لاحظت مؤخراً - وربما لاحظ غيرى - كثافة الظهور والحضور للمنجمين الفلكيين وقارئى البخت ومفسرى الأحلام، فهم ضيوف على فضائيات عديدة، والمدهش أن ذلك يحدث فى برامج سياسية فى الأساس، دون أن يشرح لنا أحد ما هى علاقة «حظك اليوم» بالسياسة. قد يعنى ذلك أن أهل السياسة قد أفلسوا، ولم يعد لديهم تحليل أو تفسير أو رؤية، وأصبحت الأوضاع عصية على أى بحث جاد، يتوصل إلى تشخيص صحيح وعلاج مناسب.. وهكذا لا يتبقى سوى اللجوء للرجم بالغيب، وربما تضرب الطوبة فى المعطوبة، ويصدق المنجمون رغم أنهم فى الأصل كاذبون. قيل إن المشير عبدالحكيم عامر كان يلجأ إلى قارئ بخت «أو قارئة»، وأن التنجيم كان يأخذ موقعاً هاماً فى آلية صنع القرار، وقد ذكر د. مراد غالب فى مذكراته أثناء عمله كسفير لمصر فى موسكو، عن زيارة عبدالحكيم عامر له لحضور العرض العسكرى فى 7 نوفمبر 1966، ويقول مراد غالب: «اصطحبت المشير عامر إلى منزلى، وجلسنا أمام المدفأة، لأن الجو كان قارس البرودة - 13 تحت الصفر - جرنا الحديث إلى موضوعات شتى، ولا أدرى كيف وصل حديثنا إلى الذين يقرأون الطالع، ثم قال عبدالحكيم عامر : سأحكى لكم قصتى مع البخت.. لقد تصادف أن التقيت فى الإسكندرية وأنا برتبة ملازم أول مع امرأة تقرأ البخت، وقالت لى إنك سوف تحكم هذا البلد، لكنك ستهوى على الأرض، وأنت فى هذا الموقع العالى، وقد تفارق الحياة عندئذ.. استطرد المشير وقال : كيف أقع على الأرض.. إن شقيق عبدالناصر متزوج من ابنتى، وأنا نائب الرئيس، وقائد عام القوات المسلحة.. وعلق هو على القصة بأنها هراء، وأنه يحكيها لأنها قصة عجيبة. وقد رويت روايات عن جلسات تحضير الأرواح قبل نكسة 1967، فى محاولة لفهم تفكير موشى دايان، وغير ذلك من الروايات، ولا أعلم حقيقة ما صحة ذلك، ولكننى صادفت أشخاصاً فى مواقع هامة، يأخذون هذه المسائل محمل الجد، أحدهم مثلاً كان لا يقدم على أمر قبل أن يستشير قارئة فنجان بعينها، ومسؤولة رفيعة المستوى كانت منتظمة فى جلسات فتح المندل كى تعرف ما الذى يخططه خصومها.
وتجدر الإشارة إلى أن مصر لم تنفرد بهذه الخاصية، فلعنا نتذكر الدكتور يوسف شاكير الذى كان يلقب باسم «ساحر القذافى»، ويطل يومياً من قناة «الجماهيرية» الليبية كى يتحدث طويلاً عن أعمال السحر وعلامات النصر التى أخبره الجن بها..إلخ، وكلنا يعرف كيف تحققت نبوءات شاكير ولكن بعكسها، حيث انتهى الأمر بالقذافى إلى القتل والسحل والتمثيل بجثته، ولعله فى لحظاته الأخيرة كان مندهشاً من عدم تحقق نبوءات ساحره الأثير.
وللإنصاف، فإن العرب لم يستقلوا بهذا، فكل شعوب العالم بلا استثناء لديها ذلك التعلق بوهم قراءة الغيب أو المستقبل، ولم يقتصر الأمر على العصور السحيقة فقط، وإنما استمر ذلك مع الحضارات البشرية المختلفة، حتى عصرنا الحديث، ولقد قرأنا عن عرافة الرئيس الأمريكى رونالد ريجان، والعرافة الفرنسية «إليزابيث تيسيه» التى أصدرت كتاباً تحدثت فيه عن علاقتها بالرئيس فرانسوا ميتران أوضحت فيه أنها كانت المستشارة الروحية له طيلة السنوات الست الأخيرة من حياته، ويقال إن ميتران لم يكن مقتنعاً فى البداية بما ترويه له المنجمة إلى أن اقتنع أخيراً بأخبارها نتيجة كل ما سردت له من وقائع وأحداث اعتبرها متطابقة مع دورة الأفلاك فى برجه برج العقرب، ثم ازدادت مكانتها بعدما تنبأت له بوقوع حرب فى بداية التسعينيات فكانت حرب الخليج الثانية، وأصبحت معروفة فى أوساط القصر الجمهورى. اشتهرت أيضاً السيدة دجونا العرافة المعتمدة للرئيس الروسى الأسبق بورليس يلتسين الذى كان يثق فيها أكثر من ثقته فى مستشاريه، والقائمة لا تنتهى من تلك الأسماء التاريخية الشهيرة التى ارتبطت بالعرافين والمنجمين.. ويبدو أنه فى منطقتنا العربية، ولأسباب كثيرة ليس هذا محلها، أصبح التنجيم أحد خواصنا القومية، حيث يلجأ الإنسان إلى قارئ للطالع، كى يقرأ له مستقبلاً أفضل، فى حين تعطلت أو غابت أو غيبت أدوات الفعل الإيجابى للتغيير. لذلك لم أندهش كثيراً لتصدر قارئى البخت و«علماء» النجوم صدارة المشهد خلال الأيام السابقة، فذلك ليس انعكاساً لعجز الواقع وإفلاسه فقط، وإنما يبدو ترتيباً ممنهجاً لتصدير أوهام بعينها للرأى العام.
لا وجود للخرافة فى مجتمع ينشد التقدم، ولا أظن أن العقلاء ينبغى أن ينصتوا لهذه الترهات التى يعلم الله وحده من يختبئ وراءها، وأذكر الجميع أن القرآن الكريم والحديث الشريف كانا واضحينْ باستبعاد التنجيم وعدم جواز العمل بمقتضاه.. فقد قال تعالى: «وما كان الله ليطلعكم على الغيب» «آل عمران 178»، وقال: «قل لا أملك لنفسى نفعاً ولا ضَراً إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسّنى السوء إنْ أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون «الأعراف 187»، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم : «كذب المنجمون ولو صدقوا».

منقول من ياهو