معروف الرصافي


اصبحت لاأقيم للتاريخ وزنا ولا احسب له حسابا لاني رأيته بيت الكذب ومناخ الضلال ومتشجم اهواء الناس , اذا نظرت فيه كنت كأني منه في كثبان من رمال الاباطيل قد تغلغلت في ذرات ضئيلة من شذور الحقيقة .
ولئن ارضيت الحقيقة بما اكتبه لها لقد اسخطت الناس عليَ ولكن لايضرني سخطهم اذا أنا أرضيتها , كما لاينفعهم رضاها إذا كانت على ابصارهم غشاوة من سخطهم علي , وعلى قلوبهم اكنة من بغضهم اياي .
فأن قلت ايها القارئ الكريم من يضمن لك انك ترضى الحقيقة ؟ وهل رضاها عنك فيما تكتبه هنا الا دعوى مجردة . قلت كفى بحرية الفكر ضامنا لي رضاها وما علي في نجاح هذه الدعوى مني وصدقها الا ان افتكر حرا واكتب حرا فأن اصبت مااردته لها فقد ارضيتها , وأن اخطأت فلي مايعذرني عندها من انني لااقصد الا رضاها ولا انحاز الا الى جانبها . واذا كنت لااتبع هوى النفس فيما اكتبه عنها فما انا بمسؤول عما لاطاقة لي به عنها .
اما سخط الناس من اجل انني خالفتهم لوفاقها وصارحتهم في بيانها جريا على خلاف ماجروا عليه من عادات سقيمة وتقاليد واهية فلست مباليا به ولا مكترثا له . واني لأعلم انهم سيغضبون ويصخبون ويسبون ويشتمون , فأن كنت في قيد الحياة فسيؤذيني ذلك منهم , ولكني سأتحمل الاذى في سبيل الحقيقة والا فليس لي ان اهتف باسمها ولا ان ادعي حبها كما يدعيه الاحرار , وان كنت ميتا فلآينالني من سبابهم خير كما لاينالهم منه خير فأن سب الميت لايؤذي الحي ولا يضر الميت , كما قال محمد بن عبد الله عظيم عظماء البشر .


فلوجه 5 تموز 1933
معروف الرصافي