والأجانب، وتداخل بعضها مع أنشطة بعض القوى السياسية في العملية السياسية وخارجها. لعلّ صور الارهاب والعنف أخذت تتكرّر في العراق خلال الأشهر الأخيرة، ولاسيّما باقتراب موعد الانتخابات فارتفعت وتيرتها في كل أنحاء البلاد، بما فيها ارتفاع منسوبها ضد الإعلاميين، وإذا كانت حصة الموصل كبيرة وامتدت إلى صلاح الدين بقتل خمسة اعلاميين في هجوم لدولة الإسلام في العراق والشام (داعش)، فلم تكن البصرة والسليمانية وقبل ذلك إربيل بعيدة عنها، فضلاً عن بغداد التي كانت المحطة الأساسية الأولى والكبيرة في العنف والإرهاب الذي شمل الإعلاميين خلال العقد الماضي كلّه. وفي الوقت الذي كانت تزداد فيه الحملة لاغتيال الصحافيين، كانت النيابة العامة تصعّد هي الأخرى من الملاحقات الجنائية بحقهم بتهمة التشهير ، وخلال الأشهر الثلاثة الماضية شهدت حملة ملاحقة الصحافيين ومصادرة بعض معدّاتهم وإغلاق بعض القنوات الفضائية مثلما هي قناة البغدادية بسبب الانتقادات لسوء الأوضاع الأمنية أو قضايا الفساد أو الاحتياجات السكانية مثل غرق العديد من المناطق في العراق إثر هطول مياه الأمطار. وفي غالبية الحالات فإن الجناة تمكّنوا من الإفلات من العقاب، وكان الإعلامي يدفع الفاتورة مرتين، وذلك حين يوجّه الارهابيون نيران أسلحتهم ضده أو حين تتبرم الأحزاب والقوى السياسية والدينية والإثنية منه، فتتحرك العناصر المتطرفة منها في ظل شيوع ثقافة السلاح ضد هذا الخصم العنيد لإسكاته سواء بكاتم الصوت أو بمفخخة أو لاصقة أو غير ذلك. وهناك العديد من المحرّمات التي على الإعلامي عدم الاقتراب منها سواءً ما يتعلق بالمقدسات وذيولها، أو ما يسمى بالرموز والشخصيات الدينية أو المذهبية أو السياسية ولاسيّما بعض قيادات الدولة العليا التي يصبح نقدها مكلفاً أو يضع الناقد في خانة “الأعداء”، إضافة إلى مواضيع الفساد، ولاسيّما الصفقات السرّية والعلاقة مع الأجهزة الأجنبية الإقليمية والدولية بما فيها العلاقة مع جهات”إسرائيلية” وغير ذلك. إن الإفلات من العقاب في ظروف العراق الراهنة، يعني عدم “تحميل” المسؤولية […]

أحقاً هي السلطة الرابعة؟ تم نشره على وكالة الصحافة المستقلة - اخبار العراق.



أكثر...